عندما جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته، أدركت قريش أنه يستهدف القواعد التي تقوم عليها العلاقات في المجتمع المكي من جذورها، ولا يقصد الإخلال بالتوازن القائم بين بطون قريش، فكان العداء من قبل المتنفذين في النظام السياسي لمكة عامّا. وكانت الحماية الجزئية للرسول عليه السلام ولبعض المؤمنين الأوائل حماية شخصية، مرتبطة بالمفاهيم السائدة في المجتمع المكي، ومنها الناحية القبلية.
استمر الرسول عليه الصلاة والسلام بعرض دعوته على القبائل خصوصا في مواسم الحج، واستمر في دور التفاعل بضرب العلاقات القائمة في مكة، ولكنه أدرك أن إحداث اختراق في المجتمع المكي أمر صعب، فأخذ يعمل على دعوة القبائل والمجتمعات الأخرى طالبا نصرتها ليبلغ عن ربه.
طلب النصرة ثابت في السنة والسيرة، فقد توجه الرسول عليه الصلاة والسلام للطائف يلتمس نصرة ثقيف، ولكنهم ردوه وأغروا به أشقياءهم، واعتدوا على الرسول عليه الصلاة والسلام. وكذلك طلب النصرة من بني عامر بن صعصعة، فقد دعاهم إلى الله، فقالوا له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. قالوا له: أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه.
فالرسول عليه الصلاة والسلام رفض أخذ النصرة من قبيلة بني عامر لأنها مشروطة بأن يؤول الحكم إليهم بعد وفاته. وسوغوا لذلك بأنهم سيكونون عرضة للقتل والاستهداف من العرب عندما ينصرونه عليه الصلاة والسلام .
استمر عليه الصلاة والسلام في الدعوة وطلب النصرة حتى قيض له نفر الخير من أهل المدينة، وتمت بيعة العقبة الأولى تلتها بيعة العقبة الثانية (بيعة الحرب). قال ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة "إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج, هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس.
أقام الرسول عليه الصلاة والسلام دولته في المدينة كنتيجة لإعطاء النصرة له من أهل القوة والمنعة فيها، بالإضافة إلى أعمال الدعوة التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم ومصعب بن عمير رضي الله عنه.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد أزال الكافر المستعمر الدولة التي أقامها الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان لزاما على المسلمين أن يعيدوا البناء وبنفس الطريقة التي سار عليها رسول الله.
لقد امتنّ الله على ثلة مؤمنة من المسلمين بأن شرفهم ووفقهم للقيام بهذا الفرض العظيم في إطار حزب التحرير. لقد ترسم الحزب طريقة الرسول، فأخذ يثقف المسلمين، ودخل في صراع فكري وكفاح سياسي وعمل على طلب النصرة من أهل القوة والمنعة ومنها الجيوش في أقطار العالم الإسلامي.
إن تقصد أهل القوة والمنعة والعمل على انحيازهم لأمتهم من أعمال الطريقة، ويجب الاستمرار بهذا العمل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
إن ما يحدث في زمن الثورات القائمة في بعض الأقطار العربية حاليا يعزز القول بأنه يجب العمل على كسب الجيوش لتقف مع أبناء الأمة ضد الحكام المغتصبين للسلطة الموالين لأعداء الله.
ففي تونس اعتمد نظام ابن علي ومن قبله بورقيبة على أجهزة قمع بوليسية تفوق في عددها قوات الجيش، وكان يرى أنها كافية للمحافظة على النظام. وعندما قامت الثورة في تونس وجد النظام أن أجهزة التجسس والقمع لم تف بالمطلوب, فحاول الاستعانة بالجيش الذي يرى نفسه أنه حام لأهل تونس وأرضها، فكانت المفاجئة للنظام برفض الجيش للأوامر، مما اضطر رأس النظام وبعض رموزه إلى الهرب ومغادرة تونس.
أصبحت تونس تدار بأناس مرتبطين بالنظام السابق وبعض رموز المعارضة الشكلية للنظام، وساعدهم في ذلك المفاهيم الخاطئة المغروسة في نفوس أفراد الجيش أنهم لا يتدخلون في السياسة.
كذلك في مصر فعندما قامت الثورة، وتزايدت أعداد المحتشدين في ميدان التحرير وفي مدن مصر الأخرى، استعان النظام بقوات شرطية شبه عسكرية (قوات الأمن المركزي) والتي يقدر عددها بعدة مئات من الآلاف المهيأة من ناحية التثقيف على البطش بالناس، إلا أنها انهارت وبدا عليها التمرد السلبي فلم يتجاوبوا مع النظام، وأخذ أفرادها يتركون وحداتهم.
عندها لجأ النظام إلى الاستعانة بوحدات الجيش بشكل خبيث من باب أن الجيش مقبول عند أهل مصر أكثر من قوات الأمن المركزي، ولأن معظم شباب مصر قد خدموا في الجيش ومن باب آخر إيهام الجيش بأن ما يحدث من مظاهرات ضد النظام يستهدف مصر، فلم تنطل هذه الحيل على أفراد الجيش المصري، وعندما أدرك النظام أن الجيش لن يطلق النار على المتظاهرين، وبعد محاولة أفراد من الجيش قتل نائبه عمر سليمان، تنازل مرغما عن السلطة وسلم الحكم إلى مجلس عسكري على رأسه المشير حسين طنطاوي.
يعمل حكام مصر الجدد مستعينين بحركات المعارضة، ومنها حركات إسلامية على الالتفاف على مطالب أهل مصر، بغية تسويق دستور كفر لا يختلف كثيرا عن الدستور السابق، ويعملون للإبقاء على هيمنة الكفار خصوصا أمريكا على مصر وأهلها ومقدراتها.
فالجيش المصري ساهم في إزالة رأس النظام وبعض رموزه، وهو قادر على إحداث التغيير الجذري بإقامة الخلافة، لكنه لم يفعل بسبب التضليل وعمليات الالتفاف الشيطانية من قبل العملاء الفكريين والسياسيين في مصر.
أما في ليبيا فإن نظام معمر القذافي الذي جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري ضد حكم إدريس السنوسي في الأول من شهر أيلول سنة1969، يدرك الخطورة التي تكمن في الجيش على نظامه المعادي لأهل ليبيا وعقيدتهم، فجعل الجيش يتكون من كتائب أمنية لا ترابط بينها وجعل على رؤوس هذه الكتائب أولاده والموالين له. عندما قامت الثورة انحاز بعض أفراد هذه الكتائب وخصوصا في بنغازي إلى الثورة، وتم تنفيذ إعدامات بالجملة للجنود الذين رفضوا إطلاق النار على أهلهم. مع استمرار الثورة والبطش العنيف الذي قامت به كتائبه الأمنية التي ظلت متماسكة إلى حد بعيد، وجد الكفار وعلى رأسهم أمريكا والاتحاد الأوروبي الفرصة للتدخل عن طريق مجلس الأمن، وبدأت الحملة الجوية على ليبيا وألجأت الثوار للاستعانة بالقوات الأجنبية، وأخذت الدول الغربية تعمل على ترتيب الأمور في ليبيا لما بعد فترة حكم القذافي.
أما في اليمن فقد استمرت الثورة فترة ليست بالقصيرة، وكانت سلمية بامتياز، مما أغاظ علي عبد الله صالح وأولاده وأولاد عمه، فقاموا بمهاجمة المتظاهرين في اليمن بواسطة قوات الحرس الجمهوري الموالية للنظام والتي يقودها ابنه.
حدثت انشقاقات في الجيش اليمني، وحصلت اشتباكات بين القوات الموالية والوحدات المنشقة على نطاق ضيق حتى هذه اللحظة. تحاول بريطاني وأمريكا ترتيب الأمور في اليمن بإقناع علي عبد الله صالح بترك الحكم بحيث يظل نظام اليمن القادم على ولائه للغرب وشريكا له بالحرب على الإسلام فيما يسمونه زورا وبهتانا الحرب على الإرهاب.
أما في البحرين فقد تم قمع المتظاهرين، وتم الاستعانة بقوات من مجلس التعاون الخليجي، وهذا يدل على أن النظام البحريني لم يكن مطمئنا إلى ولاء القوة العسكرية البحرينية.
أما في سوريا ذات النظام المركب من شبكة من الأجهزة الأمنية التجسسية، فان النظام فيها قد تعامل مع الثورة من البداية بشكل دموي وإجرامي ومتلازم مع سلسلة من الأكاذيب. استعان النظام بوحدات معينة من الجيش خصوصا الفرقة الرابعة ذات الصبغة الطائفية، والتي يقودها أخو رأس النظام (ماهر) مضافا إليها أجهزة الاستخبارات لقتل وإرهاب الناس، حيث قصفت درعا بالمدفعية، واجتاحتها مستعينة بأجهزة النظام السرية، وأطلقت النار على الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على إخوانهم, ويقول أهل سوريا إن المقابر الجماعية التي تحوي رفات الجنود هم الذين تم إعدامهم وقتلهم على أيدي النظام، والملاحظ أن ألوية الفرقة الرابعة قد أنهكت بسبب تنقلها الدائم من مكان لآخر في سوريا، ويلاحظ أن النظام لم يرسل قوات تقتصر على الجيش فقط إلى أي مكان في سوريا، ويدمج دائما بين قوات موالية للجيش مع وحدات المخابرات.
من استعراض ما حدث ويحدث في مصر وتونس والبحرين واليمن وليبيا وسوريا، يظهر أن جيوش الأمة بصفتها جيوشا ليست عدوة للأمة، وإن استطاع هذا النظام أو ذاك أن يوظف بعض وحداتها في قمع الثائرين في تلك البلدان، مستعينا بأساليب المكر والمال والسيف والتخويف لأبناء الطوائف التي تعيش في بلاد المسلمين، بأن الأنظمة هي التي تحمي هذه الطوائف من المسلمين.
يجب على حملة الدعوة الاستمرار وبدون كلل في العمل، على توعية الأمة على أن العدو الحقيقي لها هو الكافر المستعمر، وأن جنود الجيوش هم أبناء هذه الأمة، فكلما ازداد وعي الأمة ازداد وعي جنودها وضباطها. ويجب الإحاطة بأساليب الأنظمة في استعداء الجيوش على أبناء الأمة، والعمل على إفشال مخططات هذه الأنظمة، والعمل على كسب الجيوش لتنحاز إلى أمتها العريقة بما تحمله من عقيدة صادقة وشريعة سمحة، وبما يمكن المسلمين من العيش في دولة واحدة، على رأسها حاكم واحد أمير المؤمنين الذي يحسن تطبيق الإسلام، فينعم الناس بالأمن والرخاء ورغد العيش والكرامة والحرية والتي نعني بها الأمر المناقض للاستعباد والإذلال، وتعمل على استرداد المحتل من أرضها, بل يتعدى هذا الخير إلى جميع أنحاء العالم، عندما تحمل هذه الدولة الدعوة الإسلامية إلى الشعوب المظلومة والمضللة ويخلى بين هذه الشعوب وأنظمة حكمها الكافرة، ليعيش الناس كرعايا في دولة الإسلام؛ إما مسلمين فيظفروا بخيري الدنيا والآخرة، وإما كذميين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
نسأل الله أن يكون هذا اليوم قريبا وما ذلك على الله بعزيز.
من سيملأ الفراغ في بلاد المسلمين؟!
