تداعيات ومآزق التصعيد الصهيوني على القطاع
سوسن البرغوتي
لم يكن التصعيد العسكري الصهيوني العدواني الأخير على القطاع محض صدفة، بل لإنجاز أهداف محددة، أولها: إجراء تجربة على سلاح "القبة الحديدية"، وحسب المصادر الإعلامية الصهيونية، فإن 12 قذيفة وصاروخاً سقطت في يوم واحد، في النقب المحتل، صدت "القبة الحديدية" صاروخاً واحداً منها، وقد تصدت –أي "القبة الحديدية"- لــ 8 صواريخ من أصل 120 حسب مصادر الجيش "الإسرائيلي"، مما يعني فشل هذا السلاح المتطور تكنولوجياً، أمام صواريخ المقاومة "العبثية"، رغم ضخ الأموال الأمريكية وتكاليف هذا السلاح الباهظة، وعمل متواصل لتطويره، مقابل أسلحة المقاومة المتواضعة نسبياً. وثاني أهداف تلك الجولة، إسقاط حكومة حماس، المهمة الرئيسة، لسلطة الاحتلال برام الله، وحكومة نتنياهو بآن، على اعتبار أن حماس انقلبت على "شرعية" سلطة أوسلو. فقد اعتاد عباس الانتظار ومناورة فصائل المقاومة، لحين تتحقق "الأمنية"، وبعد كل جولة خاسرة يعيد لغة التصادم ثانية، ولكن عباس استفاق على أن أضغاث أحلامه، لم تكن سوى سحابة جافة عابرة، والفاصل الإعلاني الممل والمتكرر، لم يعد يعير أي آذان صاغية، على الأقل ممن سئموا قصة (إبريق الزيت).
تواجه حكومة نيتنياهو، هي الأخرى مأزقاً سياسياً، التي تشكلت إثر تحالف حزب "اسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه المجرم افيغدور ليبرمان مع نتنياهو، وأحد شروط التحالف، إسقاط حكومة حماس، فسقطت "القبة الحديدية" بالاختبار، وستنتهي حكومة التحالف "الإسرائيلية" ونتينياهو، لأنه لم ينجز أي تقدم على المستوى الإستراتيجي، فضلاً عن أن حكومته لم تفِ بوعودها لتأمين أمن سكان المغتصبات، فباتوا في الملاجىء. تزامن مع التصعيد الصهيوني محاولة اغتيال المستهدف عبد اللطيف الأشقر في السودان، الذي اتضح فيما بعد أنه لم يكن هناك، وفشل الموساد بإنجاز جريمته. بكل الأحوال ، فإن ردود أفعال المقاومة كانت مدوية ومؤلمة للعدو، وتجلّت معادلة تكافىء قوة الردع، على الصعيد العسكري، وعلى صعيد إحباط ما خططت له الاستخبارات الصهيونية، بإجراء استباقي. ومع ذلك، فالجيش "الإسرائيلي" يقبل بالتهدئة المؤقتة، مع الاستمرار باستهداف قيادات المقاومة سياسياً وعسكرياً، بغية إضعاف الجبهة الداخلية وتفكيك المقاومة، فيبدو أن المهمة لم تُستكمل بعد، وستفشل، إن حرصت الفصائل المقاومة على أمن قياداتها وعناصرها، والقبض على كل العملاء، وتحصين قواعد المقاومة، لإحباط الهدف الثالث.سلطة عباس تبحث كعادتها عن قشة غريق، تنقذها من الانهيار، وقد تجد وتنظيمات فلسطينية ضالتهم، بمقترح عرب الجامعة 10/4/2010، وتأييدهم له من قبيل ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، بفرض حظر جوي للطيران الصهيوني فوق القطاع، فمن المؤهل دولياً لفرض هذا الحظر الجوي؟!.. طبعاً، الناتو قيد الاستجابة الفورية، إن سارع "المجتمع الدولي" بتلبية المقترح، وسيكون مأزقاً وفخاً يُنصب للمقاومة وفلسطين المحتلة، وتكتشف الفصائل المقاومة، أن الحظر الجوي مدخل للسيطرة على الأجواء، ومراقبة كل أماكن المقاومين وتحركاتهم. ولعل النموذج الماثل أمامنا في ليبيا، يدلل على أن الحظر الجوي، تحول بشكل أسرع مما توقعه الجميع إلى طلعات عسكرية، تقتل المدنيين وتضرب البنية التحتية لكل المؤسسات، والرد الوقح، أن ما حصل خطأ غير مقصود. هذا عدا أن الحظر الجوي على القطاع، بمثابة تدويل احتلال فلسطين، فقد طالب عباس سابقاً بقوات دولية في الضفة الغربية المحتلة، وسلطة رام الله لن تمانع بوجودها لحماية "حدود الدولة الفلسطينية" المزعومة.والأجدر، العمل والإصرار على رفع الحصار بعد خمس سنوات، وفشل هو الآخر، بمنع تدفق شريان الحياة للقطاع، وإطفاء جذوة المقاومة، بل تطورت ميدانياً، ناهيك عن تنظيم وتماسك المجتمع الفلسطيني، وتطوير مجالات الصحة والتعليم والإبداع بشتى المجالات. فأيهما الأيسر والأفضل لحماية الشعب وأرضه وأجواءه، الحظر الجوي أم فتح معبر رفح؟!. هذا مع العلم، أن طائرات الحلف الأطلسي إن حلقت في سماء غزة، ستنكشف أمامها بالكامل، أجواء وأراضي عربية أخرى، وإن أضفنا، جهوزية خطة سياسية أو حتى عسكرية لاحقاً، لضرب المقاومة في لبنان، بالإضافة إلى الاتفاقية الأمنية في العراق المحتل، تكون حلقة الحلفاء الاستعماريين، قد طوقت المشرق العربي ومغربه!. فإن كان الظاهر لهذا المقترح "حماية المدنيين" بالقطاع، فإن ما خَفي منه، إن عقدوا العزم أعراب الجامعة بطلبه من مجلس الأمن، حماية أمن الاحتلال وانفراج أزماته، وبرعاية المسماة الحماية الدولية.