" لــسـان الحــمار"
منذ أن تزوج بها وهو يمني نفسه بحياة زوجية سعيدة،فلقد كانت كل المؤشرات تدل على ذلك،فزوجته صامتة لا تتكلم إلا عند الضرورة،حيية محتشمة،صبورة وقانعة بنصيبها من رجل خياط عرف بتصاميمه الدقيقة، وتشكيله لأزياء رجالية على المقاس، شكره عليها الكثيرون مرددين قول الصادق الأمين"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"
سارت الحياة بينهما هادئة كما خطط لها،ولاشيء يعكر صفو هذه السعادة والطمأنينة،مادام التفاهم والقناعة ديدنهما ومبدأهما في زيجة اعتبرها الكثير من الأصدقاء والأقارب نموذجية،بينما تسللت نظرات حسد وحقد من أطراف أخرى تعيش صراعات زوجية ظاهرة وبادية للعيان.
مرت سنة على هذا الزواج،ولم يكن يشعل تفكير "بناصر" الخياط إلا أن يظهر في الأفق مايؤكد له أن زوجته حامل،فهو لم يرزق بعد بالأبناء،والخوف كل الخوف أن يكون أحد الزوجين عاقرا،فالأولاد زينة الحياة الدنيا،والحرمان من الذرية شيء غير مستساغ،وقد يؤدي بصاحبه الى الا نتحار أو اليأس المميت.
صاحبته هذه الهواجس وهو مستلق فوق سريره وقت القيلولة،كان شبه نائم،لكن الأرق لازمه هذه المرة أكثر من أي وقت مضى،حاول أن يطرد هذه الشكوك والمخاوف التي جثمت على صدره فلم يفلح في صدها،فجأة سمع دقات متتالية على الباب،أغمض عينيه كأن الأمر لا يعنيه،فهو متوتر من جراء التفكير في النسل،وليس مستعدا لا ستقبال أي شخص في مثل هذا الوقت بالذات من فصل الصيف الحار،وهو الذي لا يتوفر سوى على غرفة صغيرة يقتسمها مع زوجته.
فتح الباب وسمع صوتا مألوفا لديه،فقد كانت أخت زوجته التي لا تتجاوز العاشرة من عمرهاهي الطارق،نظرت للجسد الممدد،والعينين المغمضتين،فتأكدت مما لا يدعو للشك ان زوج اختها بناصر غارق في سابع نومة ببطنه المندلق الذي يثير الشفقة والضحك.
لم تتردد الصغيرة أن تخاطب أختها فاطمة بعفوية:
ـ لقد أحضرت لك تلك الأمانة التي وعدتك امي بها.
كانت الزوجة تعتقد ان زوجها يحلق في سماء أحلامه،منتشيا بذكرى ليلة البارحة الحمراء التي سلمته فاطمة نفسها دون عراك او ممانعة تسبق الحق الشرعي،فقد أرضته حتى النخاع حتى لا يلتفت لامرأة أخرى،لكن اعتقاد فاطمة كان خاطئا فبناصر/ الثعلب الذي خبر وجرب نساء كثيرات التقطت أذناه كل كلمة تلفظت بها الصغيرة.
بعد انصراف الطفلة،نفذ صبر الزوجة وهي التي تعودت ألا تزعج راحة"بناصر" فتتركه نائما حتى اذان العصر ثم يستيقظ ويصلي صلاته ويتجه نحوحانوته. تقدمت نحو السرير وشرعت في تحريكه بقوة كأنه زق مملوء بالحليب يحتاج لمن يمخضه ليتحول الى لبن.
انتفض من مكانه بسرعة واعتدل في جلسته كأنما أصابه مس من الشيطان.
جحطت عيناه فلأول مرة توقظه زوجته،وعلم بخبرة المجرب أن مكروها يحيط به من كل جانب،وماعليه إلا أن ينتظر حتى يعرف نهاية السلوك الأرعن من زوجته الشابة ويختبر صدقها من سوء نيتها.
اقتربت منه وأنفاسها تتصاعد رآى في عيونها نظرات مختلفة يمتزج فيها الذعر بالجرأة،والسذاجة بالمكر،والبساطة بالتعقيد،وبتودد وغنج ودلال قالت له:
ـ آسي بناصر..أمي قد أحضرت لك لحم رأس الخروف الذي تحبه،لأنها تعرف أنك تحبه وتشتهيه.
لكن الزوج أجابها ببرود:
ـ من قال لحماتي انني احب لحم الرأس،فأمك ماجاءت به إلا من أجلك،فهي تعزك كثيرا،فكلي هنيئا فبلاشك سيكون طعمه لذيذا.
ودون شعور منها زل لسانها فقالت له:
ـ لكنه مطبوخ ومعد من أجلك أنت.
ابتسم بناصر حتى لا يثير شكوك زوجته وتعتقد أنه اكتشف شيئا ما،فندت عنه قهقهة رجل بهلول وبسذاجة مصطنعة،وبلادة محاكة قال لها:
ـ والله العظيم لتأكلين لحم الرأس،فقد سمعت أنه يخصب رحم المرأة ويساعد المرأة على ان تكون ولودا.
ما ان سمعت زوجها يذكر سيرة الذرية على لسانه حتى تهلل وجهها،ونسيت نصيحة أمها، فالتهمت صحن راس الخروف بمرقه لقد كان لسانا طويلا بحراشف ثخينة.
لما اطمأن الزوج أن فاطمة قد اكلت ذلك اللسان حتى خاطبها:
ـ لسان الحيوان يقوي الباه،ويكثر الغلمة بين الرجل والمرأة،فينشط الحر ويكبرالأير،ويجد الزوجين لذة في المجامعة،خصوصا عند الرعشة الكبرى.
غادر بناصر المنزل،وكله سعادة بعدما استقر لسان الخروف في بطن زوجته والعهدة على الراوية فاطمة واتجه نحو دكانه.
لم تمر ساعة على مغادرته منزله ،حتى جاءت حماته مولولة تدعو بالويل والثبور ووقوع عظائم الأمور،وبصوت متهدج قالت له:
ـ ان زوجتك فاطمة في النزع الأخير فهرول فقد تدركها او لا تدركها.
أغلق الدكان وبمنزله كانت حشود من الجيران والطفيليين تنظر ببلاهة الى زوجته الممددة،دفعهم بمنكبيها،نظر اليها، كان صدرها يعلو ويهبط وكل اعضائها تختلج،والعرق يتصبب من جبينها واللعاب يندلق من فمها،ورائحة بول عطن انساب من تحتها.
لما رآى هذه العلامات تذكر ما قرأه في بعض المجلات المتخصصة أن هذه الأعراض تؤكد أن صاحبها مصاب بتسمم.
وعلى وجه السرعةاستدعى سيارة الإسعاف التي حملتهاالى المستشفى.
وهناك قاموا بغسل معدتها بعدما نجت من موت محقق بفعل تسمم مريع كما اكد له الطبيب.
عاد الى بيته والدموع تنهمر من من عيونه،تذكر حاله بالأمس،فقد كان في قائمة سعداء المتزوجين،واذا به ينزل الى حضيض الأشقياء.
بالأمس كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم الأبوة ومعانقة طفله او طفلته.
بالأمس كان يحلم بعمر مديد مع زوجة وفية علق عليها كل الآمال،وإذا به اليوم كاد يكون في عداد الموتى بعدما خيبت زوجته كل الظنون،وقوضت كل الأحلام.
بعد تماثلها للشفاء،حملها الى منزل والديها،وعند عتبة المنزل سلمها ورقة الطلاق.
ماكاد يدلف لبيته في ذلك المساء الحزين حتى اقتربت منه امراتان،وبنبرة يتخللها الفرح قالتا له:
ـ آسيدي هل انت هو بناصر ابن عائشة"
ولما أجابهما بالإيجاب،قبلتا يديه وصدره وقالتا له:
ـ على سلامتك...على سلامتك لقد نجوت من شر حماتك الساحرة الكاهنة،إنها جارتنا ونحن نعرفها جيدا، فلقد حاولت اطعامك لسان حمار مسموم،ولكن الله نجاك،ولقد سمعنا أنك أطعمت لسان الحمار لزوجتك..على سلامتك هكذا يكون الرجال...حبذا لوكان كل مفتول الشارب كث اللحية عريض المنكبين مثل بناصر ابن عائشة..لقد ولدت امك أذكى الرجال ..على سلامتك ...على سلامتك.