الرِّضا والصبر -2-
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا. غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ ».صحيح مسلم
وعَنْ ثَوْبَانَ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ قال حينَ يُمسي : رَضِيتُ بالله ربّا ، وبالإسلامِ دينا ، وبمحمدٍ نَبِيّا ، كان حَقّا على الله أنْ يُرضِيَهُ» أخرجه الترمذي .
كتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول له: أما بعد، فإن الخير كله في الرضى، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر.
قيل للربيع بن عبد الرحمن:" ما منتهى الصَّبر؟ قال: يكون يوم تصيبه مصيبة مثله قبل أن تصيبه".
قال الفُضَيل بن عِياض: الرِّضا أفضل من الزُّهد في الدنيا؛ لأنَّ الرَّاضي لا يتمنى فوق منزلته.
وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : (( أسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء ))
سُئِل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أسألك الرِّضا بعد القضاء» فقال: لأن الرِّضا قبل القضاء عَزْم على الرِّضا، والرِّضا بعد القضاء هو الرِّضا.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين : عن حكم الرضا بالقدر ؟ وهل الدعاء يرد القضاء ؟ .
فأجاب قائلا : أما الرضا بالقدر فهو واجب ؛ لأنه من تمام الرضا بربوبية الله ، فيجب على كل مؤمن أن يرضى بقضاء الله ، ولكن المقضي هو الذي فيه التفصيل فالمقضي غير القضاء ؛ لأن القضاء فعل الله ، والمقضي مفعول الله ، فالقضاء الذي هو فعل الله يجب أن نرضى به ، ولا يجوز أبدا أن نسخطه بأي حال من الأحوال .
القسم الأول : ما يجب الرضا به .
القسم الثاني : ما يحرم الرضا به .
القسم الثالث : ما يستحب الرضا به .
فمثلا المعاصي من مقضيات الله ، ويحرم الرضا بالمعاصي ، وإن كانت واقعة بقضاء الله ، فمن نظر إلى المعاصي من حيث القضاء الذي هو فعل الله يجب أن يرضى ، وأن يقول : إن الله - تعالى - حكيم ، ولولا أن حكمته اقتضت هذا ما وقع ، وأما من حيث المقضي وهو معصية الله فيجب ألا ترضى به ، والواجب أن تسعى لإزالة هذه المعصية منك أو من غيرك .
وقسم من المقضي يجب الرضا به مثل الواجب شرعا ؛ لأن الله حكم به كونا ، وحكم به شرعا ، فيجب الرضا به من حيث القضاء ومن حيث المقضي .
وقسم ثالث : يستحب الرضا به ، ويجب الصبر عليه ، وهو ما يقع من المصائب ، فما يقع من المصائب يستحب الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب ، لكن يجب الصبر عليه ، والفرق بين الصبر والرضا : أن الصبر يكون الإنسان فيه كارها للواقع ، لكنه لا يأتي بما يخالف الشرع وينافي الصبر .
والرضا : لا يكون كارها للواقع فيكون ما وقع ، وما لم يقع عنده سواء ، فهذا هو الفرق بين الرضا والصبر ؛ ولهذا قال الجمهور : إن الصبر واجب ، والرضا مستحب .
أما قول السائل : هل الدعاء يرد القضاء ؟
فجوابه : أن الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو ، وهو في الواقع يرد القضاء ولا يرد القضاء ؛ يعني له جهتان ، فمثلا هذا المريض قد يدعو الله- تعالى - بالشفاء فيشفى ، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضا ، لكن بالدعاء شفي ، إلا أننا نقول : إن الله -سبحانه وتعالى - قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء ، فهذا هو المكتوب ، فصار الدعاء يرد القدر ظاهريا ، حيث إن الإنسان يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض ، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء ؛ لأن الأصل أن الدعاء مكتوب ، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء ، هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل ، وهكذا كل شيء مقرون بسبب فإن هذا السبب جعله الله - تعالى - سببا يحصل به الشيء ، وقد كتب ذلك في الأزل من قبل أن يحدث ."مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين"
ثمانيةٌ لا بُدَّ منها على الفتى *** ولا بُدَّ أَنْ تجري عليه الثَّمانيه
سرورٌ وهَمٌ واجتماعٌ وفُرقةٌ *** ويُسْرٌ وعُسْرٌ ثمَّ سَقْمٌ وعافيه