تعيش بلاد المسلمين هذه الأيام فراغا بكافة أنواعه، عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً،
فعلى المستوى السياسي، فإنّ الدول في العالم الإسلامي غير مستقرة، وفي أغلب الدول لا يملك رئيس الدولة أية أوامر تتعلق بسيادة البلد واستقراره، وإنما الأمر موكول إلى قيادة القوى الأجنبية عن طريق السفارات الأجنبية، أو عن طريق القوى العسكرية المباشرة كما هو الحال في العراق وباكستان وأفغانستان وهناك دول يوجد فيها احتلال كامل لأراضيها كما هو حاصل في أفغانستان والعراق، وهناك عدم انسجام أيضا في دول العالم الإسلامي بين الفكر المطبق على الأمة وبين ما تحمله الأمة في عقولها، فأغلب الدول في العالم الإسلامي تنص في دساتيرها بأنّ أساس الدستور أو الدولة هو الإسلام، وفي نفس الوقت لا تجد أي انسجام أو تطابق مع ما هو مطبق وبين ما تدعيه في دساتيرها، أي بين أعمالها وأقوالها في الحياة العملية في الدولة والمجتمع، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والحكم.. وهناك أيضا عدم ثبات على رأيٍ واحد عند جميع الدول في العالم الإسلامي في كافة شئون العلاقات الداخلية والخارجية، ويوجد ازدواجية معايير ومكاييل في التعامل مع الناس، بين الأغنياء والفقراء، أو بين طبقة المقربين من الحكم وعوام الناس!! .. وهناك أعمال سياسية تقوم بها الدول في سياستها الخارجية لا يرضى عنها اغلب الناس في المجتمع، مثل التعامل مع كيان يهود، أو فتح سفارات لأمريكا وكيان يهود في عواصم كثيرٍ من دول العالم الإسلامي ...
أما على المستوى العسكري، فإنّ جميع الدول في العالم الإسلامي، وبدون استثناء لا يوجد بين الوسط السياسي المتحكّم بالبلد وبين أفراد الجيش أي انسجام، بل تجد الوسط السياسي يوالي الدول الكافرة ويعمل ضد مصلحة البلد، وينهب أمواله ويفتح أرضه وسماءه للكفار، وفي نفس الوقت تجد أنّ الثقافة التي يتربى عليها الجيش هي ثقافة مغايرة تقول: بخدمة الوطن والمواطن وحماية الحدود والأرض من أي اعتداء وبالمحافظة على مصالح البلد.. وكثيرٌ من الدول التي تُسمي نفسها دولاً ذات سيادة لا تملك أصلاً حماية نفسها مثل مشيخات دول الخليج والسعودية، وبعض الدول أيضاً يرتبط فيها القرار العسكري بقرار الدول المهيمنة عليها سياسياً، ولا تملك أي قرار عسكريٍّ لا في الحرب ولا في السلم، كما هو الحال في مصر والأردن وسوريّا وغيرها من دول ...
وعلى المستوى الاستراتيجي، فإنّ الدول في العالم الإسلامي لا يوجد فيها استقرار داخلي، ولا أمن داخلي مستقرّ بسبب عدم وجود تجانس أصلا بين قادتها وعامة الشعوب، فالقادة في حالة عداء دائم مع الشعوب، وخاصة مع القوى الإسلامية المؤثرة في البلد، وازداد هذا الفراغ الاستراتيجي بسبب وجود ثورات في البلاد العربية الآن، وتهيؤ الجوّ لامتدادها أيضاً لباقي العالم الإسلامي، وبسبب ازدياد الفقر والحاجة التي تجعل من الناس قنابل موقوتة تنفجر بين الفينة والأخرى، وبسبب ازدياد وتفاقم النزاعات الداخلية -في بعض البلاد- والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد الصدامات المسلحة كما هو الحال في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن..
وبشكل إجمالي يمكن القول: بأنّ هناك فراغاً شاملاً في أغلب بلاد العالم الإسلامي على كافة المستويات، السياسية والعسكرية والإستراتيجية، وهذا الفراغ يزداد ويتسع يوما بعد يوم، ولا بد من ملئه الآن!!..
وإنّ عملية ملء الفراغ في أي دولة من الدول تكون غالباً بإحدى الطرق التالية:-
1- استبدال القادة السياسيين- عن طريق القوى الفاعلة في البلد- بآخرين، وهذا يكون بواسطة الجيش أو مراكز القوى الأخرى مثل القبائل كما كان حصل في بعض الانقلابات التي وقف وراءها السياسيون في سوريا أو العراق في فترة الستينات.
