تنبع صعوبة الكتابة من مصادر عديدة .. ولكن أصعبها .. أن أكتب عن موضوع واحد أكثر من مرة .. فأطوف على أبواب الكلام أبحث عن مفردات جديدة .. عن شيئٍ مختلفٍ عما كتبته سابقا .. وحين لا أعثر على تلك المفردات .. أصرف النظر عن الكتابة .. ولكن بعض المواضيع شديدة الإلحاح .. شديدة الخطر .. مما يجعل السبيل الوحيد للاستراحة منها .. سكب حبر تلك الأفكار على بياض الورق ..من المواضيع الملحة .. ما يتعلق بحفظ النعمة .. وقد كتبت عن الموضوع مرتين .. الأولى تحت عنوان :(الجوع .. وحفظ النعمة)،و الثانية تحت عنوان حفظ النعمة هل بلغ السيل الزبا؟!!).ومع ذلك فإن الحديث عن حفظ النعمة ... في ظل عدم المبالاة بها .. عدم مبالاة تصفع الإنسان بشكل لا يدع مجالا للتجاهل .. و عدم حفظ النعمة مشكلة تهدد الجميع بعواقب وخيمة .. نسأل الله السلامة .. ونبرأ إلى الله من إهدار نعمه.ما دفعني للكتابة .. زاوية أخرى أعلنت عن نفسها .. فلفتت النظر إلى وجه آخر من أوجه الاستهانة بالنعمة .. والمقصود هنا دائما هو"الطعام" ..بطبيعة الحال هناك بوادر تخفف من ضغط الواقع،أعني الاهتمام ببقايا طعام"ولائم الزواج" أو جمعيات "حفظ النعمة" .. وهي عمل ممتاز .. وإن كان لا يتصور تغطية تلك الجمعيات لكل الولائم .. في كل المدن .. ولكن كل خطوة إيجابية .. نعمة في حد ذاتها.أعود إلى السبب الذي دفعني للكتابة،مرة ثالثة،وذلك عندما أخرج أحد أبنائنا بقايا الطعام،المقدم لمريض .. ومرافقه .. ليضعه للقطط .. أو ماشابه .. فأخذته منه العاملة .. و .. يا للهول .. رمت به في"الزبالة"!!!!!!!!!!!الفعل يفتح نافذة التفكير في كل مكان يُعد فيه الطعام لعدد كبير من الناس . .. وطريقة التعامل مع فائض الطعام في تلك الأماكن .. المستشفيات .. الجامعات التي بها سكن للطلاب .. تجمعات الجنود .. هذه كلها مصادر مرشحة لوجود فائض كبير من الطعام .. فكيف يتم التصرف بذلك الفائض؟أم أن أحدا لا يهم بالأمر أساسا .. طالما أن الجميع قد "شبع"!!!وهل نحن في حاجة إلى"توأمة" بين تلك الأماكن .. والأحياء الفقيرة ؟الضلع الثاني .. من الموضوع - ولا يخرج عن"النعمة" – هو نحيب عمتنا النخلة .. نحيب أعداد هائلة من "النخل" تبكي الإهمال .. إهمال "تأبيرها" .. إهمال الانتفاع بخيراتها ... إن كان أطفال هذا الزمان لا يحبون "التمر" .. لأنه لا يؤكل بـ"الكتشب" .. فإن ملايين البشر ... حول العالم يموتون .. جوعا .. ولا يشترطون"الكتشب"لأكل "التمر" لو توفر لهم!الحديث عن عماتنا النخلات اللائي زُرعن في الشوارع ... وفي مكان عملي تحديدا .. حديث ذو شجون ..قبل سنوات زارني في المكتب أحد الزملاء – الأستاذ محمد الأحمدي – يسأل عن معاملة ما .. وكان يحمل في يده"بلحا"أخذه من نخل بجوار المسجد – أطعمني بعضه - وتحدث بحسرة عن ذلك النخل المهمل و الذي لا "يُأبر" .. وبعضه ينتج بلحا صالحا للأكل .. وبعض ذلك البلح يظل على عراجينه .. حتى يذوي .. إلخ.كان هذا قبل السنوات .. وأتذكر حديثه .. كلما رأيت النخيل .. وكلما رأيت جناه .. المهدد بأن يذوي دون أن يُستفاد منه .. رغم أنني رأيت في مرات نادرة "عمالا"يأخذون بعض البلح.قبل سنوات تناقشت في الموضوع مع الأخ والخال والصديق الدكتور أحمد عبود .. واقترح عليّ أن أكتب عن الموضوع .. ولكن لم يقدر الله – سبحانه وتعالى – ذلك .. وظللت – بيني وبيني – أسوف .. وأسوف .. وإن قمت أخيرا بخطوة عملية .. حسبت النخل الذي في طريقي من مدخل موقع عملي الغربي .. إلى أن وصلت مقر عملي .. في ذلك الشارع حسبتُ (200) مائتي نخلة .. تقريبا.. وعليه فربما يكون الموقع كله يحتوي على ستمائة نخلة.يا ترى كم تنتج تلك النخلات؟بحثتُ .. فوجدت تضاربا في الارقام .. مرة قيل أن النخلة تحمل (80) كيلو .. ومرة – في صحيفة الرياض – قيل أن النخلة تحمل (150) كيلو .. ثم سألت الزميل الأستاذ غازي عايش .. من باب "فاسألوا أهل الذكر" .. فكان رده أن الأمر يختلف حسب نوع النخلة .. والأرض .. والماء .. إلخ.وفي المتوسط فإن النخلة تنتج ما بين 80 إلى 100 كيلو.عليه نستطيع أن نقول – وإن بقليل من المبالغة – أن نخلنا في العمل – لو اعتني به – قد يُنتج (50000) خمسين ألف كيلو !! هذا في بقعة صغيرة،قياسا على عدد النخل المزروع في المدينة المنورة .. وهو رقم لا يُرى بالعين المجردة قياسا على عدد النخل المزروع في هذه القارة المسماة المملكة العربية السعودية ..نعم. المسلمون يموتون من الجوع .. وعمتنا تبكي حالها .. وحالهم .. والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول،في الحديث الصحيح :" بيت لا تمر فيه جياع أهله"أو كما قال صلى الله عليه وسلم.ختاما .. أين "فعلة"الخير .. ليهتموا بهذه"الثروة"المهدرة .. المهملة .. !!
النعمة غيورة .. وبكاء عمتنا!!
ملاحظة / الصورة المرفقة .. أخذتها لنخلة قريبة من موقف سيارتي
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني