غلطة رسام والثمن يدفعه ساكنو الأبنية
المصدر زينة بيطار
06 / 04 / 2007
غلطة رسام وبيوت تحترق بها...
تمَّ منذ فترة قصيرة تدشين مدرسة نموذجية في الشيخ سعد في منطقة المزة... ولا يخفى على أحد الانطباعات الإيجابية التي تكونت عن هذه المدرسة التي باتت منتظرة، حيث من المتوقع أن تختلف عن باقي المدارس وأن تتميز لتكون نموذجية بحق... فالمدرسة تحتوي على مكتبة كبيرة للمطالعة ومخبر للكمبيوتر واسع ومجهز وغيرها من التفاصيل التي من شأنها أن تؤمن أجواء مشجعة على الدراسة...
إلا أنَّ خلف أسوار هذه المدرسة تختبئ قصة وصلت إلى بلدنا كـ"شكوى"، وبعد معرفة تفاصيلها وجب الإشارة إليها لأخذ العبرة منها، ألا وهي "عدم الراحة والحذر الدائم".... فمهما اتخذت من إجراءات حماية، لا بدَّ أن يكون هناك قانون "سيطلع من تحت بلاط بيتك"؛ لينكد عليك عيشتك، أو أنك ستكتشف مخططاً سرياً يغيّر كلَّ ترتيبات حياتك...
لا يخفى على أحد، كم بات من الصعب أن يحصل أحدنا على بيت في قلب دمشق... فهذا الأمر بات حلماً من الأحلام... ووسط ظروف المعيشة الحالية الصعبة والنفضة التي تقوم بها المحافظة لدمشق، فإنَّ مجرد تأمين بيت آمن لا ينتظر الهدم ولا الخلع والقصقصة في أي مكان؛ يعتبر إنجازاً كبيراً ومهماً في حياة أي منا...
وإن كنا هنا لسنا بصدد مناقشة خطط المحافظة التنظيمية، إلا أنه بالنهاية لا أحد ينكر التوتر الذي يحصل والمشادات المتكررة عند محاولة المحافظة إخلاء أية منطقة بينها وبين أهالي المنطقة... إضافة إلى التوتر الذي يعيشه اليوم أهالي العديد من المناطق التي من المتوقع أن تخضع للتنظيم....
وهناك من حاول أن يبني بيته حجراً بحجر وهو على يقين بأن يكون منزل العمر... لذا تروَّى وسأل وبحث ولم يجرؤ على الاختيار، إلا بعد الحصول على مخطط يبين تنظيم المنطقة التي يريد السكن فيها... فكانت الصدمة أنَّ هناك من أخطأ، وعليه فإن حساباته ذهبت أدراج الرياح، ورغم كلِّ الحذر الذي اتخذه، فللأسف هناك هفوة غيره التي لم يحسب حسابها...
هذا واحد من سكان البناء اليساري الواقع خلف جدران المدرسة النموذجية ذو الرقم 144التي تناولناها في البداية، وساكني البناء الآخرين لا تختلف قصصهم عنه، ففجأة تمَّ اكتشاف أن مخطط المدرسة اختلف عما كان عليه، رغم التأكد من أن المخطط الموضوع لها نظامي أي التأكد من أنَّ البناء المدرسي لن يأتي مواجهاً للبناء الذي يسكن فيه، إلا أنَّ كتلة البناء تمَّ نقلها، بناء على مخطط تمَّ وضعه على عجل وبشكل فجائي، وساكني البناء المذكور يؤكد أنَّ المخطط المعتمد في المحافظة حتى اليوم هو المخطط الأول (أي الذي تتوضع فيه كتلة البناء بعيداً عن مواجهة البناء الذي يسكنه)، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماالذي دفع المحافظة إلى تغيير توضع كتلة البناء هذه؟... حتى إنَّ مدير التخطيط والتنظيم العمراني المهندس "عبد الفتاح إياسو" كان قد وجه كتاباً إلى المعني بالأمر يطالبه فيه بأن يلتزم المخطط الأول الموجود في المحافظة.
"بلدنا" توجهت تسأل عن الموضوع، وبعد استشارة المحافظة؛ تبيَّن أنه من حق الجهة المسؤولة في المحافظة أن تجري التغيير الذي ترتئيه، من حيث تقسيم كتل البناء والباحة... وعليه فإنَّ التعديل الذي طرأ قانوني... واتجهنا إلى المهندس "بشار الدادا" مدير الخدمات الفنية في المحافظة، وعند سؤاله عن الموضوع، قام بشرح وجهة نظر المحافظة، والتي على أساسها تمَّ هذا التعديل، حيث أشار إلى أن من الجهة اليسارية هناك متسعٌ أكثر بين البناء وبين الجوار، وتوضع الكتلة هناك سيجعل نحو نصف صفوف المدرسة أكثر بعداً عن البيوت المجاورة، وسيتمُّ وضع الحمامات في تلك المساحة الواقعة بين البناء المدرسي والأبنية التي تجاورها... وكان أهالي البناء اليساري قد اشتكو أيضاً من أنَّ دورات المياه سيتمُّ وضعها جانب مدخل البناء؛ ممَّا سيسبب إزعاجاً أكيداً، وإن كانت الكتلة لابد ستتوضع مقابل البناء، فهذا لا يعني أن تزيد الخنقة و يضطر ساكني البناء إلى شمِّ الروائح التي اعتدنا أن نشمها من دورات المياه في المدارس... وعند طرح هذا الموضوع على المهندس "الدادا"، أبدى اقتناعه بالفكرة، ووعد بتغيير توضع دورات المياه، إلا أنه أصرَّ على توضع البناء المدرسي، وعند سؤاله عن سبب التغيير في المخطط أجاب: "إنَّ المخطط الأول مبني على غلطة رسام، وليس من المفترض أن يكون البناء المدرسي متواجداً في المخطط في الأصل".
ونسأل نحن بدورنا: هل أموال الناس وأحلامهم ومخطاطتهم رهن خطأ رسام...؟!
نحن من المؤكد لا نريد ظلم أي كان، إلا إنه إن كانت نصف المدرسة على مسافة معينة من الجوار، فما الذي منع من أن تكون المدرسة كلها على المسافة ذاتها... وإن كان الأمر مزعجاً للمهندسين في المحافظة لهذه الدرجة، حتى إنهم قرروا أن يشملوا الرصيف مع البناء؛ وعليه يزاح البناء المدرسي أكثر نحو جهة اليسار ليصل الشارع مباشرة... فلماذا خططت المدرسة "بالأصل" بالأبعاد التي صممت بها...؟! وماذنب أولئك الذين أخذوا جميع احتياطاتهم ليكون سكنهم نظامياً وبعيداً كل البعد عن أية مخالفة ففوجئوا بخطأ رسام....؟! هل من حق أي كان أن يبرر مخططاً حكومياً نظامياً بأنه يحوي خطأ رسام؟!...
إن كانت المحافظة مشكورة تعمل ليل نهار لتحسين شوارع دمشق وأرصفتها وأبنيتها وأحيائها... فنحن نتمنى منها على الأقل أن تكون أكثر دقة في مخططاتها؛ كي لا تقابل دائماً بالمهاجمة، عسى ولعلَّ أن تكون جهودها مباركة... وأن تحرص على ألا يقع رساموها بالأخطاء بعد اليوم.
آخر تحديث ( 06 / 04 / 2007 )