منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7

العرض المتطور

  1. #1

    دراسة نقدية حول أصول التفسير

    دراسة نقدية حول أصول التفسير
    بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:
    فإني أشهد أن: لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله بالقرآن ونبَّأه إلى الناس كافّة وأن الناس قد اتخذوا القرآن مهجورا.
    وإن بحثا في أصول التفسير ليُلزم بتبيان مادة الأصول ومادة التفسير كل على حدة قبل مناقشة إضافة الأصول إلى التفسير، ولمناقشة ما عرف بأصول التفسير عبر التاريخ قبل نشر إضافتي المتواضعة إليه، إضافة أعتبرها محاولة جادّةً أَبْسُط بها ما عَقَدَه إبليس من الصراط المستقيم كما في قوله تعالى ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ الأعراف، وكان من إيقاعه أن انغلقت معاني الكتاب المنزل انغلاقا هوى بالمسلمين في مكان سحيق واستهوتهم الشياطين في هوّة التقليد والفروع فشغلتهم عن دراية التي هي أقوم ولو استنبطوها من القرآن العجب لاهتدوا إلى الرشد.
    ولا أحسب الطوائف والفرق والمذاهب المنتسبة إلى الإسلام ولا الحركات والتيارات والأحزاب الإسلامية تستطيع فرادى أو مجتمعة ادعاء أن حال المسلمين اليوم في فلسطين وبورما والأحواز والشام وغيرها هو الرشد الذي يهدي إليه القرآن.
    هكذا بكل بساطة أستدل على ضرورة تبين أصول التفسير ليُحسِن المكلَّفون مسلمون وغيرُ مسلمين قراءةَ القرآن قراءة أكثر من أدائية تجعلهم يتبينون معانيه ودلالاته.

    مادة الأصول
    إن المثاني في قوله:
    ـ ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ إبراهيم
    ـ ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا﴾ الحشر
    لتعني: أن ليس للشجرة فرع غير متصل بالأصل وأن الأصل إذا اجتُثّ واقتلع سقطت الشجرة وانتفى قيامها وتعطلت وظائفها.
    وكانت البُكْرة أصلا يتفرع منه شروق الشمس، وكان الأصيل أصلا يتفرع منه غروب الشمس، وفي القاموس المحيط للفيروز أبادي: والأصيل الهلاك والموت اهـ محل الغرض منه، ولعله من تعريف العام ببعض جزئياته لهلاك ضوء النهار وتلاشيه بدخول وقت الأصيل الذي تتلاشى معه الشمس وضوؤها ونهارها.

    مادة التفسير
    التفسير: هو كشف المغطَّى أو ما خَفِيَ من معاني الكتاب المنزل بإبانته، ولعله من الفَسْر وهو البيان والكشف والتوضيح وحسُن عندي توكُّؤُ أصحابِ القواميس على نظر الطبيب في بول المريض يستدل به على صحته أو مبلغ المرض فيه ويسمونه تفسيرا.
    ورغم تخصصي في تحرير طرق القراءات الأدائية فقد قررتُ منذ خمسة عاما تتبع قراءات القرآن الدلالية أو ما يسمونه بالتفاسير.
    ولا فرق حسب تصوري القاصر بين التفاسير العربية والترجمات، إذ كل منهما قراءة من صاحبها للمعاني والدلالات قراءةً ـ هي مبلغ علمه ـ عامّةً أو جزئيّةً تناولت الفقه أو النحو والبلاغة أو الإعجاز العلمي ....
    وأجزم غير متردد أن العرب الفصحاء الذين عاصروا تنزل القرآن قد علموا عجزهم المطلق عن ترجمة القرآن بلسان عربي مبين، وبان أن كلا من التفسير والترجمة إنما هو عرضُ مجموع التصورات والمعاني التي تألفت عند المفسِّر أو المترجِم بتحويلها إلى حروف فجمل فمجلدات قاصرة قصور الإنسان في علمه وعقله.
    وأول ما وجدتُ وأجد على المفسرين والمترجمين هو إهمالهم أو تناسيهم أو تجاهلهم إعلانَ كلية كبرى، تزيد المعترف بها حُسنا وجمالا ويتراءى بها للقراء من بعده باحثا مجتهدا سالما من التدليس وفتنة العامة.
    تلكم الكلية الكبرى هي قولهم ـ لو كانوا منصفين ـ : "هذا التفسير هو مبلغ علمي وجهدي في فهم الكتاب المنزل وأبرأ إلى الله من تقديمه على أنه هو مراد الله علام الغيوب" اهـ
    ووا عجبي من تدليس المترجمين إذ يسطرون في الصفحة الأولى أن ترجمتهم هي القرآن باللغة كذا، ولو صدقوا لاعترفوا بأن الترجمة هي مبلغ فهم المترجم لا أكثر إن لم يكن أقل.
    وكانت ولا تزال أمهات التفسير وأصوله مرجعا مقدسا لا يتصور العامة ولا طلبة العلم ولا المتخصصون دلالة للكتاب المنزل خارجه، وظل المفسّر المتأخر يستنسخ من الأمهات القديمة ويدور في فلكها.
    ولا يخفى ما فيه من صدّ الناس عن تدبر الكتاب المنزل، ومن تعطيل أدوات العلم والبحث، وأضحى المكثرون من الحفظ هم أشرف الناس وأعلاهم رتبة، وإنما هم في الواقع نسخ أخرى إضافة إلى الورقية والإلكترونية.

    نشأة أصول التفسير وتطوره
    لقد تأخرت نشأة أصول التفسير بضعة قرون من غير مبالغة تأخرا لا يعلله أو يفسره غير الاعتراف بثقل انشغال خواص الأمة في تأليف فروع القراءات وأسانيدها ورسم المصاحف وتعليله وأسانيد الحديث والمتون الفقهية بأقسامها ومدارسها وفروع النحو والصرف، وبثقل الصراع بين المدارس والمذاهب والفرق المتعددة، ولو وجدوا من يقدّم لهم تأصيل التفسير كما هو أو قريبا منه لانشغلوا عن التفرق والصراع والتمزق.
    ويعني أن المتقدمين أصحاب القرون الستة الأولى سارعوا إلى تأخير تدبر القرآن تدبرا يجعلهم يحتاجون إلى تأصيل تفسيره وأعجب من اتفاق المتقدمين على تأصيل القراءات تأصيلا تجاوز عدد المصاحف العثمانية وتأصيل المتون الفروعية الفقهية تأصيلا متقدما منذ القرن الثاني الهجري ولكأن مدارس القراءات والفقه لخَّصَت القرآن أو نسخته فلم تبق منه شيئا ولكأن أصحابها مجددون مهتدون يمشون سويا على صراط مستقيم كالذي دعا إليه القرآن ويدعو إليه النبي الأمي صلى الله عليه وسلم.
    ولقد أصاب أئمة النحو قديما كسيبويه وأبي عمرو بن العلاء القارئ والكسائي ومن بعدهم ابن مالك الأندلسي في تأصيل قواعد لسان العرب متوكئين على القرآن وعلى أشعار الجاهلية تأصيلا جميلا جعل لكل قاعدة نحوية أو صرفية فرعية أصلا نزل به القرآن أو ورد في الشعر الجاهلي ولهجات العرب البدو، ولقد راجعت أصولهم فاستدركت عليها استدراكات فرضها حاجة التفسير وأصوله فأدرجتها في تأصيلي التفسير.
    ورغم ثنائي على سبق الشافعي (ت 204ه) على تأصيل الفقه في كتابه الرسالة، فقد زاغ تأصيل الفقه زيغانا بما أفرط من تتبع الافتراضات والأقضية والأحجية فكانت لهم متون فروعية لا أصل لها في الكتاب والهدي النبوي بل نشأت من فراغ، وسارعتُ إلى إنشاء تأصيل جديد للفقه أرجو أن يوفيه الباحثون الجادون نصيبه من النقض والنقد.
    ومرت نشأة أصول التفسير بالمراحل التالية:
    ـ المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى لمؤلفه أبي نصر الحدادي المتوفى مطلع القرن الخامس
    ـ مفتاح اللب المقفل لفهم القرآن المنزل في قوانين تتنزل في علم التفسير منزلة أصول الفقه من الأحكام لمؤلفه عبد الرحمان الحرالي(ت 638ه)
    ـ مقدمة التفسير لابن تيمية (ت 728ه) في المجلد الثالث عشر من فتاويه
    ـ الإكسير في قواعد التفسير لنجم الدين أبي سليمان الطوفي الحنبلي (ت 710ه)
    ـ نغب الطائر من البحر الزاخر لابن الأكفائي (ت 748ه)
    ـ علم كشف معاني القرآن لبدر الدين الزركشي (ت 794ه)
    ـ مواقع العلوم من مواقع النجوم لجلال الدين البلقيني (ت 824هـ)
    ـ التيسير في قواعد علم التفسير لمؤلفه الكافيجي (ت 879هـ)
    ـ التحبير في علم التفسير للسيوطي (ت 911هـ) وتوكأ في تأصيله على تأصيل البلقيني
    ولعل أغلب المذكورين لم يميزوا بين التأصيل الخاص بالتفسير وبين سائر علوم القرآن ومنها التفسير ذاته.
    ونشأ في ذلك الفراغ بضعة قرون سَبْقُ المعتزلة إلى الكشف عن إعجاز القرآن وبلاغته وعلم البلاغة كما لا يخفى من تأصيل الجاحظ ( ت 255ه) مصطلح "المجاز" وإنشاء ابن قتيبة (ت 276ه) كتابه تأويل مشكل القرآن.
    ولا تزال أصول التفسير دون سن الفطام تحبو حبوا لم تتمكن من الوقوف والاستقلال مما يعني قصور التفسير نفسه رغم توفر الأركان الثلاثة القرآن والهدي النبوي ولسان العرب.
    ولئن كان النحوُ قواعدَ سماعيةً وقياسيةً معا وكان كل من القراءات والفقه قياسا على سماع فإن التفسير ظل ولا يزال مدارسَ واتجاهاتٍ متعددة متخالفة ومتناقضةٍ تناقضا عريضا وأعجبُ من تناقضه اجتجاجُ الأطراف المتباينة بنفس الآية في السورة الواحدة في السياق الواحد.
    ولكأن نشأة أصول الفقه المقتصرة على آيات الأحكام التعبدية والمعاملات كانت كالمخدّر جعل الأمة لا تتبين الحاجة القصوى لاستنباط أصول التفسير من الكتاب المنزل والهدي النبوي.
    وعجبي من مدرسة المعلم عبد الحميد الفراهي الهندي (ت 1349ه) صاحب كتاب التكميل لمحاولتها اعتماد أصول الفقه القاصرة الخاصة بآيات الأحكام وتقديمها كافية شافية لتأصيل التفسير، ولكأنهم اختصروا القرآن في آيات الأحكام وجعلوا القصص والذكر والأمثال والنبوة والوعد والغيب والقول حشْوًا ولغْوًا ليس فيها مزدجرٌ ونبأٌ عظيم هم عنه معرضون غافلون ويوم تصبح غيب القرآن شهادة فلن يعرفوه بالقرآن لاتخاذهم القرآن مهجورا.
    ويزداد عجبي مما قرره ابن تيمية في تأصيله التفسير في كتابه مقدمة التفسير في فتاواه (ج13/329ـ375) إذ قال (13/331):"فصل يجب أن يُعلَم أن النبي صلى الله عليه وسلم بـيَّـــــنَ لأصحابه معاني القرآن كما بيّـــن لهم ألفاظه فقوله تعالى ﴿لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ يتناول هذا وهذا" اهـ محل الغرض منه.
    والحق يقال: إن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد بيّن للناس ما نزّل إليهم كما هي دلالة قوله ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ النحل، أي أنه قد علّمهم أن المقروء كذا وكذا هو السورة كذا من الكتاب المنزل إلى الناس ليتبعوه ويتدبروه ولقد بيّن النبي الأمي للناس القرآن بنهيهم أن يكتبوا عنه غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن وتلاه عليهم وكتبوه من إملائه عليهم وعلّمهم إياه في العرضتين الأخيرتين وما بينهما، فتمّ بيان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم القرآن وتركه معلوما للناس لم يختلط عليهم بالأحاديث النبوية، وهكذا كان القرآن منزلا إلى الناس ليتسابقوا إلى تدبره، وأحسنُ الناس عملا هو السابق إلى فهمه بتدبره ويومئذ سيتفكر الناس أن القرآن ليس كما يتخيلون غير جدير بالتدبر والتدارس.
    وكذلك بيّن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم للناس ما نزّل إليهم من التكاليف الشرعية في الكتاب المنزل فعلّمهم كيف يُسْلمون وكيف يتوضأون ويتطهرون ويصلون فيخشعون ويضرعون إلى ربهم وكيف يحجون وكيف يتمثلون سائر التكاليف الفردية ومتى وكيف يتمثلون التكاليف الجماعية كالصلح والدفع والقتال والأقضية وللمسلمين مجتمع له سلطانه أو خليفته.
    ولا يتأتى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسّر وبيّن وأوضح مراد الله من جميع القرآن لأن فواتح السور المعلومة من القرآن ولم يقع بيانها ومرادها من النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بل إن من القرآن العربي غيرها ما لا يزال مغلقا إلى يومنا هذا ولن يزال مغلقا حتى يأتي تأويله في الدنيا أي يصبح غيب القرآن شهادة في الدنيا فإذا البشرية في آخر الحياة الدنيا قد شهدت وحضرت حوادث قد سبق بيانها وذكرها في القرآن العجب منذ عشرات القرون، ولا سبيل إلى الهداية يومئذ إلا بالقرآن كما في قوله ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ سَيُريكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ أي يعرفون الحق ومنه الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بالقرآن الذي تضمن الوعد بها وتضمن تفصيلها ووصفها.
    إن الأمة اليوم لفقيرة فقر المضطر إلى تأصيل جديد للتفسير تتبين منه كليات تيسّر لكل باحث ومتدبر أسباب فقه الكتاب المنزل.



    تعريف أصول التفسير
    وألخّصُ تعريف السابقين والمعاصرين أصول التفسير بأنها "قواعد وأسس يتوصل بها إلى الفهم الصحيح ودراية ما يتراءى من قبيل الاختلاف".
    وأقول: إن أصول التفسير هي قواعد تنشأ باستقراء الكتاب المنزل واستنطاقه تطّرد ولا تنخرم يهتدي بها المتدبر إلى أن القرآن العظيم أعظم مما تخيله المفسرون، تتراءى بها معانيه أكثر عمقا ودلالة ليعلم علم اليقين أنه لم يؤت من العلم إلا قليلا.
    ولقد استنبطت من الأصول والكليات العامة التالية:
    الباب الأول:
    ـ دلالة الكتاب
    ـ دلالة القرآن
    ـ دلالة المثاني
    الباب الثاني: الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن ولعلها:
    1. الذكر
    2. ضرب الأمثال
    3. القول
    4. النبوة
    5. الغيب في القرآن ومنه الأمر بالإيمان والأمر بالعلم وإسناد العلم على الله
    6. الوعد في الدنيا ومنه الأسماء الحسنى والدعاء بها ومنه الدعاء في القرآن دون الكتاب
    7. إعلان الجزاء في الآخرة
    وتندرج فيه الفصول التالية:
    ـ تقديم الموعود الأول وتأخير الثاني في سياق خطاب منكري بالغيب
    ـ تقديم الموعود المتأخر وتأخير الموعود المتقدم في سياق خطاب المؤمنين بالغيب
    دلالة الوعيد في الكتاب المنزل
    دلالة الوعد في القرآن
    فعل الأمر في الكتاب
    فعل الأمر في القرآن
    صيغة الاستقبال
    الباب الثالث: الخطاب والتكليف "إعادة صياغة أصول فقهية"
    ـ خطاب الأعلى يشمل من دونه رتبة
    ـ خطاب الملائكة والنبيين
    ـ خطاب النبيين
    ـ خطاب الرسل
    ـ خطاب الذين آمنوا
    ـ خطاب المؤمنين
    ـ خطاب الأمتين قبلنا اليهود والنصارى
    ـ خطاب أهل الكتاب ويشمل منافقي الأمة
    ـ خطاب الذين أوتوا الكتاب يشمل خواص الأمة
    ـ دلالة خطاب بني إسرئيل
    ـ دلالة خطاب بني آدم
    ـ دلالة خطاب الناس
    ـ خطاب القرون الأولى المبتلاة بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء
    الباب الرابع: دلالة مفردات الكتاب المنزل ذات المثاني في المعاني ولأجله ألّفت كتابي "معجم معاني كلمات القرآن وحروفه"
    الباب الخامس: دلالة هيمنة الكتاب المنزل على النبي الأمي على التوراة والإنجيل وما أوتي النبيون قبله وبيان تفصيل جميع ذلك.


    يتواصل

  2. #2
    دراسة بليغة ورائعة وثمينة أيتاذنا تحتاج عناية خاصة لفك مامر فيها من حاجة للتوضيح والشرح وسأقتبس واطرح استفهاماتي:
    ولا فرق حسب تصوري القاصر بين التفاسير العربية والترجمات، إذ كل منهما قراءة من صاحبها للمعاني والدلالات قراءةً ـ هي مبلغ علمه ـ عامّةً أو جزئيّةً تناولت الفقه أو النحو والبلاغة أو الإعجاز العلمي ....


    8888888
    يكفي أستاذنا الكريم ان تفسير القران بقي مفتوحا للاجتهادات لنا لكل عصر عالمه وحالاته الخاصة ,وهذا إعجاز بحد ذاته ,والأهم تواضع المفسرين,وان مابلغوه إنما مافتح الله عليهم خاصة.
    ولقد أصاب أئمة النحو قديما كسيبويه وأبي عمرو بن العلاء القارئ والكسائي ومن بعدهم ابن مالك الأندلسي في تأصيل قواعد لسان العرب متوكئين على القرآن وعلى أشعار الجاهلية تأصيلا جميلا جعل لكل قاعدة نحوية أو صرفية فرعية أصلا نزل به القرآن أو ورد في الشعر الجاهلي ولهجات العرب البدو، ولقد راجعت أصولهم فاستدركت عليها استدراكات فرضها حاجة التفسير وأصوله فأدرجتها في تأصيلي التفسير.


    ********
    هذا بحر مازلنا نجد آثاره عبر الكتب القديمة واللغات المختلفة التي آلفها القرآن.
    ******
    فقد زاغ تأصيل الفقه زيغانا بما أفرط من تتبع الافتراضات والأقضية والأحجية فكانت لهم متون فروعية لا أصل لها في الكتاب والهدي النبوي بل نشأت من فراغ، وسارعتُ إلى إنشاء تأصيل جديد للفقه أرجو أن يوفيه الباحثون الجادون نصيبه من النقض والنقد.


    8888888


    أما هذه فوالله تحتاج عناية وتعمق كبير من حضرتكم.
    *********
    ولكأن نشأة أصول الفقه المقتصرة على آيات الأحكام التعبدية والمعاملات كانت كالمخدّر جعل الأمة لا تتبين الحاجة القصوى لاستنباط أصول التفسير من الكتاب المنزل والهدي النبوي.
    ********
    وهذه تحتاج توضيح أستاذنا الكريم.
    *******
    ولا يتأتى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسّر وبيّن وأوضح مراد الله من جميع القرآن لأن فواتح السور المعلومة من القرآن ولم يقع بيانها ومرادها من النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بل إن من القرآن العربي غيرها ما لا يزال مغلقا إلى يومنا هذا ولن يزال مغلقا حتى يأتي تأويله في الدنيا أي يصبح غيب القرآن شهادة في الدنيا فإذا البشرية في آخر الحياة الدنيا قد شهدت وحضرت حوادث قد سبق بيانها وذكرها في القرآن العجب منذ عشرات القرون، ولا سبيل إلى الهداية يومئذ إلا بالقرآن كما في قوله ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ سَيُريكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ أي يعرفون الحق ومنه الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بالقرآن الذي تضمن الوعد بها وتضمن تفصيلها ووصفها.
    *********
    ماأبلغها من فقرة تحتاج وقوف كبير .
    **********
    أصول التفسير بأنها "قواعد وأسس يتوصل بها إلى الفهم الصحيح ودراية ما يتراءى من قبيل الاختلاف".
    وأقول: إن أصول التفسير هي قواعد تنشأ باستقراء الكتاب المنزل واستنطاقه تطّرد ولا تنخرم يهتدي بها المتدبر إلى أن القرآن العظيم أعظم مما تخيله المفسرون، تتراءى بها معانيه أكثر عمقا ودلالة ليعلم علم اليقين أنه لم يؤت من العلم إلا قليلا.
    **********
    كل التقدير والاحترام .جزاكم الله خيرا.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    ماقرات خير من هذه الدراسة في زمننا واطالب الاستاذ بما طرحته الاستاذة ريمه .مع الشكر الجزيل.
    ناجي -غزة.

  4. #4
    الباب الأول:
    الفصل الأول: دلالة الكتاب
    دلالة كتب في الكتاب المنزل
    إن من تفصيل الكتاب أن لفعل كتب معان متعددة تتفق كلها على المصاحبة واللزوم وعدم النقض أو النسخ، وهي حسب السياق والقرائن:
    أولاها: بمعنى فرض على المكلفين من المؤمنين بالغيب خاصة وقد وردت تعديتها بحرف الجر على كما في قوله ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ النساء، أي ألزمهم فريضة فرضت عليهم في أوقات معلومة.
    وفرض الله على الذين آمنوا أي ألزمهم الصيام والقصاص في القتلى وفرض عليهم بعد تجاوز مرحلة الاستضعاف القتال أي في مرحلتي الدفاع والتمكين، وفرض ليتامى النساء مهرا كاملا ألزم به من يتزوجهن ولو كان من الأولياء الكافلين.
    وإنما وقع الخطاب والتكليف بجميع الفروع على المسلمين وأجيب من اعترض بقوله تعالى ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾ آل عمران، بصريح تخصيصه وتبيانه بقوله تعالى ﴿إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ براءة.
    وسيهتدي الراشدون بالقرآن إلى فرائض كثيرة ـ هي من الرشد ومن التي هي أقوم ـ ولم يقع بعد التكليف بها والله المستعان ومنها قوله ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ النساء، وبينتها في مادة خرج ومادة قتل من معجم معاني كلمات القرآن وحروفه.
    ولم تفرض الرهبانية على الذين اتبعوا النبي عيسى وإنما ابتدعوها.
    ثانيها: بمعنى النصيب من الكتاب القدَر المقدور المحتوم اللازم ووردت تعديتها بحرف الجر على كما في قوله ﴿قُل لَّوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ آل عمران، ويعني أن لكل منا مضجعا كتب عليه تقبض روحه فيه موتا أو قتلا.
    ووردت تعديتها باللام كما في قوله:
    ـ ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ البقرة
    ـ ﴿قُل لَّنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا﴾ براءة
    ويعني حرف البقرة التكليف بجماع الأزواج والتنبيه إلى أن الجماع ليس هو الذي يأتي بالولد وإنما هو سبب يُبْتَغي به النصيب من الولد.
    ويعني حرف براءة أن لن يصيب ابن آدم من الآفات والمصائب إلا نصيبه منها المقدّر عليه من قبل.
    وثالثها: بمعنى التخصيص والإثبات والدوام ووردت تعديتها باللام كما في قوله ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ الأعراف، وهو مما نبَّأَ الله به موسى حين آتاه التوراة أن سيخصّ برحمته التي وسعت كل شيء أولئك المتقين في آخر أجل البشرية ويثْبتها لهم فلا تتحول عنهم وإنما المتقون في تفصيل الكتاب المنزل هم عباد الله الصالحون الناجون من العذاب الذي أهلك الله به المكذبين من قبل وسيهلِك بمثله المكذبين المجرمين في آخر هذه الأمة وبينته في مادة وقى.
    ورابعها: دلالتها على الإيجاد والتثبيت وأن لا يلحقه نسخ ولا تبديل كما في قوله ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ المجادلة، ويعني أن الله قد أنعم الله على الذين تبرأوا من أعداء الله ولو كانوا أولي قربى فأثبت في قلوبهم الإيمان فلا يدخلها كفر ولا نفاق.
    وخامسها: دلالتها على الكتابة المعلومة كما في قوله ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ البقرة

    كتابة أعمال المكلفين
    وإن من العجب أن من الكتاب ما لم تفهمه البشرية بعد إذ قد تتأخّر عن أكثر الناس كتابة أعمالهم إلى يوم الحساب والملائكة الشهود حاضرون فإن أقرّ كُتبت وإن أنكر خُتم على فمه ويُنطق الله الذي أنطق كل شيء جلودهم وتشهد أيديهم وأرجلهم، ثم يُوبَقُ بما عُرض عليه من أعماله السيئة أي بما لم يغفره الله منها وبينته في مادة غفر.
    إن كتابة الأعمال ليست كما يتصوره العامة تقع في حياة المكلف بل هي حسب التفصيل التالي:

    أولا: أعمال لا تقع كتابتها إلا في يوم الدين كما في:

    ـ قوله ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ يس، ويعني أن أعمال المكلفين لن تكتب في حياتهم الدنيا وإنما بعد البعث حين يقوم الحساب كما في صريح صيغتي الاستقبال في فعليْ إحياء الموتى وكتابة أعمالهم.
    ـ وقوله ﴿أَفَرَأَيْتَ الذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَانِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ مريم، ويعني أن الذي كفر بآيات ربه وزعم أن لو بعث فسيؤتى مالا وولدا ـ وهو مما مضى يوم نزل الكتاب على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ـ لم تقع بعد كتابة مقالته وإنما سيكتب ما يقول بصيغة المستقبل إذ سيعرض عليه يوم الحساب فيراه بأم عينيه فيكتبه الحفظة الكرام الكاتبون وهم الشهود عليه في الدنيا ويعذب ويمدّ له العذاب مدّا.
    ـ وقوله ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقِّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ عمران، ويعني أن الذين قالوا إن الله فقير ووصفوا أنفسهم بأنهم أغنياء وقتلوا النبيين بغير حق ـ ولا يخفى أنهم كانوا قبل خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم بِعِدّةِ قرون ـ لم يكتب قولهم ولا قتلهم الأنبياء بعد، وإنما سيكتب يوم الحساب وهم يرون أعمالهم تعرض عليهم ويقول ذوقوا عذاب الحريق أي يعذبهم في نار جهنم ولا يظلم ربنا أحدا.
    ـ وقوله ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ الزخرف، ويعني أن الله وعد أن تكتب يوم القيامة شهادة الذين جعلوا الملائكة إناثا ويسألون عنها حينئذ، وكانوا من المشركين قبل النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ومن معاصريه.
    وأما قوله ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ الأنبياء، فهو صريح الوعد بكتابة الأعمال الصالحة وإثباتها للمؤمنين في يوم الدين ليجزوا بها في اليوم الآخر، وتأخرت كتابتها حتى لا ينسخها كفر أو رياء أو نفاق أو شرك أو موبق من الموبقات أو إثم من الآثام محبط عمله الصالح المتقدم.

    وأما قوله ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ الانفطار، فيعني أن الملائكة الذين يحفظون العبد في الدنيا هم الشهود عليه يوم الحساب لأنهم يعلمون ما يفعل في الدنيا أي يرونه لا يغيب عنهم منه شيء، ولا يعني علمهم ما يفعله العباد كتابته في الدنيا.
    ثانيا: أعمال صالحة تكتب مباشرة في الدنيا حين يعملها صاحبها كما في قوله ﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون﴾ براءة، ولا يخفى تخصيصه بالأعمال الموصوفة بأنها في سبيل الله كالهجرة والإنفاق والقتال والجهاد في سبيل الله ممن وقع عليهم الخطاب والتكليف في ظل نبوة أو رسالة فأطاعوا، وجزاهم ربهم بكتابة أعمالهم مباشرة دلالة على أن الله قد تقبّلها منهم وسيجزيهم بها كما هي دلالة الحديث النبوي الصحيح "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وتأوّل بها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ﴿لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم﴾ الأنفال، ويعني الحسنى التي سبقت من الله كما في قوله تعالى ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون﴾ الأنبياء.
    ويعني حرفا براءة أن كتابة العمل الصالح في الدنيا أمان لصاحبه من فتن الرياء والنفاق والكفر والشرك وغيرها من المحبطات الموبقات.
    ثالثا: مكر وعمل سيء من المنافقين حادّوا الله ورسوله كتبه الله في الدنيا أي أثبته لهم فلا يتوبون منه بل زهقت أنفسهم على الكفر ولن يغفره الله لهم في يوم الدين أي سيعذبون به كما في قوله تعالى ﴿ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا﴾ النساء.
    رابعا: سعي المجرمين المكذبين آيات ربهم الخارقة مع الرسل بها يكتبه الملائكة الكرام الكاتبون في الدنيا كما كتب إجرام قوم نوح وقوم لوط وكذا عاد وثمود ومدين الذي عذّبوا به في الدنيا، وسيكتب كذلك في الدنيا أعمال المجرمين في آخر هذه الأمة ويعذبون به في الدنيا كما في قوله ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّه فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنْتَظِرِينَ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ يونس.
    إن كتابة الأعمال السيئة التي يكتبها الملائكة الكرام الكاتبون لمقترنة بالمؤاخذة والمحاسبة عليها تلازما لا ينفصلان بحال من الأحوال سواء وقعت الكتابة في الدنيا أو في الآخرة، إنصافا وعدلا ممن لا يظلم الناس شيئا وإنما الناس يظلمون أنفسهم.

    دلالة الكتاب في الكتاب المنزل
    إن الكتاب والقرآن في كلامنا كلمتان مترادفتان لدلالة كل منهما على ما بين دفتي المصحف، وهو الكتاب أي المكتوب، وهو القرآن أي المقروء، ولإثبات قصور هـذا الإطلاق في كلامنا فإن من تفصيل الكتاب أن قد وردت للفظ الكتاب في المصحف عشرة معان هي:
    أولاها: بمعنى المكتوب كما في قوله: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحَ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ البقرة، وعلى المتربصة بنفسها أربعة أشهر وعشرا إن لم تكن من أولات الأحمال أن تكتب يوم ابتدأت العدةَ ليبلغ الكتاب أجله المعلوم وهو انقضاء العدة، ولكأن العدة دَيْن عليها ووجبت كتابة الدَّيْن.
    وعلى المكاتب أن يجعل لنفسه أجلا معلوما يفتدي به من الرق وليكتب ذلك الأجل يوم ابتدئ العقد.
    والكتاب الذي حمله الهدهد إلى ملكة سبإ هو رسالة سليمان المعلومة.
    وثانيها: بمعنى الفريضة على المكلفين كما في قوله ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ النساء، أي فريضة فرضت عليهم في أوقات معلومة، وكما في قوله ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ النساء، يعني أن تحريم المذكورات فريضة من الله عليكم.
    وثالثها: اللوح المحفوظ كما في قوله:
    ـ ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُاَ عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ﴾ طـه
    ـ ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ سورة ق
    ـ ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ آل عمران
    ولا يصح وصف اللوح المحفوظ بالمبين لاستحالة الاطلاع عليه من جانب المخاطبين بالكتاب المنزل.
    ورابعها: الصحف التي سيؤتاها يوم يقوم الحساب صاحب اليمين بيمينه وصاحب الشمال بشماله وأشقى منه وراء ظهره، وتعني الأعمال الفردية التي لم يشترك معه غيره فيها.
    وخامسها: كتاب كل أمة يوم القيامة ويعني الأعمال الجماعية التي اشترك فيها اثنان فأكثر كتسعة رهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون يوم تحالفوا وتقاسموا أن يغتالوا صالحا رسول الله كما في قوله:
    ـ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ الزمر
    ـ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَـذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ الكهف
    ـ ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَـذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ الجاثية
    ـ ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ قد أفلح
    ولْيتوقّفْ اللاهون اللاغون الناشرون عبر الأثير وفي الأوراق عن نشر الباطل واللغو حتى لا يضل بإضلالهم قوم آخرون.
    وسادسها: بمعنى الظرف المكاني الذي تنتقل إليه الأرواح والصور المستنسخة من الأعمال بعد الموت، والتي ستعرض على غير المغفور له يوم الحساب.
    أما أرواح الأبرار بعد موتهم فيصعد بها إلى علّيّين بعد أن تفتح لهم أبواب السماء فيجدون أمامهم أعمالهم الصالحة مستنسخة تعرض عليهم كأنما هي كتاب مرقوم أي لا يفرقون بينها وبين ما عملوه في الدنيا كما في قوله ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ التطفيف، أي أن المقربين في عِلّيّين يحضرون أرواح الأبرار بعد موتهم حين صعودها إلى عليين فيسأل الأولون منهم اللاحقين عمّن تركوا خلفهم من الأهل والأصحاب كما في الأحاديث النبوية التي بيّن بها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم حرف التطفيف.
    وأما أرواح الفجّار بعد موتهم فيهبط بها إلى أسفل في سِجّين في أعماق الأرض فيجدون أمامهم أعمالهم السيئة مستنسخة تعرض عليهم كأنما هي كتاب مرقوم أي هي صور رقمية مستنسخة من الأعمال في الدنيا كما في قوله ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ التطفيف.
    وتعني دلالة كلمة الكتاب الخامسة والسادسة وقوعها على ما ينظر إليه ويعرف ولو كان صورا معروضة، وكذلك الحروف المكتوبة المقروءة لها ظرفها المكاني الذي يجمعها ويشملها وهي الصحف والكتاب.
    وسابعها: الكتاب الذي أوتيه جميع النبيين والرسل قبل التوراة كما في قوله:
    ـ ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ عمران
    ـ ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسَلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ الحديد
    ـ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاُه هَارُونَ وَزِيرًا فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدّمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ الفرقان
    ولا يخفى أن كثيرا من النبيين والرسل كانوا قبل التوراة التي أوتيها موسى ومنهم إبراهيم وإسماعيل، ولا تخفى دلالة حرف الفرقان على كتاب أوتيه موسى قبل رسالته إلى فرعون، وإنما أوتي موسى التوراة بعد إغراق فرعون وجنوده.
    وثامنها: وقوع كلمة الكتاب على التوراة أو الإنجيل أو هما معا كما في قوله:
    ـ ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾ الإسراء
    ـ ﴿فَاسْأَلِ الذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ يونس
    ـ ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ﴾ الأنعام
    ـ ﴿ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل﴾ آل عمران
    وكذلك حيث اقترن الكتاب بموسى سوى حرف الفرقان وحيث ورد أهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب.
    ولا تخفى المغايرة بين الكلمات الأربع "الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" وإلا للزم القول بأن التوراة هي نفس الإنجيل وهو ظاهر السقوط.
    ولن يصح إبدال الكتاب في الأحرف المذكورة وشبهها بالقرآن لأن للقرآن دلالة أخرى لا يصح إيرادها في غيرها كما يأتي تحقيقه.
    وتاسعها: الكتاب المنزل على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم كما في قوله:
    ـ ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ آل عمران
    ـ ﴿وَهَـَذا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ الأنعام
    وعاشرها: قرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون وهو الكتاب المبين وكتاب لا ريب فيه كما في قوله ﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ عبس، وبينته في مادة الصحف ومادة ريب وغيرها.
    إن الكتاب الذي أوتيه النبيون والرسل قبل التوراة لا اختلاف بينه وبين الكتاب الذي تضمنه كل من التوراة والإنجيل والقرآن، لأن التوراة قد حوت الكتاب وزادت عليه نبوة موسى، وحوى الإنجيل الكتاب وزاد عليه نبوة عيسى، وحوى القرآن الكتاب وزاد عليه نبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ونبوة النبيين قبله.
    وإنما علم الرسل والنبيون قبل التوراة الكتاب غيبا فكانوا يعلّمون أممهم منه بقدر استعدادهم للتلقي ثم أنزل الله الكتاب مع موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وتعبد الناس بدراسته لدرايته.
    إن الكتاب هو ما تضمن المصحف من الإيمان بالله رب العالمين، وما تضمن عن العالمين كخلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، وتدبير أمر الخلق كله، وما حوى من النعم في الدنيا ومن وصف مخلوقاته وكذا المؤمنون والكفار والمشركون والمنافقون، وما حوى من التشريع أي الخطاب الفردي والجماعي، ومن التكليف لسائر العالمين، وما تضمن عن الحياة والموت والقدر كله والبعث والحساب والجزاء بالجنة أو النار.
    وهكذا كان من تفصيل الكتاب أن قوله:
    ـ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ النساء
    ـ ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ الزمر
    ـ ﴿ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء﴾ النساء
    قد تضمن مادة الكتاب لاشتماله على الحكم بين الناس وعلى الأمر بالعبادة وعلى الأحكام الشرعية التي شرع الله للناس، ولو أبدلت كلمة الكتاب بكلمة القرآن في الآيات المتلوة المذكورة لانخرم المعنى كما بينت في مادة القرآن.
    إن عاقلا أو مغفلا لن يقول إنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم سيعدمه ويعيد خلقه كما خلقه أول مرة، وكان حريا بالناس أن يفهموا الكتاب لوضوحه وهل في اللهِ فاطرِ السماوات والأرض شكٌّ ؟ ومتى احتاج التكليف بالصلاة والزكاة وسائر التكاليف إلى تدبر؟ وإنما هي تكاليف من رب العالمين فمن شاء زكَّى نفسه بها ومن شاء دسّاها بالإعراض عنها.

    الفصل الثاني:دلالة القرآن في الكتاب المنزل
    وأما القرآن فهو ما حوى المصحف من نور مبين في القصص والذكر والقول والنبوة والأمثال يقع على غيب وعد الله أن يصبح شهادة معلومة بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وقبل النفخ في الصور.
    وكان من تفصيل الكتاب المنزل أن قوله:
    ـ ﴿وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله امكثوا إني آنست نارا﴾ النمل
    ـ ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هـذا القرآن﴾ يوسف
    ـ ﴿وأوحي إليَّ هـذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ﴾ الأنعام
    ـ ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ مكررة في القمر
    ـ ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ خاتمة سورة ق
    ـ ﴿ولقد ضربنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل﴾ الروم ـ الزمر
    ـ ﴿هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ﴾ خاتمة البروج
    وشبهه قد تضمن مادة القرآن لاشتماله على القصص والوعد في الدنيا والذكر والأمثال ولو أبدلت كلمة القرآن فيه بكلمة الكتاب لانخرم المعنى.
    ولقد أدرك كفار قريش هـذا التفصيل وقالوا كما في قوله ﴿وقال الذين كفروا لن نؤمن بهـذا القرآن ولا بالذي بين يديه﴾ سبأ، أي لن يؤمنوا بالقرآن ذي الموعودات في الدنيا ولا بالكتاب ذي التكاليف التي على رأسها ترك الأوثان وعبادة الله وحده، وذي الموعودات بالآخرة.

    بيان قوله ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين
    وإن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن لفظ النور حيث وقع في الكتاب المنزل فإن له أكثر من دلالة إذ يقع على:
    أولا: نور خارق معجز تشرق به الأرض يوم القيامة كما في قوله ﴿وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب﴾ الزمر
    ثانيا: نور في يوم القيامة يهتدي به المكرمون إلى حيث يأمنون كما في قوله :
    ـ ﴿يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا﴾ التحريم
    ـ ﴿والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم﴾ الحديد
    ـ ﴿يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ الحديد
    ـ ﴿يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم﴾ الحديد
    ثالثا: نور كالموصوف في سورة النور وعد به الله في القرآن وسيُرى في الدنيا كما في قوله ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس﴾ الأنعام، وبينته في مادة النور في المعجم.
    رابعا: يقع على تبيّن ما في الكتاب المنزل والاهتداء به أي في مقابلة الظلمات وهي كل سلوك ومنهج اختاره الإنسان لنفسه مخالفا لهدي الكتاب المنزل كما في قوله:
    ـ ﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور﴾ إبراهيم
    ـ ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات﴾ البقرة
    ـ ﴿فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور﴾ الطلاق
    وأما قوله :
    ـ ﴿قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس﴾ الأنعام
    ـ ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور﴾ المائدة
    ـ ﴿وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور﴾ المائدة
    فيعني أن كلا من التوراة والإنجيل قد تضمن موعودات نبأ الله بها موسى وعيسى لن تقع إلا متأخرة كثيرا، وكذلك النور يقع على البعيد في ظلمات الغيب فيبصره المؤمنون فيؤمنون به وينتظرونه، ومما نبأ الله به موسى قوله ﴿وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين﴾ المائدة، ووقعت نبوة موسى هـذه بعده فجعل الله فيهم أنبياء بعده وجعل فيهم ملوكا كطالوت وداوود وسليمان وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ومنه أن علّم داوود وسليمان منطق الطير وآتاهما من كل شيء، ومما نبأ الله به عيسى قوله ﴿ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد﴾ الصف
    وإن من المثاني قوله:
    ـ ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا﴾ الشورى
    ـ ﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾ المائدة
    ـ ﴿فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا﴾ التغابن
    ـ ﴿يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا﴾ النساء
    ـ ﴿فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ الأعراف
    وتعني أن القرآن نور أنزل من عند الله وكلف الناس بالاهتداء به، إذ يقع على موعودات بعيدة يوم نزل القرآن على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وكذلك النور يقع على البعيد فيتراءى لك قبل أن تصل إليه، وسيعلم الناس رأي العين في الدنيا يوم تقع موعودات القرآن فتصبح شهادة بعد أن كانت غيبا يوم نزل القرآن أن القرآن قول ثقيل ألقِيَ على خاتم النبيين وأنه قرآن عجب يهدي إلى الرشد وإلى التي هي أقوم إذ سيهتدي به يوم تقع موعوداته أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى، وسيزداد به الذين في قلوبهم مرض رجسا إلى رجسهم وضلالا إلى ضلالهم.

    بيان قوله ﴿كتابا متشابها مثاني
    ولعل مادة المثاني في الكتاب المنزل تعني إعجازا ظاهرا في القرآن العظيم لتضمنه ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين كما في قوله تعالى ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها﴾ القتال، ويعني أن قوله تعالى ﴿دمّر الله عليهم﴾ هو ذكر من الأولين، وأن قوله تعالى ﴿وللكافرين أمثالها﴾ هي وعد في الآخرين نبّأ الله به النبي الأميّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يزال الوعد به من الغيب في القرآن الذي كلِّفنا الإيمان به.
    وتقع دلالة المثاني في القرآن على الأحرف السبعة التي أنزل عليها كما يأتي تفصيلها قريبا.
    وتقع دلالة المثاني في الكتاب كما في قوله ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني﴾ الزمر، على إيراد المعاني والدلالات بأوجه وصيغ متعددة كما في قوله ﴿وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا﴾ الأنعام، ومن المثاني معه قوله ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم﴾ الأعراف.
    وكما في قوله ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ الزمر، ومن المثاني معه قوله ﴿إلـهكم إلـه واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة﴾ النحل، ويعني أن قلوب المشركين تشمئز من الإيمان بالله وحده أي تنكره.
    وكما في قوله ﴿قال لن تراني﴾ الأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿لا تدركه الأبصار﴾ الأنعام، ويعني أن موسى لم ير ربه وكذلك لم يره أحد ولن يراه في الدنيا إذ لا تدركه الأبصار أما في الآخرة فيراه المكرمون من الناس كما في قوله ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ القيامة، ومن المثاني معه قوله ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون﴾ المطففين، ويعني المعتدين الآثمين أما غيرهم فغير محجوبين عن ربهم بل يرونه.
    وكما في قوله ﴿ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم﴾ المجادلة، ومن المثاني معه قوله ﴿ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا﴾ النساء، وقوله ﴿ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب﴾ التوبة، ويعني أن الله على كل شيء ومنه النجوى شهيد لم يغب عنه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه علام الغيوب ولا تخفى عليه خافية.
    وكما في قوله ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب﴾ الأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص﴾ هود، وقوله ﴿فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون﴾ الأعراف، ويعني أن المكذبين لن يعجل لهم العذاب قبل أن يستوفوا نصيبهم من المتاع والرزق والحياة كما كتب لهم في اللوح المحفوظ فلا ينقصون منه شيئا.
    وكما في قوله ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾ الأنفال، ومن المثاني معه قوله ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ سورة ق، ويعني أن القلب هو محل الإرادة ويرسلها عبر حبل الوريد، والله أقرب إلى الإنسان منهما أي يحول بينه وبين التوبة إذا جاء الموت فهلا بادروا بها قبل الأجل.
    وكما في قوله ﴿لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش﴾ الأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل﴾ الزمر، وقوله ﴿يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ العنكبوت.
    وكما في قوله ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ الشورى، ومن المثاني معه قوله ﴿أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هـذا قل هو من عند أنفسكم﴾ آل عمران، ويعني أن المؤمنين قد أصابوا من المعصية مثلي ما أصابهم من القتل والقرح في غزوة أحد.
    وكما في قوله ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ النساء، ومن المثاني معه قوله ﴿وألفيا سيدها لدى الباب﴾ يوسف، ويعني أن الزوج هو القائم على شؤون امرأته المسؤول عنها أي هو سيدها.
    وكما في قوله ﴿قال فرعون وما رب العالمين﴾ الشعراء، ومن المثاني معه قوله ﴿وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان﴾ الفرقان، ويعني أن العبد إذا نسي ربه سيقع منه حتما نسيان نفسه وهكذا يطغى ويتجاوز حده وينكر خالقه.
    وكما في قوله ﴿يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا﴾ خاتمة النبإ، ومن المثاني معه قوله ﴿يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا﴾ النساء، ويعني أن الكافر في يوم القيامة حين تعرض عليه أعماله يتمنى أن يكون ترابا أي تسوى به الأرض ليفلت من الحساب والعقاب بالعذاب.
    وكما في قوله ﴿هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية﴾ ومن المثاني معه قوله ﴿وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما﴾ طـه، ويعني أن وجوها ستنصب وهو عنتها لله الحي القيوم يوم يقوم الناس لرب العالمين فتعاني وجوه من التعب والمشقة والخشوع ما لا ينفعها بل ستخيب بما حملت من الظلم وستصلى بعده نارا حامية.
    وكما في قوله ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا﴾ ومن المثاني معه قوله ﴿أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا﴾ مريم، وقوله ﴿وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا﴾ مريم.
    وكما في قوله ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ الأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحييناكم ثم يميتكم ثم يحييكم﴾ البقرة، ويعني أن جميع بني آدم قد خلقوا وصوروا قبل أمر الملائكة بالسجود لآدم وماتوا جميعا فكان كل منهم ميتا إلى أن يحيى في بطن أمه.
    وكما في قوله ﴿يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون﴾ الأنفال، ومن المثاني معه قوله ﴿لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون﴾ الحشر، ويعني أن جمع الكفار والمنافقين والمشركين وكثرتهم أضعَفَها رهبتُهم من الذين آمنوا فكان الرجل من المؤمنين بمثليه أو أكثر في القتال في سبيل الله، ويعني وصفهم بأنهم قوم لا يفقهون في الحرفين أنهم لا يفقهون أن الله أحق أن يرهب منه وأن يخاف من عذابه وعقابه.
    وكما في قوله ﴿كذلك كدنا ليوسف﴾ يوسف، ومن المثاني معه قوله ﴿لا يستطيعون حيلة﴾ النساء، ويعني صحة الحديث النبوي أن الله يلوم على العجز ومنه ترك الحيلة الموصلة إلى الغاية الشرعية.
    وكما في قوله ﴿أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير﴾ خاتمة العاديات، ومن المثاني معه قوله ﴿وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور﴾ غافر، وقوله ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب﴾ التوبة، ويعني أن الظالمين في يوم القيامة سيعلمون رأي العين أن الله كان يعلم ما تخفي صدورهم في الدنيا إذ حُصِّل ما فيها من الكِبْر والغل والحسد وسوء القصد وحوسبوا عليه، ويعني حرف التوبة أن المنافقين كانوا قد أسروا في قلوبهم أن لا يصدقوا وأن لا يكونوا من الصالحين خلاف ما قالوه بألسنتهم وهو النفاق في قلوبهم الذي سيبعثون عليه ويحصل من قلوبهم فيحاسبون عليه.
    وكما في قوله ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه﴾ القيامة، ومن المثاني معه قوله ﴿ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه﴾ طـه.
    وكما في قوله ﴿وقل رب زدني علما﴾ طـه، ومن المثاني معه قوله ﴿واذكر ربك إذا نسيت﴾ الكهف، يعني ادع ربك أن يزيدك علما كما هو مفصل في حرف طـه.
    وكما في قوله ﴿قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذن لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا﴾ الإسراء، ومن المثاني معه قوله ﴿أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا﴾ النساء، ويعني أن الإنسان القتور لو كان يملك خزائن رحمة ربنا لأمسكها عن الناس ولم يؤتهم منها نقيرا وإذن لما أوتي النبيون والرسل منها ما آتاهم ربهم من خزائن رحمته.
    وكما في قوله ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد﴾ هود، ومن المثاني معه قوله ﴿فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه﴾ النساء، ويعني أن قد آتى الله آل إبراهيم من الكتاب والحكمة والملك العظيم ولا يختص به آل إسرائيل وحدهم بل شاركهم فيه آل إسماعيل فرحمة الله وبركاته على أهل البيت كلهم والكتاب والحكمة والملك العظيم أوتيه آل إبرهيم كلهم فلماذا حسد اليهود الذين عاصروا نزول القرآن بني إسماعيل أن بعث منهم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وبينته في مادة الصلاة في المعجم.

    الفصل الثالث: النسخ وفقه المرحلة
    النسخ
    إن كلا من الكتاب والقرآن كلام الله وليس من قول البشر كما هي دلالة قوله ﴿ولو نزّلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين﴾ الشعراء، ويعني أن لو كان الرسول بالقرآن أعجميا لا يتكلم اللسان العربي لقرأ القرآن على الناس كما نُزّل على قلبه أي كما أُقرِئ تماما كما أضحى معلوما لكل الناس سماع الكلام من الأشرطة والأسطوانات التي لا تملك له تحريفا ولا تغييرا ، وهكذا أقرئ النبي الأمي القرآن كما في قوله ﴿سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله﴾ الأعلى، وليس الاستثناء من الله حشوا ولا زيادة لا تعني شيئا سبحان الله وتعالى وإنما هو وعد سيتم نفاذه أي سينسى منه النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وهو ما لم تتضمنه العرضتان الأخيرتان.
    ولم يقع في القرآن نسخ سبحان الله وتعالى أن يخلف الميعاد وإنما القرآن ذكر وقصص وموعودات نبئ بها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ستقع قبل النفخ في الصور.
    ولم يقع نسخ في موعودات الكتاب التي ستقع في الآخرة ولا في أسماء الله ومشيئته وتدبيره الأمر في السماوات والأرض.
    إن قوله:
    ـ ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها﴾ البقرة
    ـ ﴿وإذا بدلنا آية مكان آية﴾ النحل
    ليعني وقوع النسخ في التشريع خاصة من الكتاب المنزل، وقد وعد الله أن يأتي بآية خير من الآية المنسوخة أي يُنزلها، وكان في كل آية مبدَلة إصر أو تحريم وفي الآية البدل تخفيف وتيسير أو تحليل، ألم تر أن قوله ﴿وعلى الذين هادوا حرّمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون﴾ الأنعام، يعني أن نبيا بعد موسى نزل عليه ذلك التحريم ، وأن قوله ﴿ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم﴾ عمران، يعني أن عيسى قد نزل عليه تحليل بعض ما حُرّم على بني إسرائيل كالذي تضمنه حرف الأنعام، فالأول المنسوخ فيه إصر وتحريم والثاني البدل فيه تخفيف وتحليل، وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل ذلك كما في نسخ شرب الخمر بقوله ﴿يـأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ المائدة، وذلك بعد الكراهة كما في قوله ﴿ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون﴾ النحل، ويعني أن من يعقل سيدرك أن الموصوف بالسكر ليس رزقا حسنا وإنما هو رزق قبيح وكذلك بعد قوله ﴿يـأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون﴾ النساء، ويعني أن السكر مذهب للعلم والوعي والإدراك.
    وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في تكليف الواحد من المؤمنين وهو في ساحة المعركة أن يصبر ولا يوَلِّيَ الدبر ولو قاتله العشرة من الكفار بقوله ﴿يـأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون﴾ الأنفال، ولا يخفى ما فيه من المشقة على البعض وقد نسخ بقوله ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ﴾ الأنفال.
    وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في نسخ التكليف بفرض الإقامة الجبرية في المنزل على الزانية مدى الحياة كما في قوله ﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾ النساء، وقد نسخ بقوله ﴿الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾ النور، ولا يخفى أن في الأول المنسوخ إصر ومشقة وفي الثاني البدل تخفيف وتيسير هو على الأمة خير من التكليف الأول الثقيل.

