خوف مبررللشيخ توفيق الصائغ
خوفٌ مبرر
مات رحمه الله .. هى الكلمة التي حتماً قيلت أوستقال قريباً.
اليوم أو غداً أو حتى بعد عشر سنوات ، لا مفرّ منها ، وسينتقل اسمي واسمك من : الشيخ فلان ، أو الدكتور فلان أو معالي فلان وسعادة فلان وسمو فلان ، إلى : المرحوم فلان في أحسن الأحوال ، أو الفقيد أو الراحل ، بلا ألقاب ولا دالات أو ميمات أو مقدماتٍ مما يكبر في صدور الناس ..
ما رأيت حقيقة يتعامى عنها الإنسان كهذه الحقيقة ، ولا مرّ بي يقين يؤمن به المرء ويجحده عملاً ، ويصغي له المرء ويتصامم عن ندائه كهذا اليقين .. عجباً !!.
ما دعاني للكتابة عن هذه الخاطرة أنه بمجرد دخول شهر شعبان يلحظ الناس أو هكذا يبدو لهم أن الوفيات تتزايد نسبتها ، وأن المتساقطين بسهام المنايا يكثر عديدهم دون إدراك الشهر الفضيل .. ربما ، وإن كنت في قرارة نفسي أعتقد أن النسبة ربما لا تختلف ، أياً ما كان يظل المرء وجلاً خائفاً أن يكون أحد المتساقطين ، ورقماً في الهالكين ، ومع أن هذا الشعور ينبغي ألاّ يغيب سائر العام كيما يكون حاملاً على العمل ، باعثاً للعبادة ، إلا إنه يتزايد على عتبات رمضان ، ولا عجب فإدراك رمضان غاية المنى ، روى ابن ماجه بسند صحيح كما قال الشيخ الألباني- رحمه الله - عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخِر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد ، ثم رجع إلي فقال:
ارجع فإنك لم يأْنِ لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس ، فعجبوا لذلك ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه الحديث ، فقال:
" من أي ذلك تعجبون ؟ " فقالوا : يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ، ودخل هذا الآخِر الجنةَ قبله!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أليس قد مكث هذا بعده سنة ؟ "
قالوا: بلى، قال:
" وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟
" قالوا: بلى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض "
إذاً هو خوف مبرر ، وأمنية غالية ..
اللهم بلغنا رمضان وارزقنا صيامه وقيامه كما تحب وترضى