منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    الرزق الإيجابي والرزق السلبي/الشيخ راتب النابلسي

    تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأعراف (32): الدرس (31) ـ الآيات : [96 ـ 100 ] ـ المؤمن يفقه حكمة المصيبة كي يرجع إلى الله ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .




    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
    أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثاني والثلاثين من سورة الأعراف ، ومع الآية السادسة والتسعين ، وهي قوله تعالى :

    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

    وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ



    1 – كلُّ مصيبةٍ بكسبِ الإنسانِ :

    أيها الإخوة ، يتضح من خلال هذه الآية أن ما أصاب الناس من مصيبة :
    ﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ .
    ( سورة الشورى ) .
    ولا بد من مؤمن من أن يفقه حكمة المصيبة ، الله سبحانه وتعالى يقول :
    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
    ( سورة النساء الآية : 147 )
    مستحيل وألف ألف مستحيل أن تأتي مصيبة بلا سبب ، وبلا حكمة ، وبلا مبرر ، وبلا خطأ مِن الذي أصابته ، لأن الله عز وجل في آية واضحة قطعية الدلالة يقول :
    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
    فليس صعباً أن تتهم نفسك ، وأن تصدق ربك .
    لذلك :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ .
    أما حينما تأتي الضائقة ، يأتي الجفاف ، تأتي المصائب ، تأتي الزلازل ، وإن كان لهذه الظواهر أسباب علمية ، فهذا لا يمنع أن يكون الله عز وجل مسبِّبَ الأسباب .
    إنّ العوارض التي تطرأ على أهل الأرض لحكمة بالغةٍ بالغة ، والدليل هذه الآية :

    2 – لابد من الإيمان والتقوى والعمل الصالح :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾
    لا يكفي أن تؤمن ، لا بد من أن تتقي .
    ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
    ( سورة محمد الآية : 12 )
    الإيمان وحده من دون عمل لا قيمة له إطلاقاً :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    3 – تقتير الله لحكمةٍ لا لعجزٍ منه :

    أحياناً في بلدة يهطل فيها من المطر في الليلة الواحدة ما يهطل في الشام في سنتين ، فالله إذا أعطى أدهش .
    ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
    ( سورة الحجر )
    فإذا قنّن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب لا تقنين عجز :
    ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
    اكتشف في الفضاء الخارجي سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم والليلة بالمياه العذبة .
    إن الله عز وجل ثبت ملايين القوانين ، وحرّك قانون الرزق والصحة ، فالصحة متبدلة ، فهناك أمراض ، كذلك الرزق متبدل ، في سنوات مطيرة ، وفي سنوات جدباء .
    فالله عز وجل يبين أن نربط بينما نعانيه من ضائقة ، وبين استقامتنا وتقوانا وصلاحنا ، وطاعتنا لله عز وجل .
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ



    1 – البركة مفهوم إسلامي :

    أما البركات فهو موضوع يذكرنا بهذه الآية ، البركة ، البركة مفهوم إسلامي واضح جداً ، لكن في عصر المادة ، وعصر البُعد عن الله يضعف هذا المفهوم .

    2 – الرزق السلبي بركة من الله :

    الإنسان عنده رزق إيجابي ، وعنده رزق سلبي ، فإذا منّ الله على عبده بالعافية التامة ، عاش عمراً مديداً بلا أمراض وبيلة ، بلا أمراض عضالة ، بلا أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً ، بلا أمراض تكلف مئات الألوف بل بعض الملايين من المال ، كفشل كلوي ، وخثره بالدماغ ، وشلل ، وتشمع كبد ، أمراض لا تعد ولا تحصى ، وأيّ مرضٍ من هذه الأمراض يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .
    حينما تؤمن وتستقيم يعافي الله بدنك ، وتكون قد وفَّرت مبالغ طائلة ينبغي أن تدفعها شئت أم أبيت ، قضايا الطب ، والعمليات الجراحية ، والتصوير ، والمرنان ، لا اختيار لك فيها ، يقول لك : تحتاج قسطرة ، تكلفتها أربعون ألفَ ليرة ، مع استند 125 ، ثلاثة أوعية مغلقة ، تحتاج حوالي 400 ألف ليرة ، لا خيار لك .
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾
    هناك رزق سلبي ؛ أن يعافيك الله ، أن يعافيك ، ويعافي أهلك معك ، وأولادك ، فقد تجد أسرة تنعم بالصحة التامة ، في بيت متواضع ، لكن فيه طمأنينة ، فيه حب ، فيه ود ، الأكل متواضع ، لكن فيه محبة ، فانتبه للرزق السلبي .

    3 – راحةُ البالِ بركة من الله :

    وإذا أنعم الله عليك براحة البال فهذا لا يقَدّر بثمن الله قال :
    ﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾
    ( سورة محمد )
    صلاح البال ، تنام قرير العين ، تنام ملء جفونك ، لأنك وأنت نائم لم يتعلق عليك حق ، فما أكلت حقاً ، ما آذيت إنساناً ، ما أضللت مخلوقاً ، ما كنت سبب شقاء أسرة ، ما بنيت مجدك على أنقاض الناس ، ما بنيت غناك على إفقارهم ، ما بنيت عزك على إذلالهم ، ما بنيت أمنك على إخافتهم ، ما بثثت الرعب في قلوب الناس ، ولا ابتززت أموالهم ، ولا انتهكت أعراضهم ، ولا فرّقت بينهم ، ولا أورثت بينهم العداوة والبغضاء ، وكنت إنسانا معطاء ، إنسانا مصدر أمن للناس ، مصدر سلام .

    4 – محبة الناس لك بركة من الله :

    إذا كان اسمك عطرًا ، يملأ القلوب محبة الناس ، فهذه نعمة كبيرة جداً ، نعمة أن الناس يحبونك ، قال تعالى :
    ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
    ( سورة طه الآية : 39 ) .
    إذا الله أحب عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق ، فمحبة الناس ، وثقة الناس ، وراحة البال ، والشعور بالأمن ، والشعور بالطمأنينة بركة من الله ، فإذا كان البيت متماسكا ، فيه حب ، الزوجة صالحة ، ودودة ، الأولاد أبرار ، هذه الأرزاق تقدر بالمليارات ، أن تجلس في بيتك في راحة .
    5 – الرفق في المعيشة بركةٌ من الله :

    قد يُمنع المريض من تناول الطعام ، فيعطى ( السيروم ) ، بعد شهر يرى أنه إذا أكل الطعام مباشرة كأنه في الجنة ، أن تأكل ما تشتهي ، أن تشرب ما تشتهي ، أن تنام قرير العين ، آمنا في سربك ، معافىً في جسمك ، هذه كلها أرزاق سلبية ، وهي مهمة جداً ، لذلك :
    (( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة )) .
    [ رواه الطبراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ]
    إن تجارة فيها مغامرة ، فيها مصادرة ، فيها تهريب مادة محرمة ، أو الوثيقة مزورة ، تدخل تحت طائلة القوانين والمساءَلة ، والقلق ، والخوف ، والرشوة .
    (( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة )) .
    الله عز وجل يبارك لك في مالك ، وأنا لا أبالغ والله ، هناك أشخاص كثيرون دخْلهم محدود ، لكن ما عندهم مشكلة ، يأكلون ، ويشربون ، ويتمتعون ، لكن من غير بذخ ، ولا إتلاف للمال ، ولا هدر ، ولا استعلاء على الناس ، بل فيهم تواضع .

    6 – الحياة الطيبةُ السعيدة بركةٌ من الله :

    اطلب الحياة الطيبة ، قال تعالى :
    ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
    ( سورة النحل الآية : 97 )
    المؤمن في رعاية الله ، في حفظ الله ، في توفيق الله ، في تجليات الله ، في سكينة الله ، المؤمن يتلقى من الله أرزاقا لا تعد ولا تحصى ، الرضا رزق ؛ أن ترضى عن الله ، يا رب لك الحمد ، من أعماقك ، الصبر رزق ، الحكمة رزق ، الطمأنينة رزق ، الإحساس بالأمن رزق ، فحينما تكون مع الله فأمامك أرزاق لا تعد ولا تحصى ، والفهمُ لكتاب الله ، ومعرفة ما سيكون الإنسان عليه بعد الموت ، يعدّ العدة لنزول القبر ، تعلم هاتين الكلمين ، هناك رزق إيجاب ، الدخل الشهري ، ورزق السلب ، إذا الله عافاك ، هيأ لك زوجة صالحة ، ليست مشاكسة ، هيأ لك أولادا أبرارا ، صحتهم جيدة ، سمعتهم طيبة ، هيأ لك ودًّا ، النبي الكريم يقول :
    (( الحمد الذي رزقني حب عائشة )) .
    [ ورد في الأثر ]

    هناك ود ، وأولاد أبرار ، وحولك أقارب محبّون ، لك سمعة طيبة ، تنام مطمئنا قرير العين ، هذه كلها أرزاق :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    أمطار غزيرة ، خيرات وفيرة ، أسعار متدينة ، سخاء ، سرور ، الله عز وجل ما خلقنا ليعذبنا .
    إذا أنشأنا ثانوية من أجل أن نعلِّم الطلاب ، أن نربيهم ، أن نعلمهم الحكمة والعلم ، والفهم ، والدين ، فإذا أساء طالب إساءة بالغة وعاقبناه ، إذا قال طالب : إنما أنشأت هذه المدرسة كي تعذبنا ، هذا كلام مضحك هذا ، هذه حالة طارئة ، الله عز وجل قال :
    ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
    ( سورة هود الآية : 119 )
    خلقنا ليسعدنا لا ليعذبنا ، خلقنا ليرحمنا لا ليقسوا علينا ، خلقنا ليحب بعضنا بعضاً جعلنا شعوباً وقبائل ، لا لنتقاتل .
    ﴿ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
    ( سورة الحجرات الآية : 13 )
    هذا أصل الخلق ، أما الناس لبُعدهم عن الله انحرفوا ، إذاً :
    ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    7 – البلدة الطيبة وطيبةُ أهلِها بركةٌ من الله :

    تأتينا خيرات السماء ، والأرض تنبت النبات الطيب ، ومع النبات الطيب .
    ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾
    ( سورة سبأ )
    مع النبات الطيب راحة نفسية ، مع النبات الطيب ثقة بالله ، مع النبات الطيب رضا عن الله ، مع النبات الطيب ود بين الناس .
    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
    ( سورة مريم )
    وداً بينهم وبينه ، وودا فيما بينهم .
    والله أيها الإخوة ، أنا أرى من علامات الإيمان أن يكون الود بين المؤمنين ، وكلما رأيتُ وداً بين المؤمنين أزداد ثقة بإخواني ، ولا سمح الله ولا قدر لو رأيتهم متشاكسين متحاسدين ، والله أتألم ألماً لا حدود له ، معنى ذلك هناك ضعف في الإيمان كبير جداً .
    أيها الإخوة ، إذاً : يجب أن تنتبه إلى الرزق السلبي ، معك مأوى ، مثلاً إنسان له زوجة صالحة فهي نعمة لا ينتبه لها ، لأنه يغيب شهرا عن البيت وهو يعلم علم اليقين أن له زوجة عفيفة أطهر من ماء السماء ، هذه نعمة لا تقدر بثمن ، وربما يكتشف أن لها اتصالات ، وعلاقات مشبوهة ، إنسان دخل بيته في غيابه ، يصبح كالمرجل ، هناك مليون نعمة ينعم بها المؤمنون ، وقد لا ينتبهون إليها ، الذي عنده زوجة صالحة ، الذي عنده أولاد أبرار ، محترم ، يخجلون منه ، يخدموه ، الذي عنده أصهار طيبون ، كل هذه نعم لا تقدَّر بثمن ، فحينما تصطلح مع الله يتولاك ، ويختار لك أفضل شيء ، أفضل زواج ، أفضل أولاد ، أفضل عمل ، عملا مريحا ، دخلا معقولا بوقت معقول ، وسمعة طيبة .
    هذه البركة ، لكن بكل الآلات الحاسبة ، حينما أشتري آلة حاسبة هل أبحث عن زر للبركة ؟ هناك جمع ، وضرب ، وطرح ، وتقسيم ، ونسبة مئوية ، وذاكرة ... لكن ليس فيها زر للبركة ، وإذا بارك الله لك بوقتك تفعل في هذا الوقت المحدودِ المستحيلَ ، إذا بارك الله لك بمالك ، والله تفعل في هذا المال الشيءَ المدهشَ ، إذا بارك الله بصحتك تعيش حياة مديدة ، وأنت معافىً في جسمك ، لا تشكو شيئاً ، الله عنده عطاء كبير ، إذا رحِمك رفعك .
    ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
    ( سورة الشرح )
    إذا رحمك طمأنك ، إذا رحمك منحك نعمة الأمن ، إذا رحمك منحك الكفاية ، فخذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هما ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
    8 – البركة في الوقت القليل :

    إذاً : البركة تعني أن يبارك الله لك : بوقتك ، تجد علماء كبارا تركوا مؤلفات يكاد العقل لا يصدقها ، 380 مؤلفا ، متى كتبها ؟ متى قرأ ؟ متى تعلم ؟ متى ألّف ؟ متى نقح ؟ متى درس ؟
    ثمَّةَ عالم في الجزائر عاش أقلَّ من خمسين سنة ، وزنه أقلّ من خمسين كيلوًا ، ينام أقلَّ من ساعتين ، استطاع أن يبثَّ روح المقاومة في الشعب الجزائري ، وأن يواجه فرنسا بأكملها ، الآن لو ذهبت إلى الجزائر لم تجد كلمة تعلو على كلمة هذا العالم العامل ، المجاهد ، الواعي ، الوسطي ، الذي جمع وما فرقّ ، قال : مَن قبِل ما عندنا فهو أخونا ، ومن لم يقبل فهو أخونا ، وما كفّر أحدًا .
    الإسلام الآن يحتاج إلى وسطية ، يحتاج إلى إسلام كما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .
    8 – بركة الزكاة ولو نقصَ المال في الظاهر :

    أيها الإخوة ، الآن لاحظ المفارقة ، معك ألف ليرة ، زكاة هذا الألف 25 ليرة ، نقص من ألف ليرة 25 ، ماذا يسمى هذا العمل ؟ زكاة ، الزكاة النمو ، يا أخي المبلغ نقص ، كيف نما ؟ بقدرة قادر .
    ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
    ( سورة التوبة الآية : 103 )
    ينمو المال ، وقد نقص ! يبارك الله فيه .
    (( ما نَقَصَ مال من صدقة )) .
    [أخرجه مسلم والترمذي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة ]

    (( أنفق بلالُ ، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً )) .
    [ أخرجه الطبراني عن بلال رضي الله عنه ]
    عبدي أًنفق أُنفق عليك ، المال لما ينقص يسمى المال الناقص زكاة ، أديت زكاته فنما .
    9 – مالُ الربا ممحوق البركة ولو زاد في الظاهر :

    أقرض قرضاً ربوياً ، أقرضت ألفا فرجعت 1050 ، قال تعالى :
    ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾
    ( سورة البقرة الآية : 286 )
    الزيادة بخلاف منهج الله تمحق ، والنقص وفق منهج الله زيادة ، والزيادة بمعصية الله تعني المحق ، والنقص بطاعة الله تعني الزيادة .
    10 – الزوجة الصالحة بركة :

    أنا أركز على كلمة بركة ، أحيانا يبارك لك بزوجتك .
    والله لا أنسى مرة عزّيت صديقاً لي بوفاة والدته ، كان عمرها ثمانين عامًا ، والده في سن التسعين ، بكي الزوج بكاء غير معقول ، أردت أن أسليه قليلاً ، أن أخفف عنه ، قال لي : والله منذ 55 سنة ما نمت يومًا غضبان عليها .
    التقيت بعالم قرآن كريم عالم جليل ، قال لي : أنا عندي 38 حفيدا ، 13 طبيبا ، ما شاء الله ! أساسه زواج ، زوجة مباركة ، أنجبت أولادا أبرارا ، وبنات طائعات وأصهارا مؤمنين .
    الدين جميل ، والحياة جميلة بالدين ، حياة فيها بركة ، فيها محبة ، فيها موآثرة ، فيها ود .
    11 – الجار الصالح بركة :

    الأمير عبد القادر الجزائري كان ساكنا بالشام ، وله جار افتقر ، فاضطر أن يبيع بيته ، عرض البيت للبيع ، دفع له أحدهم 300 ليرة ذهبية ليشتريه ، فغضب ، قال : والله لا أبيع جيرة الأمير بهذا المبلغ ، خناك إنسان ابن حلال بلّغ هذا الأمير الخبرَ ، فاستدعاه ، قال له : هذه 300 ليرة ذهبية ، وأنت جارنا ، لا تبع بيتك ، هكذا كان الناس .
    الآن من أين ينزعج الجار ؟ والعياذ بالله حياة شقاء ، الإنسان متحفز دائماً ، في كل لحظة قنص ، وغدر ، وشيء مريب ، أعصابنا كلها متوترة ، مِن بُعدنا عن الله عز وجل ، فلا راحة نفسية ، الشراء معركة ، البيع معركة ، المبيع مزوَّر ، أو أنّ مفعول المادة منتهٍ ، لكن مع المودة والحب تنحل كل المشكلات .
    قال تعالى :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
    الله له منهج تطبقه ، أنت آلة معقدة جداً تعقيد إعجاز ، ولهذه الآلة صانع حكيم ، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة ، إن أخذت منهج الله بارك الله لك في حياتك ، وإن لم تأخذ منهج الله رفضته ، وأخذت منهج الشيطان دمرك الله .
    ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
    ( سورة الأحزاب الآية : 71 )
    أنا أحياناً أحب أن أستفز بعض الناس ، أقول لأحدهم : لا تحب أحدًا أحبب نفسك ، وأطع الله ، لا تحب أحدا ، لو أنك انطلقت من حب ذاتك ، من أنانية مفرطة فعليك بطاعة الله ، أنت آلة معقدة ، أوامر الله عز وجل ليست حداً لحريتك ، لكنها ضمان لسلامتك .
    أنا أقول لك كلمة : لا مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
    والآن هناك أعداء تقليديون ، يقول لك : الاستعمار ، الكيان الصهيوني ، هؤلاء أعداء تقليديون ، لكن عندنا أعداء أخطر منهم ، جهلنا ، تخاذلنا ، نزاعاتنا الداخلية ، هؤلاء أعداء أشد ضرراً من أعدائنا التقليدين .
    لذلك الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
    منهج الله ضمان للسلامة وليس تقييدا للحريات :



    قضية منهج الله ليس الموضوع موضوع جبروت ، يجب أن تطيعيني يا عبدي وإلا سأسحقك ، ليس هذا المعنى إطلاقاً ، الله عز وجل رحمن رحيم ، رب كريم ، أعطاك تعليمات لسلامتك .
    قد تجد خط توتر عالٍ ، ممنوع الاقتراب ، خطر الموت ، يا ترى مَن وضع هذه اللوحة وضعها ليتسلط عليك ؟ ليقيد حريتك ؟ ليقهرك ؟ لا والله ، وضعها من أجلك ، سلامةً لك ، فحينما تفهم أن هذه الأوامر والنواهي إنما وضعت من أجل سلامتك تكون فقيها ، ليس من أجل تقييد حريتك ، لكنها ضمان لسلامتك .
    لا يستوي الصالح والطالح :



    شيء آخر ، أنت كمعلم ، أعطيت وظيفة متعِبة للطلاب ، في اليوم التالي جاء الطلاب المجتهدون ، وقد كتبوها في أربع ساعات ، وطلاب ما كتبوا ، فإن لم تعاقب الذي لم يكتب فلا أحد يكتب في اليوم التالي ، هل هذا الكلام صحيح ؟ وحينما تسوي بين الفاسد والصالح ، والمجتهد والكسول ألغيتَ الاجتهاد ، ويتوهم المجتهد أنه أحمق ، تعب ، واستوى مع من لم يتعب .
    فالله عز وجل من لوازم تربيته ، من لوازم حكمته ، أن يعامل كل مخلوق بحسب عمله إنْ تستقيم تسلم ، إنْ تبذل من وقتك ، من مالك ، من علمك تسعد ، إنْ تنضبط تكن في بحبوحة ، إنْ تتفلت تكن في ضياع .
    ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾
    ( سورة البقرة الآية : 5 )
    الهدى رفعهم .
    ﴿ أُولَئِكَ فِي ﴾
    كآبة أو سجن :
    ﴿ ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾
    ( سورة إبراهيم )
    لا بد من أن يعاقب الفاسد ، وإلا لا أحد يستقيم ، أنت حينما تستقيم ، وتلمس لمس اليد نتائج استقامتك تزداد ثقتك بنفسك ، الحمد لله يا رب أن ناديتني إليك ، الحمد لله أن أعتني على طاعتك ، الحمد لله إذا وفقتني إلى لخضوع إلى أمرك ، أما لو فسد إنسان ، وانحرف ، وبغى وطغى ، ولم يصبه شيء ، يزهد الناس في طاعة الله ، الله عز وجل كبير ، الله عز وجل خلقنا ليرحمنا ، لذلك ابحث عن رحمته ، ابحث عن منهجه .

    أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ



    الآن :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
    ( سورة الأعراف )
    نخبة أغنياء العالم يقضون عيد الميلاد في جنوب شرق آسيا ، بلاد جميلة ، شواطئ دافئة ، نباتات عملاقة ، جو جنوب الأرض في الشتاء رائع جداً ، بلاد دافئة ، مياه البحر دافئة ، أشجار باسطة أوراقها ، منتجعات بعشر نجوم ، جاءهم زلزال تسونامي فأراهم النجوم ظهراً ، قوته مليون قنبلة ذرية :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
    نحن تحت رحمة الله عز وجل ، ما مِن شيء ثابت ، الثابت طاعة الله عز وجل ، والثابت حفظ الله :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
    أحيانا الزلزال ليلاً .
    ﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾
    ( سورة الأعراف )

    أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ



    بالمناسبة في أي لحظة الشمس تشرق وتغرب ، في أي لحظة ليل و نهار ، الأرض نصفها ليل ونصفها نهار ، لذلك قد يأتي البلاء ليلاً ، وقد يأتي نهاراً ، والآية الكريمة :
    ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾
    ( سورة يونس الآية : 24 ) .
    والله الآن هناك مدن جميلة ، فيها تزيينات ، فيها بذخ ، فيها لوحات جمالية .
    ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً ﴾
    ( سورة يونس الآية : 24 )
    يعني أتاها ليلاً على قوم ، ونهاراً على قوم .
    ﴿ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾
    ( سورة يونس الآية : 24 )
    نحن الآن نرى رأي العين إعصارا جعل بلدة بأكملها أنقاضاً ، في تركيا زلزال الصورة الحقيقية موعظة كبيرة جداً ، مركز الزلزال بإزميت ، بالتاء ـ غير إزمير ، اللسان الطويل ـ هنا المركز ، الصورة نشرتها إذاعة بريطانية ، كل الأبنية أنقاض على الأرض ، الأبنية تفتت تفتُتا عجيبًا ، أعلى ارتفاع خمسون سنتيمترا ، المدينة كلها ركام ، ومسجد ومعهد شرعي لم يمس بأذى في وسط الأنقاض ، هذه الصورة عرضتها الإذاعة البريطانية ، والمصورة أيضاً صورتها ، وأنا عرضتها في الجامع مرة .
    الله عز وجل له آيات :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾
    ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
    ( سورة الأعراف )

    فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ



    الله عز وجل لا يمكر ، لكن مكره لصالح عباده .
    ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
    ( سورة آل عمران )
    يمكر بنا كي يعيدنا إليه ، يمكر بنا كي نقبل عليه ، يمكر بنا كي نلجأ إليه ، يمكر بنا كي نصطلح معه ، يمكر بنا كي ندخل الجنة ، لذلك المؤمنون يوم القيامة لهم كلمة واحدة :
    ﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ .
    ( سورة يونس )
    والله في هذه المنطقة المباركة الله ، قال مباركة ، الدليل :
    ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾
    ( سورة الإسراء الآية : 1 )

    الأقصى وبلاد الشام بقعة مباركة :



    نحن حول الأقصى ، بنص الآية بلاد مباركة ، فيها شدة ، فيها ضغوط ، فيها عدوان خارجي ، فيها ضغوط خارجية ، فيها حصار أحياناً ، أليس كذلك ؟ والله الذي لا إله إلا هو لو كشف الغطاء لوجدتم أن إقبال الناس على الدين ، واصطلاحهم مع الله رب العالمين بسبب هذه الضغوط ، ولو ذهبت إلى بلاد فيها الرخاء ، فيها الأمن ، ما عندها مشكلة ، تجد الجفاف الروحي ، التصحر الروحي ، البعد عن الله ، ما أحد يقبل على المساجد ، ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، بلدة مباركة ، نحن في رعاية الله إن شاء الله .
    عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ :
    (( بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ ، فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ)) .
    [ أخرجه أحمد ]
    عليكم بالشام في آخر الزمان ، بلدة مباركة ، المساجد مليئة ، هذه ظاهرة طيبة جداً ، الدعاة كثر ، توجيه سليم إن شاء الله ، إيمان بالله .
    ألقيت البارحة محاضرة في الجامعة ، المدرج كله محجبات ، والله شيء لا يصدق ، الله عز وجل أراد بنا خيرًا .
    ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
    الله يرخي الحبل ، لكنك في قبضته بلحظة واحدة ، فجأة سكتة دماغية .
    اللهم إنا نعوذ بك من فجأة نقمة ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك ، أما المؤمن :
    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
    ( سورة فصلت )
    مَن كان مع الله كان اللهُ معه :



    أيها الإخوة الكرام ، نحن بحاجة إلى قرب من الله ، إلى صلح مع الله ، إلى مناجاة لله ، إلى إقبال على الله ، إلى توبة نصوح ، إلى عمل صالح ، إلى حضور مجالس علم ، إلى خدمة المؤمنين ، هذه كلها أعمال يتألق بها المؤمن .
    والله الذي لا إله إلا هو أقول : أيها المؤمن ، إن لم تقل أنا أسعد الناس إلا أن يكون أحد أتقى مني فهو أسعد مخلوق ، معنى ذلك في الإيمان خلل ، أنت مع الله ، مع القوي ، مع الغني ، مع الرحيم ، مع من بيده كل شيء ، إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي ، مع الله ما لا حزن ، ولا يأس ، ولا إحباط ، ولا خنوع ، ولا نفاق ، ولا ذل ، ولا تشاؤم ، ولا سوداوية ، أنت مؤمن .
    أنا والله لا أصدق مؤمنًا بمرض نفسي ، المرض النفسي يتناقض مع الإيمان ، الله معك ، ادعُه :
    (( يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا ، حين يبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ ، فيقول : من يَدعُوني فأَستجيبَ له ؟ مَن يَسْألُني فأُعْطِيَهُ ؟ مَن يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ ، حتى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ )) .
    [أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
    (( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا )) .
    [أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
    أيها الإخوة ،
    ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
    أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ



    البشر يخلف بعضهم بعضا :



    ثمة إنسان يعمل بمنصب ، بعد إنسان كان في هذا المنصب ، إنسان يسكن بيتًا بعد إنسان كان في هذا البيت ، إنسان يكون أميرًا بعد إنسان كان أميرًا ، لو أنها استمرت له ما وصلت إليك ، الله جعل البشر خلائف .
    سوق الحميدية مثلاً ، كل خمسين سنة أصحاب للمحلات جدد ، يكبر صاحب المحل ، أولاده يحلون محله ، يختلفون فيبيعون المحل ، يأتي شخص جديد ، والبيوت هكذا ، كل خمسين سنة تقريباً أصحاب بيوت جدد ، أصحاب محلات جدد ، انظر إلى الآية ما أدقها
    ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾
    لا تفرح بالدنيا ، افرح برضوان الله عليك .
    ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾
    ( سورة القصص الآية : 79 )
    قيل له :
    ﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾
    ( سورة القصص )
    أيها الإخوة ، الإنسان قد يصل للقمة ، طريق صعب ، طويل ، وعر ، فيه أكمات ، وحفر ، وغبار ، وحر ، إلى أن وصل إلى القمة ، السقوط طريقه مبلط مع الصابون ، بدقيقة تصبح تحت ، البطولة أن تبقى في القمة ، لا أن تسقط .
    قد يرث الإنسان الأرض مِن بعد مَن تركها له ، بطولتك أن تتقي الله ، بطولتك أن تخشى الله ، بطولتك أن تعدل ، لذلك :
    ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
    أيها الإخوة الكرام :
    ﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
    أنت في قبضة الله ، وتحت رحمته ، وأمره نافذ فيك ، والدعاء :
    اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، عدلٌ فيّ قضاؤك ، ماض فيّ حكمك .
    هذا هو التوجه إلى الله ، وهذه الطاعة لله ، تعطيك طمأنينة ، وأمناً ، وسعادة ، وراحة ورضىً يفتقده معظم الناس ، وإن لم يكن هناك ظرف كبير بين أهل الإيمان ، وأهل الكفران ففي الإيمان خلل .
    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأعراف (32): الدرس (31) ـ الآيات : [96 ـ 100 ] ـ المؤمن يفقه حكمة المصيبة كي يرجع إلى الله ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .




    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
    أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثاني والثلاثين من سورة الأعراف ، ومع الآية السادسة والتسعين ، وهي قوله تعالى :

    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

    وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ



    1 – كلُّ مصيبةٍ بكسبِ الإنسانِ :

    أيها الإخوة ، يتضح من خلال هذه الآية أن ما أصاب الناس من مصيبة :
    ﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ .
    ( سورة الشورى ) .
    ولا بد من مؤمن من أن يفقه حكمة المصيبة ، الله سبحانه وتعالى يقول :
    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
    ( سورة النساء الآية : 147 )
    مستحيل وألف ألف مستحيل أن تأتي مصيبة بلا سبب ، وبلا حكمة ، وبلا مبرر ، وبلا خطأ مِن الذي أصابته ، لأن الله عز وجل في آية واضحة قطعية الدلالة يقول :
    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
    فليس صعباً أن تتهم نفسك ، وأن تصدق ربك .
    لذلك :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ .
    أما حينما تأتي الضائقة ، يأتي الجفاف ، تأتي المصائب ، تأتي الزلازل ، وإن كان لهذه الظواهر أسباب علمية ، فهذا لا يمنع أن يكون الله عز وجل مسبِّبَ الأسباب .
    إنّ العوارض التي تطرأ على أهل الأرض لحكمة بالغةٍ بالغة ، والدليل هذه الآية :

    2 – لابد من الإيمان والتقوى والعمل الصالح :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾
    لا يكفي أن تؤمن ، لا بد من أن تتقي .
    ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
    ( سورة محمد الآية : 12 )
    الإيمان وحده من دون عمل لا قيمة له إطلاقاً :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    3 – تقتير الله لحكمةٍ لا لعجزٍ منه :

    أحياناً في بلدة يهطل فيها من المطر في الليلة الواحدة ما يهطل في الشام في سنتين ، فالله إذا أعطى أدهش .
    ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
    ( سورة الحجر )
    فإذا قنّن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب لا تقنين عجز :
    ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
    اكتشف في الفضاء الخارجي سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم والليلة بالمياه العذبة .
    إن الله عز وجل ثبت ملايين القوانين ، وحرّك قانون الرزق والصحة ، فالصحة متبدلة ، فهناك أمراض ، كذلك الرزق متبدل ، في سنوات مطيرة ، وفي سنوات جدباء .
    فالله عز وجل يبين أن نربط بينما نعانيه من ضائقة ، وبين استقامتنا وتقوانا وصلاحنا ، وطاعتنا لله عز وجل .
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ



    1 – البركة مفهوم إسلامي :

    أما البركات فهو موضوع يذكرنا بهذه الآية ، البركة ، البركة مفهوم إسلامي واضح جداً ، لكن في عصر المادة ، وعصر البُعد عن الله يضعف هذا المفهوم .

    2 – الرزق السلبي بركة من الله :

    الإنسان عنده رزق إيجابي ، وعنده رزق سلبي ، فإذا منّ الله على عبده بالعافية التامة ، عاش عمراً مديداً بلا أمراض وبيلة ، بلا أمراض عضالة ، بلا أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً ، بلا أمراض تكلف مئات الألوف بل بعض الملايين من المال ، كفشل كلوي ، وخثره بالدماغ ، وشلل ، وتشمع كبد ، أمراض لا تعد ولا تحصى ، وأيّ مرضٍ من هذه الأمراض يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .
    حينما تؤمن وتستقيم يعافي الله بدنك ، وتكون قد وفَّرت مبالغ طائلة ينبغي أن تدفعها شئت أم أبيت ، قضايا الطب ، والعمليات الجراحية ، والتصوير ، والمرنان ، لا اختيار لك فيها ، يقول لك : تحتاج قسطرة ، تكلفتها أربعون ألفَ ليرة ، مع استند 125 ، ثلاثة أوعية مغلقة ، تحتاج حوالي 400 ألف ليرة ، لا خيار لك .
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾
    هناك رزق سلبي ؛ أن يعافيك الله ، أن يعافيك ، ويعافي أهلك معك ، وأولادك ، فقد تجد أسرة تنعم بالصحة التامة ، في بيت متواضع ، لكن فيه طمأنينة ، فيه حب ، فيه ود ، الأكل متواضع ، لكن فيه محبة ، فانتبه للرزق السلبي .

    3 – راحةُ البالِ بركة من الله :

    وإذا أنعم الله عليك براحة البال فهذا لا يقَدّر بثمن الله قال :
    ﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾
    ( سورة محمد )
    صلاح البال ، تنام قرير العين ، تنام ملء جفونك ، لأنك وأنت نائم لم يتعلق عليك حق ، فما أكلت حقاً ، ما آذيت إنساناً ، ما أضللت مخلوقاً ، ما كنت سبب شقاء أسرة ، ما بنيت مجدك على أنقاض الناس ، ما بنيت غناك على إفقارهم ، ما بنيت عزك على إذلالهم ، ما بنيت أمنك على إخافتهم ، ما بثثت الرعب في قلوب الناس ، ولا ابتززت أموالهم ، ولا انتهكت أعراضهم ، ولا فرّقت بينهم ، ولا أورثت بينهم العداوة والبغضاء ، وكنت إنسانا معطاء ، إنسانا مصدر أمن للناس ، مصدر سلام .

    4 – محبة الناس لك بركة من الله :

    إذا كان اسمك عطرًا ، يملأ القلوب محبة الناس ، فهذه نعمة كبيرة جداً ، نعمة أن الناس يحبونك ، قال تعالى :
    ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
    ( سورة طه الآية : 39 ) .
    إذا الله أحب عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق ، فمحبة الناس ، وثقة الناس ، وراحة البال ، والشعور بالأمن ، والشعور بالطمأنينة بركة من الله ، فإذا كان البيت متماسكا ، فيه حب ، الزوجة صالحة ، ودودة ، الأولاد أبرار ، هذه الأرزاق تقدر بالمليارات ، أن تجلس في بيتك في راحة .
    5 – الرفق في المعيشة بركةٌ من الله :

    قد يُمنع المريض من تناول الطعام ، فيعطى ( السيروم ) ، بعد شهر يرى أنه إذا أكل الطعام مباشرة كأنه في الجنة ، أن تأكل ما تشتهي ، أن تشرب ما تشتهي ، أن تنام قرير العين ، آمنا في سربك ، معافىً في جسمك ، هذه كلها أرزاق سلبية ، وهي مهمة جداً ، لذلك :
    (( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة )) .
    [ رواه الطبراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ]
    إن تجارة فيها مغامرة ، فيها مصادرة ، فيها تهريب مادة محرمة ، أو الوثيقة مزورة ، تدخل تحت طائلة القوانين والمساءَلة ، والقلق ، والخوف ، والرشوة .
    (( الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة )) .
    الله عز وجل يبارك لك في مالك ، وأنا لا أبالغ والله ، هناك أشخاص كثيرون دخْلهم محدود ، لكن ما عندهم مشكلة ، يأكلون ، ويشربون ، ويتمتعون ، لكن من غير بذخ ، ولا إتلاف للمال ، ولا هدر ، ولا استعلاء على الناس ، بل فيهم تواضع .

    6 – الحياة الطيبةُ السعيدة بركةٌ من الله :

    اطلب الحياة الطيبة ، قال تعالى :
    ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
    ( سورة النحل الآية : 97 )
    المؤمن في رعاية الله ، في حفظ الله ، في توفيق الله ، في تجليات الله ، في سكينة الله ، المؤمن يتلقى من الله أرزاقا لا تعد ولا تحصى ، الرضا رزق ؛ أن ترضى عن الله ، يا رب لك الحمد ، من أعماقك ، الصبر رزق ، الحكمة رزق ، الطمأنينة رزق ، الإحساس بالأمن رزق ، فحينما تكون مع الله فأمامك أرزاق لا تعد ولا تحصى ، والفهمُ لكتاب الله ، ومعرفة ما سيكون الإنسان عليه بعد الموت ، يعدّ العدة لنزول القبر ، تعلم هاتين الكلمين ، هناك رزق إيجاب ، الدخل الشهري ، ورزق السلب ، إذا الله عافاك ، هيأ لك زوجة صالحة ، ليست مشاكسة ، هيأ لك أولادا أبرارا ، صحتهم جيدة ، سمعتهم طيبة ، هيأ لك ودًّا ، النبي الكريم يقول :
    (( الحمد الذي رزقني حب عائشة )) .
    [ ورد في الأثر ]

    هناك ود ، وأولاد أبرار ، وحولك أقارب محبّون ، لك سمعة طيبة ، تنام مطمئنا قرير العين ، هذه كلها أرزاق :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    أمطار غزيرة ، خيرات وفيرة ، أسعار متدينة ، سخاء ، سرور ، الله عز وجل ما خلقنا ليعذبنا .
    إذا أنشأنا ثانوية من أجل أن نعلِّم الطلاب ، أن نربيهم ، أن نعلمهم الحكمة والعلم ، والفهم ، والدين ، فإذا أساء طالب إساءة بالغة وعاقبناه ، إذا قال طالب : إنما أنشأت هذه المدرسة كي تعذبنا ، هذا كلام مضحك هذا ، هذه حالة طارئة ، الله عز وجل قال :
    ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
    ( سورة هود الآية : 119 )
    خلقنا ليسعدنا لا ليعذبنا ، خلقنا ليرحمنا لا ليقسوا علينا ، خلقنا ليحب بعضنا بعضاً جعلنا شعوباً وقبائل ، لا لنتقاتل .
    ﴿ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
    ( سورة الحجرات الآية : 13 )
    هذا أصل الخلق ، أما الناس لبُعدهم عن الله انحرفوا ، إذاً :
    ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
    7 – البلدة الطيبة وطيبةُ أهلِها بركةٌ من الله :

    تأتينا خيرات السماء ، والأرض تنبت النبات الطيب ، ومع النبات الطيب .
    ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾
    ( سورة سبأ )
    مع النبات الطيب راحة نفسية ، مع النبات الطيب ثقة بالله ، مع النبات الطيب رضا عن الله ، مع النبات الطيب ود بين الناس .
    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
    ( سورة مريم )
    وداً بينهم وبينه ، وودا فيما بينهم .
    والله أيها الإخوة ، أنا أرى من علامات الإيمان أن يكون الود بين المؤمنين ، وكلما رأيتُ وداً بين المؤمنين أزداد ثقة بإخواني ، ولا سمح الله ولا قدر لو رأيتهم متشاكسين متحاسدين ، والله أتألم ألماً لا حدود له ، معنى ذلك هناك ضعف في الإيمان كبير جداً .
    أيها الإخوة ، إذاً : يجب أن تنتبه إلى الرزق السلبي ، معك مأوى ، مثلاً إنسان له زوجة صالحة فهي نعمة لا ينتبه لها ، لأنه يغيب شهرا عن البيت وهو يعلم علم اليقين أن له زوجة عفيفة أطهر من ماء السماء ، هذه نعمة لا تقدر بثمن ، وربما يكتشف أن لها اتصالات ، وعلاقات مشبوهة ، إنسان دخل بيته في غيابه ، يصبح كالمرجل ، هناك مليون نعمة ينعم بها المؤمنون ، وقد لا ينتبهون إليها ، الذي عنده زوجة صالحة ، الذي عنده أولاد أبرار ، محترم ، يخجلون منه ، يخدموه ، الذي عنده أصهار طيبون ، كل هذه نعم لا تقدَّر بثمن ، فحينما تصطلح مع الله يتولاك ، ويختار لك أفضل شيء ، أفضل زواج ، أفضل أولاد ، أفضل عمل ، عملا مريحا ، دخلا معقولا بوقت معقول ، وسمعة طيبة .
    هذه البركة ، لكن بكل الآلات الحاسبة ، حينما أشتري آلة حاسبة هل أبحث عن زر للبركة ؟ هناك جمع ، وضرب ، وطرح ، وتقسيم ، ونسبة مئوية ، وذاكرة ... لكن ليس فيها زر للبركة ، وإذا بارك الله لك بوقتك تفعل في هذا الوقت المحدودِ المستحيلَ ، إذا بارك الله لك بمالك ، والله تفعل في هذا المال الشيءَ المدهشَ ، إذا بارك الله بصحتك تعيش حياة مديدة ، وأنت معافىً في جسمك ، لا تشكو شيئاً ، الله عنده عطاء كبير ، إذا رحِمك رفعك .
    ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
    ( سورة الشرح )
    إذا رحمك طمأنك ، إذا رحمك منحك نعمة الأمن ، إذا رحمك منحك الكفاية ، فخذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هما ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
    8 – البركة في الوقت القليل :

    إذاً : البركة تعني أن يبارك الله لك : بوقتك ، تجد علماء كبارا تركوا مؤلفات يكاد العقل لا يصدقها ، 380 مؤلفا ، متى كتبها ؟ متى قرأ ؟ متى تعلم ؟ متى ألّف ؟ متى نقح ؟ متى درس ؟
    ثمَّةَ عالم في الجزائر عاش أقلَّ من خمسين سنة ، وزنه أقلّ من خمسين كيلوًا ، ينام أقلَّ من ساعتين ، استطاع أن يبثَّ روح المقاومة في الشعب الجزائري ، وأن يواجه فرنسا بأكملها ، الآن لو ذهبت إلى الجزائر لم تجد كلمة تعلو على كلمة هذا العالم العامل ، المجاهد ، الواعي ، الوسطي ، الذي جمع وما فرقّ ، قال : مَن قبِل ما عندنا فهو أخونا ، ومن لم يقبل فهو أخونا ، وما كفّر أحدًا .
    الإسلام الآن يحتاج إلى وسطية ، يحتاج إلى إسلام كما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .
    8 – بركة الزكاة ولو نقصَ المال في الظاهر :

    أيها الإخوة ، الآن لاحظ المفارقة ، معك ألف ليرة ، زكاة هذا الألف 25 ليرة ، نقص من ألف ليرة 25 ، ماذا يسمى هذا العمل ؟ زكاة ، الزكاة النمو ، يا أخي المبلغ نقص ، كيف نما ؟ بقدرة قادر .
    ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
    ( سورة التوبة الآية : 103 )
    ينمو المال ، وقد نقص ! يبارك الله فيه .
    (( ما نَقَصَ مال من صدقة )) .
    [أخرجه مسلم والترمذي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة ]

    (( أنفق بلالُ ، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً )) .
    [ أخرجه الطبراني عن بلال رضي الله عنه ]
    عبدي أًنفق أُنفق عليك ، المال لما ينقص يسمى المال الناقص زكاة ، أديت زكاته فنما .
    9 – مالُ الربا ممحوق البركة ولو زاد في الظاهر :

    أقرض قرضاً ربوياً ، أقرضت ألفا فرجعت 1050 ، قال تعالى :
    ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾
    ( سورة البقرة الآية : 286 )
    الزيادة بخلاف منهج الله تمحق ، والنقص وفق منهج الله زيادة ، والزيادة بمعصية الله تعني المحق ، والنقص بطاعة الله تعني الزيادة .
    10 – الزوجة الصالحة بركة :

    أنا أركز على كلمة بركة ، أحيانا يبارك لك بزوجتك .
    والله لا أنسى مرة عزّيت صديقاً لي بوفاة والدته ، كان عمرها ثمانين عامًا ، والده في سن التسعين ، بكي الزوج بكاء غير معقول ، أردت أن أسليه قليلاً ، أن أخفف عنه ، قال لي : والله منذ 55 سنة ما نمت يومًا غضبان عليها .
    التقيت بعالم قرآن كريم عالم جليل ، قال لي : أنا عندي 38 حفيدا ، 13 طبيبا ، ما شاء الله ! أساسه زواج ، زوجة مباركة ، أنجبت أولادا أبرارا ، وبنات طائعات وأصهارا مؤمنين .
    الدين جميل ، والحياة جميلة بالدين ، حياة فيها بركة ، فيها محبة ، فيها موآثرة ، فيها ود .
    11 – الجار الصالح بركة :

    الأمير عبد القادر الجزائري كان ساكنا بالشام ، وله جار افتقر ، فاضطر أن يبيع بيته ، عرض البيت للبيع ، دفع له أحدهم 300 ليرة ذهبية ليشتريه ، فغضب ، قال : والله لا أبيع جيرة الأمير بهذا المبلغ ، خناك إنسان ابن حلال بلّغ هذا الأمير الخبرَ ، فاستدعاه ، قال له : هذه 300 ليرة ذهبية ، وأنت جارنا ، لا تبع بيتك ، هكذا كان الناس .
    الآن من أين ينزعج الجار ؟ والعياذ بالله حياة شقاء ، الإنسان متحفز دائماً ، في كل لحظة قنص ، وغدر ، وشيء مريب ، أعصابنا كلها متوترة ، مِن بُعدنا عن الله عز وجل ، فلا راحة نفسية ، الشراء معركة ، البيع معركة ، المبيع مزوَّر ، أو أنّ مفعول المادة منتهٍ ، لكن مع المودة والحب تنحل كل المشكلات .
    قال تعالى :
    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
    الله له منهج تطبقه ، أنت آلة معقدة جداً تعقيد إعجاز ، ولهذه الآلة صانع حكيم ، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة ، إن أخذت منهج الله بارك الله لك في حياتك ، وإن لم تأخذ منهج الله رفضته ، وأخذت منهج الشيطان دمرك الله .
    ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
    ( سورة الأحزاب الآية : 71 )
    أنا أحياناً أحب أن أستفز بعض الناس ، أقول لأحدهم : لا تحب أحدًا أحبب نفسك ، وأطع الله ، لا تحب أحدا ، لو أنك انطلقت من حب ذاتك ، من أنانية مفرطة فعليك بطاعة الله ، أنت آلة معقدة ، أوامر الله عز وجل ليست حداً لحريتك ، لكنها ضمان لسلامتك .
    أنا أقول لك كلمة : لا مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
    والآن هناك أعداء تقليديون ، يقول لك : الاستعمار ، الكيان الصهيوني ، هؤلاء أعداء تقليديون ، لكن عندنا أعداء أخطر منهم ، جهلنا ، تخاذلنا ، نزاعاتنا الداخلية ، هؤلاء أعداء أشد ضرراً من أعدائنا التقليدين .
    لذلك الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
    منهج الله ضمان للسلامة وليس تقييدا للحريات :



    قضية منهج الله ليس الموضوع موضوع جبروت ، يجب أن تطيعيني يا عبدي وإلا سأسحقك ، ليس هذا المعنى إطلاقاً ، الله عز وجل رحمن رحيم ، رب كريم ، أعطاك تعليمات لسلامتك .
    قد تجد خط توتر عالٍ ، ممنوع الاقتراب ، خطر الموت ، يا ترى مَن وضع هذه اللوحة وضعها ليتسلط عليك ؟ ليقيد حريتك ؟ ليقهرك ؟ لا والله ، وضعها من أجلك ، سلامةً لك ، فحينما تفهم أن هذه الأوامر والنواهي إنما وضعت من أجل سلامتك تكون فقيها ، ليس من أجل تقييد حريتك ، لكنها ضمان لسلامتك .
    لا يستوي الصالح والطالح :



    شيء آخر ، أنت كمعلم ، أعطيت وظيفة متعِبة للطلاب ، في اليوم التالي جاء الطلاب المجتهدون ، وقد كتبوها في أربع ساعات ، وطلاب ما كتبوا ، فإن لم تعاقب الذي لم يكتب فلا أحد يكتب في اليوم التالي ، هل هذا الكلام صحيح ؟ وحينما تسوي بين الفاسد والصالح ، والمجتهد والكسول ألغيتَ الاجتهاد ، ويتوهم المجتهد أنه أحمق ، تعب ، واستوى مع من لم يتعب .
    فالله عز وجل من لوازم تربيته ، من لوازم حكمته ، أن يعامل كل مخلوق بحسب عمله إنْ تستقيم تسلم ، إنْ تبذل من وقتك ، من مالك ، من علمك تسعد ، إنْ تنضبط تكن في بحبوحة ، إنْ تتفلت تكن في ضياع .
    ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾
    ( سورة البقرة الآية : 5 )
    الهدى رفعهم .
    ﴿ أُولَئِكَ فِي ﴾
    كآبة أو سجن :
    ﴿ ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾
    ( سورة إبراهيم )
    لا بد من أن يعاقب الفاسد ، وإلا لا أحد يستقيم ، أنت حينما تستقيم ، وتلمس لمس اليد نتائج استقامتك تزداد ثقتك بنفسك ، الحمد لله يا رب أن ناديتني إليك ، الحمد لله أن أعتني على طاعتك ، الحمد لله إذا وفقتني إلى لخضوع إلى أمرك ، أما لو فسد إنسان ، وانحرف ، وبغى وطغى ، ولم يصبه شيء ، يزهد الناس في طاعة الله ، الله عز وجل كبير ، الله عز وجل خلقنا ليرحمنا ، لذلك ابحث عن رحمته ، ابحث عن منهجه .

    أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ



    الآن :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
    ( سورة الأعراف )
    نخبة أغنياء العالم يقضون عيد الميلاد في جنوب شرق آسيا ، بلاد جميلة ، شواطئ دافئة ، نباتات عملاقة ، جو جنوب الأرض في الشتاء رائع جداً ، بلاد دافئة ، مياه البحر دافئة ، أشجار باسطة أوراقها ، منتجعات بعشر نجوم ، جاءهم زلزال تسونامي فأراهم النجوم ظهراً ، قوته مليون قنبلة ذرية :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
    نحن تحت رحمة الله عز وجل ، ما مِن شيء ثابت ، الثابت طاعة الله عز وجل ، والثابت حفظ الله :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
    أحيانا الزلزال ليلاً .
    ﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾
    ( سورة الأعراف )

    أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ



    بالمناسبة في أي لحظة الشمس تشرق وتغرب ، في أي لحظة ليل و نهار ، الأرض نصفها ليل ونصفها نهار ، لذلك قد يأتي البلاء ليلاً ، وقد يأتي نهاراً ، والآية الكريمة :
    ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾
    ( سورة يونس الآية : 24 ) .
    والله الآن هناك مدن جميلة ، فيها تزيينات ، فيها بذخ ، فيها لوحات جمالية .
    ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً ﴾
    ( سورة يونس الآية : 24 )
    يعني أتاها ليلاً على قوم ، ونهاراً على قوم .
    ﴿ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾
    ( سورة يونس الآية : 24 )
    نحن الآن نرى رأي العين إعصارا جعل بلدة بأكملها أنقاضاً ، في تركيا زلزال الصورة الحقيقية موعظة كبيرة جداً ، مركز الزلزال بإزميت ، بالتاء ـ غير إزمير ، اللسان الطويل ـ هنا المركز ، الصورة نشرتها إذاعة بريطانية ، كل الأبنية أنقاض على الأرض ، الأبنية تفتت تفتُتا عجيبًا ، أعلى ارتفاع خمسون سنتيمترا ، المدينة كلها ركام ، ومسجد ومعهد شرعي لم يمس بأذى في وسط الأنقاض ، هذه الصورة عرضتها الإذاعة البريطانية ، والمصورة أيضاً صورتها ، وأنا عرضتها في الجامع مرة .
    الله عز وجل له آيات :
    ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾
    ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
    ( سورة الأعراف )

    فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ



    الله عز وجل لا يمكر ، لكن مكره لصالح عباده .
    ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
    ( سورة آل عمران )
    يمكر بنا كي يعيدنا إليه ، يمكر بنا كي نقبل عليه ، يمكر بنا كي نلجأ إليه ، يمكر بنا كي نصطلح معه ، يمكر بنا كي ندخل الجنة ، لذلك المؤمنون يوم القيامة لهم كلمة واحدة :
    ﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ .
    ( سورة يونس )
    والله في هذه المنطقة المباركة الله ، قال مباركة ، الدليل :
    ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾
    ( سورة الإسراء الآية : 1 )

    الأقصى وبلاد الشام بقعة مباركة :



    نحن حول الأقصى ، بنص الآية بلاد مباركة ، فيها شدة ، فيها ضغوط ، فيها عدوان خارجي ، فيها ضغوط خارجية ، فيها حصار أحياناً ، أليس كذلك ؟ والله الذي لا إله إلا هو لو كشف الغطاء لوجدتم أن إقبال الناس على الدين ، واصطلاحهم مع الله رب العالمين بسبب هذه الضغوط ، ولو ذهبت إلى بلاد فيها الرخاء ، فيها الأمن ، ما عندها مشكلة ، تجد الجفاف الروحي ، التصحر الروحي ، البعد عن الله ، ما أحد يقبل على المساجد ، ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، بلدة مباركة ، نحن في رعاية الله إن شاء الله .
    عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ :
    (( بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ ، فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ)) .
    [ أخرجه أحمد ]
    عليكم بالشام في آخر الزمان ، بلدة مباركة ، المساجد مليئة ، هذه ظاهرة طيبة جداً ، الدعاة كثر ، توجيه سليم إن شاء الله ، إيمان بالله .
    ألقيت البارحة محاضرة في الجامعة ، المدرج كله محجبات ، والله شيء لا يصدق ، الله عز وجل أراد بنا خيرًا .
    ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
    الله يرخي الحبل ، لكنك في قبضته بلحظة واحدة ، فجأة سكتة دماغية .
    اللهم إنا نعوذ بك من فجأة نقمة ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك ، أما المؤمن :
    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
    ( سورة فصلت )
    مَن كان مع الله كان اللهُ معه :



    أيها الإخوة الكرام ، نحن بحاجة إلى قرب من الله ، إلى صلح مع الله ، إلى مناجاة لله ، إلى إقبال على الله ، إلى توبة نصوح ، إلى عمل صالح ، إلى حضور مجالس علم ، إلى خدمة المؤمنين ، هذه كلها أعمال يتألق بها المؤمن .
    والله الذي لا إله إلا هو أقول : أيها المؤمن ، إن لم تقل أنا أسعد الناس إلا أن يكون أحد أتقى مني فهو أسعد مخلوق ، معنى ذلك في الإيمان خلل ، أنت مع الله ، مع القوي ، مع الغني ، مع الرحيم ، مع من بيده كل شيء ، إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي ، مع الله ما لا حزن ، ولا يأس ، ولا إحباط ، ولا خنوع ، ولا نفاق ، ولا ذل ، ولا تشاؤم ، ولا سوداوية ، أنت مؤمن .
    أنا والله لا أصدق مؤمنًا بمرض نفسي ، المرض النفسي يتناقض مع الإيمان ، الله معك ، ادعُه :
    (( يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا ، حين يبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ ، فيقول : من يَدعُوني فأَستجيبَ له ؟ مَن يَسْألُني فأُعْطِيَهُ ؟ مَن يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ ، حتى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ )) .
    [أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
    (( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا )) .
    [أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
    أيها الإخوة ،
    ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
    أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ



    البشر يخلف بعضهم بعضا :



    ثمة إنسان يعمل بمنصب ، بعد إنسان كان في هذا المنصب ، إنسان يسكن بيتًا بعد إنسان كان في هذا البيت ، إنسان يكون أميرًا بعد إنسان كان أميرًا ، لو أنها استمرت له ما وصلت إليك ، الله جعل البشر خلائف .
    سوق الحميدية مثلاً ، كل خمسين سنة أصحاب للمحلات جدد ، يكبر صاحب المحل ، أولاده يحلون محله ، يختلفون فيبيعون المحل ، يأتي شخص جديد ، والبيوت هكذا ، كل خمسين سنة تقريباً أصحاب بيوت جدد ، أصحاب محلات جدد ، انظر إلى الآية ما أدقها
    ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾
    لا تفرح بالدنيا ، افرح برضوان الله عليك .
    ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾
    ( سورة القصص الآية : 79 )
    قيل له :
    ﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾
    ( سورة القصص )
    أيها الإخوة ، الإنسان قد يصل للقمة ، طريق صعب ، طويل ، وعر ، فيه أكمات ، وحفر ، وغبار ، وحر ، إلى أن وصل إلى القمة ، السقوط طريقه مبلط مع الصابون ، بدقيقة تصبح تحت ، البطولة أن تبقى في القمة ، لا أن تسقط .
    قد يرث الإنسان الأرض مِن بعد مَن تركها له ، بطولتك أن تتقي الله ، بطولتك أن تخشى الله ، بطولتك أن تعدل ، لذلك :
    ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
    أيها الإخوة الكرام :
    ﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
    أنت في قبضة الله ، وتحت رحمته ، وأمره نافذ فيك ، والدعاء :
    اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، عدلٌ فيّ قضاؤك ، ماض فيّ حكمك .
    هذا هو التوجه إلى الله ، وهذه الطاعة لله ، تعطيك طمأنينة ، وأمناً ، وسعادة ، وراحة ورضىً يفتقده معظم الناس ، وإن لم يكن هناك ظرف كبير بين أهل الإيمان ، وأهل الكفران ففي الإيمان خلل .
    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ








    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

    رد: الرزق الإيجابي والرزق السلبي/الشيخ راتب النابلسي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته موضوع جميل جدا ولاكن اختلف من ناحية الرزق السلبى من وجه نظرى اعتقد انة هو اساس الرزق كلة بدليل حديث الرسول الكريم صلى اللة علية وعلى الة وسلم عن دعاء ليلة القدر فحث على سؤال العافية موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . .

المواضيع المتشابهه

  1. من أقوال الشيخ راتب النابلسي
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-03-2016, 03:58 AM
  2. قال لي ذات مرة الصديق الشيخ راتب النابلسي
    بواسطة محمد حبش في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-12-2016, 07:37 AM
  3. منزلة السكينة/الشيخ راتب النابلسي
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-20-2012, 06:00 PM
  4. اليقين الإخباري/الشيخ راتب النابلسي
    بواسطة راما في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-07-2011, 09:15 AM
  5. مختارات من محاضرات الشيخ راتب النابلسي
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-17-2009, 04:08 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •