دلال المغربي
مقالات ملفقة ( 29 \ 2 )
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*
ها نحن نبتعد رويداً .. رويدا عن قرار الاتفاق، وتوقف الهجوم الصهيوني 2014، الذي دام لأكثر من خمسين يوماً، فالمقاومة في غزة تذيق العدو الصهيوني ويلات الذل، وكسر عقدة التفوق، رغم الفارق التقني بين جيش مجحفل مدجج بأدوات عالية، ومقاومة تملك الإصرار بعدم الاستسلام، وما أشبه اليوم بالأمس لتكون المقاومة خيارنا، ففي صبيحة يوم 11آذار 1978م، قامت مجموعة فدائية فلسطينية، بقيادة الفتاة دلال المغربي ذات العشرين ربيعاً، بالتسلل عبر البحر المتوسط إلى الأراضي الفلسطينية، والوصول للقرب من تل أبيب، واحتجاز حافلتيْ ركاب من الإسرائيليين فيهما 68 اسرائيلياً، وبدأت المعركة بحصار الجيش للمقاومين، وجرت معركة مشرفة ترفع رأسنا علينا، استشهد معظم أفراد المجموعة البالغة ما بين ( 12-14 فدائي)، ونحن نستذكرها بكل فخر واعتزاز، و هم يكبدون العدو 30 قتيلاً وأكثر من 80 جريحاً.
هذا دليل على أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، وصاحب الحق لا يستسلم، وإن جاءت الرياح غير مواتية لشِراعه المتهادي بين الأمواج العاتية في ظلمات و مخاطر تحيطه من كل جانب، أو غُلب على أمره، ونستدل بذلك على أن فلسطين عربية مسلمة، وستبقى .. وستعود.. كما عادت من أيدي الصليبيين بعد 90 عاماً. من أجل أن لا ننساهم جميعاُ، وتبقى ذاكرتنا متوقدة متنبهة، فالنسيان آفةٌ الذاكرة العربية.
ويعتبر أبو رِغال ( أول خائن عربي ) وهو دليل الأحباش إلى مكة، عندما أرادوا هدم الكعبة قبل الإسلام ، وسميّ هذا العام ، عام الفيل، ووقف عبدالمطلب سيد مكّة منادياً بمقولته الشهيرة : ( إنّ للبيت ربّاً يحميه )، وفي القرآن جاءت سورة الفيل تحكي حال القوم الظالمين، و الدليل هو ما يُستدَّلُ به، وأيضا هو الدّال وقد جَرَّأَهم على فعلتهم.
وجاء جذر دلل، للدلالة على مهنة الدِّلالة التجارية، ويقوم بها الشخص الذي نطلق عليه لقب الدَّلاَّل هو الذي يجمع بين البَيعَيْن، و يوفق بين البائع والمشتري الراغب في الشراء، ويحصل على ربح متعارف عليه ومشروط من إما من البائع أو من المشتري، أو من كليهما.
تقريباُ تأتي معاني الدليل جازمة لتكون دلالة على الهداية، فالدليل هداية للحيران، والضائع، و التائه، والجاهل ، واستخدم كذلك ليطلق على المخبر السرّي، و الدَّالُ على الخير كفاعله، والعكس صحيح. و الدَّلُ قريب المعنى من الهدْي، وهما من السكينة و الوقار في الهيئة و المنظر و الشمائل وغير ذلك، وفي الحديث ( كان أصحاب عبدالله - بن عمر- يرحلون إلى عمر – رضي الله عنه – فينظرون إلى سَمْتِهِ وهَدْيِهِ ودَلِّهِ، فيتشبّهون به ). وانسحب المعنى ليجئ على معنى الدَّلال و التغنّج للنساء، وفي المثل العربي ( أخنثُ من دُلالٍ ) فالخٌنثُ هو الاسترخاء.
وقد حملت مجموعة من الكتب التراثية و الدينية كلمة دلائل، ومنها كتاب دلائل الإعجاز لــ ( عبدالقاهر الجرجاني ) وكتاب دليل الحيران في الكشف عن آيات القرآن، وكذلك كتاب دليل الحيران في تفسير الأحلام، وأشهرها على الإطلاق كتاب دلائل الخيرات ( للجزولي )، ودليل الهداية ( للمرغيناني )، وهناك الكثير منها المندرجة تحت كلمة دليل مما لا يحضرني حصرها.
ويعتبر المطرب السوري صبري مدلل توفي عن 88 عاما، العام 2006م، ظاهرة غنائية فريدة في الوطن العربي، حسب مانشيت الفيلم الوثائقي عن صبري مدلل( حلب أيام المسرات- الذي أخرجه محمد ملص)، كما أن محسن دلول وزير لبناني سابق، و دُلْدُل اسم بغلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والغبطة للساهرين مع أم كلثوم على أنغام أغنية دليل احتار ذات المطلع الجميل(مابين بُعدك وشوقي إليك \ وبين قربك وخوفي عليك \ دليلي احتار وحيرني )، هذه الرائعة التي قلّ مستمعوها في الآونة الأخيرة’
و إذا تدلدل الشيء تحرّك مُتدلياً، و عندما تتدلى عناقيد العنب من الشجرة ( الدالية ) التي استنبط اسمها من التدلدل، وجمعها الدوالي، ومن ألذ الأكلات الشامية ورق الدوالي. كما أن الشاخصات الدولية على الطرق العامة ، لهي خير دليل للمسافرين وهداية لهم حتى يصلوا إلى وجهتهم بيسرٍ وسهولة، وأصبحت مهنة الدليل سياحي تحظى باحترام كبير لدى الناس، لأنه صورة مشرقة عن البلد التي ينتمي إليها، وكان دليل التلفونات لا غنى عنه للأفراد قبل ظهور الهاتف المحمول، و الدّالُّ على الخير كفاعله، وليس أدلّ في نفسي، ما أمّلتُه من إيفاء الموضوع حقّه ليصبح مادة مقروءة، و أنا أُدِّلُ ثقة بما كتبتُ مُتوخِّيا الفائدة للقارئ ..
عمّان \ الأردن
29 \ 9 \ 2014م