2- استبدال قادة عسكريين بالقادة السياسيّين، يفرضون قوانين الطوارئ لفترة طويلة حتى يتم تهيئة الأجواء من جديد، ورسم سياسة عامة للدولة، كما حصل في مصر في ثورة الضباط الأحرار سنة ثلاثٍ وخمسين.
3- الاحتلال العسكري الأجنبي، حيث يفرض سطوته وسيطرته على البلد وذلك خوفاً من سيطرة قوىً عسكرية أجنبية أخرى منافسة له.
4- تدخّل الدول المجاورة إما عن طريق ترتيبات سياسية بواسطة الأحزاب داخل البلد، أو عن طريق التدخل العسكري المباشر حتى يتم ترتيب الأمر على شاكلة جديدة، كما حصل في تدخلات إيران وتركيا في أفغانستان والعراق ومساعدتها لأمريكا في ترتيب الأمر، أو كما هو حاصل الآن في تدخلات تركيا داخل سوريّا لصالح أمريكا لحفظ خطّ الرجعة لأية تغيّرات أو مفاجآت تحدث.
5- تمكّن الأمة عن طريق المخلصين من القوى الفاعلة من استلام الأمور، وتطبيق ما تحمله الأمة من فكرٍ نابع من عقيدتها، وهذا الأمر يكون تغييراً ذاتياً لا يستند إلى أيٍّ من الدول الخارجية أو الأحزاب المرتبطة بها، ويكون غالباً عن طريق قوى الجيش المخلصة أو القوى المؤثرة، وبمساندة ومؤازرة أبناء الأمة في ذلك البلد ..
والحقيقة أنّ أيّ تغييرٍ وأي محاولة لملء الفراغ بإحدى الطرق الأربعة الأولى لا يجلب استقراراً للبلد ويبقي الفراغ وعدم الاستقرار تحت الرماد لفترة مؤقتة، ولا يحلّ مشاكله الحاصلة، وإنما تحصل فيه عملية تغيير شكليّة تجميلية للوجوه فقط، أما بالنسبة للبند الثالث وهو الاحتلال العسكري الأجنبي فإنه يدمّر البلد ويجلب عليه الويلات أكثر مما كان، ويجعل البلد كله بيد الدول الكافرة، وبالتالي تبقى حالة عدم الاستقرار والفراغ موجودة فعلياً ..
وأخلص إلى القول: إنّ الفراغ الحاصل الآن في العالم الإسلامي لا يملؤه إلا حزبٌ سياسي مخلص، يلتف حوله المخلصون من أبناء الأمة، ويناصرهم أهل القوة والرأي والأوساط السياسية الفاعلة في البلد، وتقف الأمة –بأغلبها- خلفهم تساندهم الرأي والفكر، وبهذا يُملأ الفراغ بالفعل، وتحصل حالة الاستقرار الصحيح، ثم تحصل النهضة الصحيحة بعد ذلك نتيجة الانسجام بين فكر الأمة وقادتها وقوانينها ودستورها وطريقة حياتها، وتصبح الأمة بعد ذلك في ارتقاء دائم ترتفع من عليٍ إلى أعلى وبمعنىً آخر: أنّ المنقذ الحقيقي لواقع الأمة اليوم في الدول العربية وفي غيرها من العالم الإسلامي هو حزب مخلص يتقدم الأمة عن طريق النصرة الحقيقة، التي لا تستند إلى أية دولة أجنبية، فيقيم حكم الله في هذه الدولة، ويباشر ذلك عملياً في المجتمع، وتسانده جماهير المسلمين بكافة شرائحهم في المجتمع..
نسأله تعالى أن يكرم الأمة بهذا التغيير الحقيقي وأن يملأ فراغها بأهل الإخلاص والصلاح في هذا الشهر الفضيل.. آمين يارب العالمين
المصدر
دور الجيوش في التغيير