منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 9 من 9

العرض المتطور

  1. #1

    طعام ... صلاة ... حُب .. (قصة المياسة والمقداد)

    طعام ... صلاة ... حُب .. (قصة المياسة والمقداد)"1"
    {"خلطة" كتب}
    على طرقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل سياحتي "خلطة كتب" :

    مصادفة .. ليست أكثر من مصادفة ضاعفت عندي الشعور بــ(الذنب) تجاه أخي وصديقي الأستاذ (كتاب).
    لم يحتج الأمر أكثر من (غياب) – دون دخول في التفاصيل – الشبكة العنكبوتية،فقرأت .. وقرأت – دون أن يقاطعني (إيميل عابر للقارات) ... نعم أحسست بــ(الذنب) والتقصير ...
    لو كنت صادقا مع نفسي لهجرت (الكتابة) ... وكسرت القلم .. وألغيت – هل هناك طريقة لذلك؟ - بريدي الإلكتروني ... ولكن الصدق مع النفس مرحلة لا يصلها الإنسان بسهولة.
    قبل هذه الصدفة – والتي تعني أمرا لم أخطط له – التي وضعتني وجها لوجه مع الكتاب ... كنت في مكة المكرمة ،واشتريت بعض الكتب ... وهي التي سأصنع منها هذه (الخلطة) ..
    لم أخبركم – هل فعلت؟ – أنني وجدت نفسي وأنا أقرأ ... فلا أذكر أن أحدا (حرضني) على ذلك الفعل ... كما لا أذكر متى بدأت القراءة ... فقط وجدت نفسي – والعياذ بالله – أعاني هذا الداء الخطير... وقد قرأت في تلك المرحلة كتبا مثل (سيرة عنترة) – في ثماني مجلدات – و(سيرة سيف بن ذي يزن) – في أربع مجلدات – وسيرة (الأميرة ذات الهمة) وسيرة ( الأمير حمزة البهلوان) ... إلخ. وحين وجدت – في زيارتي لمكة المكرمة – كتيبا بعنوان (قصة المياسة والمقداد الأصلية : وما جرى بينهما من الحروب الجسام وما لاقى لأجلها من الحب والغرام)،حين قرأت هذا العنوان ... عاد بي مباشرة إلى تلك الفترة المبكرة من عمري .. فاشتريت الكتيب – بريالين فقط،و يقع في 64 صفحة – لأعود إلى العبارات المألوفة مثل (قال الراوي) و (هذا ما كان من "فلان" أما ما كان من "فلانة" ) ... كما يجب على القارئ ألا يهتم كثيرا ببعض التناقضات التي قد ترد في (الخبر الظريف) .. كما سُميت هذه القصة ...
    (قصة المياسة والمقداد الأصلية)
    تبدأ القصة هكذا :
    (قال الراوي لهذا الخبر الظريف. حدثنا محمد الهاشمي عن ابن عباس عن جعفر بن هاشم بن مضر قال لما أراد الله تعالى أن يسكن البشير النذير السراج المنير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ويتخذها مسكنا شاع خبره وعلا ذكره ونمى فخره واتصلت أوامره ونواهيه إلى قريش وأهل مكة قاطبة. فتبادروا وتشاوروا في مكة فرحل عن مكة مهاجرا إلى المدينة فلما استقر بها قراره وطاب بها جواره،قام أبو جهل وأبو سفيان وأبومعيط وعكرمة وحنظلة ومرة وخالد بن الوليد وتحالفوا مع قريش على قتله وجعلوا الرأي بينهم على أذلته. فأتى إليهم أبو سفيان وقال يا معشر قريش ما تقولون في هذا الأمر؟ فقالوا له أنت أميرنا وكبيرنا وأمورنا بيدك فأمرنا بما تختاره؟ فعند ذلك قام أبو سفيان على قدميه وهو مغتاظ وقال يا أبطال الصفا والبطحاء اعلموا أن محمدا{صلى الله عليه وسلم} قد جعل يثرب مسكنه وأن العرب قد اجتمعوا عليه من كل جانب ومكان ولا تأمنوا أن يدهمكم بعساكره وجنوده ويملك ديارنا ويأخذ كعبتنا. قال صاحب الحديث : فلما سمعوا كلامه قالوا يا أبا سفيان فما تأمرنا فيه؟ فقال لهم قوموا بنا نمضى إلى صخر ابن حرب فقاموا وساروا،فلما دخلوا عليه حياهم وقربهم وسألوه عن أمر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فأطرق رأسه ساعة يتأمل إلى مقالتهم قال الشيخ البكري وكان في بني كندة رجل يقال له جابر بن الضحاك الكندي وكانت له بنت يقال لها المياسة وكانت ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وقدّ واعتدال بخد أسيل وطرف كحيل وردف ثقيل وعنق طويل وقامة كأنها ميل ترتج في ردفها وتهتز من نصفها (..) وقد علا ذكرها وزاد فخرها واشتهر اسمها بين قبائل العرب وظهر اسمها عند ذوي الرتب. فخطبها السادات والأشراف والملوك من ربيعة ومضر ومن سائر العربان وهي لا ترغب في أحدهم. وقد آلت على نفسها وأقسمت بذمة العرب وشهر رجب والرب الذي إذا طلب غلب ما يملك عنانها إلا من يرد سنانها في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب.){ (قصة المياسة والمقداد الأصلية)3 - 4}.
    قررت قريش أن تتحالف – عبر المصاهرة - مع (كندة) ليقضوا على الرسالة،فشدوا الرحال إلى أبي المياسة،لخطبتها :
    (فقام أبو جهل يخطبها لولده حنظلة وخالد بن الوليد يخطبها لولده سلمان وعمرو بن ود العامري يخطبها لولده عمار والباقون كل منهم يخطبها لنفسه ..) {ص 5}.
    بطبيعة الحال أخبرت والدها بشرطها،ثم استعدت لمبارزة (قرش)!!!!!!
    (وخرجت المياسة وقد أسرجت على جواد من سباق الخيل يقال له الجوال ثم أنها أفرغت عليها درعا داوديا وتركت على رأسها بيضة عادية ململمة مجلية وطاسة من الحديد الصيني وتقلدت بسيف هندي واعتقلت برمح خطي {ربما صناعة "يابانية"} ووقفت على ربوة من الأرض،وأزبدت وأرعدت وأنشدت تقول :
    أهمك قول الشين والعذل ****** وقلت قولا ليس بالمحال
    إذا قريش عاينوا فعالي ****** ولوا عن الحرب والنزال
    قال فما سمع أبو سفيان شعرها ونظمها أجابها يقول :
    ما في العشائر والقبائل مثلنا ***** ولنا الفخار وسائر الإكرام
    فينا الشجاعة والبراعة والندا *** ولنا العز والإجلال والإعظام
    قال صاحب الحديث فلما سمعت المياسة شعره ونظامه أخذتها الحمية والنخوة العربية وحملت على القوم ونادت أيها السادة هلموا إلى الميدان فهنا يبان فيه الشجاع من الجبان،قال فلم يزل يبرز إليها فارس بعد فارس وبطل بعد بطل حتى لم يبق منهم أحد إلا برز إليها إلى الميدان فلم يكن فيهم من قريش من يرد سنانها ولا يلوي عنانها فتحير منها الفرسان وذهلت منها الأعيان.){ص 7}.
    ثم تحكي لنا القصة خبر فقر (المقداد) ورغبته في دخول ميدان المبارزة،فذهبت أمه و(استجدت) له جوادا من زوجة خاله،فحصل على جواد هزيل .. قال الراوي :
    ( ثم إن المقداد أطلق عنان جواده وحمل على السادات من قريش وصال على فارس فجندله،وطعن ثانيا فقتله،وثالثا أخرج السنان يلمع من ظهره ورابعا أرداه يخور بدمه {المقداد .. أو الراوي أحدهما نسي أن الأمر مجرد "مبارزة" وليست "حربا"!!!} فما كان إلى ساعة زمانية حتى جندلهم على الثرى والناس ينظرون إليه فمنهم من قال هذا شيطان ومنهم من قال هذا غيل من الغيلان أو عفريت من الجان : ومنهم من يقول هذا ملك أو سلطان. (..) ثم إن المقداد دنا إليها فلم يمهلها دون أن حمل عليها حملة منكرة. وتجاولا طويلا واعتركا مليا،وتطاعنا بالرمحين حتى تحطمت،وتضاربا بالسيفين حتى تثلمت،وعضت الخيل على المراود وارتضت تحت خيولهم الجلامد وعلا بينهما الغبار وأظلم النهار حتى غابا عن الأبصار وهما في كر وفر وطعن وضرب وبعد وقرب وهتك وفتك وجد وهزل وازدحام والتحام والناس يقولون ما هذا إلا شيطان مارد،أو عفريت شديد. (..) قال ولم يزل المقداد والمياسة في كر وفر حتى جرى منهما العرق وازورت منهما الحدق وهو لا ينظر إلى وجهها ثم أنها قالت أيها الفارس الكرار من تكون حتى أعرفك (..) وكان المقداد لا ينظر إليها مخافة أن يفتتن بحسنها وبجمالها وتبطل حركته.
    (قال الراوي) قالت المياسة من تكون من الرجال (..) فلم يجبها دون حمل عليها وضايقها ولا صقها. وهم أن يطعنها فسابقته بطعنة فراغ عنها،ثم أنه لكزها في كعب الرمح فرمى البيضة من على رأسها فقالت أيها الفارس هل لك أن تمهلني حتى أشرب الماء وأرجع إلى الميدان؟ فقال لها المقداد أنت مجازة بذلك فدعت بشربة ماء فشربت ثم مالت تمانعه و تخادعه و وتدافعه وتقول : أيها الفارس الكرار والليث المغوار والأسد الزيار،هل لك في شربة الماء حاجة،ثم أنها كشفت البرقع عن وجهها وقد احمر وجهها من العرق فقامت تمسح العرق عن جبينها وهو ينحدر على خدها كاللؤلؤ الرطب،فنظرت إلى المقداد نظرة التفت إليها التفاتة فوقعت عيناه عليها فانذهل عقله واستلب فؤاده واندهش واحترق قلبه وانقلبت عيناه في أم رأسه وصار شاخصا باهتا لا يرد جوابا ولا يصبو إلى خطاب فطمعت المياسة فيه وقالت لاشك أن هذا الغلام زال عقله وسلب فؤاده من حسني وجمالي.
    (قال الراوي) وبعد ساعة أفاق المقداد وصحا من سكرته وانتبه من رقدته ورد عقله إليه واستدرك وقال في نفسه ويحك يا مقداد إن المياسة ما تصيد الرجال الأبطال إلا في هذه الحيلة والمكر والدلال والحسرة والجمال (..) ثم إن المقداد ضايقها ولاصقها وأراد أن يقتلعها من سرجها،فانقلبت عن تحت بطن الجواد ثم{كبيرة شويه!!! أم أن (الراوي) نسي الأوصاف التي أطلقها عليها في أول القصة؟!!!} استوت على ظهر جوادها،فلما رآها المقداد طعنها بكعب الرمح فرمى البرقع عن وجهها فنظرها وقال شعرا : ...){ص 11 - 15}.
    قال (محمود) فلما هزمها المقداد .. طلب أبوها،ما يدل على أن غلاء المهور ليس بدعة من بدع آخر الزمان!! قال والدها :
    (أريد منك مهر ابنتي أربعمائة ناقة حمر الوبر سود الحدق لم يحمل عليها شيء،وأربعمائة رأس خيل مجلل بجلال إبريسم وسرجها وركابها من ذهب. وماية جارية وماية عبد وماية أوقية من المسك وخمسين أوقية من الكافور وماية رطل من العمود القماري وماية ثوب من الديباج وعلبة قمطر مملوءة من ثياب مصر وعمل الشام وألف أوقية من الذهب الأحمر وألف اوقية من الفضة البيضاء وثمانية نوق معلمات وثمانمائة أوقية من البنان الرومي،وبعد ذلك أريد منك جهازها مثل بنات العرب وإذا أحضرت جميع ما طلبته منك تعمل وليمة عظيمة تدعو لها أهل الحي جميعهم وتكسي صبيانهم.){ص 20}.
    حصل المقداد على مهلة قدرها ثلاثة أشهر،ليحضر المهر!! فخرج إلى الصحراء،وهناك قابل أبناء عبد المطلب : العباس وحمزة وشيبة،أخبرهم بقصته،فحصل على (شرهة) مقدارها 300 ناقة حمر الوبر سود الحدق محملة من صنائع مصر وتحف الشام. فتركها وديعة عندهم،وانطلق،فأنقذ قيس بن مالك وزجته الخنساء من أسر (الولهان). لا يمكننا أن نكمل القصة دون أن نورد بيتا من الشعر قالته الخنساء،ردا على (الولهان) :
    كذبت يا نسل بني اللئام *********** يا كلب يا ملعون يا حرامي {ص 25}.
    هذا (البيت) ذكرني ببيت آخر يقول صاحبه .. وهو يرثي أحد الخلفاء :
    مات الخليفة أيها الثقلان ******* فكأنني أفطرت في رمضان
    قال (محمود) : أكرم قيس بن مالك (المقداد) وخرج من عنده بهدية تقدر :
    (.. بمائتي رأس من الخيل العتاق،ومائة ناقة محملة من صنايع مصر وتحف الشام،ومائة جارية،ومائة أوقية من العود القماري،وألف أوقية من الذهب الأحمر وألف أوقية من الفضة البيضاء،وأحضرا بنو عمه من الأموال شيئا كثيرا وأتحفوه بالخيل والجمال.){ص 32}.
    كان الأمر الطبيعي أن يعود المقداد بعد أن حصل على كل هذه الأموال،ولكنه – لأمر ما – واصل السفر،حتى وصل إلى بلاد فارس،وهناك قابل ليوث فارس،فكانت حصيلة معاركه معهم كالتالي :
    قابل 300 فارس فقتل منهم 200
    فأرسل له كسرى 100 فارس (ليوث عوابس) فقتل منهم 80
    ثم قابل 400 فارس (ليوث عوابس) – أيضا - فقتل منهم 270
    فجهزوا له ألف فارس – لم يحدد إن كانوا ليوث عوابس أم لا!!! - فقتل منهم 500
    ثم قابل كسرى أن شروان نفسه،وحصل منه على كثير من الأموال ... كما حصل على (تاج كسرى)!!! ولكنه حين عاد كانت المدة قد انتهت،وقابل في طريقه (المياسة) .. (مزفوفة) إلى عريسها الجديد،فقاتلهم .. واستعادها. .. وفي طريقهما إلى مضارب القبيلة :
    قابل المقداد فارسا،فهم بسلب ما معه .. كالعادة .. فعرف الفارس بنفسه :
    (ويلك يا مقداد أنا الفارس الصؤول وابن عم الرسول {صلى الله عليه وسلم} أنا زوج البتول {عليها السلام} أنا الفارس الكرار والليث المغوار،والأسد الزيار.وأنا قالع الباب والأسد الوثاب،أنا السم والعلقم،وأنا الثعبان الأرقم،أنا الذي سمتني أمي حيدر،أنا المدعو بكرار،أنا ليث بني غالب أنا مظهر العجائب ومبدي الغرائب،ومفرق الكتائب. أنا المذكور في المشارق والمغارب،أنا علي بن أبي طالب{رضي الله عنه،وكرم وجهه}. فلما سمع ..){ص 49 - 50}.
    ثم تبارزا،فانتصر سيدنا علي رضي الله عنه،ولكن المياسة تشفعت فيه،فرد الإمام رضي الله عنه :
    (ولكن أريد منه أن يقول كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان،هي شهادة"أن لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن عليا بالحق ولي الله).){ص 52}.
    قال الراوي محمود : وهنا يتوقف القلم،بعد أن تبين أن المغزى من القصة،ومن تلك الفروسية النادرة للمقداد،رغم غرابة التركيز على انتصار المقداد على (الفرس) وما فعل بأبطالهم (الليوث العوابس)!! ولكن الخلاصة،هي الشهادة لسيدنا علي – رضي الله عنه – بالإمامة،بل من العجيب أنه وفي حضرة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – كان يطلق على سيدنا علي – كرم الله وجهه – لقب (أمير المؤمنين)!!
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي
    س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

  2. #2
    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"2"
    {"خلطة" كتب}
    على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :
    {"خلطة" كتب}
    لم يكن الحديث عن قصة (المياسة) غير مقدمة للقيام بسياحة في كتاب (طعام ... صلاة .. حب)،لمؤلفته إليزابيث جيلبيرت . كدت ألا أقرأ هذا الكتاب،بسبب العبارة التي كتبت على غلافه الأمامي : ( بيع منه أكثر من 4 ملايين نسخة حول العالم). وهذه العبارة أعتبرها من العبارات (الطاردة)،والتي أخشى أن تكون مجرد (شرك) لاصطيد مزيد من القراء. ومع ذلك فإننا لا أحب السماح لتلك العبارة ومثيلاتها أن يحلن بيني وبين كتاب جيد.. وهذا كلام يبدو كالأحجية!!!
    كان لي – أيضا – أن أفر من الكتاب لو أنني فطنت لإحدى العبارات التي كتبت على الغلاف الخلفي،أعني :
    ((لقد أحببت طعام،صلاة،حب)). هيلاري كلينتون. .. فأنا لا أثق في السياسيين!!!
    على كل حال ... الكتاب ممتع ... وكاتبته تتمتع بقدر كبير من خفة الظل ... كما أن حصولها على 4 ملايين قارئ،تخفف من إحساسي بالذنب إن ساهمت – دون قصد – في استغناء بعض القراء بهذه السياحة عن شراء الكتاب!
    بما أن المفاوضات بيني .. وبيني حول (كسر القلم) لا تزال جارية ... فربما تكون هذه فرصة جيدة لأكتب بالطريقة التي أفكر بها.
    ... حين أقرأ حيرة الكاتبة،ولجوؤها لليوغا ... أو لنقل تيهها عن (الإسلام) أتذكر تقصيرنا في إيصال هذا الدين العظيم لغير المسلمين. وهنا تبرز لي صورة شاب غربي تعرف على الإسلام بسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م،وقد رأيته – في فيلم تسجيلي – يكاد أن يصاب بالجنون،كيف لو أنه مات وهو لم يتعرف على الإسلام؟!! كما تبرز صورة المضيفة الكينية التي دخلت الإسلام،وكانت قد هُيئت – عبر المبشرين – لتكون راهبة،ولكنها كانت كثيرة الأسئلة،وتعمل عقلها،فخرجت عن تلك الدائرة،ثم أصبحت مضيفة في شركة الطيران الكينية،ورأت الحجاج في طريقهم للحج،لكن أحدا لم يحدثها عن الإسلام،ثم انتقلت إلى شركة طيران أسترالية،ثم أدمنت الكحول .. وأدخلت إلى مصحة عقلية،وفيها شاهدت فيلما تسجيليا،تحدث عن الإسلام بصفته رسالة الله – سبحانه وتعالى - الخاتمة ...
    نعود للكتاب ... والذي يتكون من (108) حكايات .. وسوف نأخذ لمحات من بعض تلك الحكايات ..
    (من المقدمة)
    في المقدمة،تحدثنا المؤلفة عن (المسبحة) :
    (حين تسافر إلى الهند،وتتجول في عدة أماكن،تصادف كثيرا من الأشخاص الذين يضعون مسابح في أعناقهم. كما ترى صورا كثيرة لمزاولي رياضة اليوغا النحيلين والمخيفين أو حتى أحيانا الممتلئين،اللطفاء،والمشرفين هم أيضا يضعون المسابح.تدعى هذه المسابح بلغتهم جابا مالاس. وقد استعملت في الهند لقرون من الزمن لمساعدة الهندوس والبوذيين على التركيز خلال تأملاتهم. فتُحمل المسبحة بيد واحدة وتمرر حباتها بالأصابع،ومع كل حبة تكرر المانترا مرة واحدة. وحين توجه الصليبيون شرقا في القرون الوسطى خلال حروبهم،رأوا تلك المسابح فأعجبتهم الفكرة وأحضروها معهم إلى أوربا.
    تتألف الجابا مالا التقليدية من 108 حبات،ويعتبر الرقم 108 بين الأوساط الأكثر سرية للفلاسفة الشرقيين رقم السعد. فهو مؤلف من ثلاثة أرقام ويشكل مضاعفا كاملا للرقم ثلاثة،وإن جمعت أرقامه تحصل على تسعة،وهي ثلاثة ثلاثات. (..) الآن،قبل أن أصبح أقرب إلى لويس فرّخان هنا مع كل هذا الحديث عن علم الأعداد،أود أن أخلص إلى القول بأنني أحببت فكرة ربط هذه الحكايات على غرار الجابا مالا (..) بأي حال،تحتوي كل جابا مالا على حبة إضافية خاصة،هي الحبة 109،تعلّق خارج هذه الدائرة المتوازنة المؤلفة من 108 حبات. وكنت أعتقد بأن هذه الحبة موجودة احتياطيا،كالزر الإضافي في سترة باهظة الثمن أو كالابن الأصغر في عائلة ملكية. ولكن،لديها على ما يبدو هدف أسمى. فحين تصل أصابعك إلى هذه الحبة في أثناء التأمل،عليك التوقف عن استغراقك في التأمل لتشكر معلّميك.){ص 6}.
    (1)
    تبدأ (ليز) حكايتها بعد ذهابها إلى إيطاليا،كمرحلة أولى في رحلة الخروج من تجربة زواج فاشل :
    (نظرا لكوني امرأة أمريكية عاملة في أواسط العقد الثالث من العمر،خرجت للتو من تجربة زواج فاشلة وطلاق طويل ومدمّر،أعقبته على الفور علاقة حب ملتهبة انتهت على نحو مفجع. تركتني تلك الخسارات المتتالية فريسة للحزن وشعرت بأنني هشة وضعيفة وكأن عمري سبعة آلاف سنة.){ص 11 (طعام .. صلاة .. حُب) / إليزابيث جيلبرت / ترجمة : زينة إدريس / مراجعة وتحرير : مركز التعريب والبرمجة / الدار العربية للعلوم : ناشرون / مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم}.
    (2)
    لم تشعر (ليز) بالرغبة في الإنجاب – رغم وصولها للسن الذي قررت،وزجها،أن ينجبا فيه - فكان ذلك هو السبب الأول في إفساد حياتها الزوجية .. وعدم الرغبة في الأطفال،شائعة في الحركة النسوية في الغرب،بل اعتبرته بعضهن (قيدا) يحول دون تقدم المرأة،وحصولها على (المساواة) مع الرجل. ليس بالضرورة أن تكون أفكار (النسويات) هي التي تقف خلف أفكار (ليز) ولكن الذي لاشك فيه أن الأطفال يمثلون (مشكلة) للمرأة الغربية،والتي تكاد أن تكون عاملة بالضرورة. تقول الكاتبة :
    (كما أنني لم أتوقف عن التفكير في ما قالته لي شقيقتي يوما وهي تُرضع طفلها الأول :
    "إنجاب طفل هو أشبه برسم وشم على الوجه،عليك أن تكوني واثقة من أن هذا ما تريدينه قبل الإقدام عليه" ..){ص 15}.
    بعد طول معاناة .. صرخت (ليز) :
    (لا أريد أن أكون متزوجة بعد الآن.
    كنت أرفض هذه الفكرة نهارا،ولكن ما إن يحل الليل،حتى تتملكني مجددا. يا للكارثة. كيف لي أن أكون بهذه الدناءة بحيث أستمر بالزواج حتى هذه المرحلة المتقدمة،ثم أنسحب منه؟ لقد اشترينا هذا المنزل منذ عام واحد فقط. ألم أرغب بهذا المنزل الجميل؟ ألم أحبه؟ لم أهيم إذا بين جدرانه أنوح كل ليلة؟ ألست فخورة بكل ما جمعناه،منزل هودسون فالي الفخم،شقة منهاتن،خطوط الهاتف الثمانية،الأصدقاء والنزهات والحفلات،التي نمضيها في التجول بين أجنحة المتاجر الفخمة،نشتري مزيدا من المقتنيات؟ لقد شاركت على نحو فاعل في كل لحظة من لحظات بناء هذه الحياة المشتركة،لم أشعر إذا بأن شيئا فيها لا يشبهني ؟ لم أشعر بأنني منهكة من واجباتي،مجهدة من كوني المعيل الأساسي وسيدة المنزل والمنسقة الاجتماعية ومن ينزه الكلب والزوجة قريبا الأم،وفي لحظات خاطفة،كاتبة ..؟
    لا أريد أن أكون متزوجة بعد الآن.
    كان زوجي نائما في الغرفة الأخرى،في سريرنا. شعرت بأنني أحبه ولا أطيقه في الوقت نفسه.){ص 16 - 17}.
    ليست العبارات التي ميزتها باللون الأحمر،أكثر من صرخة ... قرأناها كثيرا .. وهي تمثل الجزء الخفي – إلى حد ما – من معاناة المرأة العاملة .. غربية كانت أو شرقية .. وقد (جفت) أقلامنا ونحن ننادي بالاستفادة من تجربة المرأة الغربية – والشرقية – لكي لا تقع المرأة السعودية في تكرار نفس الأخطاء .. ولكن!!
    ولكن (ليز) تبدو منصفة ... حين تقول بأنها لن تذكر سبب فشل زواجهما،بسبب الجزء الذي يخص زوجها ،و.. (سأكتفي بالقول إنه في تلك الليلة كان لا يزال مصدر سعادتي وتعاستي بقدر متساوي. فالأمرّ من الرحيل البقاء،والأفظع من البقاء الرحيل. لم أكن أرغب بتدمير أي أحد أو أي شيء. لم أرغب سوى بالتسلل بهدوء من الباب الخلفي،من دون أن يكون لرحيلي أي جلبة أو عواقب،والركض من دون توقف حتى أصل إلى غرينلاند.){ص 18}.
    (4)
    هنا – في الحكاية الرابعة – تأتي الإشارة إلى الدين .. واللجوء إلى الله ...
    (بالطبع،كان لديّ وقت طويل للتفكير في آرائي الدينية منذ تلك الليلة على أرض الحمام. إلا أنني في وسط الأزمة التي مررت بها في ذاك الشهر القاتم،لم أكن مهتمة بصياغة آرائي الدينية،بل كنت أسعى إلى إنقاذ حياتي و حسب. فقد لاحظت أخيرا بأنني بلغت حالة خطيرة من اليأس،وخطر لي بأن الناس في هذه الحالة يلجأون إلى الله للمساعدة. أعتقد أنني قرأت ذلك في كتاب ما.){ص 18 - 19}.
    نتوقف هنا .. فصفحتين تبدوان أكثر مما يستطيع أن يتحمله (جيل التصفح)!!!
    نلتقي في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي
    س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

  3. #3


    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"3"
    على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :

    {"خلطة" كتب}

    (5)
    في الحكاية الخامسة،تتحدث (ليز) عن طلاقها :
    (لو تسنى لي أن أعرف بأن الأمور سوف تتأزم على نحو خطير قبل أن تسوء،كما قالت ليلي توملين مرة،أشك بأنني كنت لأنام جيدا تلك الليلة. ولكن بعد سبعة أشهر مضنية،تركت زوجي بالفعل. وحين اتخذت القرار أخيرا،اعتقدت بأن الأسوأ قد فات. ولكنني على ما يبدو كنت أجهل الكثير عن الطلاق.
    رأيت في مجلة ذا نيويوركر ذات مرة رسوما كرتونية لامرأتين،تقول إحداهما للأخرى :"إن أردت معرفة شخص ما على حقيقته،طلقيه". بالطبع،كانت تجربتي معاكسة. وكنت لأقول،إن أردت التوقف عن معرفة شخص ما،طلقيه. أو طلقها. لأن هذا ما حدث بيني وبين زوجي. أظننا صدمنا بعضنا بمدى السرعة التي انتقلنا بها من كوننا أكثر شخصين يعرفان بعضهما في العالم إلى غريبين يجهلان بعضهما تماما. (..) ظننت صدقا أنه حين أترك زوجي،سنتمكن من تسوية شؤوننا في بضع ساعات بآلة حاسبة مع شيء من الحس العام والنية الحسنة تجاه الشخص الذي أحببناه يوما. كان اقتراحي الأول أن نبيع المنزل ونتقاسم جميع الأملاك،ولم يخطر لي أبدا أن نفعل غير ذلك. إلا أنه لم يجد الاقتراح عادلا. فرفعت العرض،واقترحت ذاك النوع الآخر من القسمة بالنصف : يحصل هو على كل الأملاك وأنا على كل اللوم.{!!!!!!} ولكن حتى هذا العرض لم يلق قبولا. عندها أصبحت في موقف ضعيف. كيف تتفاوض بعد أن تكون قد عرضت التنازل عن كل شيء؟ كان علي انتظار عرضه المقابل الآن. في الواقع،منعني شعوري بالذنب لتركه من التفكير في أن لي الحق بالاحتفاظ بشيء من المال الذي جمعته طيلة العقد الفائت. كما أن الجانب الروحي حديث الاكتشاف لديّ دفعني إلى تجنب الدخول في نزاع معه. بالتالي،كان هذا موقفي. لن أدافع عن نفسي ضده ولن أتشاجر معه. وقاومت لأطول مدة ممكنة استشارة محام،على عكس ما نصحني به كل من حولي،لأنني اعتبرت ذلك إعلان حرب. أردت أن أكون غاندي أو نيلسون مانديلا في هذه القضية. ولم أدرك في ذلك الوقت أن كلا من غاندي ونيلسون مانديلا كانا محاميين.
    مرت شهور وحياتي متوقفة وأنا أنتظر إطلاق سراحي،أنتظر لأرى ما ستكون الشروط.كنا نعيش منفصلين (إذ انتقل إلى شقتنا في منهاتن)،ولكن لم تحلّ الأمور،بل راحت الفواتير تتكدس وأعمالنا تتوقف والنزل يتحول إلى خراب ولا يسكر صمت زوجي سوى اتصالاته المتقطعة لتذكيري كم أنا مجرمة وسافلة.
    ثم ظهر ديفيد.
    أتت مأساة ديفيد لتزيد سنوات الطلاق الأليمة تعقيدا وكآبة.){ص 19 - 20}.
    نختم هذه اللقطة من الحكاية الخامسة،بطبطبة (بُقول) على نفسها!!!!!! وهذا التشبيه الطريف:
    (نظرا لكوني المخلوق الأكثر حنانا على وجه هذا الكوكب،إلا أنني كنت أمر بأسوأ الظروف.كنت مكتئبة ومستقلة وبحاجة إلى العناية أكثر من ثلاثة توائم ولدوا قبل أوانهم.){ص 23}.
    هنا لابد من وقفة مع الطلاق في الغرب ... أعترف أن من عرفت الغرب عن طريقهم قد ضللوني – بصورة من الصور – فالذي أعرفه أن المرأة الغربية حصلت على حقوقها .. بل صُنعت قوانين تجامل المرأة على حساب الرجل،عند وقوع الطلاق. على سبيل المثال : كتب الدكتور نعمان السامرائي ،عن رجل – في بريطانيا - يعاشر امرأة دون زواج،ولديه منها أولاد فسئل :
    ( لماذا لا تتزوجها فتريحها وتريح الأولاد؟ فرد البريطاني بغضب : ولماذا أتزوجها؟ هي اليوم أنعم من الحرير،فإذا عقدت عليها تحولت إلى مخلوق آخر،إن القانون أفسدها كليا،فلو بقيت معها عشرات السنين بدون عقد،فهي لطيفة لينة،فإذا عقدت عليها فيمكن أن تطلب الطلاق خلال أسبوع،وإن تعذرت نكدت عليّ عيشي،وإن وقع الطلاق أخذت نصف أملاكي،وهذا القانون هو السبب في إفساد المرأة،عزوف الرجال عن إجراء العقد.){ جريدة الجزيرة العدد 8553 في 9/10/11416هـ = 28/2/1996م}.
    في أمريكا يبدو أن الأمور تختلف من ولاية إلى أخرى،كما يبدو أن (الطلاق) تحول إلى وسيلة للثراء :
    (مايكل دوغلاس دفع 100 مليون دولار .. واستالوني دفع 32 مليون دولار لزوجته الأولى،كما دفع ستة ملايين دولار لزوجته الثانية،ودفع سبيلبيرغ 100 مليون دولار .. ودفع كيفن كوستنر 80 مليون دولار ثمنا لطلاقه من سيندي بعد 16 عاما من الزواج وثلاثة أطفال.(..) بسبب المبالغ الطائلة التي يدفعها مشاهير هوليود في حال حدوث الطلاق يحاول الكثيرون منهم عدم الوقوع في فخ الزواج. (..) ففي هوليود كما في كاليفورنيا يتقاسم الزوجان الثروة عند حدوث الطلاق.){جريدة الهدف الكويتية العدد 1418 في 12/8/1995ز}.
    (6)
    نعود إلى قصة (ليز) وسعيها للتأقلم مع واقعها الجديد :
    (طليت الجدران بالألوان التي وجدتها أكثر دفئا،وابتعت الأزهار لنفسي كل أسبوع،وكأنني أزور نفسي في المستشفى. كما قدمت لي شقيقتي كيسا للماء الساخن كهدية (لكي لا أنام وحيدة في سرير بارد) وقد نمت وأنا أضم ذاك الشيء إلى صدري كل ليلة،وكأنني أعالج إصابة رياضية.(..) فمع أن حياتي كانت لا تزال أشبه بحادث سير بين سيارات عديدة على طريق نيوجرسي في يوم شديد الازدحام،إلا أنني كنت أترنح على شفير حياة جديدة،أنا فيها سيدة نفسي. فحين كانت الأفكار الانتحارية حول طلاقي أو انفصالي عن ديفيد تفارقني،كنت أشعر بالسعادة في الواقع بسبب الوقت والمساحة اللذين أخذا يظهران في حياتي،بحيث كنت أسأل نفسي سؤالا جذريا جديدا : ماذا تودين أن تفعلي ليز؟"(..) أريد أن أتعلم الإيطالية.
    منذ سنوات وأنا أرغب بتحدث الإيطالية،وهي لغة أجدها أجمل من الورود،ولكنني لم أجد يوما مبررا عمليا لتعلمها. لم لا أتعلم الفرنسية أو الروسية اللتين درستهما منذ سنوات؟ أو أتعلم الإسبانية التي تساعدني على التواصل مع ملايين الأمريكيين؟ بماذا ستنفعني الإيطالية؟فأنا لا أنوي الانتقال إلى هناك.ربما كان من العملي أكثر أن أتعلم العزف على الأكورديون.
    لكن لِمَ يجب أن يكون لكل شيء في الحياة وظيفة عملية؟ كنت لسنوات عديدة أعمل كجنديّ متفان،أعمل،أنتج،أحترم وعودي،أعتني بأحبائي وبشؤوني المالية،أؤدي واجبي الانتخابي .. وغيرها من الواجبات.هل يفترض بنا أن نحيا لتأدية واجباتنا وحسب؟ وهل أحتاج في هذه المرحلة المظلمة إلى مبرر لتعلم الإيطالية عدا كونها الشيء الوحيد الذي يجلب لي السعادة في الوقت الحاضر؟ علما أنه ليس بالشيء الفاضح أن ترغب بتعلم لغة. (..) هكذا،انتسبت إلى أحد الصفوف التعليمية المستمرة (المعروفة أيضا بالمدرسة الليلية للمطلقات). وجد أصدقائي الأمر مثيرا للضحك. فقد سألني صديقي نيك مرة : "لماذا تدرسين الإيطالية"هل تفعلين ذلك تحسبا لقيام إيطاليا باجتياح أثيوبيا مجددا،ونجاحها هذه المرة،فتفاخرين عندها بأنك تتحدثين لغة تستعمل في دولتين بأكملهما؟".){ص 26 - 28}.
    لا يصل الأمر حد الصدمة .. ولكن العجيب أن تكون المرأة الأمريكية تعاني من هزات ارتدادية بسبب الطلاق!! في بلاد الحرية والانفتاح!!! في الحكاية السابعة،تسعى المؤلفة للحصول على (مرشدة) روحية :
    (7)
    (.. دخلت شقة ديفيد،ورأيت على الرف صورة مشرقة لامرأة هندية جميلة،فسألته :"من هذه؟".
    أجاب : "إنها مرشدتي".
    توقف قلبي للحظة،ثم طار،وتعثر،ووقع على وجهه. بعدها قام ونفض الغبار عن نفسه وقال بعد أن أخذ نفسا عميقا : "أريد أن يكون لي مرشدة". أنا أعني ذلك فعلا حين أقول أن قلبي هو من قال ذلك،وتحدث من خلال فمي.فقد شعرت بانقسام يحدث في داخلي وبعقلي يخرج من جسدي للحظة،ثم يستدير ليواجه قلبي مذهولا(..) قال ديفيد : "إن كانت فكرة وجودك في غرفة مع بضع مئات من الأشخاص الذين ينشدون بالسنسكريتية لا ترعبك،يمكنك مرافقتي أحيانا". رافقته مساء الثلاثاء التالي.وعوضا عن الشعور بالفزع من هؤلاء الأشخاص العاديين الذين ينشدون لله،شعرت بروحي ترتفع وكأنها شفافة على أثر ذلك الإنشاد.وعدت إلى المنزل تلك الليلة وأنا أشعر بأن الهواء يمكنه اختراقي وكأنني قطعة من الملابس القطنية النظيفة التي ترفرف على حبل غسيل،وكأن نيويورك نفسها أصبحت مصنوعة من ورق الأرز،وأنا خفيفة جدا إلى أحد أنني أركض فوق أسطح المنازل.).{ص 29 - 30}.
    يا الله كم نحن مقصرون !!!!! صحيح أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى .. ولكن ذلك لا يبرر التقصير في إيصال كلمة الحق ... على كل حال انتهت المساحة المخصصة لهذه الحلقة ... فإلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي
    س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

  4. #4


    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"4"

    على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :
    {"خلطة" كتب}
    مرة أخرى يبرز له الإسلام كجواب على بحث (ليز) عن التوازن بين المتعة الروحية والدنيوية. ليس تحيزا،ولكن أليس الإسلام هو دين : ( وفي بضع أحدكم أجرا)، أو كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم.
    مناسبة هذا الكلام هو قول (ليز) في الحكاية :
    (9)
    (حقيقتي هي في الواقع ما قلته للعرّاف في بالي بالضبط – أردت اختبار الاثنين : المتعة الدنيوية،والتجاوز الروحي – المجد المزدوج للحياة البشرية. أردت ما سمّاه الإغريق التوازن الفريد للخير والجمال. فقد كنت أفتقد إلى الاثنين في السنوات الصعبة الماضية،لأن كلا من المتعة والتعبد يحتاجان إلى مساحة خالية من التوتر يزدهران فيها،بينما كنت أعيش قي مستوعب كبير من القلق المتواصل.){ص 35}.
    لعل أختي الكريمة التي علقت على الحلقة الماضية بالقول :
    (تعاني المطلقات عندنا من اللاحقوق والظلم). لعل تلك الأخت الكريمة أن تفذ اقتراح إحدى صديقات المؤلفة :
    (.. أما صديقتي سوزان فاقترحت عليّ تأسيس جمعية خيرية تحت اسم مطلّقات بلا حدود. ولكنّ كل هذا المزاح كان بلا جدوى لأنني لم أكن حرة بالذهاب إلى أي مكان بعد.{في نيويورك؟!!} فعلي الرغم من مرور وقت طويل على انفصالي عن زوجي،لم أحصل على الطلاق بعد. كنت قد بدأت أضغط على زوجي قانونيا،وأقوم بأمور فظيعة،كتقديم الأوراق وكتابة اتهامات قانونية مُدينة (يفرضها قانون ولاية نيويورك) عن قسوته الذهنية المزعومة،وهي وثائق لم تترك أيّ مجال للتحاذق أو لأن أقول للقاضي : "اسمع،كانت علاقة معقدة جدا،وقد ارتكبت الأخطاء أنا أيضا،وأنا آسفة جدا لذلك،ولكن كلّ ما أريده الآن هو السماح لي بالرحيل".
    (هنا أتوقف لأدعو للقارئ : أتمنى ألا تضطر يوما إلى الحصول على الطلاق في نيويورك).
    في ربيع العم 2003،بلغت الأزمة ذروتها. فبعد سنة ونصف من رحيلي،أصبح زوجي مستعدا أخيرا لمناقشة شروط التوصل إلى تسوية. أجل،أراد المال والمنزل وإيجار شقة منهاتن،وكلّ ما كنت أعرضه طيلة الوقت. ولكنه كان يطلب أيضا أشياء لم أفكر فيها أبدا (حصّة من إيراد الكتب التي ألفتها أثناء الزواج ونسبة من حقوق الاستثمار المحتمل لأعمالي في السينما في المستقبل،حصة من حساب تقاعدي .. وغيرها) وهنا كان لابد أن أعترض أخيرا. أعقب ذلك شهور من المفاوضات بين محاميينا،وبدأت بذور التسوية تظهر،إلى أن بدا بأن زوجي قد يقبل في الواقع بصفقة معدلة. ستكلفني ثمنا باهظا،ولكنّ النزاع في المحاكم سيكون طويلا ومكلفا أكثر،هذا من دون أن نذكر كم سيكون مضنيا. إن وقع على الاتفاق،فلن يكون عليّ سوى دفع المال والرحيل. ولم أكن أرى بأسا في ذلك عندها. فبعد أن تدمرت علاقتنا تماما،ولم يعد ثمة مكان للياقة والمدنية بيننا،لم أعد أريد سوى الرحيل.
    كان السؤال : هل سيوقع؟ مرت أسابيع،وكان يناقش مزيدا من التفاصيل. إن لم يوافق على هذا الاتفاق،فسيتحتم علينا اللجوء إلى القضاء.والمحاكمة تعني خسارة كل ما تبقى من مال في النفقات القانونية بالتأكيد. والأسوأ من ذلك هو أن المحاكمة تعني سنة أخرى من العيش في هذه الفوضى.إذا مهما قرر زوجي (فهو ما زال زوجي في النهاية) فإن قراره سيحدد شكل العام المقبل في حياتي.){ص 36 - 37}.
    في وسط تلك الأزمة سافرت المؤلفة للترويج لأحد كتبها،ورافقتها صديقة من لبنان :
    (كنا نقود السيارة عبر كنساس وكنت في حالتي المعتادة من القلق بسبب مسألة الطلاق – هل سيوقع أم لن يوقع؟ - وقلت لإيفا : "لا أظنني قادرة على احتمال عام آخر في المحاكم. أتمنى لو أن تدخلا يحدث الآن ..".
    "لِمَ لا تفعلين إذا؟". شرحت لإيفا آرائي الشخصية.
    أصغت إليّ بتهذيب ثم سألتني : "من أين أتيت بتلك الأفكار السخيفة؟".
    "ماذا تعنين؟".
    "من أين أتيت بفكرة كونك لا تملكين الحق بطلب ما تشائين في الدعاء؟ أنت جزء من الكون ليز.أنت جزء أساسي ولديك كل الحق بالمشاركة في ما يحدث فيه وبأن تعبري عن مشاعرك.لذا،قولي رأيك.قدمي قضيتك،وصدقيني،سئتؤخذ {هكذا} على الأقل في الاعتبار"
    "حقا؟"كان كل ذلك جديدا بالنسبة إليّ.
    "حقا"اسمعي،لو كتبت رسالة طلب الآن،ماذا ستقولين فيها؟".
    فكرت برهة ثم أخرجت دفترا صغيرا وكتبت الطلب :
    ... {هكذا مجرد نقاط}
    قرأتها لإيفا،فأومأت برأسها موافقة.
    قدمت لها الرسالة مع قلم،ولكنها كانت مشغولة بالقيادة،فقالت : "كلا،لنقل أنني وقعت. وقعت بقلبي".
    "شكرا إيفا،أقدر دعمك لي".
    فسألت : "والآن،من كان ليوقع أيضا؟".
    "عائلتي : أمي وأبي وشقيقتي".
    قالت : "حسنا. ها قد فعلوا.اعتبري بأن أسماءهم قد أضيفت – في الحقيقة شعرت فعلا بأنهم وقعوا عليها،أصبحوا على القائمة الآن – حسنا،من كان ليوقع أيضا؟ ابدأي بتعداد الأسماء". ){ص 38 - 40}.
    ثم تخيلت توقيع جميع أصدقائها المقربين،وبعض أفراد العائلة،وأشخاص عملت معهم – وكل مرة تقول إيفا : لقد وقعوا الآن – بيل وهيلاري كلنتون،أبراهام لينكولن،غاندي،مانديلا،وجميع دعاة السلام،إليانور روزفلت،بوتو،جيمي كارتر،محمد علي،جاكي روبنسون .. وجدتها - التي توفت عام 1984 – وجدتها التي ما زالت على قيد الحياة،وأستاذ اللغة الإيطالية،ومستشارتها النفسية،ووكيلها ... مارتن لوثر كنغ،وكاثرين هيبرون،ومارتن سكورسيزي،(وهو أمر لم تكن تتوقعه بالضرورة،إلا أنها كانت بادرة لطيفة من قبله){ص 40} ومرشدتها،وجان دارك .. انتهت القائمة .. فغفت (ليز) قليلا ..
    (فتحت الخط وهمست : آلو.
    "أخبار رائعة!" أعلنت محاميتي من مدينة نيويورك. "لقد وقع للتو!"){ 41}.
    كانت المؤلفة قد قابلت عرافا إندونيسيا – في بالي – تنبأ لها بأنها سوف تخسر كل مالها،ثم تربحه مرة أخرى،وأنها سوف تعود إلى بالي .. لتعلمه اللغة الإنجليزية .. تقول (ليز) في الحكاية :
    (10)
    (كنت قادرة على تحمل نفقات الرحلة بسبب معجزة شخصية مذهلة : فقد اشترى الناشر الكتاب الذي سأؤلفه عن رحلتي مسبقا.هكذا،وبتعبير آخر،حدثت الأمور تماما كما توقع العراف الإندونيسي.خسرت كل مالي واستعدته على الفور أو على الأقل ما يكفي لأعيش لمدة عام.){ص 42}.
    هنا لابد لي من وقفة أجمع فيها أكثر من حكاية،وذلك بسب أمر واحد هو (الطعام)!! لقد كانت استفاضة الكتاب الغربيين في وصف (الطعام) – في المذكرات وكذلك في القصص والروايات – بغض النظر عن كون الكميات التي يتناولونها كبيرة أم صغيرة. أترككم مع الحكاية الحادية عشرة،ووجبة (بُقول) الأولى :
    (11)
    (لم تكن الوجبة الأولى التي تناولتها في روما بذات أهمية. مجرد بعض الباستا المحضّرة في المنزل (سباغيتي ألا كاربونارا) مع السبانخ والثوم المقلي. (ذات مرة كتب الشاعر الرومانسي الكبير شيلي رسالة مروعّة لصديقه في إنكلترا عن المطبخ الإيطالي : "لن تتخيل ماذا تأكل الشابات من العائلات العريقة،الثوم!") كما طلبت قطعة أرضي شوكي،أردت تجربتها وحسب،فالرومان فخورون جدا بها. ثم أحضرت لي النادلة طبقا جانبيا مجانيا كمفاجأة،براعم الكوسى المقلية مع قليل من الجبن في الوسط (محضّرة بعناية شديدة لدرجة أن البراعم لم تلاحظ على الأرجح أنها لم تعد على النبتة). وبعد السباغتي،جربت لحم العجل.أوه،كما شربت زجاجة من الشراب،لي وحدي.وأكلت بعض الخبز الساخن مع زيت الزيتون والملح.أما التحلية فكانت عبارة عن طبق من التيراميسو){ص 42 - 43}.
    هنا أنتقل بكم إلى الحكاية رقم :
    (36)
    (وربما كنت أود الذهاب إلى صقلية بسبب مقالة غوته : "من دون رؤية صقلية،لا يمكن للمرء أن يكون فكرة واضحة عن إيطاليا" (..) وفي غضون عشرين دقيقة،انهمكت في تناول أطيب وجبة لي في إيطاليا على الإطلاق. كانت عبارة عن باستا ذات شكل لم أره من قبل،شرائح كبيرة وطازجة من الباستا المثنية على شكل قبعة البابا (وإن ليس في حجمها) ومحشوة ببوريه ساخن ولذيذ الرائحة مصنوع من القشريات والاخطبوط والحبّار،تعلوها وكأنها سلطة ساخنة،أصداف الكوكل وقطع الخضار،وتسبح جميعها في مرق زيتوني اللون،تبعها لحم الأرنب المطهو بالصعتر.){ص 140 - 142}.
    بطبيعة الحال هناك الكثير من الحديث عن الطعام،ولكنني أختم بالنتيجة الطبيعة لكل ذلك الأكل ... ومن نفس الحكاية :
    (أتيت إيطاليا ذابلة و نحيلة. كنت أجهل ما أستحق،وربما لا أزال. ولكنني أعرف بأنني انتشلت نفسي من الموت – عبر الاستمتاع بالملذات غير المؤذية – لأصبح امرأة أكثر سلاما. والطريقة الأسهل والأكثر إنسانية لقول ذلك هي أنني ازددت وزنا. أصبحت الآن موجدة أكثر مما كنت عليه منذ أربعة أشهر.وسأغادر آملة بأن تمدّد شخص ما – تضخم حياته – هو في الواقع أمر يستحق العناء في هذا العالم. حتى وإن صادف هذه المرة وحسب،أن تلك الحياة ليست حياة أحد سواي.){ص146}.
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي
    س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

  5. #5


    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"5"

    على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :

    {"خلطة" كتب}
    نبدأ هذه الحلقة من الحكاية الثانية عشرة من حكايات (ليز)،وتعلمها اللغة الإيطالية،والاهتمام بابا الفاتيكان :
    (12)
    (من الأهمية بمكان أيضا،قراءة الجريدة كل يوم للاطلاع على حالة البابا. هنا في روما،تسجل صحة البابا يوميا في الجريدة،تماما كالطقس،أو برامج التلفزيون. البابا اليوم متعب.البارحة،كان البابا أقل تعبا مما هو عليه اليوم.غدا،من المتوقع ألا يكون البابا متعبا بقدر اليوم.(..) فبالنسبة إلى شخص أراد دوما تكلم الإيطالية،هل من مكان أفضل من روما؟ وكأن أحدهم أوجد مدينة حسب طلبي،حيث الجميع (حتى الأطفال،حتى سائقو التاكسي،حتى ممثلو الإعلانات!) يتحدثون هذه اللغة الساحرة.وكأن المدينة متآمرة لتعليمي الإيطالية. حتى أنهم ينشرون الجرائد بالإيطالية خلال وجودي هنا،لا يمانعون في ذلك!ولديهم مكتبات لا تبيع سوى الكتب الإيطالية! (..) ثمة دروس محادثة عفوية (..) كنت جالسة على مقعد في حديقة عامة حين أتت امرأة مسنة في ثوب أسود،وراحت تحدثني عن أمر ما. هززت رأسي مرتبكة وعاجزة عن الكلام.فاعتذرت بلغة إيطالية لطيفة جدا : "أنا آسفة،ولكنني لا أتحدث الإيطالية". فبدت وكأنها على وشك أن تضربني بملعقة من الخشب وأصرت قائلة : "أنت تفهمين!" (وكانت على حق في الواقع. فقد فهمت تلك الجملة). أصبحت تريد أن تعرف الآن أين ولدت.فأخبرتها أنني من نيويورك (..) ثم سألتني إن كنت متزوجة،فأخبرتها أنني مطلقة. سألتني بالطبع "Perche?" في الواقع "لماذا"هو سؤال تصعب الإجابة عنه في أي لغة كانت. تلعثمت،ثم قلت أخيرا :"Labbiemo rotto" (حطمنا زواجنا). هزت برأسها،ثم سارت عبر الشارع إلى محطة الباص،ولم تلتفت إليّ مجددا. هل غضبت مني؟ الغريب أنني بقيت منتظرة على المقعد لعشرين دقيقة،على أمل أن تعود لنتابع حديثنا،ولكنها لم تعد أبدا.){ص 45 - 47}.
    كان يُفترض أن أميز عبارة (حطمنا زواجنا)،فهي تبدو معبرة جدا. ولكن غضب تلك العجوز الإيطالية أعجب!
    يبدو أن الطعام الإيطالي ... ولا حتى اللغة الإيطالية الساحرة ... لم يستطيعا الوقوف سدا منيعا في وجه اتحاد (الكآبة) و(الوحدة) حيث هاجما المؤلفة عند الحكاية السادسة عشرة :
    (16)
    (لحق بي الاكتئاب والوحدة بعد عشرة أيام من وجودي في إيطاليا. كنت أمشي في فيلا بورغيز (..) استندت إلى الدرابزين أشاهد غروب الشمس،ورحت أفرط في التفكير،ثم توالدت أفكاري،وهنا أدركاني.
    تقدما نحوي بصمت وتهديد و كأنهما المحققان بينكرتون،وأحاطا بي،الاكتئاب عن يميني والوحدة عن يساري.لم يكونا بحاجة إلى تقديم شارتيهما،فأنا أعرفهما جيدا. نحن نلعب لعبة القط والفأر منذ سنوات. مع ذلك،أقرّ بأنني تفاجأت لرؤيتهما في هذه الحديقة الإيطالية الأنيقة عند الغروب. فهما لا ينتميان إلى مكان كهذا.
    قلت لهما : "كيف عثرتما عليّ هنا"من أخبركما بمجيئي إلى روما؟".
    قال الاكتئاب،الأكثر مكرا : "ماذا،ألست سعيدة بلقائنا؟".
    قلت : "ارحلا عنّي".
    قالت الوحدة،وهي أكثر حساسية : "آسفة سيدتي.ولكن كان عليّ تعقبك طيلة سفرك.إنها مهمتي".
    قلت لها : "أفضل حقا لو أنك لم تفعلي"،فهزت كتفيها معتذرة تقريبا،ولكن لتقترب أكثر.
    ثم أفرغا جيوبي من أي فرح حملته معي إلى هناك.حتى أن الاكتئاب صادر هويتي،ولكنه يفعل ذلك دوما.ثم بدأت الوحدة تستجوبني،وهذا ما يثير رعبي،لأنها تستمر لساعات. هي مهذبة ولكنها لا تتعب،وفي النهاية يزل لساني دائما. تسأل إن كان لديّ أيّ سبب لأكون سعيدة (..) عدت إلى المنزل،على أمل إبعادهما عني،ولكنهما لحقا بي،الأحمقان. كان الاكتئاب يمسك بكتفي بقوة والوحدة تلاحقني بأسئلتها (..) قلت له : "ليس من العدل أن تأتيا إلى هنا.لقد سبق ودفعت للتخلص منكما.قضيت عقوبتي في نيويورك".
    إلا أنه وجه إليّ ابتسامته القاتمة ثم جلس على سريري المفضل،ووضع قدميه على طاولتي،وأشعل سيجارا ملأ المكان برائحته المريعة. أما الوحدة فراقبت ما يجري وتنهدت،ثم استلقت على سريري وغطت نفسها بالملاءات،وهي بكامل ملابسها وحذائها. سوف تجبرني على النوم معها ثانية الليلة،أعرف ذلك. ).{ص 56 - 57}.
    في الحكاية التالية مباشرة ،تتحدث (ليز) عن بعض الإجراءات التي اتخذتها للتخلص من معاناتها مع (الطلاق) :
    (17)
    (ابتعت جميع كتب العناية الذاتية ذات العناوين المحرجة (وحرصت دوما على تغطية الكتب بأغلفة آخر إصدارات هاستلر{هل هذا هو ناشرها - الذي مول الكتاب قبل تأليفه- تقدم له هنا دعاية غير مباشرة؟}،لكي لا يعرف الغرباء ماذا أقرأ). بدأت أحصل على مساعدة أخصائية في العلاج النفسي،كانت لطيفة ولكنها تفتقر إلى نفاذ البصيرة. توقفت عن أكل اللحم (لوقت قصير على أي حال) بعدما أخبرني أحدهم بأنني آكل خوف الحيوان لحظة موته.وأخبرني مدلك ينتمي إلى العهد الجديد أن عليّ ارتداء سراويل برتقالية اللون لإعادة التوازن إلى الشاكير (..) لديّ،وقد قمت بذلك بالفعل. شربت من شاي عشبة القلب تلك ما يكفي لإضفاء البهجة على جيش روسي،ولكن من دون جدوى.ومارست الرياضة،وعرّضت نفسي للفنون التي ترفع المعنويات،وتجنبت بعناية الأفلام والكتب والأغاني الحزينة (إن ذكر أحدهم كلمتي ليونارد وكوهين في جملة واحدة غادرت الغرفة).
    بذلت جهدا لمقاومة البكاء المستمر. (..) مشيت تحت أشعة الشمس.اعتمدت على شبكة الدعم المحيطة بي،فتعلقت بعائلتي،وعززت صداقاتي الجيدة. وحين أصرت تلك المجلات النسائية على أن معنوياتي المنخفضة لا تساعد في مسائل الاكتئاب إطلاقا،غيرت قصة شعري،واشتريت مواد تجميل وفستانا جديدا.){ص 59 - 60}.
    في الحكاية الحادية والعشرين،تحلل المؤلفة عدم قدرتها على الاستمتاع،وتعرج على المجتمع الأمريكي بالمرة!! :
    (21)
    (مع ذلك،فإن العقبة الأساسية أمام بحثي عن المتعة هو شعوري المتأصل بالذنب البيوريتاني. هل أستحق هذه المتعة؟ هذا إحساس أمريكي جدا أيضا،الشعور بعدم الأمان حول ما إذا كنا نستحق سعادتنا. فالإعلانات الأمريكية تتمحور كليا حول ضرورة إقناع المستهلك المتردد بأنه يستحق المكافأة. هذا لأجلك!أنت تستحق استراحة اليوم لأنك تستحقها!لقد مشيت طريقا طويلا!ويفكر المستهلك القلق في نفسه : أجل!شكرا!سأشتري رزمة الست قطع اللعنة!وربما أشتري رزمتين!وهنا تأتي ردّ فعل الإفراط في الاستهلاك،يتبعه الندم. غير أن هذه الحملات الإعلانية ليست فعالة في الثقافة الإيطالية على الأرجح،لأن الناس هناك يعرفون أساسا بأن لهم الحق بالاستمتاع بالحياة.){ص 75 - 76}.
    أشرت في حكاية سابقة إلى أن المؤلفة (تطبطب) على نفسها .. ولكنها في الحكاية الثانية والعشرين،تتخطى تلك الهمسة لتضفي على نفسها الكثير من الصفات الطيبة :
    (22)
    ( أما أنا فأختفي في الشخص الذي أحبه. أنا غشاء نفيذ،إن أحببتك،تحصل على كل شيء. تحصل على وقتي وإخلاصي ومالي وعائلتي وكلبي ومال كلبي ووقت كلبي تحصل على كل شيء.إن أحببتك،أحمل عنك كل عذابك،وأتحمل ديونك (بكل ما للكلمة من معنى)،أعطيك الحماية من مخاوفك،وأسقط عليك جميع أشكال المزايا الحسنة التي لم يسبق لك أن غذيتها فعلا في نفسك،وأشتري هدايا لك ولعائلتك بأكملها. أعطيك الشمس والمطر،وإن لم يكونا متوفرين،أعطيك شيك شمس وشيك مطر. أعطيك كل هذا وأكثر،إلى أن أصبح منهكة ومستنفذة إلى حد أن الطريقة الوحيدة لاستعادة طاقتي هي بأن أتيّم بشخص آخر.){ص 80}.
    نستطيع أن نقول بالعامية أنها (خربتها) في ما ختمت به كلامها!!!
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي
    س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

  6. #6


    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"6"
    على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :
    {"خلطة" كتب}
    يبدو أن سياحتنا في كتاب (بُقول) سوف تكون مناسبة للحديث عن مسألتين. الأولى :
    نظرت (الأنثى) للتحرش ... كتبت كثيرا – جدا – عن التحرش بالنساء بصفته أقرب إلى الظاهرة العالمية،لكن ذلك الحديث كان في إطار محدد،هو تسليط الضوء على تلك الظاهرة،سعيا لتجنيب المرأة السعودية المرور بتلك التجربة في ظل الدعوات – الملحّة - إلى الاختلاط،وقد اقتضى ذلك التركيز على تفشي الظاهرة .. ولم أشر سوى مرة واحدة إلى نظرة المرأة إلى تلك الظاهرة السيئة. حتى تلك الإشارة – الوحيدة – كانت في إطار أقرب إلى (الفكاهة). في أحد البرامج والذي تقدمه نادين البدير،وقد استضافت سيدتين خليجيتين،للحديث عن (التحرش)،وطُرح سؤال عن السن الذي تتعرض فيه الأنثى للتحرش،فجاء الرد .. في سن الطفولة و ..و في الأربعين. فعلقت السيدة الأخرى – بالعامية – حتى من تجاوزن الأربعين (يا معودة) .. وأطلقتا ضحكة عالية!
    حين أقول نظرة المرأة إلى تلك الظاهرة فأنا أعني أنه مع استهجان المرأة لذلك السلوك السيئ إلا أن هنالك زاوية أخرى للموضوع،وهي إحساس .. لنقل بعض النساء بأن (المتحرش) يقدم علة تلك الفعلة بعد أن يفقد (عقله) أو يفقده جمالها أو أنوثتها عقله ... وأنا هنا قطعا لا أعمم .. ولكنني أسعى لإلقاء الضوء على الموضوع من زاوية مختلفة.
    في لقطة من مسلسل أمريكي،تدخل صديقتان إلى شقتهما،ويبدو أن أحدا في الخارج أطلق صافرة،أو قال كلمة إعجاب،فتقول إحداهما :
    - هي تحرش إذا قالوها ... وإهانة إذا لم يقولوها!!!!!!! {هل هذا لغز؟ !!}
    بعد هذه المقدمة الطويلة أعود إلى (ليز) وهي تتحدث عن موضوع التحرش .. مع تهنئتي للمرأة الإيطالية بذلك التحسن الذي طرأ على سلوك الرجل الإيطالي!!! تقول المؤلفة :
    (مع ذلك،أقر بأمر ليس فيه إطراء كبير لي،وهو أن هؤلاء الرومان الذين ألتقي بهم في الشارع لا يعيرونني انتباها كبيرا،أو حتى أي انتباه أحيانا. وقد وجدت الأمر مثيرا للقلق في البداية. فقد زرت إيطاليا من قبل حين كنت في التاسعة عشرة،وأذكر أنني تعرضت للتحرش المستمر من الرجال في الشارع،وفي مطاعم البيتزا،وفي السينما و ... كان ذلك متواصلا وفظيعا. أمّا الآن،في سن الرابعة والثلاثين،أصبحت غير مرئية على ما يبدو. بالطبع،يحدث أحيانا أن يقول لي رجل بطريقة ودودة : "تبدين جميلة اليوم،سينيوريتا"،ولكن ليس غالبا،ولم يتخذ ذلك أبدا شكلا عدوانيا. ومع أنه من غير اللطيف التعرّض لمهاجمة غريب مثير للتقزز في الباص،إلا أنه لا يمكن تجاهل الغرور الأنثوي،ما يدفع إلى التساؤل : ما الذي تغير هنا؟ أهو أنا؟ أم هم؟
    فسألت،واتفق الجميع على أن تحولا حقيقيا قد حدث في إيطاليا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة. (..) باختصار،يبدو أن الرجال الإيطاليين يستحقون جائزة الشعب الأكثر تحسنا.
    هذا ما أشعرني بالارتياح،لأنني خشيت ألا أحظى بالاهتمام لأنني لم أعد في سن التاسعة عشرة ولم أعد جميلة. وخشيت أن يكون صديقي سكوت على حق حين قال لي في الصيف الماضي :"آه،لا تقلقي ليز،هؤلاء الرجال الإيطاليون لن يسببوا لك الإزعاج بعد اليوم. فهم ليسوا كالفرنسيين،الذين يحبون التحرش بالنساء المتقدمات في السن.){ص 82 - 83}.
    من المسلم به أن الحديث عن ردة فعل المرأة الغربية على التحرش أقل حرجا – بالنسبة لي طبعا - من الحديث عن المرأة العربية المسلمة!! أما النقطة الثانية التي أتاح لي كتاب (بُقول) الحديث عنها هي .. نقطة أظن أنها شديدة الجاذبية في الثقافة الغربية ... ولعلها تسحر المثقف – وقبله المثقفة – الشرقي أعني ما يمكن أن نسميه الصداقة البريئة مع المرأة. بطبيعة الحال لا لوم على من أصابه العجب من كتابة (شايب رجعي) عن صداقة الرجل بالمرأة !!! إلا أن قدرا لا بأس به من التعجب يمكنه أن يزول حين ننبه إلى أننا نلقي الضوء على نقطة براقة في الثقافة الغربية – دون أن ننسى الإحصاءات المفزعة للتحرش،ودون أن ننسى كذلك عبارات (ليز) التي نقلناها قبل قليل،وقلقها .. أو قلق الأنثى بداخلها من عدم تعرضها للتحرش،مهما صب ذلك في قالب من خفة الظل – وهي براقة لأنها تشي بتعامل مع المرأة بعيدا عن كونها مجرد (جسد) .. وكون الرجال لا ينظرون إليها في إطار ذلك (الجسد).
    في الحكاية الرابعة والثلاثين تتحدث (ليز) حديثا طويلا عن حفلة ميلاد حضرتها مع خليط من الناس،ولكن ما يهمنا – هنا – هو سفرها مع ذلك الصديق .. فتقول :
    (34)
    (قدنا السيارة في ساعة متأخرة من المساء بعيدا عن جو التعب والتوتر الذي يسود روما وتوجهنا نحو الجبال. كانت موسيقى فرقة الإيغلز تصدح طيلة الطريق،فلوكا يحب الموسيقى الأمريكية،ما أضفى جوا كاليفورنيا على رحلتنا عبر كروم الزيتون والأقنية القديمة.){ص 136}.
    ليكون الحديث متواصلا،لابد أن نقفز قفزة كبيرة،حتى نصل الحكاية الثامنة والتسعين.
    في تلك الحكاية،تقص علينا المؤلفة قصة موسيقار إندونيسي،تعرفت عليه في بالي،وسردت حكايته وهجرته إلى أمريكا،وزواجه هناك،ثم وقوعه ضحية للقوانين التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م،حيث سلم الرجل نفسه للسلطات .. فتم ترحيله .. وهو (المسيحي) بصفته مسلم إرهابي!!!! نشأت بينه وبين (ليز) صداقة،وقررا القيام برحلة .. وقد وفت بوعدها بعد أن دخلت في علاقة (عاجسية) .. وكان يناديها دائما (يا صاح) ... كانت تحدثه عن زوجة جدها ..
    (98)
    (.. فنظرت إليّ زوجة جدي الرقيقة بخبث وأصبحت غاية في الإثارة وكأنها بيتي دايفس وقالت :
    "كنت قد تعبت من النظر إلى دور العبادة في إيطاليا،ليز".
    ضرب يوداي كفه بكفي ثم قال لي : "هيا،يا صاح".
    انطلقنا في رحلتنا البرية الأمريكية المزيفة عبر بالي،أنا وذاك الموسيقار العبقري الشاب المنفي،وكان المقعد الخلفي من السيارة ممتلئا بالغيتارات والشراب والطعام الباليني الذي يشبه طعام الرحلات البرية الأمريكية (..) ما أذكره هو أننا تحدثنا أنا و يوداي بالأمريكية طيلة الوقت،وهي لغة لم أتحدث بها منذ وقت طويل. (..) فاستمتعنا بذلك طيلة الرحلة وتحولنا إلى مراهقين أمريكيين حديثهما حافل بكلمات على غرار يا صاح وبإهانات حنونة.
    لم ندخل بالي،بل قدنا السيارة على الساحل،على طول الشواطئ لمدة أسبوع.وكنا نركب أحيانا زورق صيد صغيرا ونقصد إحدى الجزر لنرى ما يجري فيها. كانت بالي حافلة بأنواع عديدة من الشواطئ. فقضينا يوما على شاطئ كوتا الرملي الأبيض الطويل الشبيه بجنوب كاليفرونيا،ثم توجهنا إلى الشاطئ الصخري الأسود الكئيب للساحل الغربي الخلاب،وعبرنا الخط الباليني الفاصل غير المرئي الذي لا يجتازه أبدا السائح العادي ووصلنا إلى الشواطئ المقفرة للساحل الشمالي التي لا يطؤها سوى راكبي الأمواج (والمجانين منهم فقط) جلسنا على الشاطئ،وتفرجنا على الأمواج الخطيرة وهي تتكسر أمامنا فيما كان راكبو الأمواج ينزلقون ويختفون في قلب المحيط ليظهروا مجددا ويركبوا موجة أخرى،فنلتقط أنفاسنا قائلين : "يا صاح،هذا جنون تام".(..) كنا نقع في بعض الأحيان على شواطئ هادئة فنمضي اليوم في السباحة. صادقنا كل من القينا به. فيوداي من النوع الذي إذا كان يسير على الشاطئ ورأى رجلا يبني زورقا،يتوقف و يقول له : "كم هذا رائع! هل تبني زورقا؟". وهو بارع في كسب ود الناس إلى حد أن باني الزورق دعانا للعيش مع عائلته لمدة عام.){ص 356 - 358}.
    ثم انتهت الرحلة. فقط. هل يوافقني أحد على أن التعامل مع (امرأة) بصفتها (إنسان) وليست مجرد (جسد) نقطة شديدة الجاذبية في الثقافة الغربية؟ أعتقد أن هذه النقطة أكثر جاذبية لدى المرأة،خصوصا من كانت تعاني في مجتمعها من سجن المرأة في زاوية (الجسد).
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. مع تكرار الشكر لكل من علق أو علقت .. فنحن قبل كل شيء – وبعده – نقوم بسياحة .. ولا بأس بحوار على هامش السياحة... إلى اللقاء ... إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي


    س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

  7. #7
    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"7"
    على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :

    {"خلطة" كتب}
    نعود إلى الحكاية السادسة والعشرين،حيث تقف عبارة (إن شاء الله) فيصلا – افتراضيا – بين هذا الإشكال الكاثوليكي / البروتستانتي،كما تطرحه (ليز)،بعد أن فقدت رسائلها في بريد روما :
    (26)
    (.. هذا{ضياع الرسائل البريدية} دليل إضافي على الانقسام البروتستانتي الكاثوليكي.والدليل على ذلك حسب قولها {الحديث للأمريكية،ماريا،صديقة "ليز"} إن الإيطاليين،بمن فيهم زوجها،لا يمكنهم وضع خطط للمستقبل.فلو سألت بروتستانتا من وسط الغرب الأمريكي لتحديد موعد عشاء للأسبوع المقبل،يقول ذلك البروتستانتي الذي يعتقد بأنه سيد قدره : "يناسبني يوم الخميس".أما لو سألت كاثوليكيا من كالابريا السؤال نفسه،سيرفع كتفيه وينظر إلى السماء ويسال : "من منا يعرف ما إن سيكون مشغولا أم لا مساء الخميس القادم؟فكل شيء بيد الله ولا أحد منا يعرف قدره".){ص 94}.
    هل كان المسلم .. سيقول : يناسبني الخميس القادم إن شاء الله؟
    عود على بدأ ... تعود (بُقول) في الحكاية الثامنة والعشرين،لتتحدث عن طلاقها .. وعن تجربة أمها،أو تجربة جيل من الأمهات يتدرعن بالصبر فيبدو شديد الصلابة. تقول (ليز) :
    (28)
    (لطالما تمنيت مع ديفيد لو أستطيع التصرف مثل أمي في زواجها،مستقلة،قوية،مكتفية ذاتيا،وقادرة على البقاء من دون جرعات الرومانسية أو الغزل المنتظمة من أبي المزارع الوحيد،وقادرة على زرع أزهار الربيع بمرح في الحديقة بين جدران الصمت التي كان أبي يبنيها أحيانا حول نفسه. (..) كبرت وأنا أرى أمي أُما تتلقى حبّ وحنان زوجها كلما فكر في منحه،إلا أنها لا تتردد في الابتعاد جانبا والعناية بنفسها كلما انعزل في عالم النسيان والغفلة الخاصة به. (..) فهذا ما كانت أمي عليه،امرأة علّمت نفسها كيف تسبح بمفردها في بحيرة باردة في مينيسوتا،بواسطة كتاب استعارته من المكتبة المحلية بعنوان كيف تتعلم السباحة.بنظري لم تكن هذه المرأة تعجز عن فعل أي شيء بمفردها.(..) أجبتها : "المشكلة أنني لست مثلك أمي. أنا لست قوية مثلك،ماما. أحتاج فعلا إلى مستوى ثابت من الحميمية مع الشخص الذي أحبه.أتمنى لو أستطيع أن أكون مثلك ..(..) ثم صدمتني أمي حين قالت : "تريدين كل ذلك من علاقتك ليز ؟أنا أيضا رغبت بهذه الأشياء". شعرت في تلك اللحظة وكأن أمي مدت يدها عبر الطاولة وفتحت قبضتها وأرتني الجراح التي عضت عليها على مر السنوات لكي تحافظ على زواجها سعيدا من أبي (وقد كان سعيدا بالفعل،على الرغم من كل شيء). في الواقع لم يسبق لي رؤية هذا الجانب منها من قبل.){101 - 102}.
    يا الله!!! كيف يبدو موقف بعض – قلنا بعض – المسلمات وهن يتذرعن في الدخول في علاقات محرمة،نتيجة نقص فيتامين (الرومانسية) لدى أزواجهن؟!!!!! وهذه الأمريكية غير المسلمة .. ؟؟؟
    يتواصل العجب في حكايات المؤلفة،وخصوصا حين تحدثنا عن مدينة أوربية (محافظة) لدرجة تستدعي تستر امرأة خلف وضع ختام زواج وهمي!!!!!! تلكم المدينة هي :
    (32)
    (البندقية مدينة محافظة. مع ذلك،أقامت تلك المرأة علاقات عاطفية فيها،إلا أنها انتهت كلها بتعاسة. وكان الناس المقيمون في الجوار يتحدثون عنها،غير أنهم يصمتون حين تمر في الغرفة. لذا،كانت أمها ترجوها ارتداء خاتم زواج للحفاظ على المظاهر قائلة : حبيبتي،أنت لست في روما،لا يمكنك العيش على هواك.){ص 127}.
    ابتداء من الحكاية الثامنة والثلاثين،ننتقل مع (بُقول) إلى الهند،فتحدثنا عن اليوغا :
    (38)
    (يقوم طريق اليوغا على تفكيك مكامن الخلل المتجذرة في حالة الإنسانية،والتي سأعرفها هنا بشكل بالغ البساطة على أنها عجز محزن عن تحقيق الرضى. في الواقع،أعطت المدارس الفكرية على مرّ العصور تفسيرات مختلفة لحالة النقص المتأصلة على ما يبدو في الإنسان. فسماها التاويون انعدام توازن،والبوذيون جهلا،فيما أرجعت المعتقدات اليهودية – المسيحية كل عذابنا إلى الخطيئة الأصلية. ويقول الفروديّون {هكذا} إن التعاسة هي النتيجة المحتومة للتضارب بين رغباتنا الطبيعية والضرورات الحضارية. (وتفسر صديقتي ديبورا،العالمة النفسية،ذلك قائلة : "الرغبة هي عيب التصميم"). ){ص 153}.
    من الطبيعي ألا نجد ذكرا للإسلام،والذي هدم نظرية (الخطيئة الأصلية) بقول الحق سبحانه وتعالى : (ولا تزر وازرة وزر أخرى). وقد كانت من أسباب إسلام أخينا مراد هوفمان !!!!!!
    وتستمر الحكايات .. فتعرفنا (ليز) على بعض رفقائها في (المعتزل) الهندي ... حيث يبحث الجميع عن ملجئ روحي،بعد أن قذفت بهم أمواج المادية الغربية الجافة :
    (39)
    (كانت إحدى أولى زميلاتي في الغرفة في المعتزل معمدانية ومعلمة تأمل أمريكية من أصول أفريقية من جنوب كاليفورنيا. أما زميلاتي الأخريات،اللواتي تعاقبن على الغرفة على مر الأشهر،فكان من بينهن راقصة أرجنتينية،طبيبة سويسرية،سكرتيرة مكسيكية،أم استرالية لخمسة أولاد،مبرمجة كمبيوتر بنغلاديشية شابة،طبية أطفال من ماين،ومحاسبة فيلبينية. ){ص 157}.
    ثم تحدثنا عن الساعات الطوال المخصصة للتأمل :
    (يريدونك أن تأتي إلى هنا،وأنت تتمتع بالقوة لأن حياة المعتزل صعبة. ليس جسديا وحسب،مع بداية اليوم عند الثالثة بعد منتصف الليل وانتهائه عند التاسعة مساء،بل نفسيا أيضا. فأنت تمضي ساعات طويلة من اليوم في التأمل الصامت،من دون السماح للذهن بكثير من اللهو أو الراحة.){ص 161}.
    لا يتوقف الأمر عند الساعات الطوال ... بل انظروا إلى العمل الذي وُكل إلى النيويوركية المثقفة !!! :
    (41)
    (كل منا مكلف بعمل معين هنا. وقد تبين بأن وظيفتي هي حف الأرض. هناك إذا،يمكنك أن تجدني الآن،لعدة ساعات في اليوم،جاثية على ركبتيّ على الرخام البارد مع فرشاة ودلو كبير،أعمل مثل سندريلا. ){ص 164}.
    يا الله!! إلى أي مدى وصل شوق هذه الكاتبة للخلاص؟!! ثم تحدثنا عن عجزها عن إبقاء عقلها ساكنا :
    (لا يبدو أنني أستطيع إبقاء ذهني ساكنا. وقد ذكرت ذلك الأمر مرة لراهب هندي،فقال لي : "من المثير للشفقة أن تكوني الشخص الوحيد في التاريخ الذي واجه هذه المشكلة". ثم ذكر لي جملة من الباغافاد غيتا،من أقدم النصوص المقدسة لليوغا : "أوه كريشنا،العقل قلق،هائج،قوي عنيد. وإخضاعه لا يقل صعوبة عن إخضاع الريح".
    على غرار معظم البشر،أحمل ما يسميه البوذيون عقل القرد. فأفكاري تتأرجح من غصن إلى غصن،لا تتوقف سوى لحك نفسها،والبصق. من الماضي البعيد إلى المستقبل المجهول،يتنقل فكري بحرية عبر الزمن،يلامس عشرات الأفكار الدقيقة،بلا سرج ولا قيد. (..) المشكلة الأخرى لهذا التأرجح عبر كروم الفكر هي أنك لست أبدا حيث أنت. أنت إما تنبش الماضي أو تبحث بفضول في المستقبل،ونادرا ما ترتاح في اللحظة الحاضرة.){ص 164 - 165}.
    تلويحة (لك الله يا جدة) :

    ومرة أخرى مع معاناة (ليز) - صاحبة العقل (القرد) – مع جلسات التأمل الطويلة :
    (42)
    (في صباح اليوم التالي،وصلت في الوقت المحدد لجلسة التأمل الممتدة على أربع ساعات والتي نبدأ فيها يوميا هنا. ينبغي الجلوس لساعة من الوقت صامتين،ولكنني أعدّ الثواني وكأنها أميال – ستون ميلا صعب عليّ تحملها. في الميل / الثانية الرابعة والعشرين،بدأت أعصابي تتوتر وركبتاي تؤلمانني ويتملكني الغضب.){ص 168}.
    لا أعلم إن كان هناك من لاحظ أنني أسمي المؤلفة – أحيانا – ب(بُقول)! في كل الأحوال سوف نتعرف عبر الحكايتين الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين على سبب تلك التسمية .. وعلى الرجل الذي أطلق عليها تلك التسمية. و لا يعدو الرجل أن يكون حلقة في سلسلة الباحثين على السكينة في معتزلات الهند .. هاهي (بٌقول) تعرفكم بالرجل،وهو الرجل الوحيد الذي أطلقت عليه اسمه الحقيق – بعد أن غيرت أسماء الأشخاص الذين ورد ذكرهم في الكتاب - بعد أن استأذنته في أن تخبر الناس بأنه كان سكيرا ويتعاطى المخدرات :
    (43 / 44)
    (لم يسبق لي رؤية هذا الرجل هنا من قبل. لابد أنه وصل حديثا.كانت مشيته رائعة،غير متعجلة،يسير وكأنه عمدة بلدية حدودية،أو لاعب بوكر قديم.كان يبدو في العقد الخامس من عمره،لكن مشيته تدل على أنه تجاوز تلك السن بقرون. كان شعره أشيب،وكذلك لحيته ويرتدي قميصا قطنيا مربع النقش. توحي كتفاه العريضتان وحجم يديه بأنه قادر على التسبب بالأذى،ولكن وجهه كان مسترخيا تماما. (..) سيداتي سادتي أقدم لكم ريتشارد من تكساس. من بين الوظائف الكثيرة التي شغلها ريتشارد من تكساس في حياته – وأعرف أنني أغفل عددا كبيرا منها – عامل في حقل للنفط،سائق شاحنة من ثماني عشرة عجلة،التاجر القانوني الأول لبير كينستوكس في الداكوتا،خضّاض شراب في الوسط الغربي (آسفة،ولكنني لا أملك الوقت لشرح معنى خضّاض شراب) عامل بناء على الطريق السريع،بائع سيارات مستعملة،جندي في فيتنام،سمسار بضائع (تلك البضائع كانت عموما مخدرات مكسيكية)،مدمن مخدّرات وشراب (إن أمكن اعتبارها مهنة)،ثم مدمن مخدّرات،ومزارع هيبي،مُعلن في الراديو،وأخيرا،تاجر ناجح في مجال المعدات الطبية (إلى أن انهار زواجه وأعطى العمل كله لطليقته وغادر وهو يحك (..) المفلسة مجددا). وهو يعمل الآن في تجديد المنازل القديمة في أوستن.(..) ريتشارد من تكساس ليس من الأشخاص الذين يقلقون على كل شيء.لا يمكنني اعتباره عُصابيا على الإطلاق. أنا عُصابية بعض الشيء،,لهذا السبب أحببته كثيرا. أصبح وجود ريتشارد في هذا المعتزل مصدرا عظيما وممتعا لشعوري بالأمان.فثقته العظيمة والثابتة كانت تهدّئ قلقي الفطري يذكرني بأن كل شيء سيسير حقا على ما يرام (وإلا فعلى نحو كوميدي). وبحسب ما قاله ريتشارد حرفيا : "أنا وبُقول نقضي كلّ وقتنا في الضحك".) بُقول. هذا هو اللقب الذي أطلقه عليّ ريتشارد،وذلك في أول ليلة التقينا فيها،حين لاحظ كم أكثر من الأكل. حاولت الدفاع عن نفسي (كنت أتعمد الأكل بانضباط واعتدال!) ولكن اللقب لا زمني.){ص 172 - 173}.
    (47)
    نقفز إلى الحكاية السابعة والأربعين لنعثر على ريتشارد من تكساس يتحدث،عن حب (بُقول) لديفد.تقول :
    ("ولكنني أحببته حقا"
    "مشكلة كبيرة. وقعت في حب شخص إذا. ألا ترين ما يحدث؟ذاك الشاب لمس مكانا عميقا في قلبك لم تظني يوما أنك قادرة على بلوغه. أعني أنك فوجئت. ولكنّ ذاك الحب الذي شعرت به ليس سوى البداية.لقد تذوقت الحب وحسب. ولم يكن ذاك سوى حبا دنيويا محدودا. انتظري لتري كم يمكنك أن تحبي أعمق من ذلك. ستكتشفين أن لديك القدرة على الحب{هكذا} العالم بأسره يوما ما. إنه قدرك . لا تضحكي".
    "أنا لا أضحك" كنت أبكي في الواقع."
    "ولا تضحك عليّ رجاء،ولكن أعتقد بأن السبب الذي يجعل من الصعب عليّ نسيان هذا الشاب هو أنني اعتقدت بجدية أن ديفيد هو توأم روحي".
    "ربما كان كذلك. ولكنك لا تفهمين معنى تلك الكلمة. يعتقد المرء بأن توأم الروح هو الشخص الأنسب له،وهذا ما يريده الجميع.ولكن توأم الروح الحقيقي ليس سوى مرآة،إنه الشخص الذي يريك كل ما يعيقك،الشخص الذي يلفت انتباهك إلى نفسك لكي تغيري حياتك. توأم الروح الحقيقي هو أهمّ شخص تلتقين به على الأرجح،لأنه يمزق جدرانك ويهزك بقوة لكي تستفيقي.ولكن أن تعيشي مع توأم روحك إلى الأبد؟ كلا. هذا مؤلم جدا.فتوائم الروح يدخلون حياتك فقط ليكشفوا لك طبقة أخرى من ذاتك،ثم يرحلون. شكرا لله على ذلك. غير أن مشكلتك هي أنك لا تسمحين لتوأم روحك بالرحيل. الأمر انتهى يا بُقول.){ص 184 - 185}.
    ويواصل ريتشارد من تكساس حديثه .. أو تحليله لشخصية (ليز) :
    ("دعيني أخبرك شيئا يا بُقول،أنت تعانين من حب السيطرة". شعرت بغضبي ينفجر كالبركان في تلك اللحظة. حب السيطرة؟ أنا؟ فكرت في الواقع في صفع ريتشارد على هذه الإهانة. (..) زال غضبي بالسرعة التي اشتعل بها. قلت : "أنت محق تماما".
    "أعرف يا حبيبتي. اسمعي،أنت امرأة قوية معتادة على الحصول على ما تريدينه من الحياة ولم تحصلي على ما أردت في علاقاتك الأخيرة،هذا ما يثير جنونك. لم يتصرف زوجك كما أردت،وكذلك الأمر بالنسبة إلى ديفيد. عاكستك الحياة لفترة من الزمن،وما من شيء يثير غضب محبي السيطرة أكثر من أن تعاكسهم الأقدار".
    "لا تسمني محبة للسيطرة،أرجوك".
    "ولكنك تعانين من مشاكل مع حب السيطرة،يا بُقول. ألم يخبرك أحد بذلك من قبل."(..) "حسنا. أعتقد أن الوقت قد حان لوضع حد لهذا الحديث،شكرا".
    "عليك أن تتعلمي إطلاق سراح المسائل القديمة،بُقول. وإلا،ستمرضين ولن تنعمي بالنوم أبدا. ستتقلبين في فراشك إلى الأبد،وتلومين نفسك على فشلك الذريع في الحياة. ما خطبي؟لِمَ أفسدت جميع علاقاتي؟ لِمَ أنا فاشلة؟ دعيني أخمّن،أليس هذا ما يشغل فكرك في ساعات أرقك في الليلة الفائتة؟".
    "حسنا،ريتشارد،هذا يكفي.لا أريدك أن تتجول في رأسي بعد اليوم."
    أجابني صديقي اليوغاني الكبير الآتي من تكساس : "إذا،أقفلي الباب". ){ص 186 - 188}.
    نعود إلى الخلف قليلا ... إلى الحكاية الخامسة والأربعين ... لنجد (ليز) تتلقى نصيحة من أحد النساك :
    (45)
    (قال لي أحد النساك منذ مدة : "مكان استراحة العقل هو القلب. فكل ما يسمعه العقل طيلة النهار هو قرع الأجراس والضجيج والجدل،وكل ما يحتاج إليه هو السكون.والمكان الوحيد الذي يجد فيه العقل السلام هو داخل هدوء القلب.ذاك هو المكان الذي تحتاجين إلى الذهاب إليه" (..) استغرقت في النوم برهة. (أو أيا كان ما حدث.ففي تأمل،لا يمكنك أن تكون واثقا من أن ما تعتقده نوما هو نوم فالفعل،ففي بعض الأحيان،يكون مستوى آخر من الوعي) حين استفقت،أو أيا كان ما حدث،شعرت بتلك الطاقة الكهربائية الزرقاء الناعمة تنبض في جسدي،في موجات.كان الشعور مخيفا ورائعا في الوقت نفسه. (..) كان الأمر مخيفا وقويا جدا الآن،وكأنني أتعرض لاختطاف الحواس. كانت تهمهم متصاعدة من أسفل عمودي الفقري.شعرت بأن عنقي يرغب بالتمدد والالتفات،فتركته،وبقيت جالسة هناك (..) ظلت الطاقة الزرقاء الخافقة تتصاعد في جسدي وأمكنني سماع صوت شبيه بمداعبة أوتار موسيقية في أذني،وكان الشعور قد أصبح عظيما الآن إلى درجة أنني أصبحت عاجزة عن التعامل معه.أخافني كثيرا حتى أنني قلت : "لست جاهزة بعدّ" وفتحت عيني فجأة.){ص 167 - 177}.
    أيا كان ذلك الشعور الذي أحست به المؤلفة .. فإن هذه الحلقة قد وصلت نهايتها ... بقية مساحة صغيرة من الحيز المخصص لهذه الحلقة،سوف أخصصها لخبر قديم : سنة 339هـ :
    (وفيها نشأت سحابة والشمس في ثمان عشر درجة من الجوزاء بأصبهان وما والاها،فأرسلت مطر ودام ذلك السحاب سبعة أيام بلياليها حتى استدت البلاليع،وبطلت الرحا،وفاضت المياه.){ص 238 – 239 (البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان) منسوب إلى : عماد الدين الأصفهاني / تحقيق : عمر عبد السلام تدمري / بيروت / المكتبة العصرية}.
    قبل 1093 سنة .. احتاجت بواليع أصبهان سبعة أيام حتى تشتكي !!!!! ولم تحتمل بواليع جدة – إن وجدت – غير ساعات قليلة!!!!!!!
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي - المدينة المنورة
    س : سفير في إمبراطورية سيدي الكتاب.

  8. #8
    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"8"
    {خلطة كتب}
    على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :
    في الحكاية التاسعة والأربعين،تحدثنا (ليز) عن قلقها الوجودي،والذي بدأ مبكرا ..
    (49)
    (حين كنت في التاسعة من عمري،وقد أوشكت أن أبلغ سنّ العاشرة،عانيت من أزمة ميتافيزيقية حقيقية. قد يبدو ذلك مبكرا،ولكنني كنت طفلة ناضجة قبل الأوان.حدث ذلك صيفا،بين الصف الرابع والخامس الابتدائي.كنت سأبلغ العاشرة في تموز،وكان ثمة شيء ما في الانتقال من الرقم تسعة إلى عشرة – من رقم واحد إلى رقمين – صدمني وسبب لي ذعرا وجوديا فعليا،يشعر به الناس عادة عند بلوغ الخمسين. أذكر أنني فكرت بأن حياتي تمضي بسرعة.وبدا لي وكأنني كنت البارحة في صف الحضانة،وها أنا الآن على وشك أن أبلغ العاشرة. قريبا سأصبح مراهقة،كهلة،عجوزا،ثم أموت. وكان الجميع يتقدمون في السن بسرعة هائلة أيضا. وسرعان ما سيموت الجميع.أبوي،أصدقائي،قطتي. شقيقتي الكبرى أصبحت في الثانوية.بدا لي وكأنها كانت تذهب إلى الصف الأول منذ لحظات،بجواربها الطويلة حتى الركبتين،وها هي الآن في الثانوية!من الواضح أنها سرعان ما ستموت هي أيضا. ما الهدف من كل هذا؟ والغريب في تلك الأزمة أن شيئا لم يتسبب بها. لم يمت أحد الأصدقاء أو الأقارب،ليعطيني الفكرة الأولى عن الموت،كما أنني لم أر أو أقرأ شيئا معينا عن الموت.(..) فنحن نُعتبر،على حد علمنا،النوع الوحيد على هذا الكوكب الذي أعطي نعمة – أو ربما تكون نقمة – الوعي بفنائنا. فكل شيء هنا سينتهي إلى الفناء،غير أننا المحظوظون الذين يمكنهم التفكير في ذلك كل يوم.كيف ستتعامل مع هذه المعلومات؟حين كنت في التاسعة،لم يكن في وسعي سوى البكاء. لا حقا،مع مرور الأعوام،دفعني إحساسي المفرط بمرور الوقت إلى عيش الحياة بالسرعة القصوى. إن كنت هنا في زيارة قصيرة،عليّ القيام بكل ما هو ممكن الآن. ومن هنا أتت كل أسفاري،والعلاقات الرومانسية،والطموح،والباستا. حتى إن إحدى صديقات أختي كانت تعتقد بأن لكاثرين شقيقتين أو ثلاث،لأنها كانت تسمع دوما قصصا عن أختها في أفريقيا،أختها التي تعمل في مزرعة في يونغ،أختها النادلة في نيويورك،أختها التي تكتب رواية،أختها التي ستتزوج،وبالطبع ليس من الممكن أن تكون الشخص ذاته. في الواقع لو أمكنني تقسيم نفسي إلى عدة نساء اسمهن ليز غيلبرت،فما {هكذا}ترددت،لكي لا أفوت لحظة واحدة من هذه الحياة. غير أنني قسمت نفسي بالفعل إلى عدة نساء اسمهن ليز غيلبرت،سقطن منهكات جميعا في الوقت نفسه على ارض حمّام في الضواحي في إحدى الليالي،قريبا من سن الثلاثين.){ص 188 - 190}.
    حديث المؤلفة عن أزمتها الوجودية،وتعجبها من عدم وجود سبب لتلك الأزمة،مثل موت أحد الأقرباء،قذف بي نحو مذكرات الأستاذ عزيز ضياء – رحم الله والديّ ورحمه – فقد تحدث عن الموت.
    ظننت أن الأمر لا يتجاوز أسطرا – رغم أنني أتذكر أنه ألح على الموضوع أو كرره كثيرا – ولكنني وجدته يتحدث عن الموضوع في الصفحات (28 / 30 / 31 / 79 / 92 / 93 / 108)... على الأقل!
    لاشك أن الأستاذ (ضياء) مر بتجارب مريرة،صحيح أنه لم يذكر سنه في تلك الفترة،ولكنه كان صغيرا جدا على كل حال،ربما بين الرابعة والسادسة. وقد رُحل مع أهل المدينة المنورة إبان الحرب العالمية الأولى إلى الشام،حين رحلهم فخري باشا. وهناك رأى الأموات في الشوارع،وفي العربات.
    (.. وإلى جانب هذه الرؤوس أقدام زرقاء،أو سود تتدلى وتهتز،معها هذه الرؤوس .. ولا أدري لم ارتعبت،وكدت أصرخ وأنا أشدد من انضمامي إلى صدر جدي الذي رأيته يضع كفه على فمه وأنفه وهو يردد :"إنا لله وإنا إليه راجعون"){ص 28 / الجزء الأول /(حياتي مع الجوع والحب والحرب)، عزيز ضياء / مؤسسة الشرق الأوسط للإعلان والثقافة والنشر }. المؤكد أن العجيب هو عدم إصابته بالرعب!!! وعند سماعه حوارا عن احتمال موت إحدى السيدات :
    (ولم أفهم شيئا .. أكثر من أنها قد تموت وأنا أعرف أن التي تموت،لابد أن تؤخذ إلى مكان بعيد،لا أدري أين هو؟ ولكنهم قالوا لي أنه الجنة .. وأن الجنة مكان طيب فيه أشجار،وأزهار،و مياه،وعصافير .. هذا ما سمعته عندما قالوا أن جدتي حميدة قد ماتت،وحملوها إلى ذلك المكان البعيد (..) وسرحت بخيال الأطفال في هذه الجنة التي أسمع عنها كلما طرأت ذكرى الأموات وعجبت في نفسي وتساءلت لم لا يذهب كل الناس إليها؟ لماذا يتركون الموتى هناك وحدهم ويعودون ..){ص 30 – 31 }. وكرر نفس الفكرة :
    (ولعلي تصورت هذا الموت،شيء رهيب مخيف إلى أقصى حد .. وطافت بذهني – وأنا مازلت ألتهم الخبز والخيار – ذكرى جدتي – والدة أمي – التي قالوا أنها يوم ماتت،نقلوها إلى "الجنة" .. والجنة كما ظللت أسمع،هي المكان الذي فيه الكثير من الأشجار والينابيع،والطيور،والأزهار .. وحتى الورد،والنغاري التي تغرد وتنادي في تغريدها "خديجة" وتردد "غدا .. خديجة غدا .. غدا .." (..) وتساءلت ربما للمرة الأولى : إذا كان الذين يموتون ينقلون إلى تلك الجنة .. فأين هي؟ ولماذا لا نسافر إليها ما دمنا منذ ذلك اليوم الذي ركبنا فيه "البابور" من المدينة إلى الشام ..){ص 79}. ثم عاد ليكتب :
    (ويبدو،أن الأطفال يختارون،أو الأصح أن الله سبحانه يختار لهم أن يموتوا في الليل .. هذا ما حدث يوم مات عبد الغفور (..) كما تذكرت جدتي وهي أول من سمعت أنها ذهبت إلى الجنة،وبعدها عبد الغفور،واليوم عبد المعين (..) أصبحوا في الجنة،بأشجارها وأزهارها وينابيعها وأطيارها .. وقد ينبغي أن لا أخفي،أنني ظللت أتساءل بيني وبين نفسي،كلما سمعت هذا الكلام : كيف؟؟ .. كيف تتم الرحلة أو الانتقال إلى الجنة بعد أن يدفنوا .. (..) كيف يطيق هؤلاء الذين دفنوا في هذه الحفر،ومنهم عبد الغفور وعبد المعين،أن يظلوا مدفونين ويلتزموا الصمت،فلا يطلبون العودة إلى أمهاتهم وذويهم؟؟؟){ص 92 – 93}.
    يفترض بي أن أخبركم أن الأستاذ (عزيز) خرج من المدينة برفقة أمه،ووالدها،وشقيقه (عبد الغفور)،وخالته (خديجة)،ومعها صغيرها (عبد المعين ). وهناك توفي (عبد الغفور)،ثم (عبد المعين )،تلته أمه،ثم الجد .. ولم يعد إلى المدينة المنورة سوى عزيز وأمه.
    نعود إلى حكايات (ليز)،والتي سوف تحدثنا،في الحكاية الخمسين عن هجوم أفكارها القديمة عليها :
    (50)
    (صباح اليوم التالي في أثناء جلسة التأمل،عادت جميع أفكاري القديمة الكاوية لتحرقني مجددا.بدأت أجدها مثل إعلانات التلفاز التي تعرض دوما في الأوقات غير المناسبة.(..) وهذا ما بدأ يشعرني بالحرج،بصراحة. أنني ،أنا هنا في مكان دراسة في وسط الهند،وكلّ ما أفكر فيه هو صديقي السابق؟ من أنا؟ ابنة الأربعة عشر ربيعا؟".
    هنا تذكرت قصة روتها لي مرة صديقتي ديبورا،العالمة النفسية. ففي الثمانينات،طلبت منها مدينة فيلادلفيا التطوع لتقديم المشورة النفسية لمجموعة من اللاجئين الكمبوديين الهاربين بالقوارب الذين وصلوا حديثا إلى المدينة. ومع أن ديبورا هي عالمة نفس مميزة،إلا أن تلك المهمة أثارت رعبها.فهؤلاء الكمبوديون قد تعرضوا لأسوأ الشرور التي يمكن أن يتسبب بها البشر لبعضهم : قتل،اغتصاب،تعذيب،مجاعة،قتل أقاربهم تحت أنظارهم،ومن ثمّ سنوات طويلة في مخيمات اللاجئين ورحلات القوارب الخطيرة إلى الغرب حيث مات الناس وأطعمت الجثث لأسماك القرش.أيّ مساعدة يمكن لديبورا تقديمها لهؤلاء؟ كيف يمكنها تخفيف عذاباتهم؟
    أخبرتني قائلة :"ولكن هل تعرفين ما أراد هؤلاء التحدث عنه،حين أمكنهم رؤية مستشار نفسي؟".
    التقيت بذاك الشاب حين كنت أعيش في مخيم اللاجئين،فأغرمنا ببعضنا.ظننته أحبني فعلا،ولكننا افترقنا واستقل كل منا قاربا مختلفا،فأعجب بابنة عمي,وهو متزوج بها الآن،ولكنه يقول بأنه يحبني حقا،وما زال يتصل بي. أعرف أنه ينبغي عليّ أن أطلب منه تركي وشأني،ولكنني ما زلت أحبه ولا يمكنني التوقف عن التفكير فيه.ولا أعرف ما أفعل ..
    هذا ما نحن عليه. فبشكل جماعي،كنوع بشري،ذاك هو وضعنا العاطفي.التقيت مرة بامرأة عجوز،تبلغ مئة عام تقريبا،قالت لي : "ثمة مسألتان تحاربَ البشر بسببهما عبر التاريخ : كم تحبني؟ ومن يملك زمام القيادة؟" كل الباقي يمكن تدبّره. ولكن مسألتي الحب والسلطة تشغلاننا جميعا،توقعاننا في الخطأ وتسبّبان الحرب والحزن والعذاب.){ص 194 – 195}.
    خبر سيء : الحديث عن الكمبوديين،سوف يقذف بنا إلى كتاب آخر،هو : (الشكل الجديد لمدن العالم الثالث)،و حديث مؤلفه عن (قابلية الإنسان على التحمل ..). يقول تشارلز كوريا :
    ( قال لي صديق من أمريكا اللاتينية مهتم بالتنظيم العائلي : "كيف تقول لمزارع مكسيكي إنه لو صار لديه عشرة أطفال فستحل الكارثة بالعالم،بينما يعيش هو بالفعل في كارثة." ومما لاشك فيه،أن اهتمامنا بمصير الإنسانية في الطوفان البشري القادم ربما كانت دوافعه أنانية. إننا قلقون : كيف يمكن أن نعيش خلال الكارثة بدون وسائل الحياة التي تعودناها. أما الفقراء فهم يعيشون بدون أي شيء كما يفعلون ذلك الآن.
    إن قابلية الإنسان على التحمل والابتكار مدهشة حقا.){"ل" من مقدمة كتاب : (الشكل الجديد لمدن العالم الثالث) من تأليف / تشارلز كوريا،وترجمة الدكتور محمد بن حسين البراهيم،والكتاب من منشورات جامعة الملك سعود،1420 هـ ( 1999م)}.
    كما يقول في مكان آخر :
    (غالبا ما نعجز عن رؤية الصورة الجديدة،لأن رؤيتنا للعالم الثالث محدودة وضيقة الأفق. خذ مثلا إحدى مزايا العالم الثالث التي يمكن اعتبارها أعجوبة. بالرغم من الفقر والاستغلال وقرون من الاحتياج والعوز،فإن الناس بوصفهم كائنات اجتماعية وإنسانية لا يزالون بخير. إن هذه حقيقة في غاية الأهمية لمن يهتمون بشؤون التنمية. ربما كان سكان الأرصفة في عيون الأثرياء أناسا مزعجين،لكن جهود سكان الأصفة {هكذا } بأي مقياس آخر،هي جهود إيجابية من الناحية الاجتماعية ورائعة مثل جهود الطائر الذي يبني عشا.) { 1 }.
    في اعتقادي أن جزء من قدرة الإنسان على (النسيان) - إضافة إلى أن النسيان في حد ذاته نعمة – وما يلي ذلك من قدرته على التمتع بالحياة بالقدر الذي يتاح له مهما كان ضئيلا،أعتقد أن ذلك ينبع في الأصل من (برمجتنا) على وجود حياة أخرى .. ولعل ذلك الاستمتاع يحصل بتحريض من ذلك الجزء منا – أيا كان اسمه : "لا وعي" أو شيئا آخر – الذي حضر في اللازمان واللامكان .. وأقر بربوبية الخالق سبحانه وتعالى :
    ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)){الأعراف172}
    نعود إلى حكايات (ليز)،وتحديدا إلى الحكاية الحادية والخمسين،فنأخذ لقطة لا تبعد كثيرا عما نتحدث عنه،فسعادة ألئك النسوة الهنديات،رغم الشقاء يصب في نفس السياق الذي مر بنا قريبا :
    (51)
    (ولدينا زيارتنا المفضلة في البلدة،بحيث نقف دوما لتحية المعبد،,لتحية السيد بانيكار،الخياط،الذي يُلاقينا قائلا : "تهانيّ للقائك!" في كل مرة. فنشاهد الأبقار مستمتعة بمنزلتها العالية (أعتقد بأنها تستغل الامتياز الذي تتمتع به،فتستلقي في وسط الطريق لمجرد لفت النظر إلى منزلتها العالية)،(..) ونرى النساء يعملن على الطرقات،يرفعن الصخور تحت الشمس الحارقة ويؤرجحن المطارق،حافيات،ويبدون جميلات على نحو غريب بأثواب الساري الملوّنة بألوان الأحجار الكريمة وبقلائدهن وأساورهن. كن يبسمن لنا عند مرورنا ما دفعني إلى التساؤل كيف يمكنهن الشعور بهذه السعادة وهن يقمن بهذا العمل الشاق في ظل تلك الظروف الرهيبة؟ لِمَ لا يغمى عليهن ويسقطن ميتات بعد ربع ساعة من العمل بالمطارق في هذا الطقس الحارق؟ سألت السيد بانيكار الخياط عن ذلك وقال إن تلك حياة القرويات،وإن الناس في هذا الجزء من العالم يولدون لهذا النوع من العمل الشاق،وهذا كل ما هم معتادون على القيام به. وأضاف قائلا :"كما أننا لا نعيش طويلا هنا".){ص 198 - 199}.
    قدرة المرأة – أو ما يعرف بالكائن الرقيق – على القيام بتلك الأعمال الشاقة،يذكرني بوجهة نظر أحد رؤساء قبيلة (تشبوا) – من الهنود الحمر - فهو يقول :
    (( خلق النساء للعمل،فالواحدة منهن في وسعها أن تجر من الأثقال أو تحمل منها ما لا يستطيعه إلا رجلان،وهن كذلك يُقمن لنا الخيام،ويصنعن الملابس ويصلحنها،ويدفئننا في الليل .. إنه يستحيل علينا أن نرحل بغيرهن،فهن يعملن كل شيء،ولا يُكلّفن إلا قليلا،لأنهن ما دمن يقمن بالطهي دائما،فإنهن يقنعن في السنين العجاف بلعق أصابعهن.)) {ص 61 ( قصة الحضارة ) / ول ديورانت / ترجمة : د/ زكي نجيب محمود / طبعة جامعة الدول العربية / 1965م / ط 3 / جـ1 مجلد 1}.
    فهل خدعتنا المرأة العربية؟!! على كل حال،نخرج من دائرة هذا السؤال،لنستمع إلى معاناة (بُقول) مع التأمل:
    (52)
    (في الواقع،لم يكن التأمل هو العقبة الكبرى خلال إقامتي في المعتزل،كان صعبا طبعا،ولكنه لم يكن مهلكا. ما كان أصعب بالنسبة لي هو ما نقوم به كل يوم بعد التأمل وقبل الإفطار (يا الله ما أطول ساعات الصباح)،أنشودة تدعى غوروجيتا.(..) تتألف الغوروجيتا من 182 بيتا،للبكاء بصوت عال (وهذا ما أفعله أحيانا)،وكل بيت هو عبارة عن فقرة سنسكريتية غير مفهومة.{الحمد لله على نعمة الإسلام : سليلة غزاة القمر – إن صدقوا – تستشفي بتكرار عبارات بلغة قديمة غير مفهومة!!} وتستغرق تأدية أغنية المقدمة والكورس والطقس ساعة ونصفا تقريبا.تذكر،هذا قبل الإفطار،وبعد أن نكون قد تأملنا لساعة،وأدينا أنشودة الصباح الأولى الممتدة على عشرين دقيقة.والغوروجيتا هي السبب الأساسي للنهوض عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل هنا.){ص 200}. ساعة ونصف + ساعة + 20 دقيقة + الاستيقاظ عند الثالثة ليلا !!!!!!!! ونحن إذا صلى بنا الإمام ربع ساعة،كتبنا فيه (شكاوى كيدية)!!!!!!!
    لا ينتهي الأمر عند تلك الـ(غوروجيتا) بل يتجاوزها إلى (فيباسانا)!!!! وهي لمن لا يعرفها :
    (56)
    (.. تأمل فيباسانا. والفايباسانا هي تقنية تأمل بوذية تقليدية جدا وبالغة الحدة. وتعتمد أساسا على الجلوس وحسب. (..) هي متعبة جسديا أيضا.فمن الممنوع تحريك الجسد نهائيا متى جلست،مهما كان انزعاجك كبيرا. (..) مع ذكل،أرى بأن شيئا من الاستقلال الذكي في الحياة يشكل أداة قيمة لبلوغ السلام. وبعد أن قرأت عن تأمل الفيباسانا في المكتبة عصر أحد الأيام،رحت أفكر كم قضيت من الوقت في حياتي وأنا أنهار مثل سمكة كبيرة خارج الماء،إما أتلوى من الحزن والأسى أو أتخبط توقا إلى مزيد من اللذة.وتساءلت ما إذا كان سيفيدني (ويُفيد الأشخاص المبتلين بحبي) لو تعلمت أن أهدأ وأتحمل أكثر بقليل من دون الانجرار طيلة الوقت مع سير الأحداث. راودتني كل تلك الأفكار مجددا هذا المساء حين عثرت على مقعد في بقعة هادئة في إحدى حدائق المعتزل وقررت الجلوس والتأمل لساعة من الزمن (..) بلا حراك ولا اهتياج أو حتى ما نترا،بل النظر وحسب. فلنر ما سيحدث.لسوء الحظ،نسيت ما يحدث أثناء غروب شمس الهند : البعوض. فما إن جلست على ذاك المقعد في شمس الغسق الجميلة،حتى سمعت أفواج البعوض تتجه نحوي،تلامس وجهي وتحط في هجوم جماعي على رأسي،كاحليّ وذراعيّ. تبعث لسعاتها الحارقة. لم أحب الأمر،بل فكرت : هذا والوقت من النهار غير مناسب لممارسة الفيباسانا.
    ولكن متى هو الوقت المناسب من اليوم أو الحياة للجلوس بسكون تام؟ متى لا يكون ثمة ما يحوم حولك ويحاول إلهاءك والتغلب عليك؟ فاتخذت قرارا (..) فقدمت نفسي للتجربة،ماذا لو جلست على الرغم من ذلك لمرة في حياتي؟ عوضا عن صفع الحشرات والتقاطها،ماذا لو جلست عل الرغم من هذا الانزعاج لساعة واحدة وحسب في حياتي؟
    وهكذا كان. جلست ساكنة أشاهد نفسي تلتهمني أفواج البعوض.وللصراحة،كان جزء مني يتساءل إلى ماذا تهدف تجربة تعذيب النفس هذه،ولكن جزءا آخر كان يعرف تماما أنها محاولة أولى للسيطرة على النفس. إن تمكنت من تحمل هذا الانزعاج الجسدي غير القاتل،أي نوع من الانزعاج سأتمكن من تحملها في المستقبل؟ ماذا عن العذابات العاطفية التي أعتبر احتمالها أكثر صعوبة؟ ماذا عن الغيرة،والغضب،والخوف،والخيبة،والوحدة،والعار،والملل ؟
    كان الحك مثيرا للجنون في البداية،ولكنه ذوى لاحقا وتحول إلى شعور عام بالحرقة،فحوّلت تلك الحرارة إلى شعور طفيف بالخفة. سمحت للألم بأن يفقد معانيه المحددة ويتحول إلى إحساس صاف – لا جيد،ولا سيء،بل حادّ وحسب – وتلك الحدة هي التي حملتني من نفسي وأخذتني إلى التأمل.جلست هناك لساعتين.ولو أن طيرا حط بالفعل على رأسي،ما كنت لألاحظ. (..) أود توضيح أمر هنا. أعترف بأن هذه التجربة ليست رمزا للصبر في تاريخ الإنسانية،ولست أطلب ميدالية شرف عليها. ولكنني شعرت بشيء من الإثارة وأنا أدرك بأنني لم أتردد يوما خلال سنواتي الأربع والثلاثين بصفع بعوضة تلسعني.فقد كنت ضعيفة أمام جميع أشكال الألم والمتعة الصغيرة والكبيرة خلال حياتي. أتفاعل مع كل ما يحدث لي. ولكن،ها أنا ذا أكبت ردّة فعلي الطبيعي. أفعل ما لم أفعله من قبل. هو شيء صغير،هذا صحيح،ولكن ما الذي أستطيع فعله غدا وأعجز عنه اليوم؟).{ص 214 - 217}.
    نحمد الله – سبحانه وتعالى – أننا لا نتعبده بتحمل لسع البعوض .. وإن كانت فكرة أو (مرحلة) الغياب شيء آخر ... نختم هذه الحلقة بالترحم على سلفنا الصالح،وتحديدا على ذلك الذي غاب عني اسمه،أعني ذلك الذي سقط جدار منزله وهو في (الصلاة) فلم يفطن لذلك.
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي
    س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب

  9. #9
    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"9"
    {"خلطة" كتب}
    نصل إلى الحكاية الثامنة والخمسين من حكايات (ليز)،ومحاولتها السيطرة على أفكارها :
    (58)
    (فبدأت أحرص على مراقبة أفكاري طيلة النهار. رحت أكرر هذا العهد مئات المرات في اليوم : "لن أكون مرسى للأفكار الضارة بعد اليوم". وأكرره كلما طرأت لي فكرة سلبية. في المرة الأولى التي قلت فيها ذلك،لفتتني كلمة مرسى. فالمرسى هو المكان الذي تأوي إليه السفن،ميناء الدخول. تخيلت ميناء عقلي،فهو على الأرجح ميناء متهالك،مزقته العواصف،ولكنّ موقعه جيد وعمقه مناسب. ميناء عقلي هو خليج مفتوح،إنه المدخل الوحيد لجزيرة ذاتي (وهي جزيرة شابة بركانية،أجل،ولكنها خصبة وواعدة) وقد خاضت هذه الجزيرة بعض الحروب،هذا صحيح،ولكنها التزمت الآن بالسلام،بقيادة زعيم جديد (أنا) وضع سياسات جديدة لحماية المكان. والآن،ثمة قوانين أكثر صرامة بكثير بخصوص من يدخل هذا الميناء.
    لا يمكن لأحد الدخول بعد الآن بأفكاره القاسية المؤذية،بسفن أفكاره المعذبة،بسفن أفكاره المستعبدة،بسفن أفكاره الحربية،كلها ستُطرد. ){ص 219 - 220}.
    نخرج من إطار أفكار (ليز)،لنتركها تحدثنا عن بعض عادات المجتمع الهندي،في الزواج تحديدا :
    (59)
    (ولكن العائلة الهندية تهتم كثيرا لتزويج أولادها زيجات ناجحة. فإحدى عمات تولسي حلقت رأسها امتنانا لله لأن ابنتها الكبرى،التي بلغت سن الثامنة والعشرين،قد تزوجت أخيرا. لاسيما أن زواج الفتاة كان صعبا،فقد كان لديها كثير من الأمور ضدّها. سألت تولسي ما الذي يجعل زواج الفتاة الهندية صعبا،فقالت كثير من الأسباب.
    "إن كان طالعها سيئا. إن كانت كبيرة في السن،إن كانت بشرتها داكنة جدا. إن كانت متعلمة إلى حد يصعب إيجاد رجل أعلى مركزا منها،وتلك مشكلة شائعة هذه الأيام لأنه لا ينبغي على المرأة أن تكون متعلمة أكثر من زوجها. أو إن أقامت علاقة مع شخص وعرف بها الجميع،آه،يصبح من الصعب عليها إيجاد زوج بعد ذلك ..".
    رحت أفكر على الفور إن كان من السهل عليّ إيجاد زوج في المجتمع الهندي. لا أدري ما ذا كان طالعي جيدا،ولكنني بالتأكيد كبيرة جدا ومتعلمة جدا وأخلاقي ملطخة علنا .. أنا لا أشكل عروسا محتملة. على الأقل بشرتي فاتحة،هذا كل ما لديّ في رصيدي.){ص 221 - 222}.
    بعيدا عن عدم احتمال وجود (عريس) هندي للمؤلفة !! لفتت نظري حكاية صعوبة حصول المرأة المتعلمة على زوج ... فعدت لأنظر في بعض واقعنا،فوجدت هذا التحقيق :
    تحقيق نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالمرأة الناجحة لا يتزوجها أحد ... إلا العنوسة) :
    (* حصة محمد : الرجال يخافون من النساء الناجحات بسبب العقليات المتحجرة.
    * سميرة البنا : عند الزواج يختار الشاب فتاة بمواصفات والدته .. ليتفوق عليها.
    * فاطمة النهام : نجاح المرأة يسبب القلق للرجل .. ويخاف من لقب "زوج الدكتورة"){جريدة الهدف الكويتية العدد 1421 في 2/9/1995م}.
    طالما أننا نتحدث عن عادات الزواج،واستغلالا لكوننا في الهند،نأخذ لمحة عن الزواج في الصين،أو في بعض مناطقها على الأقل :
    (وحسب العادة المتبعة تزوج أبو جدي وهو فتى في الرابعة عشرة،من امرأة تكبره ست سنوات {هكذا} وكان يُعتبر من واجبات الزوجة أن تساعد على تربية زوجها.){ص 16 (بجعات برية : دراما الصين في حياة نساء ثلاث 1909 – 1978) / يونغ تشانغ / ترجمة : عبد الإله النعيمي / بيروت / دار الساقي / 2002م / الطبعة الثانية}.
    نعود للحكايات،لعلي نسيت عند الحديث عن (ريتشارد من تكساس) أن ألفت النظر إلى عمق أفكار تاجر المخدرات ذلك .. و(خضاض الشراب) مما يشي بجودة التعليم الأصلي الذي حصل عليه ... وقد تذكرت ذلك الرجل،لأننا سوف نقابل (سباكا / شاعرا) من نيوزلندا،يبحث هو الآخر عن السكينة في معتزلات الهند!! تعرفنا به (بٌقول)،فتقول :
    (60)
    (.. كان سباكا من نيوزيلندا،هو شاب التقيت به الآن سمع أنني كاتبة وبحث عني ليخبرني بأنه كاتب هو الآخر. (..) هكذا،رحنا نتحدث ذات يوم معا عن الزواج،فقال السباك / الشاعر : "أرى الزواج وكأنه عملية خياطة لشخصين معا،والطلاق أشبه بقطع أحد الأوصال،لذا يستغرق شفاؤه وقتا طويلا. وكلما طال الزواج أو كان الاستئصال أقسى،استغرق الشفاء وقتا أطول". {ما هو هين "السباك"!! عندي "شغل" في البيت لكن .. الواحد يستحي يكلف كاتب / شاعر !!!!!!!}
    هذا ما يفسر العذاب الذي مررت به طيلة تلك السنوات،إذ كنت لا أزال أجر ورائي شبح العضو المستأصل وأتعثر به.
    تساءل ريتشارد ما إذا كنت أنوي ترك زوجي يملي عليّ نظرتي إلى نفسي لبقية حياتي،وقلت له إنني لست واثقة من ذلك،في الواقع،بدا أن زوجي ما زال يتمتع بصوت قوي حتى الآن،ولأكون صادقة،ما زلت أنتظر منه أن يسامحني،أن يحررني ويتركني بسلام.
    قال صاحب مزرعة الألبان {حتى هذا ذهب للبحث عن السكينة؟} :
    "إن انتظار مجيء هذا اليوم ليس عملا حكيما تستغلين به وقتك".
    "ماذا أفعل يا أصدقائي؟ أنا أكثر من الشعور بالذنب،كما تكثر النساء الأخريات من استعمال لون البيج".
    لم يعجب كلامي الراهبة الكاثوليكية السابقة (التي ينبغي أن تعرف الكثير عن الشعور بالذنب ) : "شعور الذنب ليس سوى خدعة من الأنا لجعلك تعتقدين بأنك تحرزين تقدما أخلاقيا. لا تقعي في هذا الفخ عزيزتي".
    قلت : "ما أكرهه في الطريقة التي انتهى بها زواجي هو أنه لم يحلّ نهائيا. إنه كالجرح المفتوح الذي لا يختم أبدا".){ص 225 - 226}.
    هنا تقوم (بُقول) بوداع ريتشارد من ...
    (61)
    (رحل ريتشارد من تكساس اليوم،سافر عائدا إلى أوستن. رافقته إلى المطار وكنا حزينين.وقفنا لوقت طويل على الرصيف قبل أن يختفي في الداخل.
    تنهد قائلا : "ماذا أفعل من دون ليز غيلبرت لأغيظها؟"ثم أضاف : "كانت تجربتك في المعتزل جدية،أليس كذلك؟ تبدين مختلفة عمّا كنت عليه منذ عدة أشهر،وكأنك تخلصت من بعض الحزن الذي كنت تجرينه خلفك".
    "أشعر بأنني سعيدة حقا هذه الأيام،ريتشارد".
    "تذكري إذا،ستجدين كل بؤسك بانتظارك وأنت خارجة،هل ستحملينه معك في طريق العودة؟".
    "كلا لم أحمله مجدّد". {هكذا}.
    "فتاة طيبة".
    قلت له : "لقد ساعدتني كثيرا. سأتخيلك دوما كحارس أمين يداه مكسوتان بالشعر وأظافر قدميه مشوهة".
    "أجل أظافر قدمي المسكينة لم تتعاف تماما بعد فيتنام".
    "الحمد لله أنك لم تصب بأذى كبير".
    "كثير من الشبان أصيبوا بأذى كبير. على الأقل،احتفظت بساقيّ. حياتي لم تكن سهلة عزيزتي،وأنت أيضا،ولا تنسي ذلك. في حياتك القادمة،قد تكونين واحدة من أولئك النساء الهنديات الفقيرات اللواتي يدفعن الصخور على جانب الطريق،وتكتشفين أن الحياة ليست ممتعة كثيرا. لذا،قدري ما أنت فيه الآن. كوني دوما ممتنة على ما أنت فيه،وستعيشين حياة أطول. وأسدي لي خدمة يا بُقول،تقدمي بحياتك،هلّا فعلت؟".
    "أنا أفعل".
    "أعني،اعثري على شخص جديد تحبينه يوما ما. خذي الوقت الذي تحتاجينه للشفاء ولكن لا تنسي بأن تشاركي قلبك مع شخص آخر لا حقا. لا تجعلي حياتك نصبا تذكاريا لديفيد أو لطليقك".){ص 231 - 232}.
    في الحكايات التالية،تتحدث (ليز) عن (الصمت) و(الوحدة)، كممارسة روحية،وعن (السعادة) ..
    (62)
    (.. فالصمت والوحدة هما من الممارسات الروحية المعترف بها عالميا،ولأسباب وجيهة. فضبط الحديث هو طريقة لمنع الطاقات من الانسكاب من الإنسان عبر فمه،فتنهكه وتملأ العالم بالكلمات والكلمات عوضا عن السكون والسلام والصفاء. (..) من المضحك كم كنت أتكلم في هذا المعتزل،المكان الوحيد في العالم الذي يجب – ويمكن – أن يسود فيه الصمت.){ ص 233 - 234}.
    وفي الحكاية السادسة والستين،تتحدث عن (السعادة) :
    (66)
    (تشعر بالسعادة الغامرة وبأن كل ما يحيط بك رائع،من دون أيّ سبب كان.
    بالطبع،تمر هذه الحالة على معظمنا بسرعة خاطفة. وكأن كمالَك الداخلي يظهر لك قليلا لمضايقتك لتعود بعدها إلى الواقع بسرعة وتهوى فوق جميع همومك ورغباتك القديمة مجددا. وقد حاول الناس عبر العصور التمسك بشعور الكمال ذاك بواسطة وسائل خارجية،من مخدرات وجنس وسلطة وأدرينالين وجميع الأشياء الجميلة،ولكنها لا تدوم. فنحن نبحث عن السعادة في كل مكان،ولكننا مثل متسوّل تولستوي الذي قضى حياته جالسا على قدر من الذهب،يستجدي القروش من المارة،غير مدرك بأن ثروته كانت تحته طيلة الوقت. فكنزك – كمالك – هو بداخلك أساسا.ولكن لكي تحصل عليه،ينبغي عليك أن تترك ثورة العقل المشغول دوما وتتخلى عن رغبات الذات لتدخل في صمت القلب.){ص 242}.
    وحصلت (ليز) على جرعة من السعادة،فكان رد فعلها ...
    (68)
    (رحت أركض،ابتعدت عن الطريق وشققت طريقي بين أعشاب المرج التي ينيرها ضوء القمر. شعرت بأن جسدي يضجّ حياة وصحة بعد تلك الأشهر من اليوغا والطعام النباتي والنوم المبكر. كان صوت صندلي وهو يدوس العشب النديّ الناعم هو الصوت الوحيد المسموع في الوادي كله.شعرت بالجذل،فركضت مباشرة إلى مجموعة شجر الأوكليبوس وسط الحديقة (..) وأحطت إحدى الأشجار بذارعي،وكانت لا تزال دافئة بفعل حرارة النهار،ثمّ قبلتها بشغف. أعني قبّلت الشجرة من أعماق قلبي من دون أن يخطر لي في تلك اللحظة أن هذا أسوأ كابوس لكل أمريكي هربت ابنته إلى الهند للبحث عن نفسها،أن تنتهي في وضع مشبوه مع الأشجار تحت ضوء القمر.){ص 248}.
    ثم تروي لنا المؤلفة قصة هندية عن تحول (العادة) إلى (عبادة) :
    (70)
    (لدى الهنود قصة معبرة عن شخص عظيم كان محاطا دوما في معتزله بالأتباع المخلصين. وكان أتباعه يمضون ساعات كل يوم في التأمل. ولكن كانت ثمة مشكلة وحيدة،فلدى ذلك الشخص قطة صغيرة مزعجة لا تفتأ تتجول في المعبد وهي تموء وتزعج الجميع في أثناء التأمل. فأمر بحكمته العملية البالغة،تقييد القطة إلى عمود في الخارج لبضع ساعات في أثناء جلسة التأمل فقط،ولكي لا تزعج أحدا. فتحول الأمر إلى عادة،تقييد القطة ثم التأمل. ولكن مع مرور السنوات،تحجرت العادة وتحولت إلى طقس ديني. فلم يعد بإمكان أحد أن يتأمل دون ربط القطة إلى العمود أولا.في أحد الأيام ماتت القطة.فأصيب الأتباع بالذعر وعانوا من أزمة خطيرة. كيف لهم أن يمارسوا التأمل الآن،من دون قطة يربطونها إلى العمود؟ كيف سيصلون إلى ..؟ أصبحت القطة هي الوسيلة.){ص 251}.
    وفي نفس الحكاية نعثر على (صاحب مزرعة الألبان)،يقدم درسا :
    (لقد شرح لي شون،صاحب مزرعة الألبان الأيرلندي،الأمر على هذا النحو :
    "تخيلي الكون وكأنه عجلة عظيمة تدور بسرعة. أنت بحاجة إلى البقاء قريبا من المركز،عند محور العجلة،وليس قرب الأطراف التي يحدث فيها الدوران العنيف وإلا أصبت بالجنون. ومحور السكينة هو القلب. وقفي بالتالي عن البحث عن الأجوبة في العالم وعودي إلى ذاك المركز وستجدين السلام.(..){ثم تتحدث (ليز) عن التدين :} لديّ كثير من الأصدقاء غير المتدينين في نيويورك. لا بل معظمهم كذلك في الواقع. (..) ولكنّني أرى لدى بعض أصدقائي وهم يتقدمون في السن توقا لأن يكون لديهم إيمان بشيء ما. ولكنّ هذا التوق يصطدم بحواجز كثيرة،منها عقلهم وحسهم العام. وعلى الرغم من عقلهم،لا يزال هؤلاء الأشخاص يعيشون في عالم يترنح في وجه سلسلة من العواصف المدمرة والجنونية. فالتجارب الرائعة والمريعة للفرح أو العذاب تطرأ في حياة جميع أولئك الأشخاص،كما يحدث معنا بالضبط،وهذه التجارب الهائلة تجعلنا نتوق إلى سياق روحي نعبّر فيه عن حزننا أو امتناننا أو نسعى إلى فهم ما يحدث حولنا.والمشكلة هي ماذا يعبدون ولمن يصلون.
    لديّ صديق ولد طفله الأول بعد وفاة أمه الحبيبة،وبعد أن توالت عليه خسارة ومعجزة في وقت واحد،شعر بحاجة إلى مكان يذهب إليه أو شعيرة يؤديها لكي يتمكن من اجتياز كل تلك الانفعالات المتضاربة.){ص 253 - 254}.
    عند الحكاية الحادية والسبعين،ينتهي مقام المؤلفة في الهند ... وسأختم هذه الحلقة بجزء من تلك الحكاية ...
    رغم الفارق بين ما تسجد له .. ونسجد له – سبحانه وتعالى - إلا أن المبدأ الذي تحدثت عنه (ليز) يبدو كصفعة !!!! قبل أن أضعكم أمام الجزء المقتطف،أجدها فرصة سانحة للإشارة إلى ما أسميته (عقما) – بتقديم القاف على الميم – في خطابنا الديني!! آلاف المرات نسمع من يتحدث عن فضل (قيام الليل)،مع أن أحدا – ولا حتى الصغار – لم يعد ينام مبكرا ... مما يستوجب خطابا مختلفا .. أنت مستيقظ أصلا .. ثم تأتي الموعظة.
    تقول (ليز):
    (71)
    (سأغادر الهند في رحلة الرابعة فجرا،ما يعتبر نموذجا لنمط الحياة هناك. قررت عدم النوم إطلاقا تلك الليلة،وقضاء الأمسية بأكملها في أحد كهوف التأمل،أسجد. أنا لا أطيل السهر عادة،ولكنني رغبت بالبقاء مستيقظة خلال تلك الساعات الأخيرة لي في المعتزل. فكثيرة هي الأمور التي بقيت مستيقظة لأجلها طوال الليل خلال حياتي : ممارسة الحب،الجدل مع شخص ما،القيادة لمسافات بعيدة،الرقص،البكاء،القلق (وفي بعض الأحيان جميع هذه الأشياء في ليلة واحدة).ولكنّني لم أضحّ أبدا بالنوم لأجل السجود وحسب،فلِمَ لا أفعل الآن؟){ص 255}.
    إلى اللقاء في إندونيسيا .. إذا أذن الله.





    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"10"
    {"خلطة" كتب}
    أهلا بكم في إندونيسيا ... وأهلا بكم – أيضا – مع الحكاية الثالثة والسبعين :
    (73)
    (لم يسبق لي أبدا أن قمت بشيء لم أخطط له جيدا كما حدث عند وصولي إلى بالي. فعبر تاريخي الحافل بالأسفار الطائشة،كانت تلك الرحلة الأكثر طيشا التي قمت بها في حياتي.لم أكن أعرف أين سأسكن أو ماذا سأفعل،كما كنت أجهل قيمة صرف العملة أو كيفية إيجاد سيارة أجرة في المطار،أو حتى إلى أين أطلب من السائق إيصالي. ما من أحد يتوقع وصولي أساسا. (..) وتبين لي أنني أستطيع البقاء لشهر واحد بالتأشيرة السياحية. لم يخطر في بالي أن الحكومة الإندونيسية ستكون أقل من مسرورة باستضافتي ما طاب لي البقاء.){ص 261}.
    بغض النظر عن عدم ترحيب الحكومية الإندونيسية بالمؤلفة!! إلا أنها وجدت الأمور الأخرى – من السكن وتبديل العملة – في غاية السهولة .. ومع كثير من الترحيب .. كان ذلك في (أبود) والتي تصفها (ليز) بقولها:
    (74)
    (كانت البلدة عبارة عن نسخة مصغرة لسانتافي،تتجول في أرجائها القرود والعائلات البالينية بأزيائها التقليدية. وكان ثمة مطعم جيد ومكتبات صغيرة جذابة. يمكنني قضاء كل وقتي هنا في أبود أقوم بما اعتادت المطلقات الأمريكيات اللطيفات على فعله منذ عقود،الانتساب إلى صف تلو الآخر ..){ص 264}.
    بما أنني لا أعرف (سانتافي) فإن تصوري لـ(أبود) لم يكن بالوضوح الذي رغبت فيه الكاتبة .. في نفس الحكاية نجد حديثا عن الأسماء في .. (.. بالي أربعة أسماء يطلقها أغلب السكان على أطفالهم،بغض النظر عمّا إذا كانوا إناثا أم ذكورا. والأسماء هي واي – آن،مادي،نيومان،وكيتوت. ومعناها بكل بساطة الأول،الثاني،الثالث،الرابع،وتشير إلى ترتيب الطفل في العائلة. وفي حالة ولادة طفل خامس،يبدأون بدورة الأسماء من جديد،بحيث يعرف الطفل الخامس بشيء من هذا القبيل : "واي – آن الثاني" وهكذا دواليك.(..) من الممكن جدا،بل من الشائع،أن يتزوج شخصان يدعيان واي – آن بعضهما،ثم يطلقان على مولودهما الأول،بالطبع، اسم واي – آن.
    وهذا ما يعطي إشارة بسيطة إلى مدى أهمية العائلة في بالي،ومدى أهمية مرتبتك فيها. وقد يبدو لك أن هذا النظام يصبح معقدا أحيانا،ولكن البالينيين يتدبرون أمرهم معه. ومن الطبيعي في هذه الحالة،لا بل من الضروري،أن تشيع الألقاب. على سبيل المثال،إحدى أبرز سيدات الأعمال في أبود هي امرأة تدعى واي _ آن وتملك مطعما هاما يدعى كافيه واي – آن،لذا فإنها معروفة باسم وي – آن كافيه،أي : واي – آن التي تملك كافيه واي – آن. وقد يطلق على شخص آخر لقب مادي السمين،أو نيومان لتأجير السيارات أو كيتوت الأحمق الذي أحرق منزل عمّه،أما صديقي الباليني الجديد ماريو فعالج المشكلة بتسمية نفسه ماريو وحسب.){ص 265}.
    تكرار الأسماء لاشك أنه يذكرني بما يدانيه لدى بعض إخواننا الأفارقة - وتحديدا من جيراننا في (الحرة الشرقية) – والذي سمى أولاده – الذكور بطبيعة الحال – باسم واحد هو (محمد) ... ولكن : محمد الأول ... ومحمد الثاني ... وعولج الأمر بنفس الطريقة البالينية ... اختفى اسم (محمد) وبقي (أولّ) و(رابعُ) .. وهكذا.
    هذا التشابه بين البشر .. يعيدنا إلى تشابه آخر .. فيبدو أن البشر هم البشر – طبعا المقصود "المرأة" هي "المرأة" – فمن بلاد غزاة القمر .. – نقلا عن "ماريو" - :
    (أخذت مرة فتاة أمريكية مثلك إلى منزل كيتوت. أرادت الفتاة سحرا يجعلها أجمل في عيون الرجال. فرسم لها كيتوت رسما سحريا،لمساعدتها على أن تكون أكثر جمالا. وكنت أضايقها بعد ذلك وأقول لها كل يوم : "الرسم يعطي مفعوله! انظري كم أصبحت جميلة! الرسم يعطي مفعوله!"){ص 266}.
    كان (ماريو) يؤكد لـ (بُقول) معرفته بعراف باليني،سبق لها أن قابلته في زيارة عمل قامت بها من قبل،وقد تنبأ لها ببعض الأمور،ومنها أنها سوف تعود إلى (بالي) .. وحين عثرت عليه :
    (75)
    (قلت : "لقد عدت! لقد عدت!"
    "أنت،أنت،أنت!"
    "أنا،أنا،أنا!"
    كانت الدموع تملأ عينيّ ولكنني حاولت عدم إظهارها. كانت راحتي لا توصف.فقد فاجأني. وكأنني تعرضت لحادث سيارة،وانحرفت السيارة عن جسر وسقطت في قعر نهر وتمكنت بطريقة ما من الخروج من السيارة الغارقة بالسباحة عبر نافذة مفتوحة،ثم رحت أجاهد لبلوغ السطح عبر المياه الخضراء الباردة،وكنت على وشك الاختناق،شراييني تكاد تنفجر وخدايّ منتفخان بآخر نفس لي ثمّ – أخيرا! – شققت سطح الماء،ورحت أتنفس الهواء.ونجوت.ذلك النفس هو ما شعرت به حين سمعت العراف الإندونيسي يقول : "لقد عدتِ!" كانت راحتي بهذا القدر.){ص 270 - 271}.
    أعتقد أن من يقرأ هذا التشبيه (الممتد) سيحتاج هو أيضا إلى أن يأخذ نفسا عميقا!!! ثم تحدثكم (ليز) عن الطريقة التي يعبر بها البالينيون عن اهتمام بعضهم ببعض :
    (76)
    (إن التقيت بغريب في الطريق وأنت تسير في بالي،فإن أول سؤال يطرحه عليك هو :"إلى أين أنت ذاهب؟" أما الثاني فسيكون : "من أين أنت آت؟" بالنسبة إلى الغربي،يبدو هذا استجوابا في غير محله من شخص غريب،ولكنه يحاول في الواقع تحديد اتجاهك،يحاول إدخالك في الشبكة لتشعر بالأمان والراحة. ولو أجبت بأنك لا تعلم إلى أين تذهب أو بأنك تتجول بلا هدف،قد تولد لدى صديقك الباليني الجديد شيئا من الأسى. ومن الأفضل بكثير اختيار اتجاه محدد – أيّ مكان – ليشعر الجميع بالاطمئنان.
    السؤال الثالث : الذي سيطرحه عليك الباليني هو بالتأكيد : "هل أنت متزوج؟" والهدف من هذا السؤال هو أيضا تحديد الموقع والاتجاه. فمن الضروري بالنسبة إليه معرفة ذلك،للتأكد من أن حياتك منظمة تماما.وهو يود حقا أن تقول أجل. عندها،سيشعر براحة كبيرة لو قلت أجل.أما إن كنت عازبا،فمن الأفضل ألا تخبره بذلك على نحو مباشر. وأنصحك حقا ألا تذكر له أنك مطلق،إن كنت كذلك،وإلا سببت له القلق. فوحدتك تثبت له انفصالك الخطير عن الشبكة. فإن كنت امرأة عازبة مسافرة إلى بالي وسألك أحدهم : "هل أنت متزوجة؟" فإن أفضل إجابة هي : "ليس بعد". إنها طريقة مهذبة لقول كلا،مع الإشارة إلى نواياك التفاؤلية بشأن تصحيح هذا الوضع في أقرب فرصة.
    حتى إن كنت بسن الثمانين أو كنت (..) أو مناصرة شديدة الحماسة للمساواة بين الجنسين أو راهبة،ولم يسبق لك الزواج قبلا ولا تنوين الزواج إطلاقا،يبقى الجواب الأكثر تهذيبا هو : "ليس بعدا".){ص 278 - 279}.
    وتأكيدا لفكرة سابقة .. تقول المؤلفة في الحكاية التاسعة والسبعين :
    (79)
    (كلما غادرت الفندق،سألني ماريو والموظفون الآخرون على مكتب الاستقبال إلى أين أذهب،وكلما عدت،سألوني أين كنت. أتخيلهم يحتفظون بخرائط صغيرة في درج مكتبهم لجميع أحبائهم،مع علامات تشير إلى أين يذهب الجميع في كل وقت.){ص 286}.
    في نفس الحكاية،تحدثنا الكاتبة عن جدولها اليومي ...
    (أما بقية اليوم فأقضيه بأشكال متنوعة وغير مبالية.أتأمل لمدة ساعة كل صباح بتقنيات اليوغا التي علمتني إياها مرشدتي،ثم أتأمل لمدة ساعة كل مساء على طريقة كيتوت ("اجلسي ساكنة وابتسمي"). وبين هاتين الجلستين أتنزه سيرا على الأقدام،وأركب دراجتي،وأتحدث أحيانا مع الناس،وأتناول طعام الغداء. عثرت على مكتبة صغيرة تعير الكتب في تلك البلدة،فحصلت على بطاقة،وأصبحت أمضي الآن أجزاء كبيرة وممتعة من حياتي وأنا أقرأ في الحديقة. فبعد حدة الحياة في المعتزل،وحتى بعد فترة الانحطاط التي أمضيتها وأنا أجوب إيطاليا وآكل كل ما يقع عليه نظري،كانت هذه الفترة من حياتي جديدة وهادئة على نحو جذري. كان لديّ من الفراغ ما يمكن قياسه بالأطنان.){ص 286}.
    لعلي لم أنقل هذا الجزء إلا لسبب واحد .. ووحيد .. هو (المكتبة)!!!!!!! وليتها (مكتبة) فقط !!! بل تعير (السائح)!!!!!!!!!! لا أدري هل تحالفت (إليزابث) مع (قوى الشر) – الصهيونية العالمية – لإغاظتي؟!!!!!!!!!!! هكذا ببساطة تحصل على بطاقة إعارة،وهي مجرد سائحة!!!!!!!
    أعادتني هذه الحكاية إلى موقف قديم ... ربما أكثر من خمسة عشر عاما ... كنت حينها مدمنا على زيارة مكتبة الجامعة ... ولا أكتفي بالزيارة بل أستعير الكتب!! في إحدى تلك الزيارات،شاهدت رجلا (مسنا) يحاول أن يستعير كتبا .. وهو أكاديمي .. ولكن في جامعة أخرى – مجاورة،وليست في المريخ - ... فاعتذر له الموظف لأن (النظام) لا يسمح.
    في الحكاية التالية،تتبين لنا (مضار) القراءة!!! فقد أسهمت الكتب التي استعارتها (ليز) من المكتبة إلى تغيير رأيها،أو على توسيع نظرتها إلى (بالي) .. أو معرفة تأريخها الدامي ...
    (80)
    (ينبغي عليّ الآن أن أكون صادقة وأقول أن الأمر استغرق مني ثلاثة أيام فقط من البحث في المكتبة المحلية لأدرك أن أفكاري الأساسية عن الفردوس البالينية كانت مضللة بعض الشيء. فقد كنت أخبر الناس منذ أن زرت بالي منذ عامين أن هذه الجزيرة الصغيرة هي المدنية الفاضلة الوحيدة في العالم،مكان لم يعرف سوى السلام والتناغم والتوازن باستمرار. إنه فردوس حقيقية لم يعرف تاريخها العنف أو الدماء أطلاقا. لا أعرف من أين أتيت بهذه الفكرة،ولكنني كنت أبرهنها{هكذا} بثقة تامة.
    كنت أقول : "حتى ضباط الشرطة يضعون زهرة في شعرهم". وكاّن هذا الأمر يؤكد كلامي.
    غير أنه تبين لي أن لبالي تاريخيا حافلة بالعنف والقمع شأنها شأن أيّ مكان عاش فيه الإنسان على هذا الكوكب. فحين هاجر ملوك جافا إليها في القرن السادس عشر،أسسوا فيها مستوطنة إقطاعية قامت على نظام طبقي صارم لم يقل في قلة اكتراثه بالسواد الأعظم من الناس عن غيره من الأنظمة الطبقية التي تحترم نفسها. وكان اقتصاد بالي في البداية قائما على تجارة الرقيق المربحة ( التي لم تسبق وحسب المشاركة الأوربية في تجارة الرقيق العالمية بعدة قرون،بل استمرت بعدها بفترة طويلة). في الداخل عرفت الجزيرة حروبا مستمرة بين الملوك المتنافسين الذين كانوا يقومون بهجمات متقطعة على جيرانهم مع خطف وقتل جماعي.وحتى القرن التاسع،كان البالينيون معروفين بين التجار والبحارة بأنهم مقاتلون وحشيّون.(..) فقد تمكن البالينيون بجيش منظم بلغ عدده 30 ألفا من هزيمة الغزاة الألمان عام 1848،ومرة ثانية عام 1849،وثالثة عام 1950. ولم يسقطوا تحت السيطرة الألمانية إلا حين انشق صف ملوك بالي وخانوا بعضهم تنافسا على السلطة،ووقفوا في صف العدو مقابل وعود بصفقات مربحة لاحقا. وبالتالي فإن تحويل تاريخ الجزيرة إلى فردوس هو أمر مهين للحقيقة،فهؤلاء الأشخاص لم يقضوا الألفية الماضية وهم يجلسون مبتسمين وينشدون أغنيات سعيدة.
    لكن في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي،حين اكتشفت بالي مجموعة من المسافرين،ينتمون إلى صفوة المجتمع الغربي،تمّ تجاهل كل هذا التاريخ الدموي حين اتفق القادمون على أن هذا المكان هو فعلا جزيرة جميع من فيها فنانون وتعيش فيها الإنسانية في نعيم مقيم. وعاش هذا الحلم طويلا،وظل يؤيده معظم زوار بالي (بما فيهم أنا في زيارتي الأولى). فقد قال المصور الألماني جورج كراوز بعد زيارته بالي في الثلاثينات: "أنا غاضب لأنني لم أولد بالينيا". وسقط بعض مشاهير السياح تحت إغراء ما قيل عن الجمال الخلاب والهدوء اللذين تتمتع بهما بالي،فبدأوا يقصدون الجزيرة (..) انتهت تلك المرحلة في الأربعينات حين خاض العالم الحرب. فاجتاح اليابانيون إندونيسيا واضطر المغتربون إلى مغادرة نعيم الجنة البالينية. وخلال النضال في سبيل الاستقلال الإندونيسي الذي أعقب الحرب،عرفت بالي الانقسام والعنف شأنها شأن بقية أنحاء الأرخبيل،وبحلول الخمسينات ( بحسب دراسة بعنوان : بالي : فردوس مبتكرة) لو تجرأ أحد الغربيين على زيارة بالي،فإنه لا ينام من دون مسدس تحت وسادته. وفي الستينات حول الصراع على السلطة إندونيسيا بأكملها إلى ساحة حرب بين القوميين والشيوعيين. وبعد محاولة انقلاب جاكرتا عام 1956،تم إرسال جنود قوميين إلى بالي مع لائحة بأسماء جميع الشيوعيين المشتبه بهم على الجزيرة.(..) وبانتهاء مهمتها،غصت أنهار بالي الجميلة بما يقارب 100 ألف جثة.
    في أواخر الستينات،عاد حلم الفردوس إلى الحياة،حين قررت الحكومة الإندونيسية إعادة ابتكار بالي في سوق السياحة الدولية وأطلقت حملة تسويق ضخمة وناجحة. والسياح الذين أغرتهم بالي مجددا كانوا من المثقفين الذين جذبهم الجمال الفني المتأصل في الثقافة البالينية. أما صفحات التاريخ السوداء فتم إغفالها،وظلت مهملة منذ ذلك الحين.
    هذه الحقائق التي اكتشفتها خلال الساعات التي كنت أمضيها أقرأ في المكتبة المحلية سببت لي الإرباك. ما الذي أتى بي إلى بالي؟ سعيي إلى التوازن بين اللذة الدنيوية والتعبد الروحاني،صحيح؟ هل أنا في المكان المناسب لهذا البحث؟ هل يعيش البالينيون فعلا هذا التوازن،والسكينة أكثر من بقية أهل الأرض؟ أعني أنهم يبدون متوازنين مع كل الرقص والاحتفالات والجمال والابتسام،ولكنني لا أعرف ما الذي يجري فعلا خلف كل هذا. رجال الشرطة يضعون فعلا أزهارا خلف آذانهم،ولكن الفساد يعم أرجاء بالي،كما هو الحال في مختلف أنحاء إندونيسيا (كما تبين لي شخصيا في اليوم الفائت حيت دسست لرجل يرتدي بزة رسمية بضع مئات من الدولارات ليمدد لي تأشيرتي وأتمكن من البقاء في بالي أربعة أشهر). الباليون أوفياء للصورة التي تجعل منهم شعبا مسالما ومتعبدا وبارعا في التعبير الفني أكثر من أيّ شعوب العالم،ولكن كم من هذه الصفات حقيقي وكم منها محسوب اقتصاديا؟(..) ما أنا أكيدة منه الآن هو أنني أحب المنزل الذي استأجرته وأن الناس في بالي كانوا لطفاء معي من دون استثناء. أجد فنهم وطقوسهم جميلة مجدّدة،وهذا ما يظنونه هم أيضا على ما يبدو. هذه هي تجربتي في مكان أكثر تعقيدا مما ظننت. ولكن مهما احتاج البالينيون إلى فعله ليحافظوا على توازنهم ويكسبوا قوتهم،فإن الأمر من شانهم وحدهم. أنا هنا للعمل على توازني وحسب،ولا يزال هذا المكان يبدو لي،حتى الآن على الأقل،مناخا مناسبا لذلك.){ص 288 - 292}.
    نحن أيضا لا يعنينا تأريخ الباليين. لذلك سوف نتقل إلى الحكاية الحادية والثمانيين،لنرى صبر (البالينيين)،وصبر (عراف ليز) على علاج مرضاه .. وأطفال (بالي) .. وعلاقة الأسنان بالسفر بالطائرة!! :
    (81)
    (.. كان الصبر هو المزاج السائد في باحة كيتوت دوما. إذ ينبغي على البعض الانتظار لثلاث ساعات قبل أن يجد كيتوت الوقت لهم،ولكنّ أحدا منهم لا ينقر الأرض بقدمه أو ينظر إلى الأعلى تذمرا. والأعجب من ذلك أيضا،الطريقة التي ينتظر بها الأطفال،متكئين على صدور أمهاتهن{هكذا} الجميلات،يلعبون بأصابعهم لتمضية الوقت. وقد فوجئت لاحقا حين اكتشفت بأنه تم إحضار هؤلاء الأطفال الهادئين لأنهم برأي أهلهم سيئو السلوك ويحتاجون إلى علاج. تلك الفتاة الصغيرة؟ تلك الطفلة ذات الأعوام الثلاثة التي كانت جالسة بصمت في الشمس لأربع ساعات متواصلة،من دون تذمر أو طعام أو لعبة؟ هي سيئة السلوك؟ تمنيت لو أمكنني أن أقول لهم : "أيها الناس،تعالوا إلى أمريكا لتروا سوء السلوك على حقيقته. تعالوا لأريكم بعض الأطفال الذين سيدفعونكم للجنون". ولكن مقاييس السلوك الحسن مختلفة هنا بالنسبة إلى الأطفال.
    عالج كيتوت جميع المرضى بلطف،من دون الاهتمام بمرور الوقت،وأعطى لكل فرد الاهتمام الذي يحتاج إليه بغض النظر عمن يكون المريض التالي. وكثرة انشغاله حالت دون تناول حتى وجبته الوحيدة في وقت الغداء،بل ظل مستمّرا على شرفته،ملتزما باحترامه لأسلافه،وجلس هناك لساعات متواصلة لمعالجة الجميع. بحلول المساء،بدت عيناه كعيني جرّاح في ساحة حرب أهلية.(..) قلت له : "ربما أمكنك المجيء لزيارتي في أمريكا يوما ما،كيتوت".
    هزّ رأسه نافيا ومستسلما بمرح لقدره : "لا يمكنني يا ليز. لا أملك ما يكفي من الأسنان للسفر بالطائرة".){ص 297 - 298}.
    يبدو أن (بُقول) تدور،وتدور،لتعود إلى الحديث عن الطلاق ... ومعاناة النساء معه ... فهاهي المؤلفة تتعرف على سيدة بالينية .. مطلقة .. بعد أن عالجتها من آثر حادث سير حصل لها وهي تقود دراجتها النارية ... ثم بدأت (وايان نور ياسي) – وهذا اسم الطبيبة – تحكي قصتها مع زوجها،وهي تضمد الجرح :
    (86)
    (ضربني بقوة إلى أن فقدت وعيي وشعرت بالدوار لم أعد أرى. أعتقد أنني محظوظة لأنني معالجة،ورثتها عن عائلتي،لأنني أعرف كيف أعالج نفسي بعد أن يضربني. لو لم أكن معالجة لخسرت أذني،أعني أن أتمكن من سماع الأصوات. أو ربما خسرت عيني،توقفت عن الرؤية". أخبرتني أنها تركته بعد أن ضربها بعنف شديد إلى أن خسرت طفلي،أبني الثاني الذي كان في بطني. بعد تلك الحادثة قالت لها ابنتها الأولى،وهي فتاة صغيرة ذكية يلقّبونها توتّي : "أعتقد أنه عليك الحصول على الطلاق،ماما. فكلما ذهبت إلى المستشفى تتركين كثيرا من العمل في البيت لتوتّي".
    كانت توتّي في الرابعة من عمرها حين قالت ذلك.
    الخروج من الزواج في بالي يترك المرء وحيدا ومفتقدا للحماية بوسائل يستحيل على الإنسان الغربي تخيلها. فالعائلة البالينية،المطوقة ضمن أسوار مجمع العائلة،هي كل شيء. (..) كان خيارها إما البقاء في أمان مجمع العائلة،مع زوجها الذي يرسلها باستمرار إلى المستشفى،أو إنقاذ حياتها و الرحيل،ما يعني خسارة كل شيء.
    لم تخسر وايان كل شيء بالضبط. فقد أخذت معها موسوعة علاجية،طيبتها،أخلاق عملها وابنتها توتّي،التي حاربت ببسالة للاحتفاظ بها. فمجتمع بالي أبوي حتى العظم. وفي حالات الطلاق النادرة،يبقى الأبناء مع أبيهم دائما. وللحصول على حضانة توتّي،اضطرت وايان إلى توكيل محامي دفعت له كل ما لديها. أعني كل شيء. لم تبع أثاثها ومجوهراتها وحسب،بل ملاعقها وسكاكينها،جواربها وأحذيتها،مناشفها القديمة وشموعها نصف المحترقة،كل شيء ذهب لتسديد أجر ذلك المحامي. ولكنها استعادت ابنتها. ووايان محظوظة لأن توتّي فتاة. ولو كانت صبيا،ما كان لها لتراها مجددا. فالذكور أكثر أهمية بكثير في بالي.){ص314 - 316}.
    دون أن نجرح أخواتنا اللائي عانين من الحصول على الطلاق ... لابد أن نتذكر بساطة الأمور في الإسلام. وأتذكر أن مصر كانت تسعى لسن قوانين تجعل الطلاق لا يقع إلا أمام القاضي .. أي استنساخ التجربة الغربية،حتى في الطلاق!!! كل الذي أذكره (شريطا)،حول الموضوع للشيخ عبد الحميد كشك،رحم الله والديّ ورحمه.
    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"11"
    {"خلطة" كتب}
    ربما تكون هذه الحلقة هي الحلقة الوحيدة التي وجدت نوعا من (الحرج) في كتابتها. وقبل أن أحيل الكلام إلى المؤلفة لتحدثكم بنفسها ... أجدُ أنه من الأفضل أن أعود إلى الحلقة الرابعة لأقتطف منها هذه الأسطر :
    ((مرة أخرى يبرز لنا الإسلام كجواب على بحث (ليز) عن التوازن بين المتعة الروحية والدنيوية. ليس تحيزا،ولكن أليس الإسلام هو دين : ( وفي بضع أحدكم أجرا)، أو كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم.
    مناسبة هذا الكلام هو قول (ليز) في الحكاية :
    (9)
    (حقيقتي هي في الواقع ما قلته للعرّاف في بالي بالضبط – أردت اختبار الاثنين : المتعة الدنيوية،والتجاوز الروحي – المجد المزدوج للحياة البشرية. أردت ما سمّاه الإغريق التوازن الفريد للخير والجمال. فقد كنت أفتقد إلى الاثنين في السنوات الصعبة الماضية،لأن كلا من المتعة والتعبد يحتاجان إلى مساحة خالية من التوتر يزدهران فيها،بينما كنت أعيش في مستوعب كبير من القلق المتواصل.){ص 35}.
    قررت (ليز) أن تعيش العزوبة،وعاشت حياة روحية صرفة،خصوصا في الهند،وظلت تمارس رياضة (التأمل)،حتى بدت – عبر كتابها – وكأنها نسيت الجزء الآخر،أي الجسد ... ولكن!!
    ولكن هذه تعيدنا إلى الحكاية السادسة والثمانين،وتحديدا إلى (لقطة) كشف الطبيبة – والصديقة في نفس الوقت – البالينية على الركبة المصابة للمؤلفة :
    (86)
    (قالت وايان : "ركبتك أفضل الآن. تحسنت بسرعة وزال الالتهاب". مسحت آخر الأعشاب الخضراء عن ركبتي ثم راحت تتحسسها قليلا. بحثا عن شيء ما. ثم كررت ذلك على الركبة الأخرى وهي تغمض عينيها. أخيرا فتحتهما وقالت مبتسمة : "أستطيع أن أعرف من ركبتيك بأنك لم تمارسي (؟؟؟؟) مؤخرا".
    سألتها قائلة : "لماذا؟ (تلميحة لا داعي لذكرها) فضحكت وقالت : "كلا،إنه الغضروف. فهو جاف جدا. هرمونات (؟؟) تلين المفاصل. كم مضى عليك ......"
    "سنة ونصف".
    "أنت بحاجة إلى رجل جيد.سأحصل لك على واحد. سأصلي في المعبد لكي تجدي رجلا جيدا،لأنك أصبحت أختي الآن. وإن أتيت غدا،سأنظف لك كليتيك".
    "رجل جيد،وكليتان نظيفتان؟ هذا كثير".
    "أنا لا أخبر أحدا بهذه الأمور عن طلاقي. ولكن حياتي حزينة جدا وصعبة جدا. لا أفهم لم الحياة صعبة إلى هذا الحد".){ص 318 - 319}.
    هذا الحديث – من حيث المبدأ – يذكرني بكتاب الأستاذة فاطمة شوكت عليان :
    مشكلات المرأة الكبرى : العزوبة والغريزة / د.م / نشر خاص / 1996م / الطبعة الأولى / 154 صفحة.
    مرة أخرى تعود الطبيبة لتلح على نفس الموضوع،ولكن في الطريق إلى ذلك هناك (وصفة )لإطالة الشعر.{لمن لديهن "شجرة موز"!!} لا أحب إعطاء الأمور أكبر من حجمها،ولكن هل اهتمام (بُقول) بأن يصبح شعرها غزيرا،هل له علاقة بالأفكار التي أثارها حديث الطبيبة؟! على كل حال إلى الحكاية الثامنة والثمانيين :
    (88)
    (كنت جالسة في متجر وايان مجددا هذا الصباح وكانت تحاول إيجاد علاج يجعل شعري ينمو بشكل أسرع ويجعله أكثر كثافة. فمع شعرها الكثيف اللماع الرائع الذي ينسدل حتى وركيها،تشعر بالأسف على حفنة شعري الشقراء. وكمعالجة،لديها بالطبع علاج يساعد على جعل شعري أكثر كثافة،ولكنه لن يكون سهلا. أولا،عليّ أن أعثر على شجرة موز وأن أقطعها بنفسي. ثم أقوم برمي الجزء الأعلى من الشجرة،وتجويف الجذع والجذور (التي ما زالت في الأرض) على شكل وعاء كبير وكأنها حوض سباحة. بعد ذلك،أقوم بتغطية هذه الحفرة بقطعة خشب لمنع ماء المطر والندى من الدخول إليها. وبعد بضعة أيام،سأجد حوض السباحة الذي صنعته امتلأ بسائل غني بالمغذيات أفرزته جذور الموز،فأجمعه في زجاجات (..) عندها أفرك به فروة رأسي كل يوم. وخلال بضعة أشهر،يصبح شعري كثيفا،لا معا وطويلا مثل شعر وايان.
    قالت : "حتى لو كنت صلعاء،سينبت شعرك بهذا العلاج".(..) هذا ما كنا نفعله طيلة اليوم في متجر وايان. نجلس ونتحدث،توتّي ترسم وأنا و وايان في قيل وقال،نضحك ونمزح مع بعضنا. كانت وايان تتمتع بروح الفكاهة،تتحدث دوما عن (؟؟) تمازحني لأنني عزباء (..) كانت تخبرني دوما بأنها تذهب إلى المعبد كل مساء وتصلي لكي يظهر رجل جيد في حياتي،وأغرم به.
    أخبرتها من جديد هذا الصباح: "كلا،وايان،لا أحتاج إلى ذلك. فُطر قلبي مرات عديدة".
    قالت : "أعرف علاجا للقلب المفطور". ثم عدت على أصابعها على طريقة الطبيب الحازم العناصر الستة لعلاجها المضمون للقلب المفطور :
    "فيتامين E،كثير من النوم،كثير من الماء،السفر إلى مكان بعيد عن المحبوب،التأمل وتعليم القلب بأن هذا هو القدر".
    "قمت بكل شيء حتى الآن،ما عدا فيتامين E ".
    "إذا لقد شفيت الآن،وأصبحت بحاجة إلى رجل جديد. سأجد لك رجلا".
    "أنا لا أدعو لإيجاد رجل. الشيء الوحيد الذي أدعو لأجله هذه الأيام هو إيجاد السلام مع نفسي".
    فنظرت وايان إلى أعلى سئمة،وكأنها تقول أجل،صحيح،كما تشائين أيتها البيضاء الغريبة الأطوار،وقالت : "هذا لأنك تعانين من ضعف الذاكرة. ما عدت تذكرين كم أن ..){ص 322 - 324}.
    لم يتوقف الأمر،عند رغبة (ليز) في أن يصبح شعرها غزيرا،بل حضرت (حفلة) :
    (89)
    (لا أذكر آخر مرة ارتديت فيها ملابس سهرة،ولكن هذا المساء أخرجت من حقيبتي فستانا طويلا بلا كمين وارتديته (..) كان العشاء مع المغتربين مسليا جدا (..) أم مع البرازيلي الوسيم المتقدم في السن الذي أعدّ هذه الوليمة الهائلة لنا جميعا؟ فقد أحببت عينيه البنيتين الطيبتين ولهجته،وطبخه بالطبع. قلت له شيئا مثيرا جدا بلا سبب. كان يمزح ويقول : "أنا كارثة حقيقة،لا أتقن الرقص ولا كرة القدم ولا أعزف على أيّ آلة موسيقية". ولسبب ما قلت له : :ربما كان هذا صحيحا. ولكن لديّ شعور بأنك تتقن لعب دور الكازانوفا جيدا". توقف الزمن للحظات طويلة،وانتشرت جرأة عباراتي في الهواء حولنا كالعطر. ولم ينف ذلك. فأشحت نظري أولا،وشعرت باحمرار خدّيّ.){ص 326 - 327}.
    ثم دار حوار بين المؤلفة و (فيليبيه)/وهذا هو اسم الرجل البرازيلي :
    ("ستعيشين أياما رائعة هنا في بالي،سترين".
    "ولكنني لا أعرف كم يمكنني أن أكون اجتماعية،فيليبيه؟ لا أملك سوى فستان واحد . سيلاحظ الناس قريبا أنني أرتدي الفستان نفسه طيلة الوقت".
    "أنت شابة وجميلة،حبيبتي.{ سبق لها أن كتبت :"أحببت وجوده معي،يفتح لي الأبواب ويجاملني ويناديني حبيبتي. ولكنني لاحظت بأنه ينادي الجميع حبيبي أو حبيبتي،حتى النادل غزير الشعر. مع ذلك،كان اهتمامه لطيفا."ص 327 - 328 } لا تحتاجين سوى إلى فستان واحد".){ص 330}.
    في الحكاية التالية،مباشرة،سوف يقول لها شيئا فتتساءل :
    (90)
    (هل أنا شابة جميلة؟
    ظننت أنني عجوز مطلقة. ){ص 330}. ثم تتحدث عنه في الحكاية الثالثة والتسعين .. ولكن ذلك سيكون في الحلقة المقبلة ...... إذا أذن الله.

    طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"12"
    {"خلطة" كتب}
    ليست هذه الحلقة غير امتداد للحلقة السابقة،الحلقة الأكثر حرجا. في الحكاية الثالثة والتسعين،تتحدث (ليز) عن البرازيلي الذي تعرفت عليه في (الحفل) :
    (93)
    (لكنه في الثانية والخمسين. وهذا الأمر مثير للاهتمام. هل بلغت سنا أصبحت أجد فيها رجلا بسن الثانية والخمسين ضمن دائرة اهتمامي؟{وإشبهم اللي عمرهم 52؟!!!!! بدأت تغلط !!} مع ذلك،هو يعجبني بشعره الفضي ورأسه الذي بدأ يجتاحه الصلع على نحو جذاب.{هذا الكلام!!} عينان بنيتان ودافئتان. وجهه لطيف ورائحته رائعة. كما انه رجل ناضج فعلا،وهذا جديد بالنسبة لي. (..) أحب طريقته في الإصغاء إليّ،يتكئ إلى الأمام ولا يقاطعني إلا حين أقاطع نفسي لأسأله ما إذا كنت أسبب له الملل،فيجب : "لديّ كل الوقت لأجلك،يا حبيبتي الصغيرة الجميلة". أحببت هذا الوصف،وإن كان يطلقه على النادلة أيضا.){ص 338}.
    ثم دار بينهما هذا الحوار :
    (قلت له :"لقد فُطر قلبي بشكل خطير آخر مرة حتى إنه ما زال يؤلمني. أليس غريبا أن تتألم لسنتين تقريبا بعد انتهاء قصة حب؟".
    "عزيزتي،أنا من جنوب البرازيل. يمكنني أن أتألم لعشر سنوات لأجل امرأة .. ".
    تحدثنا عن زواجنا وطلاقنا،ليس بطريقة سيئة،بل لمواساة بعضنا. وقارنا تجاربنا عن الإحباط العميق الذي لا قرار له والذي يعقب الطلاق. أكلنا وشربنا معا وأخبرنا بعضنا أجمل القصص التي نتذكرها عن طليقينا،لنزيل مرارة تلك الخسارة.){ص 340}.
    وظل الأمر ينمو،حتى الحكاية السادسة والتسعين :
    (96)
    (أعجب بجسدي حين رآه للمرة الأولى (..) وقال لي إن لدى البرازيليين (بالطبع) عبارة تصف جسدي بدقة،وهي magrafalsa،أي نحيلة في الظاهر،بحيث تبدو المرأة نحيلة عن بعد ولكن لدى الاقتراب منها،ترى أن جسدها مستدير ومكتنز،ما يعتبره البرازيليون شيئا جيدا. بارك الله فيهم.){ص 348}.
    تعود المؤلفة لتتحدث بإسهاب،أو لتتذكر قصة زواجها :
    (تزوجت شابة وبسرعة،كنت مغرمة ومتفائلة،ولكنني لم أناقش كثيرا حقيقة الزواج. ولم ينصحني أحد في ذلك. فقد تربيت على الاستقلالية،والاكتفاء الذاتي،واتخاذ القرارات بنفسي. وحين بلغت ا

المواضيع المتشابهه

  1. ومضة من "طعام صلاة حب : امرأة تبحث عن كل شيء(1)
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-22-2015, 03:11 PM
  2. نرحب بالأديبة/حفيظة طعام
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-17-2012, 09:20 AM
  3. من صحافة جامعة الموصل ..مجلة المحاسب 1965
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-01-2011, 01:24 PM
  4. طعام الفقراء
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المطبخ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-23-2009, 03:14 PM
  5. طعام الحُبْلى - منظور تمريضي
    بواسطة الدكتور ضياء الدين الجماس في المنتدى فرسان التمريض والصيدلة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-18-2008, 12:43 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •