"شاليط" بالأبيض
د. فايز أبو شمالة
قميص باللون الأبيض، هكذا ارتدى طلاب كل الجامعات الإسرائيلية قميصاً باللون الأبيض، تعبيراً عن تضامنهم مع الأسير الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، وقاموا بعدة خطوات أخرى تذكر المجتمع الإسرائيلي أنهم يأكلون، ويشربون، ويتكاثرون، بينما أحد جنودهم في أسر حركة حماس. إنها خطوة تضامنية تفرض على أعداء إسرائيل أن يحترموا عدوهم ـ الاحترام لا يعني الحب ـ وأن يتعلموا منه، وأن يتعرفوا على مصادر طاقته الروحية، وقدراته المادية، وما عدا ذلك، فإن الحالم فقط من ينتصر على عدوه بالضربة القاضية، ليجد نفسه ممدداً تحت نعاله وقت الغسق.
"جلعاد شاليط" أربع سنوات في أسر حركة حماس، حرك العالم، وفي المقابل، تستعد الأراضي الفلسطينية المحتلة للاحتفال بإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل في الأسابيع القادمة؛ مقابل استئناف المفاوضات، وسيغني الفلسطيني أغانية الوطنية في هذه المناسبة، ويتبادل القبلات، ويوزع الحلوى، ويستقبل الحافلات، وينسى أن حرية البعض جاءت ثمرة للتنازل عن شرط وقف الاستيطان مقابل استئناف المفاوضات، وسينسى أن السجون الإسرائيلية تعج بآلاف الرجال الذين ينتظرون مصيرهم المجهول، ولن تفرج عنهم إسرائيل حتى لو تنازل المفاوض الفلسطيني عن القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل! هؤلاء لا أمل لهم في الحرية إلا إذا لبست كل إسرائيل اللون الأبيض، وسارت إلى معبر بيت حانون، وأعلنت موافقتها على شروط آسري "شاليط".
من أجل حرية الأسرى تضحي غزة، وتحتمل الحصار، وتحتمل النزف تحت الجلد، ووجع كلمات أولئك الذين ضاق عليهم الحال المادي، ويرددون: ماذا جنينا من أسر "شاليط" غير دمار غزة؟ بل وصل الأمر بالسيد عباس ليقول: "جلعاد شاليط" أغلى أسير في العالم، كلف شعبنا آلاف الضحايا!.
بعض هؤلاء الرجال الذين ما زالوا في الأسر: سامي يونس "أبو نادر"، ابن حركة فتح، أسير منذ عام 1983، صار عمره ثمانين عاماً، وجاء في وصيته: إن عدت إليكم جثة هامدة، فلا تستعجلوا في دفني، أدخلوني غرفتي، مددوني على سريري، ثم اتركوني قليلاً في بيتي تحت شجرة التوت، هنالك في الهواء الطلق قبل أن تدفنوني!.
وأحدى هؤلاء الأسيرة قاهرة السعدي، التي تنتمي لحركة الجهاد الإسلامي، والتي حكمت بالسجن المؤبد سبع مرات، ولا أمنية لها في هذه الدنيا غير أن تنظر في عيون أطفالها، وأن تقول لهم: يما، ماما، وأن تمد أصابعها تداعب شعرهم بعد ثمانية سنوات من الحرمان، وأن تعد لهم شاي الصباح، وهي تودعهم بنظراتها إلى المدرسة. وأحد هؤلاء "علاء البازيان" ابن فتح الانتفاضة، من سكان القدس، فقد بصره أثناء تنفيذه عمل عسكري، تحرر في عملية تبادل الأسرى سنة 1985، ليزج في السجن بعد عامين لمدى الحياة. وأحد هؤلاء يحيى السنوار ابن خان يونس، وينتمي لحركة حماس، حكم بالسجن المؤبد سنة 1985، ويعاني المرض، وأحدهم مخلص برغال محكوم مؤبد منذ عام 1987، وينتمي للجبهة الشعبية، هؤلاء الرجال وأمثالهم لا أمل لهم بالحرية إلا إذا لبست إسرائيل القميص الأبيض.
ما أكثر الأسماء، وما أوجع القصص! وما أضيق أفق أولئك الذين يتذمرون من الحصار، ويتوجعون من قلة السفر، ويحملون المسئولية لآسري "شاليط"! لهؤلاء أقول: تذكروا الأسيرة "قاهرة السعدي" ورفرفة قلبها كل صباح، ثم احضنوا أطفالكم.