عقل أوروبة والأدب المقارن
سلام مراد
صدر كتاب جديد عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان: الأدب المقارن؛ تأليف هنري غيفورد.... ترجمة د.فؤاد عبد المطلب ضمن سلسلة الترجمة (5) 2013م. يعد هنري غيفورد من رواد مدرسة الأدب المقارن الانجليزية التقليدية، فقد عمل أستاذاً للأدب الانجليزي في جامعة بريستول؛ وله عدد من الدراسات التي تثبت سعة اطلاعه، ومقدرته في هذا الحقل المعرفي لفترة زمنية طويلة. وفي هذا الكتاب، الذي كتب في مقدمته أنه لدراسة الأدب المقارن، يتقصى غيفورد مجال اهتمام ممتع أكثر من تطرُّقه إلى حقل نظري متخصص. يبدأ هذا الكتاب بتقديم شرح لبعض المناهج الأدبية التي تعرَّض لها كتّاب ونقاد خلال القرن العشرين، ثم يناقش قضية النغمة المشتركة بين أولئك الذين ينتمون إلى تراث ثقافي واحد، ويتابع دراسته لمصطلح "عقل أوروبة" ومعانيه، وثمة ملاحظات حول قضايا الترجمة ومشكلاتها، ويلي ذلك نقاش لأوضاع الأدب المقارن في الجامعات، وأخيراً تأتي مناقشة الأدب الأميركي كونه حالة تشير إلى الحاجة الملحة لتوجيه الأنظار نحو مرحلة جديدة من مراحل تطور الثقافة العالمية.
إن قضايا الأدب المقارن تتمتع باهتمام متزايد في أيامنا هذه, كما أن المعالجة النقدية للقضايا الأدبية المقارنة الواردة في هذا الكتاب تثبت بحق أنها تقدم بعداً، وعمقاً جديدين لأفكارنا عن الأدب العالمي.
أصدر هنري غيفورد كتاب "الأدب المقارن" أول مرة عن دار روتلدج وكيغان بول في لندن عام 1969م ضمن سلسلة من الكتب تدعى "مفهومات الأدب" وقد حرر السلسلة وليام راتير، أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة وريك في كوفنتري. وكان الهم الأساسي لهذه السلسلة من الكتب أن تقدم لدارسي الأدب، وللقارئ العام نظرة منهجية جديدة لفهم الأدب. فبدلاً من دراسة مؤلفين، أو أعمال، أو حقب أدبية منفردة، حاولت هذه السلسلة استكشاف أشكال أدبية، وأفكار وقضايا عالجها الأدب.
فقد أخذ كل مؤلف من مؤلفي السلسلة على عاتقه دراسة مفهوم رئيس مثل الرمزية، أو الأسلوبية، أو الواقعية، ليقدم توصيفاً واضحاً، وتقويماً نقدياً دقيقاً لذلك المصطلح. لذلك جاءت المعالجات, كما هي الحال هنا، في كتب مركزة وحديثة يمكن أن تعد مدخلاً لدراسة تلك القضايا. وقد كتب باحثون رواد في حقول تخصصهم الدراسات في هذه السلسلة، لذلك كان الهدف هو تمكين القارئ أو الدارس من الحصول على بعد جديد يضاف إلى فهمه عن الأدب ونقده.
ومن الناحية الفنية، يتضمن كتاب "الأدب المقارن" ستة فصول، وتقديماً من المؤلف، وآخر من المحرر.
كما كتبت محتويات الكتاب على نحو مفصل بحيث تعطي فكرة واضحة عن النقاط المعالجة في كل فصل.
وهناك ثبت بالمراجع المستخدمة في نهاية العمل، وقائمة بكتب وأبحاث نصح غيفورد بالعودة إليها كمراجع إضافية بالانجليزية للباحثين المهتمين بالدراسات الأدبية المقارنة.
كما وضع ملحق يتضمن مشروعاً لمنهاج دبلوم دراسات عليا في تخصص الأدب المقارن في سنة واحدة، يفيد منه الأكاديميون الذين يقومون بتدريس مقررات الأدب المقارن في كليات جامعية.
يبيّن الكاتب هنري غيفورد أن الأدب المقارن لا يمكن عدّه تخصصاً قائماً بنفسه؛ بل هو (مجال اهتمام) أدبي نادى به غوته عندما تنبأ بالأدب العالمي، حيث سيكون لجميع الأمم صوت فيه، وهذا التصور والتفكير ينم عن ذكاء غوته المر، المندفع، اللامتناهي، وهو الذي كان شرارة للباحث لكي يضع تصوراً مثالياً لدراسة الأدب المقارن.
يدرس هنري غيفورد كيفية تربية الحس المقارن عند الطالب، ووضعه قيد الاستخدام في الدراسة المتخصصة للأدب في الجامعة.
ويعود المؤلف إلى ما قاله فيكو في كتابه "العلم الجديد"، وتعريفه، وشرحه لمصطلح "فقه اللغة" معناه "دراسة كل ما يعتمد على الإرادة الإنسانية": لغات وآداب الشعوب، والتاريخ، والعادات.
كان هذا غاية فقه اللغة، كما فهمه الدارسون الألمان.
ويرى غيفورد أن هناك علامات ودلائل على أن وجهة نظر مشابهة تعود اليوم، فدراسة الأدب تتوضع ضمن محيط من الفلسفة والتاريخ على نحو متزايد، فقد كان من الصعب وضع حدود دقيقة حول هذا الموضوع، وخصوصاً أن حقولاً معرفية أخرى تلقي أكثر فأكثر بظلالها عبر الدراسات الأدبية، ومن أجل شرح أعمال الماضي العظيمة، أو الأعمال المعاصرة، ينبغي توفّر معرفة كبيرة متعددة الجوانب، وكل المقررات التي تُدرس في كلية الآداب لابد أنها تستفيد من علوم أخرى في وقت ما، لذلك لابد للناقد الحصيف أن يعرف أين يبحث عن التنوير في علم اللاهوت، والنظرية السياسية، والكيمياء، وعلم النفس، وتاريخ العمارة، والفنون المدنية والفلسفة، وعلم الجمال، وتاريخ التراث الشفوي، والطباعة. ولا توجد حدود لهذه الدراسة، وثمة طرائق جديدة تزودنا بإضاءات حول الموضوع تكتشف على نحو مسمى.
إن دراسة الأدب هو دراسة حقل معرفي قائم بنفسه، ويمكن أن تضيف الاهتمامات الأخرى إليه شيئاً ما، ولكن من دون أن تتجاوزه إلى حد بعيد، فالجامعات التي تدرس الأدب بوصفه حقلاً معرفياً مستقلاً، هي تقدم بذلك خياراً بين المدرسة الواحدة التي تعالج أدباً واحداً، أو المدرسة المقارنة التي تجمع بين أدب وآخر أو أكثر، ثم يقدم غيفورد دراسة لأسلوب دراسة الطلاب للأدب ومراحلها عامة، والأدب المقارن خاصة، وذلك عبر مراحل منذ مرحلة ماقبل التخرج من الجامعة إلى مرحلة الديبلوم أو الدراسات العليا، والمناهج والأبحاث التي يقوم بدراستها الطلاب بعد التخرج، من منظور أوسع. ويقوم بدراسة الأدب الأميركي، ويدرس التأثيرات الإغريقية، والرومانية في الأدب الأوروبي. ويعرض الباحث ملحقاً يُبين فيه مشروع منهاج ديبلوم الدراسات العليا لسنة واحدة في الأدب المقارن، في الفصل الأول:1 ـ مقدمة لمنهجية مقارنة، 2 ـ ممارسة الترجمة، 3 ـ دراسة جنس أدب (باللغة الإنكليزية، أو إحدى اللغات الأخرى).
الفصل الثاني: 1 ـ دراسة مشكلة خاصة (ناشئة عن دراسة الأدب الإنكليزي وآداب أخرى).
2 ـ ممارسة الترجمة التي ستستمر خلال الفصل الثاني، هذا بالإضافة إلى الجنس الأدبي.
الفصل الثالث: كتابة أطروحة قصيرة (من 10000 كلمة إلى 15000 كلمة) في موضوع محدد. والمنهاج يتطلب دراسة الأدب الإنكليزي بوصفه مكوناً معادلاً لدراسة أي أدب أجنبي ممتاز. كما أن موضوعات مثل؛ علاقة الأدب بالرسم والموسيقى، أو الفلسفة سيتم الحفاظ عليها لدراستها في مرحلة الماجستير، أو الدكتوراه. ففي حال دراستها، ستتم بدراسة أدبية على الأقل (ليس شرطاً أن يكون الأدب الإنكليزي من بينها).
إن ترجمة كتاب كهذا هو إغناء للمكتبة العربية في هذا المجال فمثل هذه الكتب والدراسات كنا وما زلنا بحاجة ماسة إلى قراءتها باللغة العربية في هذا الحقل من التخصص الأدبي، من أجل إغناء النقاش الدائر عربياً، الذي لا يزال يطمح إلى التأسيس الحقيقي لاتجاه أدبي مقارن ذي ملامح عربية مميزة.
إن مثل هذه الترجمات ستشمل عناصر جديدة محفّزة على تنشيط رؤيتنا وتوسيعها، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأدب العالمي، ويرى المترجم أن فهم ما يستجد في إطار الأدب المقارن العالمي فهماً تخصصياَ معمقاً يتطلب مواكبة مثل هذه الأبحاث والدراسات، لكي تكون أساساً نظرياً وتطبيقياً في الدراسات الأدبية المقارنة العربية، وهو الهدف الأساسي الكامن وراء ترجمة المترجم لهذا الكتاب في مجال الدراسات المقارنة، من أجل إغناء المصادر والمراجع العربية بهذا النوع من الدراسات.
الكتاب: الأدب المقارن
الكاتب:هنري غيفورد ـ ترجمة: د.فؤاد عبد المطلب
الناشر: اتحاد الكتاب العرب ـ سنة النشر دمشق 2013