سلط ملتقى الحوار العربي الألماني، الذي احتضنته العاصمة السورية دمشق بين 18 و 19 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بحضور نخبة من الإعلاميين والخبراء العرب والألمان، الضوء على محاور عديدة أبرزها طبيعة التقارير الصحفية لوسائل الإعلام الألمانية عن العالم العربي، ومثيلتها لدى وسائل الإعلام العربية عن ألمانيا، وكيفية تغيير الصورة النمطية الرائجة عن المجتمعات العربية في أوروبا، وعلى صورة المجتمعات الأوروبية في الدول العربية. وقد نظم الملتقى، الذي عُقد تحت شعار"وسائل الإعلام وعمليات التحول"، المعهد الألماني للعلاقات الخارجية/ Ifa بالتعاون مع الأكاديمية السورية الدولية للتدريب والتطوير والسفارة الألمانية في دمشق. وبدأ الملتقى أعماله بكلمة للسفير الألماني في سوريا، الدكتور أندرياس راينيكه، أشار فيها إلى أن "وسائل الإعلام الألمانية والغربية لا تركز في تقاريرها الصحفية على الغنى الثقافي والاقتصاديات الواعدة التي يتمتع بها العالم العربي".
أما أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية، علي الرّمال، فأشار إلى أن تغطية وسائل الإعلام العربية للمواضيع الألمانية تركز على جوانب معينة فقط. وضرب أمثلة على ذلك من جريدة "الحياة" اللندنية، التي تركز على الشأنين السياسي والاقتصادي، مع العلم أن الاقتصاد يحظى بالأهمية الأكبر في هذا السياق. أما المواضيع الاجتماعية، التي تتناول حياة الألمان فلا تجد لها مساحة تُذكر هناك.
كما ضرب علي الرّمال مثالا آخرا لانتقائية الإعلام العربي في تناول المواضيع الألمانية بجريدة "السفير" اللبنانية، التي تركز على أنشطة الفرق الرياضية الألمانية، التي يتابعها اللبنانيون بشغف "لدرجة أن أعلام بعض هذه الفرق أكثر من أعلام حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت". وانتقد الرّمال إهمال وسائل الإعلام العربية عموما للقضايا الألمانية الاجتماعية الأخرى لاسيما الشبابية منها، وقال في هذا السياق: "من النادر جداً قراءة مقال في "الحياة" و "السفير" عن حياة الشباب وتعليمهم وعملهم في ألمانيا، حتى وإن وجدت هذه المقالات فهي تكون ظرفية مرتبطة بحدث عابر لا يمكن تأسيس صورة واضحة وراسخة عليه".
مارسيل بوت: "الإعلام الغربي ضيع فرصة كبيرة"
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: خبير إعلامي ومراسل قناة التلفزيون الألمانية الأولى في الشرق الأوسط سابقا وفي سياق النقد، الذي تم توجيهه إلى التغطية الإعلامية الغربية للقضايا العربية رأى الصحافي والكاتب الألماني المعروف مارسيل بوت أن "الإعلام الغربي وخاصة بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر2001 صوّر الإسلام إلى حد كبير على أنه دين يولد العنف والإرهاب"، وهو ما يشكل إضاعة لفرصة كبيرة كان يمكن استغلالها للكشف عن ملابسات ممارسة العنف، الذي يوظف الدين لأهدافه، ليس في الدول العربية والإسلامية فحسب، بل في مجتمعات تعتنق ديانات ومعتقدات أخرى. كما أضاف بوت أن الإعلام الغربي "اكتفى بالحديث عن المواجهة بين الغرب والإسلام، بدلا من محاولة الكشف عن الخلفيات السياسية للصراعات التي تأخذ أشكالا دينية لاسيما في المجتمعات، التي يلعب فيها الدين دورا هاما في حياة الناس اليومية".
يوخن هيبلر: "ترويج واسع لنظرية المؤامرة في الإعلام العربي"
أما بخصوص تغطية الإعلام العربي لقضايا وسياسة الغرب فانتقد الدكتور يوخن هيبلر التغطية الإعلامية العربية وتصويرها للغرب و"كأنه يسعى لاستعمار الشرق الأوسط بأساليب جديدة تحت ستار نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان". واضاف هيبلر، الباحث المعروف في معهد التنمية والسلام بجامعة دويسبورغ: "يتم تعميم نظرية المؤامرة التي يُتهم الغربيون بممارستها بدعم من الولايات المتحدة وقوى عظمى أخرى في تقارير صحافية كثيرة حول السياسة الغربية تجاع الشرق الأوسط".
كما يرى الخبير الألماني أن "جزءا من المشكلة يكمن في عدم تحرك العرب لتصحيح صورتهم المتداولة في الإعلام الغربي، فهم يكتفوا بالنظر والاستماع دون القيام بشي لإثبات العكس، من خلال إدانة العمليات الإرهابية وأخذ موقف واضح تجاهها على سبيل المثال".
غير أن التقصير العربي برأيه ينطبق أيضا على معظم الصحافيين الأوروبيين، الذين "يشكلون صورتهم عن الإٍسلام من خلال التقارير الإعلامية التي تربطه غالبا بأخبار العنف والإرهاب. وبذلك تفوتهم فرصة التعرف على التغيرات الإيجابية التي تشهدها الدول العربية في مجال التسامح والتعرف على أوجه الإسلام التي تنبذ العنف". كما شدد هيبلر على أن مناقشة الصورة النمطية والأحكام المسبقة عن العرب لا يعني استبدالها بصور إيجابية فقط، "فعلى الصحفيين العرب والغربيين معاً ننشر تقارير لا تهمل الإشارة إلى النواقص، شرط أن يتم التطرق إلى هذه القضايا السلبية باحترام وبتعاون مشترك بين ألمان وعرب".
أندريا نوسه: "اختلاف في المفاهيم إزاء مصطلحات عديدة"
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: المشاركون في الملتقى قدموا بشكل أساسي من سوريا ولبنان والأردن ومن جانبها لفتت الصحافية الألمانية اندريا نوسه، مسئولة شؤون السياسة الخارجية في صحيفة "دير تاغس شبيغل" الصادرة في برلين، إلى أهم نقاط ضعف التغطية الإعلامية العربية والألمانية، وهى مشكلة التعامل مع مصطلحات معينة مثل "المقاومة" و "الانتفاضة"، أو كيفية تصنيف أحزاب ومنظمات سياسية بسبب اختلاف المفاهيم حولها وحول أهدافها بين العرب والأوروبيين.
وترى الصحافية الألمانية أن هناك "نوعا من تحكم الأيديولوجية في تغطية الكثيرين من الإعلاميين العرب وهو ما يؤثر بشكل سلبي على حياديتهم في تناول القضايا على اختلافها". كما أشارت في السياق نفسه إلى "وجود أمور سطحية يركز عليها الإعلام الألماني من دون شرح خلفياتها، ومن الأمثلة على ذلك أحد تقارير صحيفة "دير تاغس شبيغل" حول النزاع حول ملف إيران النووي. فقد جاء في التغطية ان ممثل إيران إلى المفاوضات بشأن الملف لم يتحدث في كلمته عن المشكلة، لكن التغطية لم تستشهد بما جاء في الكلمة بهذا الخصوص، كما لم تتحدث عن خلفيات النزاع وأسبابه رغم التعليقات والآراء الكثيرة التي تضمنتها التغطية.
تجاوز القصور عبر مزيد من المهنية
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: مشاركو ن في الملتقى ويبدو الزميل سمير مطر (الثاني إلى اليسار) من البرنامج العربي لتلفزيون دويتشه فيله وفي الوقت الذي رأى فيه بعض المشاركين أنه يمكن تجاوز نقاط الضعف في التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام العربية والألمانية من خلال تنظيم برامج تدريب مكثفة تركز على المعايير المهنية والاحترافية، إضافة إلى توسيع مساحة التقارير الصحفية الميدانية وتبادل الزيارات والوفود، رأي البعض الآخر أن أبرز المشاكل، التي تواجه النقص تتمثل في تبعية وسائل الإعلام العربية والغربية لسلطة المال أو الدولة وتأثير التكنولوجيا الحديثة": "كلما أتاحت الوسائل التكنولوجية الحديثة للإعلامي إنجاز تقريره من مكتبه، كلما ازداد ابتعاده عن التقارير الميدانية ذات المصداقية الأعلى"، كما اشار الدكتور أديب خضور، الأستاذ في قسم الإعلام بجامعة دمشق السورية. ورأى خضور أيضا أن "قسما هاما من الصحفيين سواء في الغرب أم في العالم العربي يخاف من الكتابة خارج السرب، لأنه قد يواجه مشاكل داخل المؤسسة التي يعمل فيها".
الكاتبة: عفراء محمد - دمشق
مراجعة: لؤي المدهون