منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    Exclamation الايديولوجية والتراث الفلسطيني

    مما لا شك فيه، بأن الفن التشكيلي الفلسطيني يُمثل منهل ابتكار إنساني مُتفرد الوجود والصيرورة. لا يُجاريه فن آخر في المعمورة في خصوصية مواضيعه وتشعب مسارب قضيته السياسية والاجتماعية والإنسانية المُعاشة. وحالة استثناء في ميادين السرد البصري (الفني التشكيلي) سواء من حيث عمارته التصويرية وذاكرة مكانه البصرية، وحصاد المُخيلة والواقع المعاش، وما تشمله من حفريات المعاني والمعرفة. ويرسم أفاقاً واسعة لتضاريس جغرافية جديدة وآليات سرده البصري والتقني في مُختلف واحات الابتكار (الإبداعية) المُتاحة شكلاً ومضموناً وفلسفة فن وجمال وتقنيات. تختصر قرناُ من الصراع والدماء والجرحى والمعتقلين والشهداء بوسائط وأدوات تعبيرية بسيطة وهادفة. باعتباره فناً يُكرس حالة من التوافق الأيديولوجي لمعابر السياسة والمقاومة والتراث، والمُطابقة اللافتة ما بين مختلف المشهد الحياتي الوجودي اليومي لكافة شرائح الشعب العربي الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. ونبضاً ثقافياً حافلاً بالرموز والدلالات، ولمسة حضارية وكفاحية لا يُمكن تجاهلها في مساحة (الإبداع) الابتكار الفلسطيني واسعة الطيف.
    هذا الفن التشكيلي الفلسطيني الذي أفسح المجال لبروز ملامح ابتكار متنوعة ومُبشرة بولادة خصوصية فنية تشكيلية، تُمكن المتلقي من معايشة بصرية وفهم مضامينه بسهولة ويُسر. كفن مُعبر عن واقع شعب مجبول بالمعاناة والكفاح والصمود الإنساني والأمل متعددة الصور والأشكال. يُقدمها الفنانون التشكيليون الفلسطينيون الموزعون عِبر المجرة الأرضية وفي المنافي متعددة الأسماء والأماكن، في أثواب بصرية وتقنية حافلة بفقه المعاني (الأفكار) والمحتوى الموضوعي (الأشكال) وطرائق السرد (المدارس والاتجاهات ) جعلت من فنهم حالة خاصة ومتميزة في الخارطة السياسية الكونية منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.
    تلك القضية (الفلسطينية) المحكومة بعوامل خارجية، ومؤامرات دولية ساهمت في حدوث نكبة فلسطين المُتجلية في حروب .۱۹۴۸ باعتبارها ذروة المأساة الفلسطينية التي كان من أولى نتائجها إقامة الكيان العنصري الصهيوني في فلسطين وطرد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ووطنه إلى مناطق اللجوء المحلية والعربية والدولية. ويكون الفن التشكيلي بذلك لابساً دثار الفاجعة الفلسطينية منذ اللحظة الأولى، وجندياً مجهولاً تارة، ومقاتلاً مكشوفاً في أغلب الأحوال. يقف جنباً إلى جنب في خندق المواجهة والمقاومة وخوض غمار الحروب العربية الصهيونية منذ عدة عقود. كأيديولوجية مُضافة لمجموعة المعابر الأيديولوجية المماثلة في جبهات المواجهة مع الكيان الصهيوني. وأمست الفنانة والفنان التشكيلي أسيرين لقيود أيديولوجية تفترضها حقيقة التعبئة السياسية والجماهيرية المحمولة بشعارات نضالية كبرى (كل شيء للمعركة، ثورة حتى النصر، مقاومة حتى التحرير والعودة، الشهادة أو النصر، ثورة حتى تحرير الأرض والإنسان، المجد للمقاومة، البندقية طريق النصر، حرب التحرير الشعبية، ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة) وغيرها. كم هائل من الأهداف الكبرى التي خرجت بها فصائل الكفاح المسلح عقب تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية عام .۱۹۶۴ كل حسب أيديولوجيته ومسارات رؤيته لمفهوم المواجهة والتحرير والعودة، ومحاولة تحقيق النصر على العدو الاستيطاني الصهيوني. مما أوقع الحركة الفنية التشكيلية في مأزق التقييد والنمطية والرسم التقليدي في إطار مرجعيات أيديولوجية خالصة ساهمت إلى حدٍ كبير للحد من فاعلية الابتكار واضعة قيود تلقائية على حرية الإبداع والمبدعين عموماً والتشكيليين على وجه الخصوص. حيث دخلت الحركة الفنية التشكيلية بمبدعيها وفنانيها في سراديب النمطية ومقولات (الفن الملتزم) التي أُطرت في زمن أيديولوجي غابر، عاشت المنطقة العربية على إيقاعاته النظرية وكان سبباً أساسياً في وضع الفنانين التشكيليين في سياقات بصرية محددة.
    لقد كان الفن التشكيلي الفلسطيني الابن الشرعي والموضوعي لمسالك الواقع الفلسطيني المعاش يأخذ سياقاته التعبيرية من حقيقة هذه المواكبة، ويستحضر مناهل أفكاره ورؤاه البصرية من جموع الشعب العربي الفلسطيني الموزعة في كافة أرجاء المعمورة، مُعبراً عن ذاته بلا مواربة يدخل مباشرة في عُمق الحدث مُشاركا بفاعلية وأثر. مُتأملاً كافة عذابات الشعب العربي الفلسطيني، ومسالك القهر والألم وآليات الموت والسجن التي تلاحقهم داخل الوطن الفلسطيني وخارجه. هذا التفاعل البصري المُعَبر عنه بوسائط تقنية وجد له مظلة تعبيرية فسيحة في مجالات الفن التشكيلي الأكاديمي المعروفة (التصوير، النحت، الخزف، الحفر، الملصقة) ومشغولاً في سياقات متوالدة عِبر مفاهيم بناء العمل الفني في سياقاته المدرسية المعروفة أو تلك المُتناسلة من واحة الصحافة (الموتيف، الكاريكاتير) وأخيراً عِبر تقنيات رسم الحاسوب (الكمبيوتر). لتضم هذه الميادين الإبداعية قائمة كبيرة من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين الذين توالت آثارهم في واحة الابتكار المحلي والعربي والعالمي، وشملت أسماء فنية تشكيلية من كافة المدارس والاتجاهات التعبيرية والأجيال، أولئك المنتشرون في كافة أمصار الأرض لأعداد تتجاوز في معدود هم نحو سبعمائة فنانة وفنان تشكيلي. موزعين ما بين فلسطين المحتلة عام ۱۹۴۸ أو تلك المحتلة عام ۱۹۶۶ يُشكل قطاع غزة أكثرهم عدداً، بينما نجد الكثرة منتشرة خارج فلسطين المحتلة في أماكن اللجوء العربية والأجنبية في سورية والأردن ولبنان والخليج العربي والدول الأوربية والقارة الأمريكية.
    المقاومة ومفاهيم حرب التحرير الشعبية هي ملامح أيديولوجية ملازمة ومتنوعة المشارب والاتجاهات السياسية، وبمثابة المجال الحيوي التي انطلقت من خلالها مُخيلة وإبداعات الفنانين التشكيليين الفلسطينيين للتعبير عن الانتماء والانحياز لوطن مسلوب وشعب عربي مُشرد. مقاومة مُسلحة تضم جوقة فصائل الثورة الفلسطينية المعاصرة والتي ولّدت لدى الفنان التشكيلي الفلسطيني معابر أمل وعمل مُغادرة مواقع الحزن والبكاء والنحيب والوقوف على أطلال الذاكرة المستلبة وبؤس الخيمة والمُخيم ليعيش عصر حلم العودة ونشيد الحرية الملونة بألوان العلم الفلسطيني في مدلوله الرمزي ومعناه الكفاحي.
    وأمسى الفدائي صاحب الملابس المرقطة والكوفية المجال التعبيري المفتوح على رايات الأمل، مفردة فنية تشكيلية حاضرة على الدوام في أعمال الفنانين التشكيليين الفلسطينيين بكل عنفوانها ودلالتها الرمزية متواجدة بكثرة في كافة معابر الإبداع الفني التشكيلي. وأخذت ملامحه تتسم بأنفاس الأيديولوجية الفلسطينية السائدة والموزعة ما بين الفكر القومي العربي بكافة تياراته، واليسارية الشيوعية بكافة مذاهبها. له شكل وهيئة وألوان وتقنيات وبحث تجريبي مجتمعة في أثواب تعبيرية مستوحاة من هذا الخليط الأيديولوجي. في الوقت الذي حاول القوميون العرب استحضار التاريخ العربي القديم بكافة رموزه وأبطاله ومعاركه العظيمة، كان اليساريون يستحضرون التجارب السوفييتية ومفاصل رجالاتها التاريخية في صور بصرية مطابقة.
    هذه الحقبة الزمنية التي شكلت هبة انفعالية عابرة صادقة في مفاعيلها الشعبية والجماهيرية العربية وأمست القضية الفلسطينية مساحة استقطاب فني تشكيلي عالمي لكافة الفنانين التشكيليين المؤمنين بعدالة هذه القضية. وتدثرت الأعمال الفنية التشكيلية العالمية لاسيما الملصقة السياسية بدثار ثورة الشعب العربي الفلسطيني وأشكال مقاومته المتنوعة، وشكلت بوتقة جامعة لتضامن أممي غير مسبوق من شريحة فنية تشكيلية عالمية واسعة. وخرج الفن التشكيلي من حيزه الجغرافي والتعبيري المحلي بأنفاسه القومية إلى فن عالمي بكل عنفوانه وإنسانيته وتضامنه وأمست الكوفية الفلسطينية هي الاسم الحركي لحرية شعوب الأرض ضد مظاهر القهر والعدوان والاحتلال، أيديولوجية جامعة لكافة أحرار العالم.
    هذا الأمر (الأيديولوجي) لا يعنى تجاوز ذاكرة المكان المحلية التراثية في أعمال ولوحات الفنانين التشكيليين الفلسطينيين.. بل كان حاضراً بقوة تعبيرية واضحة وصارخة في كافة التجارب. لم تغب مسائل التراث والموروث الشعبي الفلسطيني عن الأعمال الفنية التشكيلية الفلسطينية، وأمست لازمة سرد بصري لا بدٍّ منها في أساليب المواجهة المباشرة مع محاولات الكيان الصهيوني المستمرة لسرقة كل ما يتصل بحياة الشعب العربي الفلسطيني من تاريخ وأساطير وعادات وتقاليد وفنون شعبية ومظاهر حياة وصنائع. وجد فيها الفنانون التشكيليون الفلسطينيون ضرورة جوهرية للدفاع عن وجودهم وتاريخهم وأرضهم ومشاريع الاقتلاع والتهويد.
    لقد شكلت الحقبة الكنعانية العربية في دوراتها التاريخية ومعالمها الأثرية وقصصها الأسطورية مسالك تعبير أساسية في تأكيد عروبة المنطقة وأحقية الوجود للشعب العربي الفلسطيني ممثلة بأساطير الآلهة منذ (داجون، عناة، العنقاء) كرموز مُعبرة عن معركة لتاريخ الحضارة والوجود في مواده وأفكاره ومعالجة الفنانين التقنية والفكرية. وكذلك الأمر بالنسبة للحقبة العربية الإسلامية التي وضعت فلسطين عموماً والمسجد الأقصى وقبة الصخرة فيه في حيز مكاني واعتباري كأولى القبلتين وثالث الحرمين وما تحتله هذه البقعة الجغرافية المُقدسة من مكانة وأهمية للعالمين العربي والإسلامي. وما كرسته قيم الفنون الإسلامية من مناهل استقاء ومرجعية بصرية وثقافية للفنانين التشكيليين. ولا يُمكن تجاوز المناسبات الشعبية الفلسطينية المسيحية والإسلامية الاحتفالية وما يتخللها من طقوس فرح وألفة وتعاون من رقص وأغاني وأعياد وحكايات وجدت سبيلها بتلقائية إلى أعمال الفنانين. واحتلت الصناعات الشعبية والمهن اليدوية والمعيشية المختلفة مكاناً جيداً في تفاصيل النصوص البصرية للفنانين الفلسطينيين. لتُشكل المُنتجات الفلسطينية التشكيلية شكلاً فريداً من فصول الحكاية الفلسطينية المُعبرة عن فسيفساء الذاكرة والأيديولوجية والتراث.
    أنا هوىً متجدّدٌ في بعض صوتكِ أو صداكْ.
    فتغافلنى روحى فلا أجدها إلا معك.
    حسن غريب
    كاتب وناقد مصري

  2. #2
    السلام عليكم
    اشد على يدك موضوع جدا قيم واذكر مسلسل سوري التغريبة الفلسطينية يعرض الام اصحاب القضية التي عانوا من ويلاتها وعرضها بصدق..كتب عليهم الجهاد الى يوم الدين...ز
    لهم الله ولنا المؤازرو بقدر مانستطيع
    اشكر اديبنا الفاضل واعود للموضوع للقراءة بروية
    ولفت نظري هذه الجملة

    المُنتجات الفلسطينية التشكيلية شكلاً فريداً من فصول الحكاية الفلسطينية المُعبرة عن فسيفساء الذاكرة والأيديولوجية والتراث
    جزاك الله خيرا

  3. #3
    السلام عليكم
    اظنه تاويل للقضية الفلسطينية من منظور ادبي
    يعطيها ابعاد جديدة فكرية لكن
    يبقى الشعب المجاهد طول العمر

    بانتظار مواضيعك للقيمة دوما
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. الشعر والتراب
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى ديوان شعراء الفرسان
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-14-2017, 06:05 PM
  2. نحن والتراث:
    بواسطة عبد الله راتب نفاخ في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-07-2015, 05:58 PM
  3. لأهل التحقيق والمخطوطات والتراث
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-08-2014, 08:11 AM
  4. الشعر والتراب
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 11-18-2011, 02:26 AM
  5. الشعر والتراب
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-17-2010, 03:01 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •