(6)
حبيبي محمّد
صلّى الله عليه و سلّم
***
لغة ُالحُبِّ نحوَهُ بـِقدْرِ ما يكتنفُها الجلالُ و التّعقيدُ البلاغيُّ الفريدُ ، بـِقَدْرِ ما يحْدُو معانيها الرِّقَّة ُو البهاءُ و السِّحرُ ؛و بـِقَدْرِ ما تتأنّقُ السُّطورُ ببلاغتِها و أصالتِها و طلاوتِها و سَبْكِ ترصِيفِها ، بـِقَدْرِ ما يتألَّقُ الـمُبتغى و يسمُو لأنَّ الـمُوحي بذلكَ أرقُّ و أرْقى..!
لا تسلمُ الأنفاسُ منْ لظى حنينِها إليه ، و شوقِها له ؛ و لابدَّ منْ أنْ يطالَها – بشغفٍ – حريقٌ ، لا يُتلفُ كُنـْهَ العاشقِ ، بلْ سيُضيء جنباتِه بما يضمنُ سلامةَ البدَنِ و صفاءَ الرُّوحِ .فلا مراءَ في مَنْ يُقَدّمُ حبَّ مُحمَّدٍ صلى اللّه عليه و سلّم على حُبِّ ذاتِه ، و يزكُو بحبِّهِ له،على أنْ يُذِلَّ نفسَهُ و بدنَهُ و حياتَهُ مِنْ أجلِه ؛ لَأَحَقُّ بالتّضحيةِ و البذلِ و الطـَّاعةِ ، و لَأنْفذُ إلى عُمق الجَوارح و الجوانح بأصلِ الإتّباعِ تشريعًا منَ اللهِ و جهادًا رُوحِيًّا لا تشوبُهما شائبة..!
ما أَرْشَدَ تِيهَ حُروفِنا ! و ها هي ذي تبحثُ عن صياغةٍ نافذةٍ ،مُوحيَةٍ ، صادقةٍ ، تليقُ بمقامِ و جلالِ " مُحمَّدٍ " و مع هذا التِّيهِ تشرُدُ الأحلامُ منْ على بُراقِ الـمَحبّةِ و الهُيام ؛ لِـتَبْلُغَ الرُّشْدَ و الرَّشادَ .. ولا حرجَ على تلكَ الحُروفِ منْ أنْ تقعَ بـِسذاجتِها و عبقريتِها في شَرَكِ غَرامِه الـمَنشُودِ ، فتفقدَ اتِّزانَها و جَبَرُوتَها ؛ و تسْعى مُلَمْلِمَةً بعْضَ ما بقيَ لهَا مِنْ بهاءٍ ، لِتُقَوِّمَ بها هامتَها ، انْتظارًا لِطلَّتِهْ..!
الحُزنُ و إنْ لازمَ حياتَهُ ، كانَ دَرَجًا يَرْقى به إلى جنانِ الفَرَحِ و السَّعادةِ الحقيقيَّةِ ؛و الصَّبرُ و إنْ صَبَغَ مواقفَهُ فلاَ غَرْوَ أنَّ اللّوحةَ التي تلوّنتْ به كانتْ تُشْرقُ بهاءً ، و تمتلئُ صفاءً و وضوحًا و لألأةً..إذِ الدُّنيا لم تكنْ مطلبَه و هدفَه ؛ و زهدُه فيها - عن اقْتدارٍ و اسْتطاعةٍ في أنْ يُحقِّقَ ما يريدُ منْ رغدِها و بذخِها ، لِأَمَلٍ اسْتودعَهُ مليكَهُ و ربَّهُ الجليلَ - أصلُ عزمِه و عفَّتِه و نفاذِ بصيرتِه إلى معنى التَّشَبُّثِ بالحياةِ الباقيةِ ، الخالدةِ ، الحقيقيّةِ .حيثُ كلُّ ما لذَّ و طابَ ؛حيث النّظرةُ السَّارَّةُ ، و الجنّةُ القارَّةُ ، و الفرَحُ الـمُستطير..!
حُبُّهُ جَالِبُ السَّعادةِ و الهناءِ، و قاهِرُ النّكدِ ،و مُنفِّسُ الضّيقِ ؛و لا يَشُدُّ على مِخْنَقِ العبْدِ من كَرْبٍ أو همٍّ إلاَّ تراءتْ أمامَ عينيْهِ روعةُ تضحياتِه ، و جلالُ ابْتلاءاتِهِ ، و عظيمُ صدقِ إيمانِه بما قسَمَ اللهُ تعَالى لهُ..إلاَّ هانتْ دُونَها الِمحَنُ و صَغُرَتِ الكبائرُ ، فيَصمُدَ العبدُ حيالَ كُرْهِهِ لـمَا اعْتراهُ منْ نازِلٍ بحبِّهِ له اقتداءً به ! فلا مَعْنى لِلحياةِ من دُونِ " محمّدٍ ".. كما لا مَعْنى لـِ" مُحمَّدٍ " من دون الإسلام ، فهِبَةُ الله له نبوءةً و اصطفاؤُهُ إيَّاهُ مُنقِذًا لهذا العالمِ بعْدَ تِيهٍ و ضلالٍ ، لَيبعثُ في قناعتِنا و إيمانِنا بمَدَى عظمةِ قدْره لدى ربِّ الجلالْ .
- إنّهُ الألقُ.. الذي يقبضُ بـِنورٍ على هامةِ و جبينِ الظـُّلمة ، فيخضعَها لإشراقٍ لم يسطعْ مثلُه من قبل!
- و إنّهُ السّلامُ.. الذي يهَبُ السّكينةَ و الـمَنَعةَ ، لِيكونَ التّسليمُ و الإيمانُ سَبـِيلَيْ حِكْمَةٍ و تَأمُّلٍ في هذا الكونِ الكبير ؛و في جبّاره الـمنّان !
- و إنّهُ الفَجْرُ.. الذي يُرْسِي تلكَ الحِكمةَ بـِعُيونِ الكوْنِ بغيرِ شكٍّ ؛لِتقولَ بملءِ الأنس" هو الله ".
- و إنّهُ النَّهْرُ.. الـمُتدفّقُ حنانًا لِكلِّ مَنْ لامَسَ بأناملِه انْتعاشتَه الهيفاءَ ، و خَرْخَراتِهِ الرّقراقةَ ، المنداحَةَ بسُكونِ الجَوهرِ و صفاءِ العُمق ..!
- و إنّهُ الشّمسُ.. الـمُسفرةُ ضياءً لِكلِّ مَنْ أشرقتْ في وجهِه العُبُوسِ ، القانطِ ، المهمومِ ببردِ الشّكِّ و حلكةِ الحَيْرة..فاغْتدى شعاعًا يطوفُ أوهامَه بـِمـِسْكِ الأمل..!
- و إنّهُ الغيثُ.. الذي يُزهرُ أديمُ الأرضِ العَطشَى قبل أن يطأه شرفًا بهطولِه..حينَ تتعبَّقُ الورودُ بشذى أقْحُوانِ ذكْرِهِ ، و الحَدائقُ بألوانِ سيرتِه العطرةِ ،و الفصولُ بعصافيرِ خُلُقِه البهيّةِ.كما لا يعرفُ الجفافُ إلى تِلكمُ الرُّبى و الـمُروج سبيلاً إذا ما تأنَّقتْ سحَابةُ مُزْنِهِ بفيضِ العطاءِ و البذلِ و الإثمارْ.
- و إنّهُ الظِّلُّ الوارِفُ بنسْمةِ الرَّحمةِ الكُبرى ، التي لو تطوفُ مرّةً واحدةً بكلِّ المَجَرَّاتِ لأرْدَتْها عليلةً بصفائِها الفريدِ ، و لانْتَهتْ من نكدٍ مُطبقٍ على سعادتها الأبديّة !
- و إنّهُ اللّغةُ العصماءُ.. التي تتعثـَّر كلُّ المعاني إجلالا و تقديرًا لنيلِ لذّتِها ،مُتسوّلةً عطاءَها و سحرَها، للفوز بجوهرِها و رصانةِ كُنْهِها و عذوبةِ كلماتِها و طهارةِ ألفاظِها..و لا ترضى بغير إيحائِها له بديلاً ، حينما تستقبلُ الخلودَ بمدادِ الرِّضا ، فتكتبَ عن الجمال بدهشةٍ تُعجزُ البلاغةَ عن إدراك تأثيرها ، كلّما رفرفَ لها خافقٌ يشدُو وصلَ خِلالِه ..!
- إنّهُ مُحمَّـدٌ ..ما أروعَ صحبَهُ ..و ما أشْرفَ صحبتَهُ ، و لا أعذبَ من اسمِه بعد لفظ الجلالةِ الله ، و ما أبهاهُما من طائريْنِ يسافران بجناحيْ التّوحيدِ كلّ يومٍ بقلوبنا.
فيا أيُّها النُّاسُ صلّوا عليه و سلّموا تسليما.