    فقه المرحلة
    ولعل في بحثي فقه المرحلة جوابا على إشكالية النسخ عند الفقهاء القائلين بالنسخ كلما وجدوا حكمين فأكثر في المسالة الواحدة.
    إن قوله ﴿ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل﴾ الزمر والروم، لتعني أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان إذ حوى القرآن مثالا لكل حالة ومرحلة سيتعرض لها المسلم فأكثر منذ نزول القرآن إلى قيام الساعة.
    وعلى كل مسلم أن يتمثل المثل الذي ضرب الله له في القرآن:
    فإن كان سجينا فقد ضرب الله له مثل يوسف الذي شهد له صاحبا السجن بقولهما ﴿إنا نراك من المحسنين﴾ يوسف.
    وإن كان فردا مسلما طليقا في أرض لا يعبد الله فيها فقد ضرب الله له مثل إبراهيم الذي كان أمة وحده.
    وإن كانت جماعة المسلمين ممكنة في الأرض فقد ضرب الله لها مثل داوود وسليمان وذي القرنين والنبي الأمي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب.
    وإن كانت قلة تخاف أن تفتن عن دينها فقد ضرب الله لها مثلا بأصحاب الكهف الذين اعتزلوا من يخافون فتنته وتركوه وشأنه وكما في الأحاديث النبوية الصحيحة ومنها:
    في صحيح البخاري:كتاب المناقب،باب علامات النبوة في الإسلام:
    "يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم يتبع بها شعف الجبال أو سعف الجبال في مواقع القطر يفر بدينه من الفتن "
    وفي كتاب الإيمان:باب من الدين الفرار من الفتن
    "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " وهو من مكررات البخاري.
    وكذلك الحديث في سنن أبي داوود والنسائي وابن ماجه وموطإ مالك وصحيح ابن حبان ومسند أحمد وأبي يعلى الموصلي بأسانيدهم المختلفة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وحوى القرآن جميع المواقف التي سيقفها أعداء الدين من أهله إلى نهاية المستقر والمتاع في الأرض للإنسان.
    ولقد كان المسلمون داخل الدولة النبوية في المدينة مكلفون بجميع الخطاب الجماعي خلافا لكل من الملك النجاشي ورجال مؤمنين ونساء مؤمنات في مكة قبل الفتح إذ لم يخاطبوا بشيء من التكاليف الجماعية كالقضاء والحدود والجهاد والقتال والصلح والمعاهدات.
    ولا يخفى وصف النجاشي بالإيمان إذ صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب يوم موته في التاسعة من الهجرة.
    ولا يخفى وصف المؤمنين المستضعفين في مكة قبل الفتح بالإيمان كما في قوله ﴿ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات﴾ الفتح، فوصفهم الله بالإيمان رغم عدم قيامهم بشيء من التكاليف الجماعية لأنهم كانوا مستضعفين، وكانوا خارج نفوذ الدولة الإسلامية.
    ولقد أسقط الاستضعاف عن الرسول النبي هارون معاقبة عبدة العجل كما في قوله ﴿قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني﴾ الأعراف،وأقرّه موسى،وجعل الله عذره عبرة لأولي الألباب كما في قوله ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾ يوسف.
    وأسقط الاستضعاف كذلك عن بني يعقوب الوفاء بموثقهم فلم يرجعوا بأخيهم كما في قوله ﴿قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم﴾ يوسف، فكان وجودهم في ظل حاكم أقوى منهم من الإحاطة بهم.
    إن قوله ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هـذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا﴾ النساء، ليعني أن المستضعفين في مكة لم ينشئوا التنظيمات السرية ولم يقوموا باغتيال زعماء مكة،وشكر الله سلوكهم فجعله قرآنا يتلى للذكر والعبرة ، إذ لم يكن منهم إلا دعاء ربهم ليخرجهم من مكة حيث استضعفوا فيزول عنهم الاستضعاف.
    إن القرآن حدثنا أن الانشغال بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وسائر التكاليف الفردية والكف عن القتل والقتال والاغتيال هو سلوك رسول الله وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم في العهد المكي ( مرحلة الاستضعاف )على نسق جميع النبيين والرسل الذين لم يمكّن لهم في الأرض مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ومثل موسى وهارون قبل هلاك فرعون ولو جاز لهم لسارع إليه موسى وهارون ولهما أكبر الدوافع بما يعانيه قومهما من فرعون وملئه الذين يسومونهم سوء العذاب بقتل الذكور واستحياء النساء لإبادة شعب بكامله ولو جاز لهم لما اكتفى محمد صلى الله عليه وسلم في العهد المكي بأمر أصحابه بالصبر وهم يعذبون حتى ماتت سمية بالتعذيب ولما منع أصحاب بيعة العقبة الكبرى في السنة الثالثة عشر من البعثة على عتبة الهجرة من اغتيال زعماء مكة في منى لتصبح بانقلاب أحمر دار إسلام وهجرة.
    إن النبي محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد كلّف باتباع النبيين قبله وبالاهتداء بهداهم ومنهم إبراهيم الذي حطّم أصنام قومه كما في قوله ﴿وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم﴾ الأنبياء، أي قطّعها تقطيعا ومن المثاني معه قوله ﴿فراغ عليهم ضربا باليمين﴾ الصافات، ولم يتبع خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم إبراهيم في هذا السلوك إذ لم يحطم الأصنام حول الكعبة بل ظلّ يصلي ويطوف حول الكعبة قبل الهجرة ولم يمسّ الأصنام بسوء ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم قد أطاع الله في قوله ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم﴾ الأنعام، فكان استثناء من عموم الأمر في قوله ﴿فبهداهم اقتده﴾ الأنعام، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن النهي عن سبّ الأصنام يعني نهيا أكبر منه عن تحطيمها في مرحلة الاستضعاف.
    إن القرآن حدثنا أن كل عملية قتل وقعت عبر التاريخ منذ قتل ابن آدم الأول بيد شقيقه الخاسر وإلى أن نزلت التوراة وقتل قتيل بني إسرائيل الذي ضرب ببعض أجزاء البقرة التي ذبحت - إنما كانت من جانب الكفار والمشركين ، إذ لم يتضمن القرآن القتل ومحاولته والقتال والاغتيال في مرحلة ما قبل التمكين إلا من جانب الكفار:
    ـ ومنه تهديد نوح بالرجم كما في قوله ﴿قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين﴾ الشعراء
    ـ ومنه تهديد إبراهيم بالرجم كما في قوله ﴿قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك﴾ مريم
    ت ومنه تهديد شعيب بالرجم كما في قوله ﴿قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك﴾ هود
    ـ ومنه تهديد الرسل الثلاثة أصحاب القرية بالرجم كما في قوله ﴿قالوا طائركم معكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسّنّكم منا عذاب أليم﴾ يـس
    ـ ومنه محاولة اغتيال صالح وأهله من جانب تسعة رهط من قومه كما في قوله ﴿وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون﴾ النمل.
    ـ ومنه رمي إبراهيم في النار التي نجّاه الله منها كما في قوله ﴿قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين﴾ الصافات، وقوله ﴿قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين﴾ الأنبياء
    ـ ومنه المجزرة الجماعية لأصحاب الأخدود الذين حرّقوا بالنار كما في قوله ﴿قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد﴾ البروج
    ـ ومنه سلوك فرعون بإعدام السحرة بعد التمثيل بهم وصلبهم أن آمنوا برب العالمين رب موسى وهارون كما في قوله ﴿وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلّبنّكم أجمعين﴾ الأعراف، وقوله ﴿فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علّمكم السحر فلأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنّكم في جذوع النخل ولتعلمنّ أيّنا أشد عذابا وأبقى﴾ طـه، وقوله ﴿فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علّمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنّكم أجمعين﴾ الشعراء
    ـ ومنه قتل أصحاب القرية الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ليعز الرسل الثلاثة كما في قوله ﴿إني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين﴾ يـس، والمعنى أنهم قتلوه لما أعلن الإيمان بالرسل الثلاثة وأن الله أحياه وأدخله الجنة كما هو شأن كل قتيل في سبيل الله .
    ـ ومنه محاولة اليهود قتل عيسى لولا أن رفعه الله كما في قوله ﴿وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم﴾ النساء، وقوله ﴿ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ﴾ آل عمران
    ـ ومنه عمليات قتل أنبياء وأتباعهم لم يفصلها القرآن كما في قوله ﴿لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق﴾ آل عمران، وقوله ﴿قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين﴾ ، وقوله ﴿لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون﴾ المائدة، وقوله ﴿ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ﴾ البقرة
    ـ ومنه تهديد الرسل بالآيات بالإخراج من الديار أو الإكراه على ترك دينهم كما في قوله ﴿وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملتنا﴾ إبراهيم، وكما في قوله ﴿قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملتنا﴾ الأعراف، وكما في قوله ﴿لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين﴾ الشعراء، وقوله ﴿وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون﴾ الأعراف، وقوله ﴿فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون﴾ النمل
    أقول نعم ! لقد ذكر القرآن أن موسى قتل قبطيا خطأ قبل الرسالة وقد استغفر منها وعاتبه الله عليها وتاب عليه فمن يحتج بها ؟
    وأن الخضر قتل غلاما بأمر الله بدليل قوله ﴿وما فعلته عن أمري﴾ الكهف، وبدليل قوله ﴿فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما﴾ الكهف، وهو ظاهر الدلالة على الوحي كما بينت في معجم معاني حروف وكلمات القرآن: مادة النبوة.
    وأما تفكير الأسباط إخوة يوسف في قتله فقد تراجعوا عنه واستغفروا منه وكان قبل نبوتهم وبدافع الغيرة وهم فتيان لا زالوا يلعبون ويمرحون ويستبقون.
    إن القرآن حدثنا أن ابن آدم الأول المقتول إنما منعه دينه عن الدفاع عن نفسه وذلك قوله ﴿لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين﴾ المائدة، ويعني أن خوفه من عذاب ربه وعقابه هو الذي منعه من الدفاع عن نفسه .
    وما كان جواب نوح لما هدّد بالرجم إلا كما في قوله ﴿قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين﴾ الشعراء.
    وما كان جواب إبراهيم لما هدده أبوه بالرجم إلا أن قال كما في قوله ﴿قال سلام عليك سأستغفر لك ربي﴾ مريم وما كان جواب الرسل الثلاثة الذين هدّدوا بالرجم إلا كما في قوله ﴿قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون﴾ يس.
    وما كان من شعيب لما هدّد بالإخراج أو الإكراه على ترك دينه إلا أن قال كما في قوله ﴿قال أو لو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين﴾ الأعراف
    وما كان من لوط لما هدّد بالإخراج إلا أن قال كما في قوله ﴿إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون﴾ الشعراء
    وما كان من الرسل بالآيات لما هدّدوا بالإخراج أو الإكراه إلا أن قالوا ﴿ولنصبرنّ على ما آذيتمونا﴾ إبراهيم واستفتحوا ربهم طلبا للنصر.
    وكذلك صبر النبيون الذين قتلوا ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل أنهم بسطوا أيديهم دفاعا عن أنفسهم.
    وما كان من السحرة لما هددوا بالصلب والتمثيل والإعدام إلا أن قالوا كما في قوله ﴿قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين﴾ الأعراف، وكما في قوله ﴿قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى﴾ طـه، وكما في قوله ﴿قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين﴾ الشعراء
    إن المسلم مخاطب بالتكاليف الشرعية وهو في إحدى وضعيتين أو مرحلتين لن يخلو منهما أحد:
    1. مرحلة الاستضعاف
    2. مرحلة التمكين
    ولقد غاير الكتاب المنزل كثيرا بين الوضعيتين فجعل التكاليف الفردية وهي ما يسع كل فرد مسلم فعله كالصلاة والبر والإنفاق والصيام ـ وكذا المنهيات في جميع الوحي ـ هي التكليف في مرحلة الاستضعاف وهي التي لم يتجاوزها نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وسائر الرسل الذين لم يمكّن لهم في الأرض ولم يتجاوزها خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم في المرحلة الابتدائية وهي ما قبل الهجرة أو ما يسمى بالعهد المكي.
    وجعل التشريع الجماعي ومنه القصاص والحدود والمعاملات والإذن بالقتال والمعاهدات هو ما خوطب به السلطان والمجتمع المسلم معه وهم من يقع عليهم الوصف بجماعة المسلمين.
    إن القتل والقتال والخطف والاغتيال في هذه المرحلة مرحلة الاستضعاف هو بدعة ابتدعتها القرامطة وكذا الحشاشون في قلعة آلموت بقيادة الحسن بن الصباح في القرن الرابع الهجري إذ سلكوا أسلوب الاغتيالات والعمليات الانتحارية ضد مخالفيهم وتبعهم الاشتراكيون العرب في الشام إذ كانوا أول من سنّ عمليات خطف الطائرات والأفراد والعمليات الفدائية ضد العدو منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين،ثم سار على نهج الفريقين التنظيمات الجهادية في أواخر القرن العشرين إلى يومنا هذا.
    وإنما وقع الخلط على فقهاء الورق في الأحزاب الإسلامية وفي البلاط وعلى المؤمنين بحمل السلاح في هـذه المرحلة بسبب عدم دراية هـذه الحقائق الكبرى في الكتاب المنزل على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وفي الأحاديث النبوية الصحيحة وعدم استطاعتهم التفريق بين دلالة القتال في سبيل الله والقتال الشرعي والدفع المشروع لكل الطوائف والديانات والحرابة.
    وظهر جليا تدليس فقهاء الأوراق في البلاط من خلال تطويع الفقه لتشريع قرارات الحاكم وسلوكه.
    وظهر كذلك جليا تدليس الحركات الإسلامية الساعية الراغبة في السلطة عبر اللعبة الديمقراطية من خلال إيهام أتباعهم أن اجتهاداتهم رغم تعددها قد وافقت الشرع.

