منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 8 من 8

العرض المتطور

  1. #1

    صراع مع الموت - نزار ب. الزين

    صراع مع الموت
    رواية قصيرة واقعية
    نزار ب الزين*
    *****


    كنت في زيارة لأحد أقاربي حيث تصادف وجود أبنائه و بناته و الأزواج و الأحفاد .....

    الأحفاد?! ،ألا ما أروعهم ، كانوا يقفزون من حوله و من فوقه و من بين ساقيه كحمائم أليفة ، هذا يهاجمه مصارعا تارة و ملاكما تارة أخرى ، فيتخذ في مواجهته موقف المدافع ، و ذاك يطلق عليه رصاصه الوهمي من بندقيته الخشبية ، فيتصنع الإصابة ملقيا نفسه فوق أقرب أريكة فاغرا فيه مدليا لسانه جاحظا عينيه ، و تلك تسترق خطاها الناعمة لتفاجئه من الخلف قافزة على ظهره متشبثة بكتفيه ، فيثبت يديها الصغيرتين براحتي يديه الحانيتين ثم يدور بها بضع دورات حتى يدوخها و يدوخ ، فيقعا معا على الأرض ضاحكين ، و رابعة تشده مستنجدة ليحل لها مشكلتها مع إحدى ألعابها ، و ثمة صغير أخذ يلح عليه طالبا إعادة رواية إحدى الحكايات المثيرة . كانت سعادته بهم و سعادتهم به فوق كل وصف !
    أما جهان إبنته الكبرى ، فكانت مكتئبة و من بينهم جميعا ظل فمها منكمشا و جبينها مقطبا و عيناها طافحتين و إن لم تفضا ، لولا أن علا عويل أصغر أبنائها من الداخل فانفجرت باكية و هي تدمدم : " هذا فوق إحتمال البشر ، لم يدعني أغفو طوال الليلة الفائتة ،هذا ظلم فكأن المرأة وحدها خلقت للشقاء " ، ثم التفتت إلى زوجه
    ا متمتمة ببعض غضب : " أنا بدوري إمرأة عاملة يا سليم ، ثم أنا لم أنجبه وحدي ، فكلانا شركاء ؛ ساعدني بعض الشيء في تحمل المسؤولية " .
    هنا شدتني بعيدا عن عتابها الباكي الذي أثاره رضيعها المشاكس أو ربما المريض ، نظرة رمقني بها قريبي مشفوعة بابتسامة حملتا أكثر من معنى و حفزتا ذاكرتي للحال لتبرز على شاشتها الخفية ، لقطات مكثفة و سريعة من حكاية جهان . جهان الطفلة ذات السنوات العشر ، جهان المريضة و هي تصارع الموت ، جهان الموظفة النشطة ، ثم جهان العروس فالأم ؛ و إلى جوارها مع كل صورة وجهان حانيان ، وجه قريبي هذا و وجه زوجته المرحومة .
    ******
    لم ينتبه والدا جهان إلى أن الأمر غير عادي ، إلا بعد أن أخذ سعالها يتكرر و يتلاحق ترافقه أعراض إختناقية ؛ كانا قد باشرا علاجها – شأنهما شأن معظم ذوي الدخل المحدود – وفق أعراف الطب الشعبي من مستحضرات العطارين ، إضافة إلى الحجامة و التبخير ثم انتقلت الوالدة – بناء على نصائح عجائز العائلة - إلى بيوت المشعوذين فمن قائل بأنها أصيبت بعين حسود و من قائل أن شيطنا قد تقمصها ، فاستجابت الوالدة لكل إرشادات هؤلاء- على الرغم من عدم قناعتها ، كمثقفة، بكل ذلك – و ذلك دون التماس أي تحسن ؛ و على العكس فقد تفاقم المرض فأقعدها ثم أخذ سعالها يتخذ شكل نوبات حادة مع ارتفاع حرارة جسمها ، و لكن عندما قذفت دما ، شعر الوالدان بخطر حقيقي ، فاستدعيا عندئذ الطبيب .
    نظر إليهما الطبيب بإشفاق و لكن ببعض إرتباك ثم أخبرهما بأنه التدرن الرئوي أو السل الرئوي و أضاف : " هو في مرحلته الثانية فإن أفلحنا بإيقافه يكتب لها النجاة و إلا ... "
    بكت الوالدة و أجهشت ، أما الوالد فقد أصابه ذهول لم يفق منه إلا عندما انتابت جهان موجة جديدة من السعال ، فهرع إلى ملابسه يرتديها ، و يخرج على عجل ليحضر ما وصفه الطبيب من أدوية .
    و بروح تعاونية نادرة قسما واجباتهما الطارئة بينهما ، فهناك أبناء آخرون يجب الحرص على وقايتهم ، و تعليمات الطبيب بهذا الخصوص يجب أن تنفذ بدقة ، فغرفة جهان محظورة تماما على إخوتها و كذلك استخدام أدواتها و ملابسها . إنها حالة طوارئ باللون الأحمر .
    و تعلمت الوالدة طرق التعقيم و ضبط مواعيد الدواء بأنواعه و قياس الحرارة و النبض و تسجيلهما على شكل خطوط بيانية ، و تعلم الوالد الحقن العضلي ثم الوريدي ، و كذلك تعودا على تناوب السهر إلى جانبها ؛ فحولا بذلك بيتهما إلى مستشفى حقيقي .
    و بكل هدوء و شجاعة حصرا ما يمكن الإستغناء عنه بدءا من مصاغ الأم و انتهاء بمقتنيات الزينة ، كالمزهريات و الفضيات و الأوعية الصينية التي اعتاد الناس على اقتنائها ، ثم أخذا يبيعانها شيئا فشيئا ليتحول ثمنها إلى غذاء مركّز و علاج مكثف و أمل عنيد بأن ينقذا ابنتهما جهان من براثن الموت
    *****
    لم تحرز جهان تقدما ملحوظا ، فلجأ الوالد إلى طبيب آخر ذاع صيته مؤخرا ، فاستدعاه و بعد إجراء فحص دقيق مستعينا بالتحاليل المخبرية قرر لها عقارا جديدا باهظ الثمن يتم تناوله بالحقن بحيث كانت كل ثلاثة عبوات منه تعادل نصف مرتبه كمهندس طبغرافي في إحدى الدوائر الحكومية .
    صدمة جديدة و عبء جديد ، جعل الوالدة تلقي برأسها على صدر زوجها مجهشة بالبكاء ، و أخذ الوالد يربت على كتفيها بحنان و هو يداري دمعه ، كان ذلك أول موقف عاطفي يجمعهما منذ أشهر امتزج فيه حبهما بدموعهما ، إلا أنه موقف حفزهما على مواصلة النضال ؛ فمنذ اليوم التالي قابل الوالد رئيسه شارحا له وضعه مطالبا بعمل إضافي يساعده على مواجهة محنته ، فاعتذر المدير إلا أنه أرشده إلى مهندس صديق ، فعمل لديه- و هو راض و ممتن - كرسام هندسي .
    و ببطولة استوعبت الأم كافة الأعباء الداخلية لتفسح لزوجها مجال الإنصراف إلى عمله الإضافي المرهق ، كانت إذا فرغت من شؤون المنزل و احتياجات الأطفال ثم أسلمتهما إلى اللعب أو الفراش ، تنصرف إلى جهان ، فتجالسها و تقص عليها الحكايات و النوادر ، كانت جهان تمسك بيد أمها و تتشبث بها كأنما لتستمد منها الطمأنينة و الأمان ، كانت تتصور خطرا يتربص بها كخطر الذئب في قصة ليلى و الذئب ، أو خطر حلم يعقوب ، أو خطر منكر و نكير ، و تسأل أمها " ماذا لو كانت لي ذنوب هل حقا سوف يعذباني ؟ ، ماذا لو وجدت نفسي وحيدة في قبري ؟ ، كثيرا ما أحلم يا أمي أنني وحيدة في قبري أرتجف بردا و هلعا....!. "
    أسئلة تتجاوز سنها و لا عجب فقد كانت من المتفوقين قبل أن يقعدها المرض ، و كانت منذ نعومة أظفارها فلسفية التساؤلات و غزيرتها ، و هاهي الآن تتفلسف حول الموت و ما بعده ؛ فقد أدركت معاناة والديها و متاعبهما المادية و الجسمية ، و تابعت بحزن و إحساس بالذنب مساومات والدها مع تجار الأثاث المستعمل و أصغت بأسى إلى همسهما حول ما تبفى من قائمة الموجودات المرشحة للبيع وشيكا ، ثم أخذت ترصد تأخر والدها المسائي و سهره أحيانا حتى الفجر و هو يرسم و يرسم ، و لاحظت عينيه بألم و هما تزدادان إرتخاء و عدم تمكنه من التحكم بعضلات جفنيه فانطلقت تتحرك كيفما شاءت ، فأيقنت أن ذلك كله ما كان ليحدث لولا مرضها ، فكان إحساسها بالذنب يضاعف من معاناتها من مرضها و خوفها من استفحاله ، لولا تلك اليد الدافئة و العينان الناضحتان بالحب و الوجه الباسم الذي كان يكلؤها برعايته الحانية ليل نهار .
    *****
    و ذات يوم قال لهما الطبيب : " لقد أفلحت بتعطيل المرض إلا أنني لم أفلح – للأسف - حتى الآن بإيقافه ، و أنصح بنقلها إلى مصح صدري في أحد المنتجعات الجبلية ، حيث الهواء النقي و العناية المتخصصة . "
    مصاريف جديدة و أعباء جديدة و كالعادة واجهها الوالدان بشجاعة ؛ كانت أعمال البناء قد تضاعفت مؤخرا ، كما افتتحت الجامعة كلية الهندسة بفروعها ، فراجت تجارة الأدوات و المعدات الهندسية و جد فيها الوالد فرصة لدخل قد يسمح بتنفيذ توصية الطبيب المكلفة. فعمل بداية كوسيط ( سمسار ) ثم إكتشف إمكانية العمل لحسابه الخاص ، و إذ لاحظ أن الأمر مربح بادر لفوره إلى إدخال جهان إلى مصح صدري معروف .
    فاضطرت الأسرة - نظرا لبعد المصح – إلى إستئجار منزل في قرية مجاورة ، و هذا ما أتاح للوالدة أن تزور ابنتها كل يوم مشيا على الأقدام توفيرا للمصاريف .
    *****
    و في يوم من تلك الأيام العصيبة ، ما كادت أم جهان تلتقط أنفاسها قادمة لزيارة ابنتها حتى وجدتها في غاية الإضطراب ، قالت جهان و هي تبكي بحرقة : " تقيأت نجوى زميلتي في الغرفة ، تقيأت دما ثم شهقت مرتين .. فقط مرتين ، ثم ماتت ... ماما أنا خائفة .. ماما يخامرني شعور أنني التالية "
    هدأتها أمها ثم طلبت من الطبيب المناوب أن يبدد مخاوفها فأكد لها ، أنها في طريقها إلى الشفاء . و بعد أقل من أسبوع همست جهان بأذن أمها و هي تعانقها : " لم ينتبني السعال منذ الأمس يا أمي " كانت تلك العبارة بداية رحلة النقاهة لبضعة أشهر أخرى تكللت بالشفاء التام .
    *****
    تذكرت ذلك كله في ثوان تذكرت خروج جهان من المصح ، تذكرت عودتها إلى المدرسة و التهام ما فاتها من علوم ، تذكرت حفل زفافها ، و تذكرت والدتها التي ما أن إطمأنت على نجاتها من براثن الموت حتى عاجلها الموت . ثم تذكرت كفاح والدها و مثابرته و تصميمه على إنقاذ ابنته ؛ ثم التفتّ نحو جهان فهمست لها بسري : " و الآن تتذمرين من وعكة ألمت برضيعك يا جهان ؟ أنسيت كم سهر والداك من ليال أمام سريرك و هما يصارعان الموت لحسابك ؟!"


    ------------------

    *نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    الموقع : www.FreeArabi.com

  2. #2
    لايشعر الولد بعناء والديه حتى يرى العناء ويجربه بنفسه.
    قصة حزينة.
    تحيتي لك دوما والتقدير.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    لايشعر الولد بعناء والديه حتى يرى العناء ويجربه بنفسه.
    قصة حزينة.
    تحيتي لك دوما والتقدير.
    **********

    أختي الفاضلة أم فراس
    صدقت في كل ما ذهبت إليه
    فالقادرون على البر بالوالدين قلة
    لأن الكثيرين لا يتمتعون
    بالحس الديني أو الأخلاقي الذي
    يؤهلهم لهذا الوفاء
    ***

    الشكر الجزيل لزيارتك
    و افتتاحك نقاش النص

    مع ودي و وردي

    نزار

  4. #4
    قصة انسانية ثمينة.
    دمت كعطاء اديبنا نزار العزيز.
    رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء
    رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
    **************
    قال ابن باز رحمه الله
 :

    لباسك على قدر حيائك
    وحياؤك على قدر ايمانك

    كلما زاد ايمانك زاد حياؤك
    وكلما زاد حياؤك زاد لباسك

  5. #5

    صراع مع الموت

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راما مشاهدة المشاركة
    قصة انسانية ثمينة.
    دمت كعطاء اديبنا نزار العزيز.
    **********
    اختي الفاضلة راما
    شكرا لمرورك و ثنائك الرقيق
    مع ودي و وردي
    نزار


  6. #6
    صراع مع الموت
    القدير نزار . ب . الزين

    فكرة النص :

    جاء العنوان صريحاً وموارباً في الوقت ذاته ..
    فالنص يتحدث عن صراع الشخصية مع الموت / التصريح
    لكنه لم يشي بنهاية هذا الصراع / المواربة

    بدأت السرد بضمير المتكلم ، وانطلقت نقطة السرد هنا ..

    كُنتُ في زيارة لأحد أقاربي حيث تصادف وجود أبنائه وبناته والأزواج والأحفاد ..

    القاص هنا يحمل عدسته ويصور لنا المشهد كما يراه ..
    الجملة الافتتاحية جاءت لتظهر شخصيات كثيرة
    أحد الأقارب / الأبناء / البنات / الأحفاد
    ثم بدات في وصف الاجواء الحميمية في هذا المنزل / البيت
    لعب الأحفاد مع هذا القريب ..
    الأحفاد هنا هم شخصيات ثانوية ، قاموا بتأدية دورهم / إظهار الجو العام


    أما جهان إبنته الكبرى ، فكانت مكتئبة و من بينهم جميعا ظل فمها منكمشا و جبينها مقطبا و عيناها طافحتين و إن لم تفضا ، لولا أن علاعويل أصغر أبنائها من الداخل فانفجرت باكية و هي تدمدم : " هذا فوق إحتمال البشر ،لم يدعني أغفو طوال الليلة الفائتة ،هذا ظلم فكأن المرأة وحدها خلقت للشقاء " ، ثمالتفتت إلى زوجها متمتمة ببعض غضب : " أنا بدوري إمرأة عاملة يا سليم ، ثم أنا لمأنجبه وحدي ، فكلانا شركاء ؛ ساعدني بعض الشيء في تحمل المسؤولية " .


    في الفقرة السابقة ..
    ظهرت الشخصية الابنة الكبرى ( جيهان ) / مقطبة الجبين / منكمشة الفم / طافحة العينين
    جاء وصف الشخصية ( جيهان ) هنا في لحظة الحدث ، وليس وصفاً لها / كشخصية .


    ثم علا صوت أصغر أبنائها من الداخل ، فانفجرت باكيةً وهي تدمدم
    : " هذا فوق إحتمال البشر ،لم يدعني أغفو طوال الليلة الفائتة ،هذا ظلم فكأن المرأة وحدها خلقت للشقاء "

    جاءت الجملة الحوارية أعلاه لتظهر سبب حالة الشخصية ( جيهان )


    وتظهر الشخصية الزوج ( سليم ) في الجملة الحوارية هنا
    مقطبة الجبين / منكمشة الفم / طافحة العينين


    : " أنا بدوري إمرأة عاملة يا سليم ، ثم أنا لمأنجبه وحدي ، فكلانا شركاء ؛ ساعدني بعض الشيء في تحمل المسؤولية " .



    جاءت الجملة الحوارية أعلاه لتظهر صفة من صفات الشخصية ( جيهان )
    إمرأه عاملة / التذمر ..
    هذا التذمر جاء ليفتح باب السرد على مصرعيه في ذاكرة السارد ..


    هنا شدتني بعيدا عن عتابها الباكي الذي أثاره رضيعها المشاكس أو ربما المريض ، نظرةرمقني بها قريبي مشفوعة بابتسامة حملتا أكثر من معنى و حفزتا ذاكرتي للحال لتبرزعلى شاشتها الخفية ، لقطات مكثفة و سريعة من حكاية جهان . جهان الطفلة ذات السنواتالعشر ، جهان المريضة و هي تصارع الموت ، جهان الموظفة النشطة ، ثم جهان العروسفالأم ؛ و إلى جوارها مع كل صورة وجهان حانيان ، وجه قريبي هذا و وجه زوجتهالمرحومة .


    جاءت الجزئية السابقة لتعود بشريط الذاكرة / فلاش باك للشخصية ( جيهان )
    وراق لي ربط نظرة هذا القريب الشيخ للشخصية الضمير المتكلم ..
    أيضاً راق لي تمرير الشخصية الزوجة / المرحومة والدة ( جيهان ) ..
    لينتقل بعدها السرد إلى الماضي البعيد / ( جيهان ) وعمرها عشر سنوات / المرض ..
    هنا ..


    لم ينتبه والدا جهان إلى أن الأمر غير عادي ، إلا بعد أن أخذ سعالها يتكرر و يتلاحقترافقه أعراض إختناقية ؛ كانا قد باشرا علاجها – شأنهما شأن معظم ذوي الدخل المحدود – وفق أعراف الطب الشعبي من مستحضرات العطارين ، إضافة إلى الحجامة و التبخير ثمانتقلت الوالدة – بناء على نصائح عجائز العائلة - إلى بيوت المشعوذين فمن قائلبأنها أصيبت بعين حسود و من قائل أن شيطنا قد تقمصها ، فاستجابت الوالدة لكلإرشادات هؤلاء- على الرغم من عدم قناعتها ، كمثقفة، بكل ذلك – و ذلك دون التماس أيتحسن ؛ و على العكس فقد تفاقم المرض فأقعدها ثم أخذ سعالها يتخذ شكل نوبات حادة معارتفاع حرارة جسمها ، و لكن عندما قذفت دما ، شعر الوالدان بخطر حقيقي ، فاستدعياعندئذ الطبيب .

    في الفقرة السابقة ..
    جاء السرد ليوضح مراحل المرض عند الشخصية ( جيهان ) وطريقة تعامل الأهل مع هذا المرض ..
    راق لي إظهارك لنقطة معينة وهي الشخصية الأم سلكت جميع الدروب في البداية لشفاء ابنتها ، حتى المشعوذين رغم أنها / مثقفة ..
    وكنت قد كتبت قصة تحمل هذه الفكرة بعنوان " وهم وحقيقة " ..
    أظهرت الفقرة السابقة أيضاً الحالة المادية لهذه العائلة / محدودة الدخل ثم الحل الأخير بعد تفاقم الحالة / استدعاء الطبيب ..

    نظر إليهما الطبيب بإشفاق و لكن ببعض إرتباك ثم أخبرهما بأنهالتدرن الرئوي أو السل الرئوي و أضاف : " هو في مرحلته الثانية فإن أفلحنا بإيقافهيكتب لها النجاة و إلا… “
    بكت الوالدة و أجهشت ، أما الوالد فقد أصابه ذهوللم يفق منه إلا عندما انتابت جهان موجة جديدة من السعال ، فهرع إلى ملابسه يرتديها، و يخرج على عجل ليحضر ما وصفه الطبيب من أدوية .



    في الجزئية السابقة ..
    ظهرت الشخصية ( الطبيب ) وتشخيص الحالة المرضية هنا

    بأنهالتدرن الرئوي أو السل الرئوي و أضاف : " هو في مرحلته الثانية فإن أفلحنا بإيقافهيكتب لها النجاة و إلا… “





    و بروح تعاونية نادرة قسماواجباتهما الطارئة بينهما ، فهناك أبناء آخرون يجب الحرص على وقايتهم ، و تعليماتالطبيب بهذا الخصوص يجب أن تنفذ بدقة ، فغرفة جهان محظورة تماما على إخوتها و كذلكاستخدام أدواتها و ملابسها . إنها حالة طوارئ باللون الأحمر .
    و تعلمت الوالدةطرق التعقيم و ضبط مواعيد الدواء بأنواعه و قياس الحرارة و النبض و تسجيلهما علىشكل خطوط بيانية ، و تعلم الوالد الحقن العضلي ثم الوريدي ، و كذلك تعودا على تناوبالسهر إلى جانبها ؛ فحولا بذلك بيتهما إلى مستشفى حقيقي .



    في الفقرة السابقة ..
    جاء مرض الشخصية ( جيهان ) ليظهر تلك الروح التعاونية بين الشخصية الأب والشخصية الأم ، في المحن تظهر بواطن النفوس ، وجاءت هذه الجملة هنا


    تعلمت الوالدةطرق التعقيم و ضبط مواعيد الدواء بأنواعه و قياس الحرارة و النبض و تسجيلهما علىشكل خطوط بيانية ، و تعلم الوالد الحقن العضلي ثم الوريدي ،


    لتؤكد بأن الحاجة تدفع الإنسان لتعلم أشياء لم يفكر في تعلمها يوماً ما ..
    الحدث هنا / مرض ( جيهان ) جاء نقطة تحول في حياة هذه الأسرة / محدودة الدخل .
    وبدأ القاص يعمق هذا الحدث في نفس القارىء / حشد التعاطف مع العائلة .
    هنا ..


    و بكل هدوء و شجاعةحصرا ما يمكن الإستغناء عنه بدءا من مصاغ الأم و انتهاء بمقتنيات الزينة ،كالمزهريات و الفضيات و الأوعية الصينية التي اعتاد الناس على اقتنائها ، ثم أخذايبيعانها شيئا فشيئا ليتحول ثمنها إلى غذاء مركّز و علاج مكثف و أمل عنيد بأن ينقذاابنتهما جهان من براثن الموت

    هان يترك القاص التساؤل قائماً في ذهن القارىء
    هل سيثمر هذا العلاج المكثف .؟
    *************
    بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي

    فـجُودا فـقد أوْدَى نَظيركُمُاعندي

    فلسـ الأردن ــطين

  7. #7
    لم تحرز جهان تقدما ملحوظا ، فلجأ الوالد إلى طبيب آخر ذاع صيته مؤخرا ، فاستدعاه و بعد إجراء فحص دقيق مستعينا بالتحاليل المخبرية قرر لها عقارا جديدا باهظ الثمن يتم تناوله بالحقن بحيث كانت كل ثلاثة عبوات منه تعادل نصف مرتبه كمهندس طبغرافي في إحدى الدوائر الحكومية .


    في الفقرة السابقة جاء الجواب للسؤال ..
    هنا ..



    لم تحرز جهان تقدما ملحوظا

    وظهور شخصية جديدة / الطبيب الذي ذاع صيته ..
    وتعميق حجم المعاناة لهذه العائلة ، وكشفت عن مهنة والد جيهان

    قرر لها عقارا جديدا باهظ الثمن يتم تناوله بالحقن بحيث كانت كل ثلاثة عبوات منه تعادل نصف مرتبه كمهندس طبغرافي في إحدى الدوائر الحكومية .



    صدمة جديدة و عبء جديد ، جعل الوالدة تلقي برأسها على صدر زوجها مجهشة بالبكاء ، و أخذ الوالد يربت على كتفيها بحنان و هو يداري دمعه ، كان ذلك أول موقف عاطفي يجمعهما منذ أشهر امتزج فيه حبهما بدموعهما ، إلا أنه موقف حفزهما على مواصلة النضال ؛ فمنذ اليوم التالي قابل الوالد رئيسه شارحا له وضعه مطالبا بعمل إضافي يساعده على مواجهة محنته ، فاعتذر المدير إلا أنه أرشده إلى مهندس صديق ، فعمل لديه- و هو راض و ممتن - كرسام هندسي .


    في الفقرة السابقة ..

    برأيي أن ( منذ ) كانت في غير محلها ، لأنها تعني الزمن الماضي ..
    وبأن الفقرة السابقة يمكن اختزالها دون ذكر تفاصيل ما حدث بين الأب والمدير ..
    وفيها / الفقرة السابقة ..
    تأكيد لروح التعاون بين الزوجين ..
    الأب الآن يعمل لساعات أطول / عمل إضافي ..


    و ببطولة استوعبت الأم كافة الأعباء الداخلية لتفسح لزوجها مجال الإنصراف إلى عمله الإضافي المرهق ، كانت إذا فرغت من شؤون المنزل و احتياجات الأطفال ثم أسلمتهما إلى اللعب أو الفراش ، تنصرف إلى جهان ، فتجالسها و تقص عليها الحكايات و النوادر ، كانت جهان تمسك بيد أمها و تتشبث بها كأنما لتستمد منها الطمأنينة و الأمان ، كانت تتصور خطرا يتربص بها كخطر الذئب في قصة ليلى و الذئب ، أو خطر حلم يعقوب ، أو خطر منكر و نكير ، و تسأل أمها " ماذا لو كانت لي ذنوب هل حقا سوف يعذباني ؟ ، ماذا لو وجدت نفسي وحيدة في قبري ؟ ، كثيرا ما أحلم يا أمي أنني وحيدة في قبري أرتجف بردا و هلعا....!. "
    أسئلة تتجاوز سنها و لا عجب فقد كانت من المتفوقين قبل أن يقعدها المرض ، و كانت منذ نعومة أظفارها فلسفية التساؤلات و غزيرتها ، و هاهي الآن تتفلسف حول الموت و ما بعده ؛ فقد أدركت معاناة والديها و متاعبهما المادية و الجسمية ، و تابعت بحزن و إحساس بالذنب مساومات والدها مع تجار الأثاث المستعمل و أصغت بأسى إلى همسهما حول ما تبفى من قائمة الموجودات المرشحة للبيع وشيكا ، ثم أخذت ترصد تأخر والدها المسائي و سهره أحيانا حتى الفجر و هو يرسم و يرسم ، و لاحظت عينيه بألم و هما تزدادان إرتخاء و عدم تمكنه من التحكم بعضلات جفنيه فانطلقت تتحرك كيفما شاءت ، فأيقنت أن ذلك كله ما كان ليحدث لولا مرضها ، فكان إحساسها بالذنب يضاعف من معاناتها من مرضها و خوفها من استفحاله ، لولا تلك اليد الدافئة و العينان الناضحتان بالحب و الوجه الباسم الذي كان يكلؤها برعايته الحانية ليل نهار .


    في هذه الجزئية ..
    حرص القاص على سرد ما يدور في خلد الشخصية الرئيسية ( جيهان ) ، وتصوير مخاوفها من القادم ، وأظهر جانباً آخراً من شخصيتها هنا ..

    تابعت بحزن و إحساس بالذنب


    ثم ..
    قفزة زمنية أخرى ..
    هنا ..


    و ذات يوم قال لهما الطبيب : " لقد أفلحت بتعطيل المرض إلا أنني لم أفلح – للأسف - حتى الآن بإيقافه ، و أنصح بنقلها إلى مصح صدري في أحد المنتجعات الجبلية ، حيث الهواء النقي و العناية المتخصصة . "


    الشخصية الطبيب / البديل أصبح شخصية رئيسية لأنه يتفاعل مع الأحداث المستجدة ..
    تعطيل المرض / توجيه الشخصيات إلى بيئة مكانية أخرى / مصح صدري / منتجعات جبلية


    مصاريف جديدة و أعباء جديدة و كالعادة واجهها الوالدان بشجاعة ؛


    من وجهة نظري أ. نزار ، يمكن اسقاط هذه الجملة من النص ، لأن فيها تذكير وتكرار ..



    كانت أعمال البناء قد تضاعفت مؤخرا ، كما افتتحت الجامعة كلية الهندسة بفروعها ، فراجت تجارة الأدوات و المعدات الهندسية و جد فيها الوالد فرصة لدخل قد يسمح بتنفيذ توصية الطبيب المكلفة. فعمل بداية كوسيط ( سمسار ) ثم إكتشف إمكانية العمل لحسابه الخاص ، و إذ لاحظ أن الأمر مربح بادر لفوره إلى إدخال جهان إلى مصح صدري معروف .
    فاضطرت الأسرة - نظرا لبعد المصح – إلى إستئجار منزل في قرية مجاورة ، و هذا ما أتاح للوالدة أن تزور ابنتها كل يوم مشيا على الأقدام توفيرا للمصاريف .



    في الفقرة السابقة ..

    كانت الأحداث متسارعة جداً / وكان هدف القاص أن يصل هنا ..


    و هذا ما أتاح للوالدة أن تزور ابنتها كل يوم مشيا على الأقدام توفيرا للمصاريف .


    شعرت بخلل في السرد ..

    القاص هنا يحاول أن يرسل برسالة للقارىء وهي
    اشتدي أزمة ً تنفرجي ..

    أصبح للوالد عمل / سمسار / يؤهله لاستئجار منزل بالقرب من المصح ..
    والوالدة تقوم بدورها المكافح مع ابنتها وزوجها ..

    وهنا لدي سؤال للقاص : ماذا حدث لبقية أفراد العائلة ؟ الأبناء / البنات ..؟
    هل رحلوا ..؟
    هل هم صغار على المدارس مثلاً .. ؟ أو ..؟ أو ..؟
    ذلك أن السرد لم يفصح عن ذلك ، ولو تلميحاً ..

    فاضطرت الأسرة - نظرا لبعد المصح – إلى إستئجار منزل في قرية مجاورة ، و هذا ما أتاح للوالدة أن تزور ابنتها كل يوم مشيا على الأقدام توفيرا للمصاريف .

    انتقال الأسرة إلى البيئة المكانية الجديدة / منزل أقرب للمصح للبقاء مع الشخصية ( جيهان )


    و في يوم من تلك الأيام العصيبة ، ما كادت أم جهان تلتقط أنفاسها قادمة لزيارة ابنتها حتى وجدتها في غاية الإضطراب ، قالت جهان و هي تبكي بحرقة : " تقيأت نجوى زميلتي في الغرفة ، تقيأت دما ثم شهقت مرتين .. فقط مرتين ، ثم ماتت ... ماما أنا خائفة .. ماما يخامرني شعور أنني التالية "
    هدأتها أمها ثم طلبت من الطبيب المناوب أن يبدد مخاوفها فأكد لها ، أنها في طريقها إلى الشفاء . و بعد أقل من أسبوع همست جهان بأذن أمها و هي تعانقها : " لم ينتبني السعال منذ الأمس يا أمي " كانت تلك العبارة بداية رحلة النقاهة لبضعة أشهر أخرى تكللت بالشفاء التام .



    في الفقرة السابقة ..

    بدأتها بتصعيد الحبكة ثم وأدتها بالمهد أ . نزار ..
    التصعيد هنا

    و في يوم من تلك الأيام العصيبة ، ما كادت أم جهان تلتقط أنفاسها قادمة لزيارة ابنتها حتى وجدتها في غاية الإضطراب ، قالت جهان و هي تبكي بحرقة : " تقيأت نجوى زميلتي في الغرفة ، تقيأت دما ثم شهقت مرتين .. فقط مرتين ، ثم ماتت ... ماما أنا خائفة .. ماما يخامرني شعور أنني التالية "


    ثم مباشرةً قفزة زمنية وإنهاء الحبكة هنا ..

    و بعد أقل من أسبوع همست جهان بأذن أمها و هي تعانقها : " لم ينتبني السعال منذ الأمس يا أمي " كانت تلك العبارة بداية رحلة النقاهة لبضعة أشهر أخرى تكللت بالشفاء التام .



    لتأتي الخاتمة بعدها هنا

    تذكرت ذلك كله في ثوان تذكرت خروج جهان من المصح ، تذكرت عودتها إلى المدرسة و التهام ما فاتها من علوم ، تذكرت حفل زفافها ، و تذكرت والدتها التي ما أن إطمأنت على نجاتها من براثن الموت حتى عاجلها الموت . ثم تذكرت كفاح والدها و مثابرته و تصميمه على إنقاذ ابنته ؛ ثم التفتّ نحو جهان فهمست لها بسري : " و الآن تتذمرين من وعكة ألمت برضيعك يا جهان ؟ أنسيت كم سهر والداك من ليال أمام سريرك و هما يصارعان الموت لحسابك ؟!”




    العودة إلى الزمن الحاضر / شريط عمر جيهان يمر أمام السارد ، لينتهي المشهد بتلك الهمسة في أذن ( جيهان ) ..


    ثم التفتّ نحو جهان فهمست لها بسري : " و الآن تتذمرين من وعكة ألمت برضيعك يا جهان ؟ أنسيت كم سهر والداك من ليال أمام سريرك و هما يصارعان الموت لحسابك ؟!”


    نهاية هادئة ، فيها مباشرة قليلاً لكنها تتناسب مع السرد ..

    استمتعت خلال ساعتين مع نصك أيها القدير نزار
    لا حرمنا الله من قلمك الذي به نفاخر ..

    شكراً لك ..
    بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي

    فـجُودا فـقد أوْدَى نَظيركُمُاعندي

    فلسـ الأردن ــطين

  8. #8
    أخي الأكرم الأستاذ عدي
    قدمت هنا تحليلا رائعا للقصة
    أضاء جميع جوانبها
    ما ظهر منها و ما بطن
    فكان عملا قيما رفع من قيمتها
    و أثراها
    ***
    و هكذا تكشف التحليل
    عن أديب ناقد راقٍ
    لا أملك أن اقدم له سوى كل الاحترام
    مع شكر بلا حدود
    نزار


المواضيع المتشابهه

  1. قسم - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-22-2016, 11:48 AM
  2. عرب امريكا/نزار الزين
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-30-2009, 10:36 PM
  3. عيب - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 09:42 PM
  4. يا لضياعك يا ندى - قصة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 06-05-2009, 01:25 AM
  5. شرف العيلة - قصة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-26-2008, 06:24 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •