هجوم بحري
كنا جلوساً على بساط أخضر فسيح، يغطي مساحة كبيرة من جزيرة المرجان. جزيرة حديثة ظهرت وسط البحر وإلى حيز الوجود، بعد أن لم تكن شيء مذكورا، تبعد عن قريتنا بعض كيلومترات. دخلناها بسيارتنا – أنا وعائلتي - عبر شريط دائري إسفلتي يربطها بيابسة المدينة القريبة منها، محمياً من جانبيه بأحجار كبيرة صفت ورصت بشكل مرتب منسق، يضفي على مدخل الجزيرة جمالا وبهاء إضافيين. قادنا الشريط إلى مواقف السيارات في مقدمة الجزيرة، حيث أوقفنا سيارتنا، وذهبنا نبحث عن موقع جيد.
أخذنا موقعنا في المساحة الشرقية من الجزيرة، في الناحية التي تقل فيها الأشجار، وقرب ماء البحر، لنتمكن من تلقي الريح مهما خف هبوبها، وتقل فيها الرطوبة التي كانت تجتاحنا بين آونة وأخرى. بعد أن أخلينا موقعنا السابق، داخل أحد الكبائن المتمركزة في الجهة الغربية من الجزيرة، والتي هربنا منها لقلت حركة الهواء فيها، مع شدة الرطوبة وكثافة الأشجار. أخذنا نستمتع بما حولنا، بين التنزه مشياً على الأقدام خلال مسارات المشاة، التي كانت تتمايل وتتلوى كثعبان صخري طويل، يمر بين بقع العشب المتناثرة على ظهر الجزيرة. أو بالنظر إلى المناظر الجذابة، كالأشجار الخضراء الباسقة، والورود المختلفة الأنواع والألوان، المتناثرة فوق المساحات الخضراء وبين الأعشاب. كأن الجزيرة سجاد أعجمي، قد أتقن حياكته نساجون مهرة. ذلك التنسيق المبهر للعين، الذي يجعلها مصيفاً ممتازاً للسواح وللمتنزهين.
كان ضمن المتنزهين والجالسين ليس بعيداً منا، عدد من الأطفال الظرفاء، خفيفي الظل، جاءوا برفقة ذويهم لتغيير رتابة الحياة، وتجديد نشاطهم. كانوا يجرون بين مجالس أهليهم على العشب، وبين الحاجز الحديدي الذي يفصلنا عن البحر. ورغم صغر أعمارهم ولطافة أجسامهم، كان مزاحهم ثقيلاً عنيفاً - وصراخهم عويلاً كنعيق الغربان، بحيث كان ننزعج كلما مروا بجوارنا - وكنا ننتفض كلما صرخ احدهم خوفاً.
أفترق أهاليهم في مجموعات نسائية وأخرى رجالية، وكل فرقة أخذت زاوية بعيدة عن الأخرى، وكان الأطفال من نصيب النساء وفي معيتهم. أخذوا يتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث، مستمتعين بوقتهم وما جلبوا من مأكولات ومشروبات. تاركين الأطفال يلهون ويعبثون على وجوههم، دون رقيب ودون عتيد.
فجأة تغيرت الحال، وانقلب الفرح إلى استنفار، والمرح والسمر إلى هجوم باتجاه البحر. لم نلحظ إلا والناس من حولنا رجالاً ونساء، تركوا مواقعهم ومواطن سمرهم، وتجمهروا بجوار الحاجز الحديدي. يغمر البعض الخوف مما قد وقع، أو يتصور أنه وقع! والبعض الآخر علت وجوههم علامات الاستفهام والتساؤل والفضول عن ما حدث؟!
خلع بعض الرجال المتواجدون ملابسهم، وقفزوا خلف السور استعداداً للقفز إلى البحر، لإنقاذ من يعتقد إنه قد غرق! وعندما لم يجدوا ما يبحثون عنه، توجهت أنظارهم إلينا ونحن الأقرب إلى الماء، وهالهم عدم تأثرنا بما يعتقد أنه قد حدث. لذا سألونا عن الصراخ الذي أنطلق فجأة؟! فأجبناهم وكأن الصراخ صار عادياً لدينا بعد ما قاسيناه من أطفالهم: أحد أطفالكم قد أعجبه صوته فرفع عقيرته، محاولاً تقليد أحد الطيور.
فارتدوا على أدبارهم خائبين، يسألون نسائهم الآتي بقين في مكانهن ولم يتحركن مثلنا، عن بعض أطفالهم الذين كان يعتقد أن أحدهم قد غرق؟! فأجبنهم متعجبات، كيف وهم في لهوهم ومجونهم انتبهوا أن أحد الأطفال قد فقد: أنهم هنا بجوارنا ولم يفقد منهم أحد. بعدها عادوا بخفي حنين إلى مواقعهم والى سمرهم. فقررنا مغادرة المكان عائدين إلى ديارنا، بعد ما قاسيناه من إزعاج أطفالهم، ونحن نضحك من غرابة الموقف وطرافته.
بقلم: حسين نوح مشامع