  5. #5
    ماتفضلت به أستاذ الحسن رائع كمبدأ فكيف نجعله لاتنطلي عليه اوهام المغرضين الذي يتدثرون بدثار اسلامي ظاهرا فقط ليمرروا مخططاتهم الخاطئة.؟
    مع احترامي.

  6. #6

    المحاضرة الثالثة
    دراسة نقدية حول تفسير الأحرف السبعة
    تقيدا بالبحث العلمي المجرد وبعيدا عن التقليد وعن التكلف سأناقش في هذا الباب أربع مسائل تتعلق بحديث إنزال القرآن على سبعة أحرف:
    أولاها: إجماع المصنفين من طرق الرواة ومن تبعهم من المفسرين وغيرهم على تأويلهم دلالة الأحرف السبعة.
    وثانيها: إجماع القراء والمفسرين على ما حسبوه سبب ورود الحديث.
    وثالثها: مناقشة روايات الحديث.
    ورابعها: تفسير جديد لمدلول الأحرف السبعة.

    المسألة الأولى: إجماعهم على تأويلهم دلالة الأحرف السبعة.
    ولقد أجمع المصنفون من طرق رواة القراءات على الكليتين التاليتين:
    1. أن ليس المقصود بالأحرف السبعة جواز قراءة كل كلمة من القرآن بسبعة أوجه
    2. وأن ليس المقصود بالأحرف السبعة القراءات السبع التي جمعها ابن مجاهد في سبعته في القرن الرابع الهجري
    قلت: ولقد وافقوا الصواب في المسألتين غير أنهم تخلصوا من الإشكالية بتأويل دلالة الأحرف السبعة على أنها لغات رغم اختلافهم في تعيينها فمنهم من يقول هي لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن.
    وتأوّل المصنفون من طرق الرواة كالداني في جامع البيان (1/107) الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بأحد تفسيرين:
    1. بأوجه اللغات بقوله ﴿ومن الناس من يعبد الله على حرف﴾ الحج، أي على وجه النعمة والسراء.
    2. بالقراءات من باب تسمية الشيء باسم بعضه.
    وعلق ابن الجزري في النشر (1/24) على مذهب الداني المذكور بقوله "وكلا الأمرين محتمل إلا أن الأول محتمل احتمالا قويا في قوله صلى الله عليه وسلم "سبعة أحرف" أي سبعة أوجه وأنحاء، والثاني محتمل احتمالا قويا في قول عمر رضي الله عنه في الحديث : "سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على قراءات كثيرة ..." اهـ محل الغرض منه.
    ولقد أحسن المحقق ابن الجزري في رد هذا التفسير بقوله (1/24) "وهذه الأقوال مدخولة فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح وكلاهما قرشيان من لغة واحدة وقبيلة واحدة" اهـ بلفظه.
    ويلاحظ أن ابن الجزري قد اعتبر القول المدخول حسب وصفه وعدّه أولا ضمن تأويله دلالة الأحرف السبعة قال (1/26) :"ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك:
    1. إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو ﴿البخل﴾ بأربعة و ﴿يحسب﴾ بوجهين
    2. أو بتغير في المعنى فقط نحو ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات﴾ ﴿وادكر بعد أمة﴾ و ﴿أمه﴾
    3. وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو ﴿تبلوا﴾ و ﴿تتلوا﴾ و ﴿ننجيك ببدنك﴾ و ﴿ننحيك ببدنك﴾
    4. أو عكس ذلك نحو ﴿بصطة﴾ و ﴿بسطة﴾ و ﴿الصراط﴾ و ﴿السراط﴾
    5. أو بتغيرهما نحو ﴿أشد منكم﴾ و ﴿ومنهم﴾ و ﴿يأتل﴾ و ﴿يتألَ﴾ و ﴿فاسعَوا إلى ذكر الله﴾ و ﴿فامضوا﴾
    6. وإما في التقديم والتأخير نحو ﴿فيقتلون ويقتلون﴾ و ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق﴾ ﴿وجاءت سكرة الحق بالموت﴾
    7. أو في الزيادة والنقصان نحو ﴿وأوصى﴾ ﴿ووصى﴾ ﴿والذكر والأنثى﴾
    فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والمد والقصر والإمالة والفتح والتحقيق والتسهيل والإبدال والنقل مما يعبر عنه بالأصول فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا ولئن فرض فيكون من الأول" اهـ بلفظه وبزيادة بعض الأمثلة للتوضيح.
    وأبدأ بإعطاء كل ذي حق حقه وكل ذي فضل فضله معترفا بفضل من سبقني من الباحثين الجادّين أعني الشيخ محمد محمد أبا شهبة في كتابه "المدخل لدراسة القرآن الكريم"، ولقد سبقني بما بهرني من رأي سديد وفكر ثاقب أثناء نقاشه الرائع الآراء المختلفة حول الأحرف السبعة، قال:
    "يمكننا إجمال النقد فيما يلي:
    1. إن القائلين بهذا الرأي ـ على اختلافهم ـ لم يذكر واحد منهم دليلا إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن سبع وهذا التتبع لا يصلح أن يكون دليلا على أن المراد بالأحرف السبعة الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات.
    ولا يقال كيف لا يعتبر التتبع وهو لا يخرج عن كونه استقراء.
    لأنا نقول إنه استقراء ناقص بدليل أن طريق ابن الجزري مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة وابن الطيب والرازي وليس أدل على ذلك من أن الرازي ذكر الوجه السابع ولم يذكره واحد من الثلاثة الآخرين بل برر ابن الجزري إهماله مما يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع وأن الوجه الأول عند الرازي والثاني والسادس ترجع ثلاثتها إلى الوجه الخامس عند ابن الجزري مما يدل على أن هذه الوجوه يمكن أن يتداخل بعضها في بعض وأن تعيينها إنما هو بطريق الاتفاق لا الاستقراء الصحيح.
    وعلى هذا يكون الحصر في الوجوه السبعة غير مجزوم به ولا متعين فهو مبني على الظن والتخمين.
    2. إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لا توجد مشقة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها، فالحق: أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة.
    3. إن أصحاب هذه الأقوال اشتبه عليهم القراءات بالأحرف، فالقراءات غير الأحرف لا محالة وإن كانت مندرجة تحتها وراجعة إليها" اهـ بلفظه من "المدخل لدراسة القرآن الكريم" ص 193 والتي بعدها.
    ولا مزيد على حسنه وتمامه وتأصيله فجزاه الله خيرا عن أمة القرآن.
    وهنالك أربعة أقوال عن المتقدمين في تأويل دلالة الأحرف السبعة هي:
    1. أنها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار.
    2. أنها الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر.
    3. أنها الأمر والنهي والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر.
    4. أنها الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب والتأويل.
    قال ابن الجزري (1/25) "وهذه الأقوال غير صحيحة فإن الصحابة الذين اختلفوا وترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث عمر وهشام وأبيّ وابن مسعود وعمرو بن العاص وغيرهم لم يختلفوا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفوا في قراءة حروفه" اهـ بلفظه
    وهكذا يتبين الاضطراب في تأويل دلالة الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن ولم ينسب السلف ومنهم الداني ومكي وابن الجزري رحمهم الله بسبب أمانتهم العلمية شيئا من تلك الأقوال إلى التابعين ولا إلى الصحابة ولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل ظلت تلك الأقوال اجتهادات متأخرة من المصنفين فجزاهم الله خيرا على الأمانة العلمية.
    ونسجل لابن الجزري رحمه الله عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله الآنف الذكر: "ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله" اهـ ولم يقطع بأنه هو الصواب لا غيره.
    ونسجل للداني رحمه الله عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله في جامع البيان (1/ 109) "ويمكن أن يكون هذه السبعة أوجه من اللغات فلذلك أنزل القرآن عليها" اهـ بلفظه.
    وكذلك اعترف ابن الجزري في نشره (1/25) باحتمال أن لا يكون اختلاف القراءات هو المراد بالأحرف السبعة فقال: "فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الطبراني من حديث عمر بن أبي سلمة المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود "إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر فأحل حلاله وحرم حرامه وأعمل بمحكمه وقف عند متشابهه واعتبر أمثاله فإن كلا من عند الله ﴿وما يذكر إلا أولوا الألباب﴾ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه أحدها: أن هذه السبعة غير الأحرف السبعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأحاديث وذلك من حيث فسرها في هذا الحديث فقال حلال وحرام إلى آخره وأمر بإحلال حلاله وتحريم حرامه إلى آخره ثم أكد ذلك الأمر بقول ﴿آمنا به كل من عند ربنا﴾ فدل على أن هذه غير تلك القراءات" اهـ بلفظه.
    قلت: ولقد وقع الإدراج في الحديث فضُم إليه من تفسير بعض الرواة مصطلحات لم تكن متداولة في جيل الصحابة ولا نطقوا بها ولا سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم مصطلحات: الإنشاء والإخبار والناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر والمطلق والمقيد والإعراب.
    وينقض تأويلهم دلالة الأحرف السبعة ـ التي أنزل عليها القرآن ـ بالقراءات أن المقروء بسبعة أوجه نادر جدا وأن بعض الكلمات قد قرئت بأكثر من سبعة أوجه بل بأكثر من عشرة أوجه مثل ﴿مالك يوم الدين﴾، ومثل ﴿وعبد الطاغوت﴾ ، ومثل ﴿أف﴾ كما هو معلوم وأن قد وقع التكلف في اقتصار ﴿يخصمون﴾ و ﴿لا يهدي﴾ على سبعة أوجه.

    المسألة الثانية: إجماع القراء والمفسرين على ما حسبوه سبب ورود الحديث
    لقد اتفق المصنفون من طرق القراء ومنهم الداني وابن الجزري والمفسرون وغيرهم على أن سبب ورود حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف والتيسير والتهوين على أمة منها الغلام والشيخ الفاني والعجوز.
    وقطعوا ولم يترددوا فاعتبروا اختلاف أهل الأداء في تلاوة القرآن هو المراد بالأحرف السبعة.
    ولا اعتراض مني على اعتبار علّة التخفيف والتيسير والتهوين على أمة منها الغلام والشيخ الفاني والعجوز هو سبب إنزال القرآن على سبعة أحرف، وإنما الاعتراض على أن المصنفين من طرق رواة القراءات لم يتصوروا المشقة على الأمة كلها إلا في كيفية الأداء بتلاوة القرآن أي كيفية النطق بكلماته وصلا ووقفا، ولكأنهم حصروا الغاية من إنزال القرآن في تلاوته أما التكليف بتدبره وبالبحث فيه عن الرشد وعن التي هي أقوم وبالعمل بمأموراته والكف عن منهياته ومحاولة تبيّن المرحلة لإسقاط ما يقع عليها من نصوص الوحي قرآنا وحديثا نبويا أي دراية فقه المرحلة فجميعه في موازين المصنفين من طرق رواة القراءات وتصورهم خفيف ليس بشيء ولا يثقل على النبي الأميّ كما أثقل عليه تعامل المتأخرين مع الإطباق الشفوي والفرجة والغنة والمدود والتسهيل والسكت والإدغام والإمالة...
    ولعل باحثا منصفا لا يضيق ذرعا بتساؤلاتي التالية:
    ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿وقد أخذ ميثاقكم﴾ الحديد، بين التجهيل والتسمية أي مشقة وحرج في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن التجهيل فيها إلى التسمية أو عن التسمية إلى التجهيل؟
    ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿وكفلها﴾ آل عمران، بين الثقل والتخفيف أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تشديد الفاء إلى تخفيفه أو عن تخفيف الفاء فيها إلى ثقله؟
    ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات﴾ البقرة، بين الرفع في ﴿آدم﴾ والنصب في ﴿كلمات﴾ وبين النصب في ﴿آدم﴾ والرفع في ﴿كلمات﴾ أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تقديم الفاعل إلى تأخيره أو عن تقديم المفعول إلى تأخيره؟
    ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿والذين اتخذوا مسجدا ضرارا﴾ التوبة، أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة الواو قبلها أو تجريدها منه؟
    ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿فإن الله هو الغني الحميد﴾ في سورة الحديد، أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة ﴿هو﴾ إلى حذفها.
    ـ القراءتان بين الإظهار والإدغام أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن الإظهار إلى الإدغام أو عن الإدغام إلى الإظهار؟
    ـ القراءتان بين تحقيق الهمز وتسهيله ببين بين أو بالنقل أو بالحذف أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن التحقيق إلى التسهيل أو عن التسهيل إلى التحقيق؟
    القراءتان بين الفتح والإمالة بقسميها أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن الفتح إلى الإمالة أو عن الإمالة إلى الفتح؟
    ـ القراءتان ببين فتح ياء الإضافة وإسكانها بجعلها ياء مدية أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن الفتح إلى الإسكان أو عن الإسكان إلى الفتح؟
    ـ القراءتان بين حذف ياءات الزوائد وإثباتها أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن حذف الياء إلى إثباتها؟
    ـ القراءات بالإشمام والروم وبتفاوت مقدار المد كل مرتبة تزيد بألِف أو بنصف ألف أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته في العدول عن بعضها على بعض؟

    المسألة الثالثة: مناقشة روايات الحديث
    الرواية الأولى:
    أخرج البخاري في صحيحه في كتاب فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف بسنده عن عمر بن الخطاب: "سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله، اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه".
    وهو من مكررات البخاري، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناه.
    وأخرجه أبو داوود في سننه في كتاب الصلاة باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
    والترمذي في سننه في كتاب القراءات عن رسول الله باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف وقال: حسن صحيح
    والنسائي في سننه في كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن، وفي كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن، وفي كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن
    وأخرجه مالك في الموطإ في كتاب القرآن باب ما جاء في القرآن
    وأخرجه أحمد مكررا في مسند أحمد مسند عمر بن الخطاب
    والبيهقي في كتاب الصلاة باب التوسع في الأخذ بجميع ما روينا في التشهد مسندا وموقوفا
    وفي سنن البيهقي الكبرى كتاب الصلاة باب وجوب القراءة على ما نزل من الأحرف السبعة
    وفي شعب الإيمان التاسع عشر من شعب الإيمان هو باب في تعظيم القرآن العظيم فصل في ترك المماراة في القرآن
    وأخرجه ابن حبان في صحيحه في كتاب الرقائق باب قراءة القرآن

    الرواية الثانية للحديث:
    الحديث في مسند أحمد بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم:
    عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص قال: سمع عمرو بن العاص رجلا يقرأ آية من القرآن، فقال: من أقرأكها؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير هذا، فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: يا رسول الله آية كذا وكذا، ثم قرأها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، فقال الآخر: يا رسول الله فقرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : أليس هكذا يا رسول الله؟ قال: هكذا أنزلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم فقد أحسنتم، ولا تماروا فيه، فإن المراء فيه كفر - أو آية الكفر.

    الرواية الثالثة للحديث:
    الحديث في مسند أحمد حديث سليمان بن صرد عن أبيّ بن كعب رضي الله عنهما:
    عن سليمان بن صرد عن أبيّ بن كعب قال: سمعت رجلاً يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: انطلق إليه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: استقرئ هذا، فقال: اقرأ فقرأ، فقال: أحسنت، فقلت له: أو لم تقرئني كذا و كذا؟ قال: بلى، وأنت قد أحسنت، فقلت بيدي قد أحسنت مرتين، قال: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده في صدري ثم قال: اللهم أذهب عن أبيّ الشك، ففضت عرقاً وامتلأ جوفي فرقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبيّ إن ملكين أتياني فقال أحدهما: اقرأ على حرف، فقال الآخر: زده، فقلت: زدني، قال: اقرأ على حرفين، فقال الآخر زده، فقلت زدني، فقال اقرأ على ثلاثة، فقال الآخر: زده، فقلت: زدني، قال: اقرأ على أربعة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأ على خمسة أحرف، قال: الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأ على ستة، قال الآخر: زده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف.

    الرواية الرابعة للحديث
    الحديث في مسند أحمد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أن جبريل عليه السلام لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حجارة المراء، فقال: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية، إلى الشيخ والعجوز والغلام والجارية والشيخ الذي لم يقرأ كتاباً قط، فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
    وكذا حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، وهو الحديث في سنن الترمذي كتاب القراءات عن رسول الله باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف، وقال الترمذي: حسن صحيح
    قلت: لعل المراد في الرواية الأولى والثانية والثالثة هو صرفهم عن الانشغال بتعدد الأداء تعددا توقيفيا إلى تدبر القرآن المنزل على سبعة أحرف، وهكذا حسّن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة كل من هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب سورة الفرقان.
    وفي وصف قراءة الرجلين اللذين اختلفا على قراءة آية من القرآن ـ كما في حديث عمرو بن العاص ـ قال صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت.
    وفي وصف قراءة الذي اختلف مع أبيّ بن كعب على قراءة بعض القرآن قال صلى الله عليه وسلم: أحسنت، وفي وصف قراءة أبيّ بن كعب نفس الآيات قال صلى الله عليه وسلم: "وأنت قد أحسنت".
    ولا يتعلق إنكار بعض الصحابة قراءة بعض باختلاف ألسنة العرب وإنما بأداء منزل أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم بكل منه بعضا من الصحابة فأنكر بعضهم قراءة بعض أن غاب عنه الأداء الذي تلقاه غيره من الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم.
    ولقد أشكل على المصنفين من طرق الرواة اختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم القرشيان في قراءة سورة الفرقان، ولكأن المصنفين من طرق الرواة لم يتصوروا أن يختلف القرشيان على الأداء في سورة الفرقان وإنما تصوروا أن يختلف الأداء لدى الصحابة من قبائل شتى عرفوا لهجات مختلفة كالذين لا يعرفون غير إمالة ذوات الياء والذين لا يعرفون غير الفتح فيها وكالذين لا يعرفون غير تحقيق الهمزتين من كلمة وكلمتين والذين لا يعرفون غير تسهيل الثانية منهما أو إسقاط الأولى من متفقتي الحركة.
    وإنما نشأ عجَب المصنفين من طرق الرواة من اختلاف القرشيين على أداء سورة الفرقان بسبب قطعهم أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن تعني لهجات العرب واختلافها.
    ولقد تتبعت سورة الفرقان فألفيت فيها أكثر من عشرين حرفا اختلف في أدائه وتلاوته وقراءته اختلافا لا علاقة له بلهجات العرب وألسنتها وإنما هو اختلاف منزل من عند الله أقرأ بكل منه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فالتزموه وإنما أنكر بعضهم من الأداء ما لم يتعلمه من نبيه صلى الله عليه وسلم ولما صوّب النبي صلى الله عليه وسلم وحسّن كلا منه وأخبر بأنه كذلك أنزل أذعنوا إذعانا كان سبب تعدد رسم المصاحف العثمانية.
    وليختلفنّ أداء كل اثنين من الصحابة في سورة الفرقان كما في غيرها ما لم يتلقياها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الجلسة ونفس المرة.
    وإليك أخي الباحث المتجرد: نموذجا من أحرف الخلاف ـ في سورة الفرقان ـ والتي لا علاقة لها باختلاف لهجات العرب وألسنتها:
    ـ ﴿أو تكون له جنة يأكل منها﴾ الوجهان بين النون والياء
    ـ ﴿ويجعل لك قصورا﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
    ـ ﴿ويوم يحشرهم﴾ الوجهان بين النون والياء
    ـ ﴿فيقول أأنتم﴾ الوجهان بين النون والياء
    ـ ﴿أن نتخذ﴾ الوجهان (1) بضم النون وفتح الخاء (2) أو بفتح النون وكسر الخاء
    ـ ﴿كذبوكم بما تقولون﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
    ـ ﴿فما تستطيعون﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
    ـ ﴿تشقق السماء﴾ الوجهان بين تخفيف الشين وتشديدها
    ـ ﴿ونزل الملائكة﴾ الوجهان (1) بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة مع تخفيف الزاي ورفع اللام ونصب الملائكة وكذلك في المصحف المكي وحده رسمت بنونين (2) أو بنون واحدة وتشديد الزاي وفتح اللام ورفع الملائكة
    ـ ﴿وهو الذي أرسل الرياح﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
    ـ ﴿بشرا بين يدي﴾ الوجهان بين الباء والنون أي بين الموحدة التحتية والفوقية
    ـ ﴿بلدة ميتا﴾ الوجهان بين التخفيف والثقل
    ـ ﴿ليذكروا فأبى﴾ الوجهان (1) بإسكان الذال وضم الكاف مع تخفيفها (2) أو بفتح الذال والكاف وتشديدهما
    ـ ﴿لما تأمرنا﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
    ـ ﴿سراجا﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
    ـ ﴿لمن أراد أن يذكر﴾ الوجهان (1) بتخفيف الذال ساكنة وتخفيف الكاف مضمومة (2) بتشديدهما مفتوحتين
    ـ ﴿ولم يقتروا﴾ ثلاثة أوجه (1) بضم الياء وكسر التاء (2) أو بفتح الياء وكسر التاء (3) أو بفتح الياء وضم التاء
    ـ ﴿يضاعف له﴾ ثلاثة أوجه (1) بمد الضاد بألف وتخفيف العين ورفع الفاء (2) أو بمد الضاد بألف وتخفيف العين وجزم الفاء (3) أو بقصر الضاد وتشديد العين
    ـ ﴿ويخلد﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
    ـ ﴿وذرياتنا﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
    ـ ﴿ويلقون﴾ الوجهان (1) بفتح الياء وإسكان اللام وتخفيف القاف (2) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.
    ولعلنا فهمنا ما قصده عمر بن الخطاب بقوله : (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) اهـ ولا يخفى أن عشرين موضعا فأكثر من مواضع الاختلاف جديرة بالوصف بأحرف كثيرة ليس منها شيء من قبيلِ لهجات العرب كالإمالة بالصغرى والكبرى والإدغام الصغير والكبير وكالتسهيل بأنواعه المتعددة: بين بين والنقل وإسقاط الهمزة والإبدال وكالاختلاس والإشمام والروم ...
    ومن أمثلة الخلاف في الأداء الذي لا علاقة له بلهجات العرب خارج سورة الفرقان:
    ـ قوله تعالى ﴿أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾ قرئ بأربعة أوجه:
    1. بالواو مع أن ﴿وأن﴾ وبضم الياء وكسر الهاء في ﴿يظهر﴾ على أنه فعل رباعي وبنصب ﴿الفساد﴾ لوقوع الفعل عليه بعد إسناد الفعل إلى ضمير الغائب وهو موسى، وهي المنسوبة فيما بعد للمدنيين وأبي عمرو
    2. بالواو مع أن ﴿وأن﴾ وبفتح الياء والهاء في ﴿يظهر﴾ على أنه ثلاثي وبرفع ﴿الفساد﴾ لإسناد الفعل إليه وهي المنسوبة فيما بعد للمكي والشامي
    3. بزياة أو قبل أن ﴿أو أن﴾ وبضم الياء وكسر الهاء في ﴿يظهر  وبنصب ﴿الفساد  وهي المنسوبة فيما بعد لحفص ويعقوب
    4. بزياة أو قبل أن ﴿أو أن﴾ وبفتح الياء والهاء في ﴿يظهر﴾ وبرفع ﴿الفساد﴾ وهي المنسوبة فيما بعد لشعبة وحمزة والكسائي وخلف
    ـ قوله تعالى ﴿ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد﴾ الحديد، قرئ بوجهين:
    1. بزيادة ﴿هو﴾ لتقرأ ﴿ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد﴾
    2. بحذف تلك الزيادة لتقرأ ﴿ومن يتول فإن الله الغني الحميد﴾
    ـ قوله تعالى ﴿هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت﴾ قرئ بوجهين
    1. بالباء الموحدة التحتية قبل اللام
    2. وبالتاء المثناة الفوقية قبل اللام .
    قال طالب العلم الحسن بن ماديك: أما اختلافهم في الأداء كالإمالة والفتح والإدغام والإظهار وتخفيف بعض الهمز وتحقيقها واختلافهم في هاء الضمير ذلكم الاختلاف الذي يرجع إلى اختلاف لهجات القبائل العربية فلم تصلنا رواية ـ ضعيفة ولا واهية فضلا عن الصحيح ـ على إنكار الصحابة بعضهم على بعض القراءة به والله أعلم.

    المسألة الرابعة : تفسير جديد لمدلول الأحرف السبعة.
    ويحتاج اليوم أئمة القراءات المعاصرين إلى نصيب من التحقيق والمراجعات لما أطبقت عليه الأمة منذ القرون الأولى للتدوين على حصر مدلول الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بتعدد الأداء والأوجه التي يقرأ بها القرآن، ولم يرَوْا رأْيا أو يذهبوا مذهبا في التأويل والبيان أبعد من ذلك.
    ولو أن باحثا منصفا تجرد للبحث لأدرك بادئ الأمر كلية أوضح من فلق الصبح، ولأبصروها وتبيّنوها أكثر من الشمس في كبد السماء الصحو.
    تلكم الكلية تتلخص في أن الحقيقة أي حقيقة هي ثابتة لا تزيد بإقرار الناس ولا تنقص بإنكارهم.
    ولعلنا معشر المسلمين نتفق على شهادتنا ـ أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله بالقرآن وبما معه من الحديث النبوي ـ إلى الناس جميعا، وأنها حقيقة ثابتة لم تنقص بنكران المنكرين ولم يزدها ثبوتا إقرارهم، وهكذا كانت الشهادة أن لا إله إلا الله وأن إبراهيم رسول الله، حقيقة ثابتة لم تنقص قبل إسلام لوط، ولم تنقص الشهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يعلنها نوح وحده رغم إنكار أهل الأرض كلهم.
    لقد حدّث النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بأحاديث صريحة في إنزال القرآن على سبعة أحرف.
    ولكم جهِل المعاصرون أنبياءهم ورسلهم بعض كلامهم وهكذا لم يفهم قوم شعيب قوله ﴿واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾ هود، وخوطبت بها هذه الأمة كما في قوله ﴿وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾ هود.
    وفي الحديث النبوي كما في مستدرك الحاكم كتاب العلم الحديث رقم 296... عن محمد بن جبير بن مطعم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بالخيف من منى: رحم الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم أدّاها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغَلّ عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، و مناصحة ذوي الأمر، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تكون من ورائهم .
    وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم: عمر وعثمان وعليّ وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس رضي الله عنهم وغيرهم عدة وحديث النعمان بن بشير من شرط الصحيح.
    وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم "ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه " وهو مكرر في صحيح البخاري وفي مسلم وسنن ابن ماجه والدارمي وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومسند أحمد وأبي يعلى الموصلي وسنن البيهقي الكبرى وشعب الإيمان كما اقتبست هذا التخريج من الشبكة الإسلامية.
    ورحم الله الصحابة العدول فلقد بلّغوا عن النبي ما سمعوه منه، ولم يتأولوا ما تأوله المتأخرون عنهم قرونا من مصنفي طرق رواة القراءات لتفسير دلالة الأحرف السبعة.
    ولقد نبّأ الله النبيّ الأمي صلى الله عليه وسلم بالقرآن ومنه قوله تعالى ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا﴾ المزمل، وللباحثين المتجردين أن يتصوروا كم هو القرآن أثقل وأثقل علينا نحن عامة الأمة إذ لم يتنزل على قلب أحد منا، وإنما نزّل الله القرآن على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم.
    وتصور المسلمون القرآن بسيطا لا يحتاج إلى إعمال الفكر لفهمه وتدبره والاهتداء به والعمل به وحسبوه خفيفا لا يحتاج إلى حمل فلم يحملوه واتخذوه مهجورا.
    ووا حيرتي في أمة لم تستنبط ـ عبر أربعة عشر قرنا من تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ـ حرفا واحدا ولا حرفين من الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن، فما شغلها عن تدبر القرآن الميسر للذكر إلا أقفال على قلوبها، أقفال من المتون وافتراض الأقضية والألغاز في ما يسمونه بفقه المعاملات، وأقفال من التقليد حال بينهم وبين الطاعة باستعمال السمع والبصر والعقل في تدبر القرآن.
    إن الله وصف القرآن بالقول الثقيل الملقى على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في سياق مخاطبته وتكليفه: أن يتجافى عن المضاجع يقوم الليل ليقرأ القرآن في صلاته قياما ثقيلا طويلا يمتدّ إلى أدنى من ثلثي الليل مرة وإلى نصف الليل مرة وإلى ثلثه مرة، قياما ينشئه بعد نوم ولتتمكن طائفة من الذين معه من تدبر القرآن والاهتداء به إلى الرشد وإلى التي هي أقوم.
    هكذا صرف النبي الأمي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن الانشغال بتعدد الأداء المنزل إلى الغاية القصوى التي لأجلها أنزل القرآن وهي تدبره الذي يهديهم إلى استنباط الأحرف أي المعاني السبعة التي أنزل عليها القرآن، وليقرأنّ بحرف منها على الأقل من قرأ ما تيسّر من القرآن.
    وعلم الله علام الغيوب أن الأمة لن تحصي معاني القرآن كما في قوله تعالى ﴿علم أن لن تحصوه﴾ يعني القرآن علم الله علام الغيوب أن لن تحصي الأمة كلها من أولها إلى آخرها معانيه ودلالاته رغم تكليفها بتدبر القرآن فكان تقصيرهم ذنبا تاب الله على الأمة منه وكلفهم بقراءة ما تيسر منه القرآن وعذرهم الله بسبب قصورهم عن إحصاء معاني القرآن إذ علم أن سيكون منهم مرضى عاجزون عن قيام الليل والتفرغ لتلاوة القرآن وتدبره وأن سيكون منهم من يضربون في الأرض يبتغون من رزق الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله، وأنّى للثلاثة أن يتمكنوا من قيام الليل قياما ثقيلا لتدبر القول الثقيل، ولكأن الأمة كلها عبر التاريخ لو امتثلت قيام الليل وتدبر القرآن لكانت أقرب إلى أن تحصي معانيه ودلالاته وتاب الله عليهم لأن منهم أصحاب الأعذار المعدودين في سورة المزمل.
    إن في القرآن معاني وموعودات وغيبا آمن به جملة من شهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله أي أرسله بالقرآن إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.
    إن القرآن العظيم ليعظم أمام كل باحث قرأ القرآن وتدبره وتدارسه، أي لا يستطيع أحد من الأمة كلها أن يفرغ من استيعاب معانيه ودلالاته وما يهدي إليه من الرشد والتي هي أقوم.
    وهيهات أن تستكمل الأمة كلها معانيه ودلالاته وهو القول الثقيل المنزل على قلب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولهو إذن قول أثقل على الأمة جميعها إذ لم ينزل على قلب أحد منها بل هو كما في قوله ﴿بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ العنكبوت، أي أنه تجاوز آذانهم وأسماعهم ودخل في صدور الذين أوتوا العلم وهم الصحابة الأبرار الأخيار ولكن لم يبلغوا درجة علم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف منصف أن الصحابة الأبرار الأخيار كأبي بكر وعمر وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين أوتوا العلم كما هي دلالة قوله ﴿ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا﴾ القتال، يعني أن المنافقين الذين كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن لم يفقهوا منه هدى ولا رشدا فكانوا يسألون الذين أوتوا العلم بالتجهيل وهم الصحابة الكرام عن معاني ودلالات القرآن.
    إنني شديد العجب من الذين يشتغلون بحفظ المتون وتدارسها وهم لم يفرغوا من تدارس القرآن ولم يفقهوا بعد أن الله دعا إلى المسارعة إلى الخيرات مسابقة معلنة في القرآن أن الله سيؤتى من يسبق في هذه المسابقة مغفرة منه وفضلا وهو واسع عليم.
    إن الرواية الرابعة للحديث لتعني أن الأمة الأمية وهي التي لم تتدارس كتابا منزلا من قبل لبعيدة عن أن تحصي ما في القول الثقيل من المعاني والدلالات وهكذا أشفق النبي الأمي الرحيم بالمؤمنين من عجز الشيخ والعجوز والغلام والجارية والرجل الأمي الذي لم يقرأ كتابا قط عن دراية الغيب والوعد في القرآن، فأخبره الملك جبريل أن القرآن أنزل على سبعة أحرف أي على سبعة معان أو أوجه فمن لم يفقه أحد المعاني قد يفقه معنى آخر وهكذا إلى سبعة أوجه، وليقرأن بواحد منها من قرأ ما تيسر له من القرآن.
    ولعل الباحثين يلحظون معي اتفاق روايات الحديث على لفظ القرآن وأنه المنزل على سبعة أحرف إذ لم ترد رواية واحدة تفيد بإنزال الكتاب على سبعة أحرف.
    إن إدراك الأحرف السبعة وتبينها في كل موعود من موعودات القرآن في الدنيا هو الغاية التي من أجلها كلفت الأمة كلها بتدبر القرآن والتفكر فيه.
    ولعل الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن هي:
    1. النبوة
    2. ضرب الأمثال
    3. القول
    4. الذكر
    5. الغيب في القرآن ومنه الأمر بالإيمان والأمر بالعلم وإسناد العلم إلى الله
    6. الوعد في الدنيا ومنه الأسماء الحسنى والدعاء بها ومنه الدعاء في القرآن دون الكتاب
    7. إعلان الجزاء في الآخرة
    فإن لم تكن هـذه مجتمعة هي الأحرف السبعة بذاتها فلقد اجتهدت ونحوتُ نحوها نحوًا والعلم عند الله، وليجدن من تدبر القرآن أن كل موعود في القرآن ـ وهو كل حادثة ستقع في الدنيا قبل انقضائها ـ قد تضمنها كل حرف من هـذه الأحرف السبعة، وتضمن كل حرف منها ما شاء الله من المثاني، وتضمنت كل واحدة من المثاني ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين، فمتى يعقل أولوا الألباب أن القرآن قول فصل وما هو بالهزل وأن رب العالمين قد فصله على علم، وأن الأمة لا تزال أمية لم تتدارسه بعد.
    ولقد نحا الأولون قريبا مما فهمت لكنهم لم يستطيعوا التفرقة بين الكتاب والقرآن ولا بين أحكام الكتاب كالحلال والحرام والعام والخاص والمجمل والمبيّن وبين خصائص القرآن كالأمثال والوعد في الدنيا والخبر بمعنى القصص.
    ولقد تمكنت بفضل الله من إثبات كل موعود في القرآن بهذه الأحرف السبعة التي تضمن كل واحد منها ما شاء الله من المثاني:
    ومن الموعودات والغيب في القرآن أن الله سيصدق رسالة النبي الأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في آخر أجل الأمة بآيات خارقة معجزة للتخويف والقضاء:
    وتضمنها حرف الغيب في القرآن كما في قوله ﴿ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين﴾ يونس
    ومن حرف الغيب في القرآن الأمر بالإيمان كما في قوله :
    ـ ﴿قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون﴾ الأنعام
    ـ ﴿يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون﴾ الأنعام
    ـ ﴿إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم﴾ يونس
    ـ ﴿ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾ خاتمة الروم
    وتضمنها حرف الوعد في الدنيا كما في قوله: ﴿وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين﴾ الأنعام، ويـس
    وكذلك وعد الله هذه الأمة أن ترى الآيات الخارقة كما في المثاني:
    ـ ﴿اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر﴾ القمر
    ـ ﴿وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها﴾ الأنعام الأعراف
    ـ ﴿هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب﴾ غافر
    ـ ﴿ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون﴾ غافر
    ـ ﴿وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون﴾ خاتمة النمل
    ـ ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق﴾ فصلت
    ـ ﴿خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون﴾ الأنبياء
    ـ ﴿وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا﴾ الجاثية
    ـ ﴿فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون﴾ البقرة
    وتعني هذه الآيات المتلوّة أن الأمة بعد نزول القرآن سترى الآيات الخارقة المعجزة كل يراها بعينيه يقظة وجهرة، وكذلك حيث وقعت في القرآن تعدية الرؤية إلى الآيات فإنما المرئي هو الآيات الخارقة لسنن الكون ونظام الحياة فيه.
    وإنما هي الرؤية بالعين المجردة كما في المثاني:
    ـ ﴿وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى﴾ البقرة
    ـ ﴿لنريك من آياتنا الكبرى﴾ طه
    ـ ﴿وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها﴾ الزخرف
    ـ ﴿ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى﴾ طه
    ـ ﴿لنريه من آياتنا﴾ الإسراء
    ـ ﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾ النجم
    وقد رأى فرعون وقومه تسع آيات بينات بأعينهم ورآها موسى بعينيه ورأى أكبر منها ورأى محمد صلى الله عليه وسلم في الإسراء والعروج به إلى الملإ الأعلى وإلى سدرة المنتهى من آيات ربه الكبرى، فحرفا الإسراء والنجم حجة على أن الإسراء والعروج به إلى ما فوق السماء السابعة كان بجسمه كله وليس بروحه فقط لأنه رأى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى بالعين المجردة كما تحقق.
    ومن حرف الوعد في الدنيا: الأسماء الحسنى كما في قوله ﴿وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون﴾ الأنعام
    وتضمنها حرف القول كما في قوله ﴿وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون﴾ خاتمة النمل
    وتضمنها حرف الذكر كما في قوله:
    ـ ﴿إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكّروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم﴾ السجدة
    ـ ﴿ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها﴾ الكهف
    ـ ﴿ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها﴾ السجدة
    ـ ﴿وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون﴾ الصافات
    ـ ﴿والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صما وعميانا﴾ الفرقان
    ـ  هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب﴾ غافر
    وتضمنها حرف ضرب الأمثال كما في قوله ﴿ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾ خاتمة الروم
    وتضمنها حرف إعلان الجزاء في الآخرة كما في قوله ﴿وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين من ورائهم جهنم﴾ الجاثية
    وتضمنها حرف النبوة لأنه من مما نبّأ الله به النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في القرآن، وجميع أنباء القرآن محققة الوقوع بعد نزوله بحين من الدهر كما في قوله ﴿ولتعلمنّ نبأه بعد حين﴾ خاتمة سورة ص، وقوله ﴿لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون﴾ الأنعام
    ولم أشإ الاستقصاء وإنما التمثيل لأني قد بينت منه ما استطعت في مادة الآيات من معجمي معاني كلمات القرآن وحروفه.
    وأبدأ بتبيان دلالة كل حرف من الأحرف السبعة.

  7. #7
    الحقيقة ملاحظات دقيقة أستاذ الحسن وددت لو فصلتها كل على حدا.
    وسؤال هامشي:
    هل هناك صلة بين طريقتكم وطريقة الدكتور فاضل السامرائي؟
    كما ورد دراسات عديدة له:
    http://www.omferas.com/vb/f228/
    ومالفرق إذن؟إن لم لكن هناك تشابه؟.
    إذا كنتَ لا تقرأ إلا ما تُوافق عليـه فقط، فإنكَ إذاً لن تتعلم أبداً!
    ************
    إحسـاس مخيف جـدا

    أن تكتشف موت لسانك
    عند حاجتك للكلام ..
    وتكتشف موت قلبك
    عند حاجتك للحب والحياة..
    وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء ..
    وتكتشف أنك وحدك كأغصان الخريف
    عند حاجتك للآخرين ؟؟

المواضيع المتشابهه

  1. الفوز الكبير في أصول التفسير
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-04-2015, 05:11 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-08-2014, 05:54 PM
  3. من أصول التفسير
    بواسطة الحسن محمد ماديك في المنتدى فرسان التفاسير
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-25-2012, 02:07 PM
  4. هذا ابي..(دراسة نقدية)
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-27-2008, 04:35 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •