صور لأحد معالم بغداد
شارع الرشيد
........
شارع الرشيد
ما من بغدادي إلا وله ذكريات وذاكرة مع شارع الرشيد، ذكريات تمتد من طفولته وحتى اليوم،
بل ما من زائر ووافد إلى بغداد إلا ودشن خطواته في تلك المدينة
فوق أرصفة شارع الرشيد وبين أعمدته وفي محلاته ومقاهيه ومكتباته وأسواقه ومطاعمه.
دخول القوات الإنجليزية لبغداد عام 1917م
وعندما تُذكر بغداد يقترن ذكرها باسم أول وأهم وأجمل وأبرز شارع في تاريخها،
وهو شارع الرشيد الذي تم شقه خلال الحكم العثماني،
وعرف أولا باسم شارع (خليل باشا جادة سي) على اسم خليل باشا
حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني الذي قام بتوسيع وتعديل الطريق العام
الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعا باسمه عام 1910،
والذي سرعان ما تحول إلى شريان المدينة الحيوي.
شارع الرشيد سنة 1928م
وثمة معلومة تاريخية مفادها أنه ما من عهد مر على بغداد إلا
وكان لهذا العهد شارع أو شوارع تشق وتعبّد وتعتمد،
وكذلك جسور تقوم بين ضفتي نهر دجلة لتزيد من تقارب وترابط
كرخ بغداد ورصافتها
إلا السنوات السبع التي تمتد ما بين عامي 2003 و2010،
فلم تعرف هذه السنوات شق أي شارع أو بناء أي جسر،
بل على العكس خُربت الشوارع التي كانت قائمة،
ولم تعد معظمها صالحة للاستخدام.
وإذا عرفنا أن معظم الشوارع والجسورالتي تم تنفيذها في العهود التي تلت العهد الملكي،
كانت ضمن مخططات مجلس الإعمار الذي ترأسه أشهر رئيس حكومة في العهد الملكي،
نوري سعيد باشا، فسوف يزيد استغرابنا، كون العهود التي جاءت بعد العهد الملكي
تتبعت خطى هذا العهد على الرغم من أن الإمكانات المادية كانت فقيرة للغاية.
[TR]
[TD="class: td1, width: 20"][/TD]
[TD="class: td2"]This image has been resized. Click this bar to view the full image. The original image is sized 687x599.[/TD]
[/TR]
شارع الرشيد وحد البغداديين، وكان رمزا معلنا لوحدتهم،
وعنوانا للقاءاتهم اليومية،
إذ تقع فيه محلات سكن المسيحيين واليهود والمسلمين في حارات
أو «عكود» أزقة متجاورة مثل عكد النصارى وعقد اليهود ومحلة العمار
وكان ملتقى النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والطبقات الشعبية
بكل تنوعاتها وفئاتها
بل إن الطفل العراقي أول ما يتعلمه قراءةً وكتابةً في «القراءة الخلدونية»
التي وضعها ساطع الحصري،
وفي أول شهر من دخوله المدرسة الابتدائية، جملة شهيرة
ما زال كل العراقيين يتذكرونها شرطي المرور في شارع الرشيد،
لكن للأسف لم يعد هناك شرطي للمرور في شارع الرشيد،
لأن الشارع أصلا تحولت وظائفه وخرائطه،
وبدلا من أن تسير فيه السيارات الحديثة صار مرتعا للعربات البدائية
التي تدفع يدويا أو تُجر بواسطة الحمير وكأن الزمن
عاد بالشارع إلى بداياته في أوائل القرن الماضي
عندما تم شقه وسارت فيه عربات كانت تجرها الخيول وقت ذاك.
شارع الرشيد عام 1913م
دخلنا إلى شارع الرشيد من جهة شارع أبو نواس مع زيد الأعظمي،
هكذا أراد أن يكون لقبه كونه ولد عام 1956 في حي الأعظمية
وترعرع في إحدى محلاتها السكنية، محلة السفينة، قريبا من ضفاف دجلة،
حتى ترك العراق في منتصف عام 1979 إلى باريس لدراسة التصوير السينمائي،
وعاد بعد ثلاثة عقود، في 2009، محملا بحلمين كبيرين،
الأول إنتاج فيلم وثائقي عن حي الأعظمية، والثاني تصوير فيلم وثائقي عن شارع الرشيد.
شارع الرشيد عام 1916م
نتتبع مع الأعظمي خريطة الذاكرة سوية مستهلين خطواتنا
ببيت الخضيري البغدادي التراثي الأصيل، الذي كان حتى نهاية التسعينات،
أو قبلها بقليل،
قائما كمركز حضاري يضم صالة للعروض التشكيلية وباحة تطل
على جريان نهر دجلة تعزف فيها الموسيقى العراقية
في ذاك الركن المقابل، تقريبا لبيت الخضيري،
كانت هنا تسجيلات جقماقجي أول وأشهر شركة تسجيلات موسيقية
(أسطوانات) في العراق
حفظت إرث الموسيقى العراقية وخلدت أصوات المطربين المبدعين الأوائل،
أمثال سليمة مراد، وحضيري أبو عزيز، وناظم الغزالي، ومحمد القبانجي،
ويوسف عمر، وزهور حسين، وعفيفة إسكندر، وأحلام وهبي، وناصر حكيم،
لكن الشركة باعت أصولها وأملاكها ومجد الفن العراقي في التسعينات وأغلقت أبوابها.
كان شارع الرشيد روح بغداد، بل جمع كل بغداد في جغرافيته
التي تمتد على مسافة أكثر من ثلاثة كيلومترات لتربط ما بين بابين تاريخيين:
الباب الشرقي والباب المعظم،
وكان أيضا السوق التجارية الأهم والمركز التجاري الأول لبغداد.
[TR]
[TD="class: td1, width: 20"][/TD]
[TD="class: td2"]This image has been resized. Click this bar to view the full image. The original image is sized 1004x609.[/TD]
[/TR]
شارع الرشيد عام 1937م
كانت هناك مقاهي المثقفين والناس الشعبيين،
بدءا بمقهى البرازيلية التي لم يكن مسموحا بها لسماع الموسيقى،
بل مخصصة لأن ينشغل زبائنها بالقراءة والنقاشات الثقافية الهادئة
وفي هذا الشارع كانت مقاهي البرلمان وحسن عجمي التي تتداعى اليوم
قبل أن تلفظ أنفاسها،
والزهاوي التي ما زالت تجاهد من أجل بقائها،
ومقهى أم كلثوم وكوكب الشرق والرصافي،
غالبية هذه المقاهي أغلقت وتحولت اليوم إلى ورش لتصليح السيارات،
وفي شارع الرشيد كانت تقوم أرقى صالات العرض السينمائي،
بدءا بـروكسي وريكس والخيام وعلاء الدين،
ولكن لم يتبق من هذه الصالات إلا أسماء لا يعرفها الجيل الجديد،
وتغيرت مهمات هذه الصالات إلى معامل نجارة وأثاث.
وكلما توغلنا في هذا الشارع باتجاه منطقة الميدان،
تواجهنا صور تدهور وانحطاط أول شوارع بغداد،
فالسيارات لم تعد قادرة على اجتياز الشارع لوجود الدعامات الخرسانية التي تتوسطه،
ثم إن الاحترازات الأمنية بالقرب من منطقة المصارف،
ومنها المصرف المركزي ومصرف الرافدين تحول دون وصول أي مركبات،
ومع ذلك يتعرض هذان المصرفان للتفجيرات بين فترة وأخرى، كان آخرها منتصف الشهر الحالي.
شارع الرشيد عام 1958م
نرصد محلا، من مجموعة من المحلات، فارغا إلا من التراب
وبقايا رفوف كانت تزدهر ذات يوم بالموديلات المختلفة من الملابس الرجالية الثمينة،
يجلس عند بابه المتهالك رجلان اقتربا من السبعين من عمرهما،
يلعبان الطاولة بتراخ،
الصدمة تبدو كبيرة عندما نصل إلى منطقة حافظ القاضي وسط الشارع بالضبط،
حيث كان هناك واحد من أكبر وأحدث متاجر بغداد الكبرى والراقية (حسو إخوان)،
الذي أغلق أبوابه منذ سنوات طويلة،
هذه المنطقة صارت عبارة عن مزبلة حقيقية،
بينما تهدمت غالبية واجهات الأبنية التراثية التي قامت منذ قيام بغداد الحديثة،
وتشوهت الزخارف المعمارية التي كانت هوية مميزة لأبنية شارع الرشيد.
عربات الخيل بشارع الرشيد
وتتفرع عن شارع الرشيد أسواق مهمة وتاريخية،
مثل سوق الشورجة الذي يضخ الطعام وكل مستلزمات العائلة العراقية
لعشرات الآلاف من المتسوقين يوميا،
هنا تسود عطور التوابل وأنواع الصوابين المصنوعة يدويا من الغار والهال
، كما يتفرع عن الشارع سوق الصفافير (النحاسين) الذي يعود تاريخه للعصر العباسي.
شارع الرشيد حاليا
ما بين مدخل الشورجة وحتى الساحة التي يقف فيها تمثال الشاعر
معروف الرصافي (ساحة الرصافي)
يشهد شارع الرشيد عشوائية لا سابق لها، حيث الباعة الجوالون في منتصف الشارع،
باعة خضراوات وفواكه وملابس وكل أنواع البضائع الاستهلاكية،
مع انتشار الصناديق الفارغة والمخلفات.
شربت الحاج زبالة
بينما كان هذا الجزء من شارع الرشيد مخصصا لبيع المرايا،
من هناك يتفرع سوق المرايا والجام أو ما يعرف بـعكد الجام،
والمواد اليدوية ومستلزمات النجارة والحمامات.
اليوم لا تخصص في أقسام الشارع، وما تبقى من محلات
قديمة ومعروفة ضاعت بين هذه العشوائية الضاربة،
إذ يحاول كعك السيد المذكور في غالبية روايات الكتّاب العراقيين،
وأبرزهم فؤاد التكرلي، في رواية المسرات والأوجاع
وشربت الحاج زبالة الذي يقدم منذ عشرات السنين ألذ عصير للزبيب
(العنب المجفف)
والواقع قبالة جامع الحيدرخانة الشهير،
ومرورا بمقهى حسن عجمي الذي عرف باعتباره ملتقى للأدباء العراقيين،
ومقهى الزهاوي والرصافي، ومدخل شارع المتنبي،
وصولا إلى مقهى أم كلثوم قبل أن ندلف إلى سوق الهرج
الذي يباع فيه كل شيء مستعمل،
تقاوم بعض المحلات من أجل بقائها باعتبارها شواهد مهمة
من عناوين شارع الرشيد. التقاط الصور للشارع غير ممكن،
إلا بحمل تصريح أمني صادر من جهات أمنية عليا.
................
مشروع تطوير شارع الرشيد
وأخيرا وبعد طول إنتظارأعلن مؤخرا،عن مشروع تطوير شارع الرشيد
في العاصمة العراقية بغداد
والذي واحدا من أضخم المشاريع العمرانية العراقية في السنوات العشرين الأخيرة،
إذ تقدر الكلفة التخمينية لإنجاز هذا المشروع بخمسة مليارات دولار أمريكي،
تساهم الحكومة العراقية في تسديد جزء من هذه التكلفة،
فيما يطرح الجزء الأكبر منه أمام الاستثمار،
خصوصا وأن نسبة ثمانين في المائة من الأبنية الواقعة في هذا الشارع
تعود ملكيتها إلى القطاع الخاص،
حسب ما أفاد مدير عام دائرة التصاميم في أمانة بغداد محسن العقابي.
وتعاقدت أمانة بغداد لإنجاز هذا المشروع مع ثلاث شركات عمرانية،
منها "الشركة العراقية" التي أنيط بها إعداد وتقديم الدراسات التخطيطية والمرورية
والبنى التحتية للشارع، إضافة إلى تقديم مقترحات لصيانة المباني التراثية
والواجهات المعمارية
ونتمنى من صميم قلوبنا أن يتحول مشروع تطوير شارع الرشيد
إلى واقع حي ونرى الروح تعود من جديد لهذا المعلم الخالد
من معالم العاصمة الحبيبة بغداد
المصدر:
http://www.iraq-4ever.com/vb/iraq4ever86239/