رحمك الله يا أبا صياح .
كم كنت فناناً عظيماً .
أعزي الشعب السوري بوفاة فنان الشعب رفيق السبيعي . . .
توفي اليوم الخميس 5 / 1 / 2017 الفنان الكبير رفيق سبيعي .
كان فناناً عظيماً وقد أثر بي شخصياً إلى أبعد الحدود ، وإني لأشعر اليوم أني فقدت إحد جناحي .
كان رحمه الله يتابع مقالاتي ويشكرني عليها ويصوب لي أخطائي . . . كما كان يحضر محاضراتي أحياناً فيشجعني أيما تشجيع
رحمك لله . . . رحمك الله .
كم كنت شهماً في تعاملك وتواضعك .
رحمك الله وغفر لك .
أذكر أني قد كتبت عنه مقالاً تم نشره في صحيفة الوطن بتاريخ 9 / 1 / 2014 . . . وهذا نصه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفيق السبيعي والمعاناة الكبرى
كنـز تراثي كبير ، يحمل في طياته جواهر ولآلئ يتطاير سناها هنا وهناك ؛ فتشع حتى تبهر الناظرين ، يجمع في شخصيته معظم الشخصيات التراثية القديمة ، ذلك أنه عاشق للتراث والأصالة ، هو متنوع أعماله وكثير الإبداعات ومتعدد العطاءات ، لكنه يرسخ دوماً في أذهاننا من خلال تلك الشخصية التراثية العريقة التي حملت كل معاني الأصالة ، وتحلّت بأبهى حلل الجمال ، وتجللت برداء عطِرٍ يفوح شذاه بالإنسانية ، فيعطر الأجواء بالمحبة للتراث وبالتوق للوفاء والإخلاص ، إنها شخصية ( أبو صياح ) شخصية الفنان التراثي العريق ، تلك الشخصية الشعبية المحببة التي تسبغ السعادة على نفس من يراها .
( رفيق سبيعي ) يفوح من كلماته عبق الأصالة ، وتستنشق من جمله رائحة توابل وعطور الحي الذي ترعرع فيه وهو حي البزورية ، ذلك الحي الذي لا يلبث أن يذكره حتى يعود بشريط ذكرياته الطفولية إلى جوار الجامع الأموي وقصر العظم . . .
تربى ذرفيق سبيعي في عائلة محافظة جداً ، وعلى الرغم من ذلك كانت الموسيقا تترك أثراً كبيراً في نفسه ، حتى أنه كان لا يؤدي فروضه المدرسية إلا إذا أدارت له والدته آلة الفونوغراف
استهواه الطرب منذ طفولته ، حاولت العائلة رسم قدره ، لكن الولع الموسيقي زاد عند " رفيق " الطفل وهو ما قاده للتوجه نحو الغناء في بعض الأعراس نتيجة إعجاب الحضور بصوته .
كان الفنان رفيق ابن عائلة فقيرة جداً ، وكان أبوه يعمل عند أولاد عمه في شركة شحن بضائع بالقطار ، وكان يصطحبه معه إلى محطة الحجاز ، وكانت مهمته جمع البضائع من سوق " مدحت باشا " والبزورية ، وكان أبوه يتركه في القهوة التي كان يجلس فيها حملة البضائع ، الذين كانوا يعطونه كعكاً وشاياً فيغني لهم ليطربهم .
حين بلغ الحادية عشرة من العمر صار يبحث عن الأماكن التي يكون فيها أعراس وحفلات لينمي موهبة الغناء بدأ بالغناء لـ" كارم محمود " و" عبد العزيز محمود " و" عبد الغني السيد ، كان في أوائل الخمسينيات يعمل ملقناً في المسرح قبل أن يعمل في مجال التمثيل ، وكان وقتها الفنان " عبد اللطيف فتحي " يعمل مخرجاً مسرحياً وقد احتاج إلى ملقن ، وكان الأستاذ رفيق يعمل ملقناً في مسرح ولكن دون أجرة ، رآه مطرب كان اسمه " تيسير عارف" كان يسير مع المرحوم " عبد اللطيف " في منطقة " السنجقدار " وكان يحدثه أنه بحاجة إلى ملقن فأخبره تيسير ، وطلب منه الحضور إلى المسرح وجرب أداءه بحفلة صباحية ، فأعجبه أداؤه ، ثم انتقل إلى مسرح الأندلس الذي أقيم على مكان قهوة التوتة وهو مكان بنك بيمو الفرنسي السعودي اليوم في شارع 29 أيار وبدأ بالتلقين ، وبطريق المصادفةكان الممثل " أنور مرابط " يؤدي دور " أبو صياح " في مسرحية ، وأراد أنور مرابط أن يتغيب فطلب منه المخرج أن يحضر بديلاً منه لهذا اليوم ؛ فتم اقتراح رفيق سبيعي ليكون هو البديل . . .
ويومها فرح فرحاً شديداً إلى درجة أنه لم ينم الليل من فرحته ، واستعار الشروال من أحد الأصدقاء وجهز نفسه ، فأعجب المرحوم عبد اللطيف فتحي بأدائه وطلب منه الاستمرار في العمل ، وهكذا ولدت شخصية أبو صياح . . . وكان يعمل وقتها بليرتين ( وكان مشهدا واحدا لمدة خمس دقائق ) .
ولعله من الجدير بالذكر أن نشير إلى أن الفنان رفيق سبيعي لم يبق حبيس شخصية " أبو صياح " وشهرتها ، بل نجح في الخروج من سطوتها الفنية وهذا أمر لم يتمكن من القيام فنانون كبار .
يقول الفنان رفيق سبيعي عن نفسه : إن شخصية أبو صياح ولهجته الشعبية كانت ساكنة في أعماقه فهو ابن بيئة شعبية ، ويحن دائما إلى هذا الشخصية التراثية التي أوصلت شهرته إلى العالم العربي .
الفنان رفيق السبيعي يعشق شخصية " أبو فهمي" ، و" أبو رشدي" خزان الحكايا على الرغم من أنه كان شخصاً أميّا ، وفي برنامجه الإذاعي " حكواتي الفن " يسعى الفنان رفيق سبيعي إلى إحياء هذه الشخصية من خلال المقدمة التي يستخدمها ، والتي كانت هي نفسها يستخدمها ( الفنان الرمحوم حكمت محسن ) ؛ أبو رشدي (ستاتي وسادتي وأحبائي ونور عيوني الكرام الله يسعد أوقاتكن . . . )
ولا يفوتني أن أذكر إلى أن أبو صياح هو من أوائل من أحيا الفلكلور الدمشقي والغناء في العراضة والحمامات .
ولقد عانى كثيراً جداً حتى وصل إلى ما هو عليه ، فقد عاندته عائلته كثيراً ، حتى إن أباه الرجل الوقور الحازم قد طرده من المنـزل لسنوات . . . وقد كان يضطر أحياناً إلى القفز فوق السطوح لتفتح له الباب أمه من أجل تناول الطعام أو الاختباء في الخان ، أو النوم عند الفران .
الفنان رفيق سبيعي طالما أطربنا بصوته العريق ، ما تزال ترن في أذني منذ الطفولة كلمات أغنية ياصلاة الزين وهو يصف بنت اليوم ، إذ يقول وهو يصف الفتاة التي غرتها الحياة الدنيا وتغنت بجمالها فأخذت ترفض العرسان :
عزيزة عزبا ، لسه عزبا ، عمرا تلاتين ، وعيلتها جماعة مستورين ، ومناخيرها كتير مرفوعين ، ومبتاخد إلا زنكيل ، عنده قصرين وأوتومبيلين . . .
ثم يصف ثقافة الفتاة المتعلمة ، التي دخلت المدرسة والجامعة ولم تكتف بل تعلمت لغات أخرى . . . ثم يتساءل ما فائدة العلم والثقافة ، إذا كانت المرأة ليست بارعة في الطبخ مثلاً . . . يقول : عزيزة بتقرا ، بتقرا عربي ، وأفرنجي كمان ، وشهاداتها غطوا الحيطان ، وما طلبوا إيدا العرسان ، يا خسارة بتعرف كل شي بس ما بتعرف تقلي بيضتين ، يا صلاة الزين على بنت اليوم يا صلاة الزين . . .
ثم يتحدث عن المكياج ، طبعاً الفارق كبير بين الجميلة التي صنعت جمالها يد الخالق وبين ذات الجمال التي صنع جمالها يد الحلاق أو الخياط أو أو أو ، طبعاً كانت الموضة السائدة آنذاك أن ترتدي الفتيات بنطالاً ضيقاً من الأعلى ، عريضاً من الأسفل ، وكان اسمه شرصتون ، وهي تصر على هذا اللباس وذاك المكياج مهما كانت حالة أبيها متدهورة مالياً ، يقول :
عزيزة شقرا ، بيضة وسمرا ، كل يوم بلون ، ومكياحا على وشا طون ، وما بتلبس غير شرستون ، وأبوها عايف حالو ، معمي قلبو ، عايش بالدين ، ياصلاة الزين على بنت اليوم ياصلاة الزين . .
ثم يتحدث عن تحرر المرأة ، ودخولها إلى عالم العشق والحب ، يقول : عزيزة حرة ، وآخر مرة ، حبت ممدوح ، وعلى علمي كان قبلو صفوح ، وما بتفرق داخل أسعد ، طالع أحمد ، راجع حسنين . . . يا صلاة الزين على بنت اليوم . . .
الحمد لله أنه في وقتنا الحالي لا يوجد منها هذه عزيزة ، أصبح عندنا عزيزات . . .
بالنسبة لنا الآن هذه بنت الأمس وليست بنت اليوم ، وما أدري إذا طلبنا من أحد الشعراء وضع أغنية عن بنت اليوم ما أدري ماذا نقول . . .
ولابد من القول أن قصة الفنان الشعبي الكبير فنان الشعب رفيق السبيعي هي حكاية التجربة الفنية السورية في القرن العشرين تلك التجربة التي لا يزال شاهدها حياً ، بل مستمراً في نشاطه من خلال أعماله الإذاعية التلفزيونية .
أطال الله عمرك يا فنان الشعب وأمدك بطاقات فوق طاقاتك لتقدم لنا إنتاجاً مميزاً كعادتك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــرحمك الله أيها الفنان العظيم ,
أتقدم بالتعزية إلى صديقي الدكتور فرحات الكسم ابن أخت الفقيد .