ملف لغات العراق القديم
- تاريخ السومرية والاكدية (البابلية ـ الآشورية)
- وجود اللغة السومرية لا يدل على وجود السومريين! د. نائل حنون
- أطوار اللغة السومرية ترجمة / د. حميد حسون بجية
- اللغة الأكدية اعداد / زينب زنگنه
- الكتابة المسمارية اعداد / طارق كامل
- من معالم الحضارة العراقية القديمة جعفر هادي حسن
تاريخ السومرية والاكدية
(البابلية ـ الآشورية)
إن برج بابل اعتُبر رمزاً اسطورياً عالمياً انطلقت و(تبلبلت) منه جميع لغات العالم!
جميع كتب التاريخ تتفق على ان العراق (بلاد النهرين) منبت أول حضارة على الارض، الى جانب الحضارتين المصرية والسورية. ابتدأ النشاط البشري الملموس في حدود (100-60 ) ألف سنة ق.م، حيث ظهرت آثار الجماعات الأولى من انسان (نياندرتال) في منطقة الرطبة وحوض الموصل وكهف شنايدر. وعبر العصور الثلاثة التي اصطلح عليها المؤرخون (العصر الحجري القديم، والأوسط، والحديث) تطور نشاط الانسان الأول في العراق وبدأ انتقاله التاريخي من الالتقاط والصيد إلى الزراعة والتدجين وتطوير بعض الادوات الضرورية. وفي العقدين الأخيرين من الألف العاشر ظهرت القرى الزراعية التي كشفت طبقاتها الأولى عن نشاط زراعي حيواني منتظم وكشفت عن استقرار اجتماعي. يعتبر (الفخار) من أبرز المبتكرات التي لها أهميتها. وشاع استخدام المعادن وتطور النمط العمراني بتطور المباني وتطور تلوين الخزف وتطورت المعابد وتطور الفن واتسع انتشار مراكز الاستقرار الاجتماعي في وسط العراق ونموها السريع. ثم ظهر الدولاب الذي يصنع به الفخار وبدأت الحضارة العراقية تأخذ طريقها إلى خارج العراق.
وفي فجر التاريخ ( 3000ق.م) تعززت مكانة المعبد ودوره الاجتماعي والاقتصادي الذي ارتبط بتطور القرى الزراعية. وقد توج هذا التطور بابتكار الكتابة إذ عثر على أول نموذج لها بهيئة صورية تعود إلى سنة 3000ق.م في الطبقة الرابعة من موقع مدينة الوركاء. وقد وجدت الكثير من هذه الاختام الاسطوانية في سوريا ومصر وعيلام وأواسط أنضوليا، وهذا يدل على مدى تأثير الحضارة العراقية ومنذ وقت مبكر،على عموم الشرق الاوسط .
الاساس الحضاري
إن (مرحلة الحضارة العراقية القديمة) قد دامت حوالي 3000 عام، أي بين(3000) قبل الميلاد، حتى سقوط بابل (آخر دولة عراقية قديمة) في القرن السادس ق.م وعرفت بـ (حضارة بلاد النهرين). ومقر هذه الحضارة هو العراق الحالي، بالاضافة الى أجزاء أخرى تابعة له جغرافياً وحضارياً (( في سوريا ـ منطقة الجزيرة ـ كذلك في ايران (الاحواز)، ثم في جنوب تركيا ـ أعالي النهرين)). ولكن هذه الحضارة النهرينية كانت من القوة والتأثير انها شملت كل الشرق الاوسط وأصبحت اللغة الاكدية والكتابة المسمارية هي المتداولة بين دول العالم القديم، مثلما حال الانكليزية في العصر الحالي.
منذ الربع الاخير من الالف الرابع ق.م برزت جماعتان رئيسيتان هما (السومريون)، بالاضافة الى من اطلق عليهم (الأكديون) في عهود لاحقة. وعلى الرغم من تركز السومريين في المدن الجنوبية مثل أريدو وأور في محافظة ذي قار والوركاء في محافظة المثنى، وتركز الأكديين في كيش في محافظة بابل وسبار في محافظة بغداد وبعض المواقع في محافظة الانبار فقد امتزجت كلتا الجماعتين وتفاعلتا في كل المدن العراقية القديمة. وربما كانت القيادة السياسية للاكديين ثم للسومريين ومن بعدهم للاكديين والسومريين مرة أخرى.
ان العراقيين قدموا الكثير من الانجازات الحضارية للأنسانية وتُعد (الكتابة المسمارية) من أعظمها، ثم المدرسة ونظام التعليم، كذلك تكوين أُسُس النظام السياسي ومجلس الشورى وسن اولى القوانين والشرائع الطامحة لتحقيق العدالة. فمنذ عهد الحاكم السومري (أوروكاجتيا) الذي كثف خطابه الإنساني في القانون بعبارة (جئت لأخلص الضعيف من القوي ولن أدع أحد ينام وهو جائع). وصنع العراقيون الاساطير و(ديانة الكواكب) التي شكلت أساس الاديان السماوية. أما في مجال الادب فأن ملحمة كلكماش وتموز وعشتار والطوفان تعد من اولى الابداعات الادبية الكبرى. كذلك قاموا بجمع الالواح وأبدعوا أول أسس الترجمة والقواميس ذلك إن مكتبة الملك الآشوري (آشوربانيبال) تشير إلى استنساخ ألواح المعرفة القديمة وتأسيس نظم الفهارس المكتبية. أما في مجالات الفكر والعلوم، فقد وضع العراقيون قوانين ومكتشفات مهمة في مجال علوم الكيمياء والطب والفلك.
السومريون، أصلهم وحضارتهم
ظهر اسم سومر في بداية الألفية الثالثة ق.م. لكن جذور السومريين تعود الى الألفية السادسة ق.م. حيث ظهرت اولى معالم الحضارة العراقية التي اطلق عليها الآثاريون (الحضارة العبيدية) نسبة الى (تل العبيد ـ جنوب العراق قرب الناصرية)، ثم تطورت الى الحضارة السومرية.
أما الجدل الحامي منذ قرنين حول (أصل السومريين) و(من أين أتوا) فهو جدل مصطنع لأنه لا معنى له، فهو يتعلق بكل شعوب العالم. لهذا فأن الميل العام أصبح لصالح الفرضية القائلة بأن السومريون هم سكان العراق الاصليون منذ سحيق التاريخ. والادلة المعقولة على هذا انه لم يعثر حتى الآن على أي أصل لغوي أو تقارب واضح مع أية لغة في العالم. رغم كل الفرضيات القائلة بأن اللغة السومرية، بما انها لغة مقطعية غير تصريفية، فأنها تشبه في بعض النواحي اللغات (الالطو ـ تركية) مثل التركية والفنلندية والهنغارية..
(( لمزيد من المعلومات حول هذه الاشكالية نحيل للنص المنشور في نهاية هذا الموضوع عن كتاب الباحث العراقي نائل حنون الذي يدافع فيه عن نظرية ان اللغة السومرية لا تمثل شعب بل هي لغة مصطنعة خاصة بالصفوة الدينية لتمييزهم عن السكان الناطقين بالاكدية))..
ان آثار السومريين تدل على انهم كانوا يعيشون في كل أنحاء العراق، لكن مدنهم ودويلاتهم قامت أولاً في السهل الجنوبي العراقي، لأن خصوبته وغناه البيئي سمحت بهذا الانجاز الحضاري التاريخي. في هذا السهل قامت المدن الاولى مثل أور وأوروك ونيبور ولارسا ولجش وكولاب وكيش وإيزين وأريدو وأدب. في هذه المدن كانت بدايات التخطيط للسيطرة على الفيضانات وانشاء السدود وحفر القنوات والجداول. في هذا السهل كانت شبكة القنوات معجزة من معجزات الري مما جعل السومريين بناة أقدم حضارة في التاريخ.
لقد عاش السومريون في جميع أنحاء بلاد النهرين، وقد ظهرت معالمهم في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد. لكن حضارتهم تركزت في جنوب العراق (أرض شنعار) أي (جنة عدن) كما يسميها الكتاب المقدس، حيث يتفرع نهرا دجلة والفرات وجداولهما العديدة، إضافة الى ما يخلفانه جراء فيضانهما في أهوار أو مستنقعات جنوب العراق، حيث تزدهر حولها الزراعة وتنمو في ربوعها الأشجار والنباتات. يعتبر السومريون، أو (ذوي الرؤوس السود) كما يسمون انفسهم، أول صنّاع الحضارة على الارض حيث أقاموا المدن ونظموها لأول مرة، وبنوا المعابد وأنشأوا المدارس والمكتبات، بعد ان أبدعوا في اختراع الكتابة المسمارية واللغة السومرية التي سرعان ما انتشرت في جميع حواضر الشرق الأدنى القديم والتي أوصلتهم الى أسباب الحضارة والمعرفة.
وقد أنتج السومريون أدباً رائعاً وشعراً جميلاً امتاز بالعفوية والرقة والتعبير الصادق. وقد دونوا هذا الأدب الإنساني على الرقم الطينية التي صنعوها من الطين النظيف المتوفر على شواطئ الأنهار وفروعها الوفيرة.
ان أول حاكم سومري قدرَّ لأخباره أن تجد سبيلها الى التدوين ووصلتنا، كان الملك (ايتانا) أمير(مدينة لكش) في مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد، وخلف لنا بعد ذلك أسطورة (ايتانا والنسر). كما يذكر ملكاً سومرياً آخر وهو(كلكامش) صاحب الأسطورة البديعة التي عرفت بأسمه، وكانت حياته وكفاحه من أجل مدينته اوروك، قد سجلت في قصيدة أخرى مطولة تصور صراع كلكامش مع ملك كيش (أكا) الذي انتهى بانسحاب جيش ملك كيش عن أرض أوروك عام ( 2700ق.م) تقريباً. وأعطت ألينا حضارة سومر أيضاً قصة طوفان نوح (زيو سودرا) وقصائد أخرى بعضها سجلت قديماً في زمانها والبعض الآخر دُوِنَ بعد قرن من الزمن تقريباً. ومن حسن الحظ ان التراث السومري وجد معظمه بفضل (مدينة سيبار) التي ضمت مكتبة ضخمة لا تقل عن مئتي ألف رقيم، وجد فيها ما يقارب من مئة وثلاثين الف رقيم.
المصادر
ـDictionnaire de la civilisation mésopotamienne/JOANNES Dicoland/PARIS 2001
- فراس السواح / مغامرة العقل الأولى / دار الحكمة / بيروت / ط1 - 1981 .
- ليواوبنهايم / بلاد مابين النهرين / ت: سعد فيضي عبد الرزاق/ ط1 / دار الحرية للطباعة / بغداد 1981 .
- فاضل عبد الواحد / الأدب / حضارة العراق / ج 1 / بغداد 1985 .
- فرانكفورت / ومجموعة باحثين / ماقبل الفلسفة - الانسان في مغامرات الفكر الاولى / ت: جبر ابراهيم جبرا / ط2 المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت1980 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجود اللغة السومرية
لا يدل على وجود السومريين!
د. نائل حنون
كتاب الباحث العراقي (نائل حنون) الذي أثار الضجة
من المعلوم انه منذ القرن التاسع عشر والكشف عن الحضارة العراقية اختلف العلماء حول حقيقة السومريين وانقسموا إلى فريقين، أحدهم يعتقد بوجود الشعب السومري بدليل وجود اللغة السومرية. أما الفريق الآخر فقد رأى أنه لا يوجد دليل واضح على وجود السومريين كشعب، وأن اللغة السومرية كانت لغة سرية من ابتكار البابليين أنفسهم وكانت هذه اللغة تستخدم لأغراض دينية وشعائرية.
وهاهو الباحث والمؤرخ العراقي (نائل حنون) يقدم لنا الادلة على صحة الفرضية القائلة بعدم وجود السومريين!
ان دراسته العلمية الآثارية هذه استغرقت أكثر من خمس سنوات، درس خلالها أكثر من خمسة عشر ألفاً من المفردات السومرية والأكادية. وتبين بصورة واضحة ان السومريين ما وجدوا كشعب وكمجموعة أثنية مستقلة أو ذات خصوصية، بل ان (السومرية) هي ظاهرة كتابية لا أكثر. وعلى الأرجح ان السومريين هم أنفسهم أسلاف الأكاديين مخترعي هذه اللغة التدوينية. يلخص الباحث فرضيته :
((من خلال ما تقدم يتضح لنا إن الافتراض بوجود شعب سومري، يستدل على وجوده من وجود اللغة التي أطلق عليها اسم اللغة السومرية ومن أسماء الأعلام المصاغة بهذه اللغة، يثير من الأسئلة والإشكالات أكثر مما يجيب عليه. ويتضح لنا أيضاً انه لا توجد أدلة سوى اللغة على وجود السومريين باعتبارهم قوماً عاشوا مع الأكاديين أو سبقوهم على أرض جنوب بلاد الرافدين. وحتى في مجال الكتابة أصبح جلياً إن الدراسات العلمية الرصينة لا تميل إلى قبول الرأي القائل أنها من اختراع السومريين. ومن هنا فأننا نميل بدليل ما تقدم، إلى الاعتقاد بعدم وجود شعب يختلف قومياً عن الأكاديين بهذا الاسم. وأما اللغة السومرية فلدينا ما يكفي من الأسباب التي تجعلنا نذهب إلى أنها لغة وضعت من قبل الأكاديين لغرض التدوين قبل أن يتمكنوا من ابتكار وسيلة لتدوين اللغة الأكادية نفسها. ونرى أن اللغة السومرية بالشكل التي وضعت فيه لم تكن قابلة للتحدث بها، كما سنوضح لاحقاً ولكنها ساعدت الأكاديين على التوصل إلى المقطعية، بعد المرحلتين الصورية والرمزية)) ص32
الكتاب يورد العديد العديد من الادلة والشروحات التي تؤكد هذه الفكرة، منها:
· الدليل الوحيد على الوجود المفترض للسومريين هو وجود اللغة السومرية ولكن هل يمكن أن نستدل على وجود شعب من لغة خاصة بالتدوين فقط ولا تستعمل في التخاطب. ان الاختلافات بين السومرية والأكادية ليست كافية لنفي ارتباط اللغتين. ان السومرية هي البداية لما طُوِّر لاحقاً على يد الأكاديين ..((بدأ الناس بكتابة ما ينطقون به بشكل رموز بدائية ثم طوروا تلك الرموز .. أي أنه طبيعي أن تتم تلك النقلة بغض النظر عن صاحبها))..
· هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها العلماء الغربيين بالتلاعب بالحقائق المتصلة بمعطيات تاريخية وأثرية، ولا هي المرة الأولى التي يحاولون فيها نسب المنجزات التي قدمها العرب أو الساميون إلى غيرهم من الشعوب:
من الادلة الواضحة على هذا التلاعب المقصود، عندما اضيف زوراً أسم السومريون في كثير من الرقم حيث ورد أحياناً (الشعب السومري) وأحياناً (أرض سومر)، في تراجم العلماء الغربيين الذين نقلوا الكتابة من المسمارية إلى اللاتينية، ثم منها أخذ كل العلماء والباحثون في أصل اللغة والحضارة.
ولكن عندما عاد الباحث إلى الرقم الأولى التي تناولتها الترجمة، حتى اكتشف فيها خديعة كبرى هي أن هؤلاء العلماء، وأهمهم (كريمر) قاموا بزيادة صغيرة، فقط أضافوا (كلمة سومر وسومري) حيث ناسب ذلك. انه كلام مثير ولكن الرقم موجودة ويمكن التأكد منه. أن الرقم تذكر مثلاً عبارة: (خمس جرار إلى الأرض).. لكن ترجمة (كريمر) تقول: (خمسة جرار إلى أرض سومر).. وهكذا...
· أن ما سمي بالأدب السومري لم يدون قبل العصر البابلي القديم أي أن السومريين قد تم ذكرهم بعد اختفاء وجودهم المفترض بأكثر من خمسمائة عام! أي إن علم اللغة السومرية يقع بالأساس خارج العصر السومري حيث استمر التدوين بها من قبل العراقيين لأكثر من ألف عام بعد انتهاء السومريين.
· يبقى ان نشير الى أن (كريمر) هذا الذي أخذنا كلامه وصدقناه وتحولنا معه من البحث في تطور اللغة والحضارة إلى السؤال المحير والساذج عن (أصل السومريين)، هو إسرائيلي الهوية ويحضر المؤتمرات الدولية باسم إسرائيل!.
حتى الآن لم يتم العثور على أية أصول يقينية أو علاقة واضحة ومؤكدة مع أي لغة أخرى. إن اللغة السومرية لغة منعزلة ولا تعود إلى أي عائلة لغوية قديمة أو حديثة معروفة. وهذا يؤكد انها مصطنعة وليست طبيعية.
· ان العقيدة الدينية لسكان بلاد النهرين لا تدل على وجود شعبين مختلفين (سومري واكدي) بل شعب واحد بعقيدة دينية واحدة. ولا يتناقض ذلك أنه أطلق أسماء سومرية أو أكدية على عدد من الآلهة التي عبدوها. كذلك كانت مجالات الأدب باللغتين متطابقة ما يدل على تماثلها، وفي أحيان كثيرة يكون النص الأدبي نفسه مدونا ً بكلتا اللغتين. ولم تكن هناك عملية نقل بين أبواب الأدب التسعة المتطابقة في النصوص السومرية والأكادية هي : قصص الآلهة والأبطال، الترانيم، المراثي، الرسائل الأدبية، المناظرات والحوارات، أدب الحكمة، أدب السحر، الهزل والهجاء، ونصوص متفرقة.
· كانت بناية كل معبد تشيد في العصور التاريخية ويتوجب أن تحمل إسما ً باللغة السومرية واستمر هذا العرف الى أواخر عصور تلك الحضارة. ونظرا ً لما لأبنية المعابد من أهمية وقدسية فلم يكن ممكنا ً أن يستمر الأكاديون في تسمية معابدهم بأسماء سومرية إذا كانت هذه لغة شعب آخر.
· ثم هنالك المقاطع الرمزية التي وجدت في السومرية من دون أن تكون لها قيم صوتية وهذا ما يثبت أنها قد دخلت الى السومرية من اللغة الأصلية وهي الأكادية كما نعتقد على يد أصحابها الذين ابتكروا اللغة السومرية لغرض التدوين.
· ظهرت في نصوص السومرية أسماء للهجات متعددة أو تفريعات للغة السومرية، وبعد التدقيق تبين إنها ليست لهجات وإنما طرق استعمال مختلفة للغة السومرية. وبذلك يمكن التأكيد على أن السومرية لغة ابتكرت لترسم على الألواح أكثر من كونها لغة محكية أمكن اختراع الكتابة لها. ص36
· ذكرت النصوص المسمارية أسماء الأقوام القديمة ولكنها لم تشر للسومريين، ونجد فيها ذكرا ً للأكاديين / الآموريين / الآشوريين / العيلاميين / الكاشيين / الآراميين / العرب / المصريين، وحتى أقوام بعيدة مثل الهنود وحين ترد كلمة سومري في النصوص السومرية فإنها تدل على معنى (كاتب اللغة السومرية) وليس سومري القومية!
· لاحظ الباحث ان أسماء الاشخاص باللغة السومرية والتي تعني انها أسماء سومرية، لكنها استعملت لأشخاص أكديين. فمثلا ان (أنخدو ـ أنا) الأديبة التي كتبت باللغة السومرية والأكدية وهي تحمل هذا الاسم السومري، وهي ابنة سرجون الأكادي. فهل يعقل أن ينجب الأب الأكدي ابنة سومرية ؟ مثال آخر من سلالة أور الثالثة التي تألفت من خمسة ملوك خلف كل منهم أباه في الحكم. أن اسمي الملكين الأولين من هذه السلالة (أور ـ نمو وشلجي) كانا سومريين أما ابن شلجي أمار ـ سين أو بور رسين فقد حمل إسماً أكادياً ولكن حفيده (شو ـ سين) حمل إسماً سومرياً، بينما ابن الأخير (ابي ـ سين) حمل إسماً أكادياً. وليس من المعقول أن يكون الملوك من قوميتين مختلفتين وهم من نسل واحد.
كل هذه الادلة تؤكد على أن السومرية هي لغة كتابة اخترعها الأكاديون لغرض التدوين، كلغة مقدسة ومرحلة أولية حتى توصلوا فيما بعد الى تدوين لغتهم الأصلية.
المصدر: حقيقة السومريين، ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسمارية. / الدكتور نائل حنون/ دار الزمان ـ دمشق 2007 / عدد الصفحات 422
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطوار اللغة السومرية
ترجمة د. حميد حسون بجية
(عن دائرة المعارف البريطانية2006 )
وهي إحدى اللغات العازلة (أي التي تعتمد على استعمال الصيغ المبنية بدل التصريف في الدلالات النحوية)، وأقدم لغة باقية بشكلها الكتابي. وقد ثبت أنها كانت قيد الاستعمال في بلاد ما بين النهرين عند حوالي 3100 قبل الميلاد، وازدهرت خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد. وعند حوالي 2000 قبل الميلاد أستُبدلت السومرية بصفتها لغة دارجة باللغة الأكدية (أي الآشورية - البابلية)، وهي إحدى اللغات السامية، بيد أنها (أي السومرية) بقيت قيد الاستعمال بشكلها المكتوب حتى نهاية عمر اللغة الأكدية تقريباً عند حوالي بداية العهد المسيحي. ولم تتوسع اللغة السومرية كثيراً إلى ما وراء حدودها الأصلية في جنوب بلاد ما بين النهرين؛ وكان كل العدد القليل من متكلميها الأصليين لا يقاس إذا ما قورن بالأهمية والتأثير اللذين أبدتهما تلك اللغة في تطوير حضارات بلاد ما بين النهرين والحضارات القديمة الأخرى خلال كل مراحل تطور تلك اللغات.
تاريخها
يمكن تمييز أربعة أدوار مرت بها اللغة السومرية: اللغة السومرية المماتة archaic Sumerian ، واللغة السومرية القديمة أو الكلاسيكية (الفصحى) Old or Classical ، واللغة السومرية المحدثة New Sumerian ، واللغة السومرية المتأخرة Post-Sumerian .
مواصفاتها
لم يكن بالإمكان معرفة أصل اللغة السومرية بصورة أكيدة. فقد قورنت مجموعة اللغات الأورالية -الآلتية (التي تشتمل على اللغة التركية)، واللغة الدرافيدية Dravidian والبراهيو والبانتو وعدد آخر من المجموعات اللغوية باللغة السومرية، ولكن ما من نظرية من النظريات التي اعتمدت على هذه المقارنات حازت على القبول العام. فالسومرية على ما يبدو لغة إلصاقية agglutinative ، وذلك يعني أنها تحتفظ بجذر الكلمة على حاله بينما تعبّر عن التغييرات النحوية المختلفة من خلال إضافة البوادئprefixes والدواخل (أي الإضافات الوسطية) infixes واللواحق suffixes . أما الفرق بين الأسماء والأفعال، كما هو موجود حاليا في اللغات الهندية - الأوربية أواللغات السامية مثلاً، فهو غير معروف في اللغة السومرية. فعلى سبيل المثال كلمة دَك dug حين تكون مستقلة في السومرية فهي تعني (الكلام) speech إسماً، و(يتكلم) to speak فعلاً، وهذا يبين الفرق بين الاسم والفعل من خلال النحو وإضافة اللواصق affixes المختلفة ؟؟؟؟
وتشتمل الأصوات المميزة (أي الفونيمات أو الأصوات phonemes) في اللغة السومرية على أربعة حروف (أصوات) علة vowels هي: a و i و e وu ، مع 16 حرفاً (صوتاً) صحيحاً وهي: b و d وg و n وh و kوl وm و nوp وr وs وs وs وt وz. ففي اللغة السومرية الكلاسيكية، لم يكن التقابل بين الأصوات الصحيحة b وd وg وz وبين الأصوات الصحيحة p و t وk وs بين أصوات صائتة (أي تتذبذب الأوتار الصوتية عند نطقها) وبين أصوات غير صائتة (أي لا تتذبذب الأوتار الصوتية عند نطقها)، ولكن بين أصوات صحيحة لا تختلف في الإصاتة وبين أصوات مشفوعة بنفحة هواء (أي مصحوبة بنفحة هواء عند نطقها). كما أن الصوتين شبه اللينين (شبه الحركتين غير تامتين) y وw كانا يعملان كصوتي علة منزلقين.
وفي الأسماء لا يجري التعبير عن الجنوسة gender . أما العدد فيشار إليه باستخدام إحدى الإضافات: (مي) meو (مي+أش) me +esh ، و(هيا) hia، أو بالتكرار، كما في كلمة (كوركور) kur+kur التي تعني (جبال). وتشتمل الصيغ المتعلقة بالاسم التي تتطابق تقريباً مع حالات تصريف الأسماء في اللغة اللاتينية على: (أَ) e للفاعل (حالة الرفع) و(آ) أو(آك) أي (of) وتعني (لـ) للإضافة (حالة الجر) و(را) ra و (شَ) she أي (to) و(for) ومعناهما (لـ) في إحدى حالات النصب عندما تكون الكلمة مفعولاً به غير مباشر و(آ) a ومعناها (في) (حالة الظرفية) و(تا) ta ومعناها (من) (from ) (إحدى حالات الجر) و(دا) da ومعناها (مع) (with )(التي تدل على المعية).
أما الفعل في اللغة السومرية، وما يرتبط به من سلسلة من البوادئ والدواخل واللواحق فهو يقدم صورة غاية في التعقيد. وتتّبع العناصر المرتبطة بالفعل نظاماً ثابتاً، أي على الترتيب التالي: العناصر المساعدة والعناصر التي تدل على الزمن وعناصر النسبة والعناصر السببية وعناصر المفعول به أو المجرور(النصب والجر) وجذر الفعل وعناصر الفاعل وعناصر الفعل اللازم الدال على المضارع والمستقبل. وفي صيغة الماضي البسيط المتعدي المبني للمعلوم يكون ترتيب عناصر المفعول به والمجرور والفاعل بشكل معكوس. ويمكن للفعل أن يميّز التعدية واللاتعدية والبناء للمعلوم والمجهول والزمنين، أي ما يدل على المضارع والمستقبل والماضي البسيط إضافة إلى الشخص والعدد.
وكانت هنالك بضع لهجات سومرية معروفة. ومن بين تلك اللهجات المهمة لهجة أمَ- كَير، وهي اللهجة السومرية الرسمية، وكذلك لهجة أمَ- سال وهي اللهجة التي غالباً ما كانت تستخدم في صياغة الترانيم (التراتيل) والرقى (التعاويذ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللغة الأكدية
اعداد: د. زاهية النجفي
اللغة الأكّدية (لِشَانُم أَكّديتُمْ) هي لغة سامية قديمة، ظهرت في بلاد النهرين، منذ 3000 سنة قبل الميلاد وانتشرت لتصبح لغة المراسلات الرسمية في الهلال الخصيب وعموم بلدان الشرق الاوسط. وهي تصنف ضمن مجموعة اللغات السامية الشرقية. تأثرت اللغة الأكادية باللغة السومرية، وهي لغة غير سامية والتي كانت مستعملة إلى جانب الأكادية، ثم حلت الأكادية محلها في بداية الألفية الثانية قبل الميلاد. وبقيت اللغة الأكادية (بلهجتيها البابلية والآشورية) سائدة في العراق لثلاثة آلاف عام، حيث حلت الآرامية محلها في القرون الأخيرة السابقة للميلاد.
يقسم المؤرخون تاريخ اللغة الأكادية إلى ثلاث مراحل:
ـ المرحلة الأكادية (من حوالي 2800 حتى 2000 قبل الميلاد)
ـ المرحلة البابلية (من حوالي 2000 حتى 1000 قبل الميلاد(
ـ المرحلة الآشورية (من حوالي 1000 حتى سقوط الدولة الآشورية في القرن الخامس قبل الميلاد).
الاكدية تدوَّن بالخط المسماري الذي ورثته من السومرية، فوق ألواح الطين. وهى اللغة الوحيدة التى حفظت كتابات ترجع إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، دُوِّنَت بالخط المسمارى على ألواح من الفخار، ومن أهم هذه الكتابات: قوانين مدينة אֶשְנֻנַ (إشنونا) من بداية الألف الثانى ق.م، وقوانين حمورابى من القرن السابع عشر ق.م، ملحمة جلجامش من القرن السادس عشر ق.م ورسائل تل العمارنة من القرن الرابع عشر ق.م وغيرها.
وصلت اللغة الأكَّـادية إلى قمة انتشارها فى القرن السابع عندما أصبحت المملكة الأشورية فى ذروة قوتها، واستخدمتها (اللغة الأكَّـادية) مناطق كثيرة فى الشرق الأدنى. حتى فيما بعد، عندما فقدتا أشور وبابل قوتهما، وأفسحت اللغة الأكَّـادية كلغة حديث، الساحة للغة اليونانية، أصبحت لغة الكتابة فى المراسلات والمعاملات المالية وغيرها.
أن الأكاديين هم أول من مارس فن الترجمة في تاريخ البشرية، فلقد حفظ لنا الدهر من أدبهم ترجمات قاموا بها من اللغة السومرية إلى لغتهم الأكادية، كما حفظ لنا مجموعة من القوائم اللغوية المحتوية على شرح أكادي للكلمات السومرية النادرة أو الصعبة، فكانوا بذلك أول من مارس (علم صناعة المعجم) ولكن بصورة محدودة لأن القوائم التي عثر عليها تقتصر على طائفة معينة من الأسماء. أما في الفترة البابلية، فقد وضعت قوائم لغوية مزدوجة أطول من القوائم الأكادية لطول عهد البابليين بالحقبة السومرية.
مميزات الاكدية
احتفظت اللغة الأكادية بحكم قدمها بالكثير من خصائص اللغة السامية الأم وهي اللغة التي تفرعت اللغات السامية عنها. فاحتفظت بالإعراب الذي لم تحتفظ به كاملاً إلاّ الأكادية والعربية مع فارق أن الإعراب في الأكادية يكون بالميم وليس بالنون (التنوين) كما هو في العربية، والإعراب بالميم (تَـمِّيم) هو الأصل في الساميات. ويشار إليه بوضع ميم صغيرة في نهاية الكلم. مثال: مُشْكِينُم (muškīnum) مِسكين، والكلمة من السومرية.
عموماً تتميز اللغة الأكَّـادية بلهجتيها الرئيسيتن بالسمات اللغوية والنحوية التالية:
1- جذور الكلمات تتكون فى الغالب من ثلاثة حروف وفى بعض الحالات أربعة حروف.
2- إشتقاقات الكلمة تكون من خلال تغيير الحركات فى جذر الكلمة ومن خلال سوابق ولواحق خاصة وكذلك من خلال إضافة بعض الصوامت (الحروف).
3- فى اللغة الأكَّـادية أربع حركات أساسية طويلة وقصيرة u, i, a, e
4- اختفت الحروف الحلقية والتى تعتبر من سمات اللغات السامية، فى معظم الحالات وتحولت إلى حركات مثل : נהר nāru , חמור imru ، על bēlu وغيرها.
5- تضاف علامة الجمع فى نهاية الكلمة، مثل اللغة العبرية.
6- تشبه الأعداد أعداد باقي اللغات السامية.
7- يحل حرف الشين فى بعض الحالات، محل حرف الهاء فى العبرية مثل: היא ši ، הוא šu
8- للفعل 12 وزناً وللأزمان (الماضى، المستقبل، المضارع....) تتبع الأكَّـادية طريقة مختلفة تماماً عن باقى اللغات السامية.
9- لا توجد علامة خاصة للتعريف لكن يضاف للأسماء المنكرة حرف (m) مثل amtum جارية، أَمَة.
10- يختلف تركيب الجملة الأكَّـادية عن تركيب جُمَل بقية اللغات السامية. فيكون الفعل فى اللغة الأكَّـادية فى نهاية الجملة مع إضافة حركات ā أو ū.
الاكدية والعربية
ـ ألفاظ الأكدية لا تختلف كثيراً عن ألفاظ العربية، ولكنها أقرب الى ألفاظ اللهجات الحالية السائدة في العراق والشام، مثل : ز= ذ، س = ث، ص = ظ ض،1 =غ و ع و ح و 5، ش = س. وهذه بعض الامثلة:
أٌزْنُمْ = أٌذْنٌ / شُورُمْ = ثَوْرٌ / صِلُّمْ = ضِلٌّ / ًرْصًتُمْ = أَرْضٌ / بًيلُمْ = بَعْلٌ / ًدًيشُمْ = حَدِيثٌُ (أصل الكلمة الأكادية حَدَاثٌ) / كَرْشُمْ = كَرْشٌ (أصلا ب س2) / رًيشُمْ = رَأْسٌ / شَرَّاقُمْ = سَرَّاقٌ / يِشْرِقْ = يسرق / يِدَّقْ = يُقتل
ان إعراب الأكادية شبيه جداً بإعراب العربية، مثلاً:
بِيتُمْ = بَيْتٌ / بِيتَمْ = بَيْتًا
بِيتِمْ = بَيْتٍ
بِيتَانْ = بَيْتَانِ
بِيتِينْ = بَيْتَيْنِ
بِيتُمْ = بَيْتٌ
بِيتَاتُمْ = بُيُوتٌ
بِيتَاتِمْ = بُيُوتٍ، بُيُوتًا
لكن في حال الإضافة يستعمل صيغة بلا إعراب:
بِيتْ أَوِيلِمْ = بَيْتُ اَلْرًّجلِ
الضمائر تختلف أكثر عن العربية:
أَنَاكُ = أنا / أَتَّ = أنتَ / أَتِّ = أنتِ / شُو = هو / شِي = هي / نِنُ = نحن / أتُّنُ = أنتم / أَتِّنَ = أنتن / شُنُ = هم / شِنَ = هن
الصفة الأخرى إن الأكدية خالية من صوت الهاء حيث استعيض عنه في الأغلب بصوت الشين، فتحول ضمير المؤنث : (هــي) إلى (شـي).
الفعل الأكادي يختلف كثيراً عن الفعل العربي، ففي الأكادي الفعل له صيغ كثير جداً. أهمها:
الماضي (يشبه المضارع العربي)، مثلا إِرْفُدْ = ركض / المضارع: إِرَفَّدْ = يركض/ الماضي البعيد: إِرْتَفَدْ = كان قد ركض / الحال: رَفُدْ = هو ركض.
بعض الحروف الأكادية تشبه حروف العربية، مثلا ؤُ=و، كِيمَ = كَـ. لكن الكثير منها تختلف، مثلا: أَنَ = لِـ، إِنَ = في أي بِـ، إِشْتُ = من.
الأكَّـدية والعبرية
يعتقد كثير من الباحثين أن العبريين الاوائل إتصلوا بالأكديين وأثرت اللغة الأكَّـادية على بداية نشأة اللغة العبرية. ويقول البعض أن هناك أكثر من ألف كلمة دخلت اللغة العبرية من اللغة الأكَّـادية، مثل: אגרת , אחי ، אם , אניה , אנכי , הלך , אלף , ירח , אויב , אור , היכל , כסא, סוכן , ספר ....
ويبدو أن ذلك التأثير لم يكن فى الكلمات فقط بل يوجد تقارب بين اللغة العبرية والأكَّـادية فى الصور النحوية مثل: يستخدم وزن נפעל فى الأكَّـادية للتعبير عن المبني للمجهول مثل اللغة العبرية وكذلك بعض التعبيرات المألوفة فى العهد القديم مثل שנה את טעמו (صوئيل الأول 21 :14) , כמים לים מכסים (إشعيـاء11 : 9) ، עטה של שפם (حزقيال 25 : 17)، وهذه التعبيرات لها نظير فى اللغة الأكَّـادية.
طريقة قراءة النصوص الأكدية
دونت النصوص الأكادية والبابلية والآشورية بالكتابة المسمارية وهي كتابة بدأت صورية وانتهت مقطعية. والكتابة المسمارية المقطعية هي كتابة تدون (المساميرُ) فيها مقاطع صوتية مكونة من حرف وصوت مثل (مَ، مُ، مِ) الخ؟ وتمر عملية القراءة بمراحل ثلاث هي:
1- قراءة النص الأكادي ونقل المقاطع الصوتية المسمارية إلى العربية.
2- تجميع المقاطع الصوتية وتكوين الكلمات.
3- القراءة والترجمة.
مثال :
- بع.عل شَ.مِ.اي و إر.صِ.تِم
- بَعْل شَمِي وإرصتِم
- ربُّ/ سيِّدُ السماوات والأرض.
وإليكم هذا النص الأكادي (البابلي) من القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، الذي يُعرف في علم الآشوريات بـ (أُخذة كِشْ) لأنه عُثر على رقيمه في مدينة كِشْ. والأُخذة هي تعويذة يستكتبها الرجلُ الكاهنَ أو الساحرَ لاستمالة قلب امرأة يهواها ... ولا يزال هذا التقليد معمولاً به في العالم العربي كما هو معروف!
وهذه الأخذة استكتبها رجل من كِش أحدَ الكهان لاستمالة قلب امرأة يتعشقها كانت فيما يبدو تصده.
ولحسن الحظ وُجِدَ قبل أعوام من الآن كتاباً في العربية عالج فيه كاتباه هذا النص معالجة علمية جيدة جداً وقدَّماه شارِحَين إياه شرحاً مسهباً بمقارنته مع العربية مقارنة عميقة لأنهما متخصِّصَيْن في علم الآشوريات. وأنصح الزملاء المهتمين بالنصوص القديمة للشرق باقتنائه وقراءته خصوصاً وأن المصادر العربية التي تقدم النصوص السامية والشرقية القديمة من اللغات الأصلية (وليس نقلاً عن اللغات الأوربية) نادرة جداً. والكتاب هو:
"أُخْذَةُ كِش، أقدم نص أدبي في العالم، تقديم وتحقيق: ألبير فريد هنري نقاش وحسني زينة، مكتبة لسان المشرق، ديوان النصوص الأصلية، بيروت 1989 .
نص الأخذة وترجمتها
إِل ُحَيا إِرْحَمَ(م) يِرَءَّمْ
إِرْحَم(م) مَرَءْ إِلت ُعَشْتَرْ إِنْ زَجِّ(م) يُثَّبْ
إِنْ رُغْتِ كَنَكْتِ(م) يُدَرَّءْ
وَرْدَتا دَمِقْتا تُحْتَنـّا(م)
كِرِيشُ(م)ْ تُرْدا تُرْدامْ(م)
أَنَ كِرِي رُغْتِ كَنَكْت(م) طِيبْ دادْكَ
آخُذْْ فاكِ شَ رُقَّتِ(م)، آخُذْ بُرَّماتِ عِنيكِ، آخُذْ عُرْكِ شَ ثِنَتتِ(م)
***
أَشْحِطْ كِرِيشْ إِلُسِينْ أَبْـتُكْ جِشْ صَرْبَتَ(م)
يُومِيشَّ دُورِي تَنِتَّ(م) تِزْكَرِينِـي
كِِ رَعي يطور صأن(م) عَنْزِ(م) جَلُمَشَ لَخْر(م) فُخَسَّ أَتان(م) مُهْرَشْ
شِرْكُوا يِداشُ شَمْنُ(م) طِيبُوتُ(م) شَفَتاشُ
أسامْ شَمْن(م) إِنْ قاتِيشُ أَسامْ إِرِنِ(م) إِنْ فُودِيشُ
إِرْحَم(م)يُدَبَّـبُشِ(م) وَ يِشْكُـنُشِ أَنَ مُخُّوتِ(م)
***
آخُذْْ فاكِ شَ دَدِ
إِلتُ عَشْتَرْ و إِلتُ إَشْخَرَ أُتِمِّيكِ
قَدِ زَوَرْشُ وَ زَوَرْكِ لا إَعْـتَمْدا لا تَفَسَّحِينِّ
ترجمة حرفية
الإلهُ حيا يَرأَمُ اليَرْحمَ
اليرحمُ ابنُ الإلهةِ عشتار في المحراب
بالبخور المُرِّ يَتَطَيَّب
البَتُولَتانِ الحَسْناوانِ اسْتُرْضِيَتا
وَرَدَتا الكَرْمَ وَصَدَرَتا
في كَرمِ بَخُّور المر طَيِّبْ وِدَّك
أخَّذْتُ فاكِ ذا الرِّقَّةِ، أخَّذْتُ عَينَيك الزَّرقاوَين، أخَّذتُ حِرَكِ ذا الثَّنْيَة!
***
أَسْرَعتُ إلى كَرْمِ الإله سِين، وقَطَعتُ من غَرَبَة الفُرات
ذكرتني إحسانا طُولَ عُمْرِي، يوماً تلو الآخر
كالراعِي يَطُورُ الضّأنَ، والعَنزةِ جَدْيَها، والشاةِ حَملَها، والأتانِ مُهْرَها
نِعْمَتان يَداهُ، دُهْنٌ وطِيبٌ شَفَتاهُ
دُهنُ الأَرْزِ العَطِر في كَفَّيْـهِ، دُهنُ الأرز العَطِر في فُودَيهِ
زَمْزَمَ اليَرْحمُ عليها ... ثُم فَتَنَها!
***
أخَّذْتُ فاكِ الحَبِيب!
أَقْسَمتُ عَليكِ بالإلهةِ عَشتار والإلهةِ إِشْخَرَ
ألا تَذْهَبِي قَبلما زَوْرُهُ وَزَوْرُكِ ... يَتَّصِلان
المصادر
ـ اللغة الاكدية / د.عبدالرحمن السليمان/ باحث سوري/ موقع جمعية المترجمين العرب.
ـ اللغـات السـامية/ أبراهام بار يوسف / ترجمة: عمرو زكريا / موقع جمعية المترجمين العرب.
ـ الاكدية / موسوعة وكيبيديا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتابة المسمارية
اعداد / طارق كامل
في حدود سنة 3200 ق. م. ابتكر العراقيون الكتابة (المسمارية ـ Cuneiform) حيث كتبت بها اللغة السومرية، ونشروها في أنحاء الشرق الاوسط حيث أصبحت هذه الكتابة هي الوحيدة المتداولة، واستعملتها شعوب ايران والاناضول والشام، بل حتى في مصر أحياناً حسب بعض الوثائق الآثارية.
في عام 2400 ق.م تم اعتماد هذا الخط المسماري لكتابة اللغة الأكدية بلهجتيها الآشورية الشمالية والبابلية الجنوبية. ورغم إحلال الاكدية بدل السومرية، إلاّ أن العراقيين حافظوا على اللغة السومرية كلغة مقدسة خاصة برجال الدين. دام استعمال هذه الكتابة حوالي 3000 عام، أي حتى قبل الميلاد ببضعة قرون إذ بدأت الكتابة الابجدية القادمة من الشام تنتشر مع انتشار اللغة ألآرامية خصوصاً أثناء حكم السلالة الاخيرة (الكلدانية الجنوبية).
لقد دون العراقيون بالمسمارية السجلات الرسمية وأعمال وتاريخ الملوك والأمراء والشؤون الحياتية العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير والشؤون الدينية والعبادات. وأيام حكم الملك حمورابي (1728– 1686 ق.م.) وضع شريعة واحدة تسري أحكامها في جميع أنحاء مملكة بابل . وهذه الشريعة عرفت بقانون حمورابي الذي كان يضم القانون المدني والأحوال الشخصية وقانون العقوبات. وفي عصره دونت العلوم. وكان الملك آشوربانيبال ( 668- 626 ق.م.) من أكثر ملوك السلالة الآشورية ثقافة. فجمع الكتب من أنحاء البلاد وخزنها في دار كتب قومية خاصة شيَّدها في عاصمته نينوى بالعراق. وجمع فيها كل الألواح الطينية التي دونت فوقها العلوم والمعارف.
يشكل اختراع الكتابة وإدخالها في الاستعمال العام أهم حدث في التاريخ الفكري للبشر، فهو الحد الذي يفصل بين مرحلة ما قبل التاريخ والمراحل التاريخية اللاحقة. سميت الكتابة السومرية بالكتابة المسمارية لأن شكلها يشبه المسامير. والسبب في ذلك عائد إلى طبيعة المواد التي استعملوها في الكتابة: ألواح من طين تغمس الكتابة فيها غمساً بواسطة قلم من قصب فيشكل الغمس في الرقيم الطيني مثلثاً يشبه رأس المسمار. ثم تخط خطوط عمودية وأخرى أفقية فيحصل على شكل مشابه للمسمار. بعد ذلك كانت الألواح الطينية الرطبة توضع في تنور وتطبخ بالنار وتصلب تمهيداً للاحتفاظ بها.
الكتابة المسمارية في طورها الأول كتابة صورية (كذلك المصرية الهيروغليفية)، ولكن السومريين سرعان ما طوروها لتصبح كتابة مقطعية، وبهذا تم اختزال الرموز المستعملة فيها إلى أصوات المقاطع في اللغة السومرية البالغة حوالي 598 مقطعاً صوتياً.
وتم فك رموز الخط المسماري في القرن التاسع عشر وبذلك تسنى للعلماء قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والطلاسم والملاحم والرسائل والقواميس المسمارية. ويوجد حوالي 130000 لوح طيني من بلاد الرافدين في المتحف البريطاني.
وفي هذا السياق يتوجب علينا أن نشير الى ان الكتابة المسمارية هي أقدم كتابة في تاريخ البشرية الى جانب الكتابة المصرية (الهيروغليفية hieroglyphs ) التي ظهرت تقريباً في نفس الفترة. وقد اطلق الاغريق هذه التسمية الاغريقية على الكتابة الفرعونية وتعني (النقش المقدس). وهي أيضاً كتابة صورية (ليست حروفية) مثل السومرية. وقد انتهى استعمال هذه الكتابة أيضاً في نفس الفترة التي انتهت فيها المسمارية أي في القرن السابع ق.م، حيث بدأت الكتابة الحروفية (الابجدية) القادمة من سواحل الشام والتي تعد أول أبجدية في التاريخ.
مراحل تطور المسمارية*
وقد مرت العلامات الكتابية بمراحل ثلاثة متداخلة اكتمل في أثنائها نظام التدوين وأصبحت منذ مطلع العصور التاريخية في حدود 3000 قبل الميلاد وهذه المراحل هي :
· المرحلة الصورية Pictographic stage
وهي أولى مراحل جميع الكتابات المعروفة في بلاد الرافدين واكتشف أكثر من خمسة آلاف رقيم طيني من دور الوركاء (الطبقة الرابعة) عثر على معظمها في حرم معبد أي انا في الوركاء وعثر على قسم منها في كل من تل العقير وجمدة نصر ـ وخفاجي وأور وشروباك وكيش وذلك منذ مطلع القرن العشرين. وتمثل هذه الرقم أقدم الرقم المكتشفة حتى الآن لذا عرفت بالرقم القديمة، أو الأقدم archaic tablets، أي الرقم الأركائية. وعرفت أيضاً برقم ما قبل المسمارية proto cuneiform إذ كانت العلامات الكتابية مرسومة عليها بقلم مدبب الرأس يتم تحريكه على الطين الطري لرسم الشيء المادي المراد التعبير عنه رسماً تقريبياً.
وعرفت العلامات المدونة على هذه الرقم بالعلامات التصويرية Pictographicلأنها تصور بشكل تقريبي الأشياء المادية، وعرفت المرحلة التي استخدمت فيها تلك العلامات بالمرحلة التصويرية المبكرة من تاريخ الكتابة.
كانت صورية إلاّ أن قسماً منها استخدم أحياناً وفق الأسلوب الرمزي أيضاً ideographic، إذ كانت العلامة الواحدة تعبر عن كلمة معينة أو فكرة معينة. والمعروف أنه لا يمكن تحديد اللغة التي استخدمها الكاتب عند استخدام علامات صورية ورمزية فقط إذ يمكن قراءة مثل هذه العلامات المجردة من السوابق واللواحق بأية لغة كانت دون التقيد بلغة الكاتب الذي كتبها طالما لا تعبر مثل هذه العلامات عن اللغة أو الكلام المحكي ولا تضم الأدوات النحوية اللازمة لتكوين الجمل والعبارات بل إنها عبارة عن رسوم تقريبية لأشياء مادية فحسب وإلى جانبها أرقام تشير إلى أعدادها أو كميتها.
إن حقيقة أن قسماً من العلامات المرسومة في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الكتابة لا تمثل تماماً الشيء المادي الذي تعبر عنه يشير إلى أن تلك العلامات كانت قد مرت بمرحلة من التطور سابقة عندما كانت العلامات المرسومة تطابق من حيث الشكل الأشياء المادية التي تعبر عنها. إلى جانب ذلك فإن هناك قسماً من العلامات تعبر عن أشياء أو حيوانات لم يكن لها وجود في دور الوركاء / الطبقة الرابعة مما يشير إلى أنها استخدمت أول مرة في زمن سابق عندما كانت الأشياء والحيوانات موجودة في المنطقة أو في غيرها من جنوبي بلاد الرافدين وربما ستكشف لنا تنقيبات مقبلة عن ألواح الوركاء (الطبقة الرابعة) في مدن أخرى، أو أن محاولات الكتابة الأولى كانت قد تمت على مواد سريعة التلف، كالجلود مثلاً حالت تربة السهل الرسوبي الرطبة دون بقائها.
أما مضامين النصوص المكتشفة فغالبها كانت اقتصادية وتقدر نسبة النصوص الاقتصادية إلى مجموع الرقم المكتشفة بأكثر من 85% أما الرقم الأخرى الباقية فكانت لغوية مدرسية. إذ ضمت قوائم بأسماء مختلفة مثل أسماء الحرف والأسماك والطيور والمعادن والمدن.. الخ. أما الرقم الاقتصادية فتضم قوائم توزيع الجرايات ووصولات تسلم الحيوانات والمنسوجات والأطعمة والمعادن وخزنها.
وضمت الرقم ذات المضامين الاقتصادية غالباً علامات تمثل الأشياء المراد الإشارة إليها وإلى جانبها علامات تدل على الأعداد أو الكميات وغدت الرقم وكأنها سجلات تثبت ما يدخل المعبد أو يخرج منه إذ وجدت غالبية الرقم في حرم المعبد. وتشير دراسة الأرقام المكتوبة على هذه الرقم أن الكتبة استخدموا كلا النظامين العشري والستيني في الحساب.
ويرى بعض الباحثين أن هذه الرقم تمثل طوراً منطقياً لعدد من وسائل التذكر التي سبقت الإشارة إليها فبعد أن كان يرفق بالأشياء والحيوانات المقدمة إلى المعبد، مثلاً، دلالات (بطاقات) طينية tokens مثقوبة من إحدى الزوايا لغرض ربطها أو تعليقها بالشيء أو الحيوان الذي تعود لـه وقد تظهر عليها طبعة ختم أسطواني تشير إلى هوية صاحب الشيء وعليها علامات خاصة بالأرقام، استعيض عنها برسم الأشياء أو الحيوانات المقدمة على لوح من طين وأشير بجانبها إلى أعدادها أو كميتها وطبع عليها الختم الأسطواني كي تبقى تذَّكر وتخبر بما دخل المعبد أو خرج منه بشكل أوضح وليس كالدلالات الطينية التي إذا ما فصلت عن الشيء أو الحيوان الذي تعود له فقدت أهميتها ولم تعد وسيلة للتذكر أو الإخبار.
كانت أشكال العلامات التصويرية المبكرة واضحة المعالم غالباً ويمكن معرفة الشيء المادي الذي تعبر عنه، وقد تمثل العلامة رسماً للشيء المادي بكامله، كالعلامات التي استخدمت للدلالة على السمكة والمحراث والسفينة وغيرها، وقد تمثل العلامة جزءاً من الشيء المراد التعبير عنه فقط. مثل العلامات التي تمثل رأس ثور للدلالة على الثور ومع ذلك تجردت طائفة من العلامات وابتعدت تدريجياً عن الأصل الذي تمثله وفقدت أحياناً أية صلة بالأصل، وقد استعان الباحثون في تتبع أصول مثل هذه العلامات بالمشاهد المنقوشة على الأختام وحاولوا تعيين أشكال العلامات.
وظلت طائفة من العلامات غامضة ولم يتمكن الباحثون من تتبع أصولها كالعلامات التي تمثل الثور مثلاً فإنه يصعب مطابقتها مع شكل الثور في رقم الوركاء/ الطبقة الرابعة ويستحيل ذلك في رقم جمدة نصرة في حين يمكن التعرف على أصل العلامة التي تعبر عن الخنزير في رقم الوركاء. ويبدو أن العلامات التي تصور أشياء أو حيوانات شائعة وواسعة الانتشار أو الاستخدام، كالثور والشاة والرجل وغيرها، رسمت بسرعة وعناية قليلة فكانت بعيدة عن الشيء الذي تمثله في حين رسمت العلامات التي تدل على أشياء أو حيوانات نادرة نسبياً بعناية أكثر ودقة فجاء رسمها بشكل واضح، فاختلفت أساليب الرسم باختلاف الكتبة وابتعدت الرسوم تدريجياً عن الأصل الذي تمثله.
أسلوب كتابة العلامات
سبقت الإشارة إلى أن أقدم الألواح التي تحمل علامات كتابية بطريقة تحريك قلم مدبب الرأس على الطين الطري ورسمت رسماً تقريبياً الأشياء المادية المراد التعبير عنها. ومنذ أواخر دور الوركاء (الطبقة الرابعة)، وفي رقم الوركاء من الطبقة الثالثة وما بعدها ورقم جمدة نصر، حدث تغيير مهم في أسلوب كتابة العلامات على الطين. فبعد أن كان الكاتب يرسم العلامة بقلم مدبب الرأس غدا يطبع العلامة على الطين الطري وذلك بضغط نهاية القلم ذي المقطع قائم الزوايا وبشكل مائل تاركاً في كل مرة طبعة غائرة تتألف من خط مستقيم يمثل ضلع مقطع القلم قائم الزوايا، ومثلثاً غائراً يمثل طبعة زاوية مقطع القلم عندما يمسك القلم بشكل مائل ويضغط بزاويته على الطين. وبتكرار عملية طبع القلم تتألف على الطين وفق شكل العلامة المراد رسمها، تتشكل العلامة وتظهر مؤلفة من مجموعة من الخطوط الأفقية والعامودية والمائلة، ينتهي كل خط منها بمثلث صغير غائر ويظهر شكلها وكأنها مؤلفة من طبعة مجموعة من الأسافين أو المسامير. ويلاحظ أن الكاتب حاول اختزال رسم العلامة وتجاوز رسم المنحنيات والتفاصيل الدقيقة التي كان من السهل رسمها بأسلوب تحريك القلم كما نفعل الآن عند الكتابة بقلم الحبر أو الرصاص.
أما بالنسبة لعدد العلامات الكلي المستخدم فيبدو أنه كان كبيراً في بدايات الكتابة ثم بدأ بالتقلص حتى استقر العدد في الحقب المتأخرة نسبياً على ما يقرب من 550 علامة. فكثرة المواد والأشياء التي كان الكتبة يرغبون بالتعبير عنها كتابة واختلاف أساليبهم في التعبير وفي رسم تلك الأشياء زاد في عدد العلامات المستخدمة. وقد أمكن حصر ما لا يقل عن 2000 علامة في رقم حرم أي انا في الوركاء من الطبقة الرابعة، ويظن أن عددها كان ضعف هذا الرقم. وفي رقم شروباك كان عدد العلامات المستخدمة 800 علامة، أما رقم جمدة نصر وأور، فقد أمكن احتساب 400 علامة فقط.
إن اختزال استخدام العلامات شمل العدد كما شمل الشكل أيضاً. وكان ذلك في محاولة لتسهيل أسلوب الكتابة، فمثلاً كان هناك أكثر من ثلاثين علامة مستخدمة للدلالة على الشاة في رقم الوركاء، في حين أصبح عددها ثلاث علامات فقط في رقم الطبقة الثالثة وتقلّص إلى شكلين فقط في رقم الطبقة الثانية وهكذا بالنسبة للعديد من العلامات. وربما كان الغرض من تعدد العلامات الدالة على شيء مادي واحد، كالشياه أو الثيران هو بيان جنس ذلك الشيء أو لونه أو حجمه ثم استعاض الكتبة عن ذلك بإلحاق صفة من الصفات إلى العلامات بدلاً من كتابتها بشكل خاص. وكان من وسائل تقلص عدد العلامات أيضاً دمج علامتين أو أكثر بعلامة واحدة مركبة وإهمال استخدام العلامات التي تكونت منها. وكان من نتائج هذا التقليص في عدد العلامات ولاسيما عن طريق الدمج أن أضيف إلى معاني العلامة الواحدة معان جديدة وزادت قيمتها الصوتية.
ومما يلاحظ أنه رافق عدد العلامات المستخدمة واختزال أشكالها بتجاوز التفصيلات الدقيقة اتجاه مضاد يعمل على زيادة عدد العلامات. فقد تتطور العلامة الواحدة إلى علامتين مختلفتين من أجل شرح الأفكار المختلفة المرتبطة بمعنى العلامة، وقد تدمج علامتان أو أكثر لتكون علامة جديدة ثالثة تستخدم إلى جانب العلامتين السابقة، فمثلاً العلامة التي تدل على الرأس زيد عليها عدد من الخطوط والتفاصيل الأفقية فتكونت علامة جديدة تشير إلى الفم، وإذا زيد عليها علامة صغيرة تدل على الخبز أو الأكل أصبح معنى العلامة الجديدة المركبة الفعل أكل وهكذا.
أما بالنسبة لدمج علامتين مستقلتين بعلامة واحدة تحمل معنى جديداً، فلعل خير مثال على ذلك هو دمج العلامة لُ lu التي تعني رجل والعلامة كال gal التي تعني عظيم، لتكوين علامة جديدة لوكال lugal التي تعني (ملك) أو (رجل عظيم).
رجل = لُ lÙ=
عظيم = كَال gal =
ملك = لوكَال lugal =
· المرحلة الرمزية Ideographic stage
ومهما زاد عدد العلامات الصورية أو قلَّ، فإنه لا يمكن بوساطة هذه العلامات التعبير عن كل ما يجول في ذهن الكاتب من أفكار وأفعال وأحداث بل اقتصر التعبير على الأشياء المادية التي يمكن رسمها ولو بشكل تقريبي وبيان عددها أو كميتها وربما الإشارة إلى صاحبها. وإن مثل هذه الطريقة الصورية لا تفصح بالطبع عن اللغة التي كتب بها الكتبة تلك العلامات شأنها في ذلك شأن جميع العلامات والإشارات الصورية المستخدمة حتى الوقت الحاضر، مثل إشارات المرور، التي يمكن قراءتها بأية لغة وبغض النظر عن لغة كاتبيها، وقد حفزت هذه الحقيقة الكتبة الأوائل إلى ابتكار طريقة جديدة للتعبير عما يجول في خاطرهم فابتكروا الطريقة الرمزية Ideographic، أي الرمز إلى بعض الأفعال والصفات والأفكار بكتابة أو رسم علامات صورية لأشياء مادية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتلك الأفعال والصفات والأفكار، ولم تعد العلامة الصورية المستخدمة تدل على الشيء المادي الذي تمثله فقط بل غدت ترمز إلى كل الأسماء والأفعال والصفات التي ترتبط بذلك الشيء. فمثلاً العلامة الصورية التي تدل على القدم كشيء مادي غدت تستخدم للرمز إلى كل الأفعال المرتبطة بالأفعال بالقدم مثل المشي والوقوف والذهاب والحمل والجري، والعلامة التي تدل على النجمة أصبحت تستخدم للإشارة إلى الإله الذي هو في السماء وإلى السماء نفسها وإلى صفة عال، والعلامة التي تدل على المحراث الخشبي أصبحت تستخدم للدلالة على المحراث وعلى الحارث وعلى الحراثة وعلى فعل حرث وهكذا. كما أدمجت بعض العلامات الصورية مع بعضها الآخر للدلالة على معان جديدة. كما ألمحنا، فمثلاً أدمجت العلامة التي تدل على الجبل وتلك التي على المرأة لتركيب علامة جديدة تعني (أمة) أي (امرأة من الجبل) وهو مصدر الإماء في العصور القديمة وهكذا بالنسبة لبقية العلامات المركبة. وبهذه الطريقة المعنوية التي لا يمكن التعبير عنها بالطريقة الصورية المجردة وظلت الطريقتان تستخدمان في آن واحد منذ وقت مبكر جداً. إذ يشير قسم من رقم الوركاء من الطبقة الرابعة أيضاً أنها ضمت علامات استخدمت استخداماً رمزياً على نحو ما ألمحنا..
· المرحلة الصوتية (المقطعية) phonetic stage
وهي أهم المراحل التي مرت بها الكتابة المسمارية وأكثرها تعقيداً وتطوراً، فعلى الرغم من استخدام العلامات المسمارية بالطريقتين الصورية والرمزية للدلالة على الشيء المادي الذي يريد الكاتب أن يعبر عنه أو يرمز له، ظلت هذه العلامات قاصرة على التعبير عن الكلام المحكي، أي اللغة، تعبيراً دقيقاً بل ظلت عاجزة عن بيان اللغة التي تكلم بها الكاتب وأسلوب لفظ العلامات التي رسمها أو طبعها على الطين، كما أن الكتابة وفق الطريقتين الصورية والرمزية لا تساعد على كتابة أسماء الأعلام والأدوات النحوية ولا يمكن بوساطتها توضيح صيغ الأفعال والأسماء وبيان علاقة المفردات اللغوية المستخدمة في الجملة الواحدة بعضها بالبعض الآخر. لذا كانت الحاجة ملحة لابتكار طريقة جديدة في استخدام العلامات المسمارية تهتم بالصوت الذي تقرأ به العلامة دون المعنى الصوري أو الرمزي الذي تدل عليه، فكانت الخطوة المهمة في ابتكار الطريقة الصوتية في الكتابة phonetic stage التي تمثل آخر مرحلة من مراحل تطور الكتابة المسمارية إذ إن العراقيين القدماء لم يطوروا كتابتهم إلى الطريقة الأبجدية التي انتشرت فيما بعد في أنحاء العالم كافة لسهولة تعلمها وكتابتها.
لقد بدأ استخدام الطريقة الصوتية في الكتابة منذ وقت مبكر ولا يمكن تحديد بدء استخدامها على وجه الدقة إلاّ أنه يمكن تتبعها في رقم الوركاء من الطبقتين الثالثة والثانية وفي رقم جمدة نصر، وتمثل هذه الرقم أقدم الرقم التي تمكن الباحثون من قراءتها ومعرفة لغتها السومرية. ويبدو أن أول خطوة نحو استخدام الطريقة الصوتية في الكتابة تمثلت في كتابة الكلمات المتشابهة لفظاً في المعنى بعلامة واحدة كانت تستخدم أول الأمر للتعبير عن معنى إحدى هذه الكلمات. فمثلاً كانت هناك علامة تستخدم للدلالة على الثوم. وهي العلامة التي كانت تقرأ سُم sum بالسومرية وتعني (ثوم). ولما كان الفعل (ذهب) بالسومرية يلفظ (سُم) أيضاً فقد استخدم الكاتب السومري العلامة نفسها للدلالة مرة على الثوم ومرة أخرى للدلالة على الفعل ذهب وذلك حسب مضمون النص. أي أن الكاتب هنا استخدم القيمة الصورية للعلامة ، وهي سُم تلفظ sum، لكتابة كلمة جديدة لا علاقة لها بمعنى العلامة الصورية، وهو (ثوم) إلا أنها كانت تلفظ sum أيضاً. وقد نجد ما يشابه ذلك في الكتابة العربية من حيث الشكل فقط، فقد نكتب الكلمة (ذهب)، مجردة من الحركات ونعني بها معدن الذهب، وقد نكتب الكلمة نفسها في جملة أخرى ونعني بها الفعل (ذهب) وتحدد الجملة ومضمون النص المعنى الذي قصده الكاتب، وكذلك الكلمة حية التي تعني مرة الثعبان ومرة على قيد الحياة حسب مضمون النص ولعل أقدم الأمثلة على استخدام الطريقة الصوتية في الكتابة هو ما ورد في أحد ألواح جمدة نصر وهي أقدم الألواح التي تمكن الباحثون من قراءتها ومعرفة لغتها. فقد ورد في اللوح ثلاث علامات مسمارية هي
ويمكن قراءة هذه العلامات الثلاث على النحو الآتي: إن. لل. تِ en. Lil. ti وكما هو معروف فإن العلامتين الأولى والثانية من اليسار تؤلفان اسم الإله انليل، إله الجو وأحد الآلهة السومرية الرئيسة، في حين تعني العلامة الثالثة، التي تلفظ تِ TI، (سهم). وأن هذا المعنى لا يستقيم مع معنى العلامتين الأخريين، إذ لا معنى للعلامات الثلاث إذا ترجمنا العلامة الثالثة على أنها تعني (سهم). لذا حاول الباحثون أن يجدوا معنى آخر للعلامة تِ TIفوجدوا أن الفعل (يحيا) أو (يهب الحياة) يلفظ بالسومرية تِ TI أيضاً وأن الكاتب السومري قد قصد هذا الفعل عندما كتب العلامة بعد اسم الإله انليل إذ إنه أراد القول إن (الإله أنه انليل يهب الحياة)، وبعبارة أخرى، فإنه استخدم القيمة الصوتية للعلامة التي تعني سهم، وهي تِ ti، دون الالتفات إلى معناها حسب الطريقة الصورية. ولم يتوقف الكتبة عند هذا الحد بل إنهم استخدموا العلامة بوصفها مقطعاً صوتياً في كتابة أية كلمة أخرى يدخل في تركيبها هذا المقطع سواء أكانت الكلمة اسماً أو فعلاً أو أداة نحوية أو غيرها. وما يقال عن العلامة ينطبق على العلامة التي كانت تلفظ خَ ha وتعني بالسومرية حسب الطريقة الصورية (سمكة) ثم غدت تستخدم وفق الطريقة الصوتية المذكورة آنفاً، مقطعاً صوتياً لكتابة أية كلمة يدخل في تركيبها المقطع الصوتي خَ ha. مثل اسم الملك حمورابي أو أي اسم أو فعل آخر يدخل في تركيبه المقطع خَ ha. وبعبارة أخرى، غدت العلامات المسمارية الصوتية الرمزية تستخدم من أجل قيمها الصوتية فقط بغض النظر عن معانيها الصورية أو الرمزية وأصبحت أشبه بالحروف الأبجدية التي نستخدمها الآن في كتابة أية كلمة والاختلاف بين الحروف الأبجدية وقيم العلامات الصوتية أن الحرف الأبجدي يمثل صوتاً منفرداً consonant، مثل صوت م m و د d وب b وغيرها في حين يمثل المقطع الصوتي صوتاً صامتاً مع حرف علة، قبله أو بعده مثل مَ ma ومِ mi ومُ mu واَم am واِم im واُم um.. الخ، وقد يكون مؤلفاً من حرفين صامتين بينها حرف علة نحو: لِيل lil ودَم dam، ونَن nan ... الخ. أو من حرفين من حروف العلة بينها حرف صامت نحو: اَبَ aba واُدُ udu واُرُ uru وغيرها. فإذا أراد الكاتب أن يكتب اسم الملك حمورابي مثلاً، وبالطبع لا يمكن كتابة أسماء الأعلام بالطريقة الصورية والرمزية، كان عليه أن يكتبه بالطريقة الصوتية أي المقطعية وذلك بأن يجزئ الاسم أولاً إلى عدد من المقاطع الصوتية، وبالنسبة لاسم حمورابي يمكن تجزئته إلى المقاطع خَ ومُ ورَ وبِ ha.mu.ra.bi. ثم يبدأ بالبحث عن العلامات الصورية أو الرمزية التي تلفظ مثل لفظ هذه المقاطع دون الالتفات إلى معانيها، ويضع بعضها إلى جانب بعضها الآخر ويقصد منها قيمها الصوتية فقط لكتابة الاسم حمورابي لذا يمكن كتابة الاسم بالعلامات الآتية:
التي يمكن قراءتها = خَ ـ مـُ ـ رَ ـ بَ habi. mu.r`a.
ولو أننا دققنا النظر في معاني هذه العلامات الصورية الرمزية لوجدنا أنها تعني سمكة (خَ ha) + اسم (مُ mu) + ضرب (رَ ra) + شراب (بِ bi)، إلاّ أن الكاتب لم يقصد هذه المعاني من العلامات من أجل قيمها الصوتية فقط ليعبر بوساطتها عن اسم حمورابي. ولكي يمنع الالتباس على القارئ السومري أو الأكدي استخدم بعض وسائل الإيضاح ليوضح للقارئ أن المقصود من كتابة هذه العلامات هو كتابة أسم شخص مذكر فوضع علامة خاصة تعني رجلاً قبل مجموعة العلامات التي تمثل الاسم وسيأتي شرح ذلك فيما بعد مما أطلقنا عليه اسم العلامات الدالة determinatives.
وقد أفاد الكتبة من طبيعة اللغة السومرية في الكتابة المقطعية كثيراً إذ إن معظم المفردات اللغوية السومرية تتألف من مقاطع أحادية، أي أن الأسماء والأفعال فيها يتألف كل منها من مقطع صوتي واحد، وكان الكتبة قد خصصوا لكل مفردة سومرية تقريباً علامة خاصة استخدموها أول الأمر بالطريقة الصورية أو الرمزية، ثم استخدموا قيم تلك العلامات الصورية لكتابة كلمات جديدة يدخل في تركيبها تلك المقاطع الصوتية كما أشرنا سابقاً عند كتابة السومريين منذ البدء علامات تدل على معان معينة وتلفظ كما تلفظ حروف العلة، فهناك علامة تلفظ اَ = a وهي العلامة وتدل على الماء وأخرى تلفظ اِ = I وتعني (رمى) وثالثة تلفظ اِ = e وتعني وحدة قياس ورابعة تلفظ اُ = u وتعني نباتاً فاستخدمت هذه العلامات لتعبر عن حروف العلة في اللغتين السومرية والأكدية وكتبت بها الكلمات التي تدخل في تركيبها هذه المقاطع الصوتية دون الالتفات إلى معانيها الصورية أو الرمزية. فمثلاً إذا أراد الكاتب أن يكتب مصدر الفعل الأكدي اَكالُ akalu بمعنى (اكل) فإنه يجزئ الاسم إلى ثلاثة مقاطع أولاً، وهي اَ a + كَ ka + لُ lu ومن ثم يكتب العلامات المسمارية التي تلفظ مثل هذه المقاطع وهي فاستخدم هنا المقطع اَ a، الذي يعني ماء، كمقطع صوتي فقط. وكذلك بالنسبة للمقطعين الآخرين.
**هذا القسم مقتبس نصاً من : الكاتب في بلاد الرافدين القديمة ـــ عامر عبد الله الجميلي ـ منشورات اتحاد الكتّاب العرب دمشق –2005ـــــــــــــــــــــ
تدوين اللغة الأكدية*
إلاّ أن الصعوبة في استخدام الطريقة الصوتية (المقطعية) في الكتابة بدأت عندما حاول الكتبة تدوين اللغة الأكدية التي أصبحت منذ عهد الدولة الأكدية ( 2371ـ 2230 ق.م) لغة البلاد إلى جانب اللغة السومرية، واستمرت بالتداول باللهجتين البابلية والآشورية طيلة أكثر من ألفي عام. لكن الأكدية لغة (سامية) تختلف عن اللغة السومرية من جوانب عدة فهي تضم أصواتاً صامتة، كالأصوات الحلقية والمفخمة التي لا توجد في اللغة السومرية كما أن تركيبها النحوي وصياغة الاسم والفعل فيها بتغيير بنية الكلمة وحركاتها وذلك بزيادة حركات أو حروف على جذر الكلمة في بدايته أو نهايته أو بين أحرفه الأصلية أو حذف حركات أو حروف منها بذلك يتغير المعنى ويحدد تحديداً دقيقاً وأن كل ذلك لا يمكن التعبير عنه بوساطة العلامات الصورية أو الرمزية الموجودة في الكتابة المسمارية السومرية المنشأ، لذا كان على الكتبة أن يجدوا طرائق ووسائل جديدة تساعد على استخدام الكتابة المسمارية لتدوين اللغة الأكدية بأفضل صيغة ممكنة فمنها:
§ الطريقة الصوتية بالدرجة الأساس حيث استخدموا قيم العلامات الصوتية مقاطع لتدوين المفردات الأكدية، فكان الكاتب يجزئ الكلمة الأكدية إلى عدد من المقاطع الصوتية ويحاول أن يجد علامات مسمارية فيها قيم صوتية مشابهة لأسلوب لفظ المقاطع الخاصة بالمفردة الأكدية، وقد يدمج الكاتب مقطعين في مقطع واحد، حسب رغبة الكاتب والأسلوب الذي اعتاده في الكتابة ولا توجد قاعدة عامة لذلك.
§ استخدم العلامات المسمارية بمعانيها الصورية أو الرمزية وبخاصة في الحقب المبكرة ـ عصر الدولة الأكدية وحتى بداية العصر البابلي القديم ـ فإذا أراد الكاتب أن يكتب كلمة رجل أو يلم = awilum أو كلمة بيت، بيتُم = bitum، بكتابة العلامة المسمارية التي تعني، وفق الطريقة الرمزية والصورية، (رجل) أو (بيت) أو غيرها من المفردات التي توجد لها علامة مسمارية خاصة تعبر عنها.
§ وقد يستخدم الكاتب الطريقة الرمزية نفسها في التعبير عن عدد من المفردات اللغوية الأكدية أو الطريقة الصوتية (المقطعية) حسب رغبته دون قيود معينة، وبمرور الوقت تزايد استخدام الطريقة الصوتية في الكتابة وتقلص استخدام العلامات الرمزية إلاّ في العلامات التي تدل على أشياء مادية، أي حسب الطريقة الصورية.
§ استخدم المقاطع الصوتية التي تضم أصواتاً مخففة لتدوين الأصوات الأكدية المفخمة أيضاً مثل استخدام المقطع الذي يضم صوت (س) المخفف لتدوين المقطع الأكدي الذي يضم صوت (س) وصوت (ص) وصوت (ز) وعبروا عن صوت الحاء (ح) أو العين (ع) بأحد حروف العلة بـ (e )أو يـ (I)، أو الحركة القصيرة المماثلة لهذين الحرفين ( ا e واِ I) .
§ خصص الكتبة علامات مسمارية معينة كانت موجودة في الكتابة المسمارية أصلاً لتدوين مقاطع أكدية معينة، أو أنهم ابتكروا علامات جديدة لتدوين الأصوات الأكدية التي لا توجد علامات مسمارية تعبر عنها.
§ أضاف الكتبة قيماً صوتية للعلامات الرمزية التي كانت تلفظ بالسومرية وهذه القيم الصوتية الجديدة تمثل أسلوب لفظ العلامة الرمزية بالأكدية، وبذلك زاد عدد قيم العلامة الرمزية الصوتية وكما في الأمثلة الآتية:
العلامة الرمزية السومرية (إ = e ) والتي تعني بيت، غدت تقرأ بالأكدية بيتُم (bitum ) بمعنى بيت أيضاً وغدت تستخدم للتعبير عن المقاطع الصوتية المشتقة من قراءتها الأكدية وقد زاد عدد معاني العلامة المسمارية الواحدة عن عشر معان كما زادت قيمها الصوتية أكثر من ذلك.
وهي علامات توضع غالباً قبل العلامات المسمارية التي تدل على الأسماء وأحياناً بعدها لتحدد صنف أو ماهية الاسم الذي تعود له والمعنى المقصود منه، إن كان للعلامة أو العلامات المسمارية التي تمثله أكثر من معنى واحد. فالعلامة التي تدل على الخشب، (وهي العلامة التي كانت تقرأ بالسومرية GIŠ وبالأكدية اِصُ is.u وتعني شجرة) إذا وضعت أمام أية علامة مسمارية أو مجموعة علامات عرف أن تلك العلامة أو العلامات تدل على اسم شيء مصنوع من الخشب. وهكذا بالنسبة لأسماء المدن والبلدان والأنهار والأشخاص والمجموعات البشرية.
ويظن أن هذه العلامات كانت تكتب فقط ولا تقرأ لما كانت الغاية منها توجيه القارئ إلى المعنى المقصود من العلامات فحسب. وهي علامات تمثل مقاطع صوتية كانت تكتب بعد العلامات الرمزية من معنى واحد أو قراءة واحدة تهدف إلى تحديد المعنى أو القراءة المقصودة من العلامات الرمزية وذلك بكتابة علامة إضافية بعدها تشير إلى المقطع الصوتي الأخير من المعنى أو القراءة المطلوبة واستخدمت النهايات الصوتية على نطاق واسع لبيان حالة الاسم الإعرابية، فالعلامة الرمزية لا تعبر عن حركة الاسم الإعرابية، فإذا وضع الكاتب بعد العلامة الرمزية المقطع الصوتي الذي يشير إلى حركة الإعراب مع التمييم أو بدونه عرف القارئ موقع الكلمة من الإعراب وهكذا نجد أن أكثر العلامات الرمزية المستخدمة للدلالة على الأسماء يعقبها أحد المقاطع الثلاثة الرئيسة التي تدل على حركة الإعراب والتمييم وهي امُ um واَم am واِم im. وكما هي الحالة بالنسبة للعلامات الدالة، يظن أن النهايات الصوتية كانت تكتب للإرشاد فقط إذ إن العلامة الرمزية كانت تقرأ كاملة مع حركة الإعراب، كما تشير إليها النهاية الصوتية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*المصدر: الموسوعة الكونية / الكتابة المسمارية
الكتابة المسمارية وطريقة قراءة نصوصها وترجمتها*
الكتابة المسمارية المقطعية هي كتابة تدون (المساميرُ) فيها مقاطع صوتية مكونة من حرف وصوت مثل (مَ، مُ، مِ) الخ. وتمر عملية قراءة النصوص المسمارية وترجمتها بأربع مراحل هي:
1- قراءة النص الأكادي ونقحرته مقطعاً مقطعاً.
2- تجميع المقاطع الصوتية وتكوين الكلمات.
3- الترجمة.
4- شرح اللغة.
مثال / المادة السادسة من قانون حمورابي :
(نقلت النص المسماري بخط اليد لعدم وجود برنامج طباعة لكتابته)
1- القراءة والنقحرة
شُمْ – مَ أَ- وِي- لُم نِج2 – جا (= نَمْكُور) دنجير (= إلِّم) أُو – إِي- جَل يِشْ- رِ-ِ قْ، أَ- وِي- لُم شُ –ُ يِدْ- دَ- َق، و شَ شُ -ُرْقَ-َم إِ- نَ قَا- تِ- شُ يِمْ-خُ- رُ يِدْ- دَ-َق
2- جميع المقاطع الصوتية وتكوين الكلمات:
شُمَّ أَوِيلُم نَمْكُور إلِّم وإِيكَلِم يِشْرِقْ، أَوِيلُم شُ يِدَّقْ، أُو شَ شُرْقَم إِنَ قَاتِشُ يِمْخُرُ يِدَّقْ.
3- الترجمة:
(إذا سرق رجلٌ مُلكاً لإله أو من هيكلٍ، يُقتل ذلك الرجل، ويُقتل كلُّ مَن استلم من يده (المُلكَ المسروقَ).
4- شرح اللغة: الكلمـةشرحـهاشُمَّ حرف شرط أَوِيلُم(رجل)، اسم نكرة مرفوع، مشتق من الجذر (أول). وكان في المجتمع البابلي ثلاث طبقات: طبقة الأحرار (أَوِيلُم)، طبقة الفلاحين (مُشْكِينُم)، وطبقة العبيد (وَرْدُم من الجذر "ورد")نَمْكُور(رزق، مال، متاع). اسم منصوب مضاف، وتحذف الحركة في المضاف في الأكاديةإلِّم (إله)، ويجانس في العربية
(إلٌّ) بنفس المعنى. اسم نكرة
مضاف إليه مجرور وعلامة
جره الكسرة الظاهرة على آخ
ره! ولهذه الكلمة في اللغات
السامية جذران اثنان هما :
الجذر الأول: إلٌّ (Þill-um) الأكادية: إلٌ (=Þill-um)، العبرية: אל (=Þīl)، الفينيقية والأوغاريتية: إلّ، السريانية: ܐܠܐ (=Þellā)، العربية: إلٌّ. (انظر معنى "إلٍّ" في الآية الكريمة: لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذِمة. (10:9) وكذلك معنى قول أبي بكر الصديق (رض) عندما تُلي عليه بعض من (وحي) مسيلمة الكذاب: (إن هذا لشيء ما جاء به من إلٍّ)، ويؤنث هذا اللفظ في العربية على : إلَّةٌ (=Þillat-un) ومنه جاء اسم الصنم (اللات).
ومنه اسم مدينة "بابل" بالأكادية: (باب إلّيم) (= Bāb ÞIll-īm) أي (باب الآلهة). ويرد الاسم في العبرية كثيراً في أواخر الأسماء مثل إسماعيل وميكائيل وإسرائيل، وورد في العربية في أسماء مثل (ياليل) و(شرحبيل).
الجذر الثاني: (إله) (بإضافة الهاء) العبرية: אלוה (=Þelōah، وانحراف اللفظ في العبرية مصدره انقلاب ألف المد قبل حروف الحلق إلى ōa). وهذا اللفظ نادر الورود في التوراة بالمفرد وكثير الورود فيها بصيغة الجمع هكذا: אלהים (=Þelōhīm = إلوهيم. ويرى علماء التوراة في جمع اسم الإله فيها مشكلة لاهوتية عويصة ويرى بعضهم أن ذلك (جمع جلالة) أو pluralismajestatis). الآرامية القديمة: אלוה (=Þelāh)، السريانية: ܐܠܗܐ (=Þelāhā) (الإله) والألف نهاية الكلمة للتعريف، العربية: إله / إلاه.
وإِيكَلِم
الواو حرف عطف وإيكل: (هيكل)، من السومرية أيضاً(من: إي (بيت) و: جَل (كبير)، والكلمة نكرة مجرورة لأنها مضاف إليه
يِشْرِقْ
يسرق (الجذر (سرق)): فعل تام
شُ / شَ
اسم إشارة (ذلك) / اسم موصول (الذي)
يِدَّقْ
يُقتل (الجذر دقق)
شُرْقَم
اسم نكرة منصوب (المسروق)، (الشيء المسروق)
إن
مِن
قَاتِشُ
اسم مجرور بحرف الجر / إن / (من)، مضاف إلى ضمير. (يَدِهِ).
قاتُ: (يد)، شُ: ضمير الملك للغائب المفرد
يِمْخُرُ
استلمَ (الجذر مخر): فعل تام
ــــــــــــــــــــــــ
من معالم الحضارة العراقية القديمة
جعفر هادي حسن
إن دولة (بابل) لم تكن تعني فقط مدينة (بابل) التي كانت هي العاصمة، أما الدولة فكانت حسب الفترات، تشمل كل بلاد النهرين، وأحياناً تتوسع نحو البلدان المجاورة. لهذا فأن الحديث عن حضارة بابل يعني الحديث عن الحضارة العراقية القديمة كلها. (ميزوبوتاميا)
اشتهرت بابل عند الناس ببرجها وحدائقها المعلقة وقليل منهم من كان يعرف عن حضارتها وتراثها. وعلى الرغم من أن الكثير من آثارها مازال حبيساً تحت الأرض حيث هناك الآلاف من المواقع الأثرية تنتظر كشف مافيها إلاّ أن ما استخرجه الآثاريون حتى العصر الحاضر ليس قليلاً. حتى قال أحد الباحثين الأوربيين وهو يتحدث عن بلاد مابين النهرين ((إنه يمكننا القول ومن دون مبالغة أن ليس هناك بلد في العالم خلَّفَ نصوصاً قديمة بهذه الكثرة ووصلت إلينا كما كتبت))(1). وهذه النصوص تعطي صورة عن تميز حضارة بابل بتعدد جوانبها وتأثيرها على التطور المعرفي في تاريخ الإنسان. وكان من الأمور المهمة التي لعبت دوراً في بقاء هذه الحضارة هو اهتمام البابليين بالكتابة والتدوين واعطائهما أهمية كبيرة حتى أنهم جعلوا للكتابة إلاهة أسموها (نيسابا) (التي تحمل في يدها القلم) والتي كانت مهمتها الإشراف على الكتابة وفنها. وقد قام الكتبة الذين أيضا كانوا علماء وأصحاب منزلة رفيعة عند الملوك وبين المجتمع بدور حضاري في منتهى الأهمية خصوصا في المرحلة الأولى من المملكة البابلية القديمة (في بداية الألف الثاني قبل الميلاد) حيث تمكنوا من اتقان اللغة السومرية (التي هي غير سامية) وحفظ العدد الهائل من رموزها بأسمائها وطريقة نطقها واعطاء معانيها باللغة الأكدية (السامية) ثم تأليف القواميس بهاتين اللغتين حيث وصلتنا نماذج منها. فكان هؤلاء مترجمين من الدرجة الأولى (وقد ورث العرب والأوربيون كلمة ترجمانو من البابليين). ولولاهم (كما قيل) لما كانت حضارة بلاد مابين النهرين. وكان الكتبة يتدربون في مدرسة خاصة بهم تسمى (أدوبَا) وتعني حرفياً (بيت الألواح). وما اكتشف من هذه المدرسة يعطينا فكرة واضحة عنها وطبيعة المواضيع التي تدرَّس فيها. وكان على رأس المدرسة شخص يطلق عليه (أومُيا) وهي كلمة سومرية تعني (الخبير/ العارف) ويليه في الرتبة مسؤول الفصول الذي يطلق عليه (أدَا ادوبا) ثم هناك المختصون مثل (طوبشارنشد) خبير/ استاذ الرياضيات و(طوبشار أشاكا) خبير/ استاذ الهندسة والمساحة. وكان أهم موضوع يدرس في هذه المدرسة هو اللغة السومرية ويطلق على الأستاذ الذي يدرسها (طوبشار كنكيرا) المختص باللغة السومرية وأستاذها والذي كان له موقع خاص في هذه المدرسة. وجهود هؤلاء الكتبة- العلماء تثير اليوم الكثير من الإعجاب. ولولا هذه الجهود التي بذلها هؤلاء لما تمكن العلماء المختصون من معرفة اللغة السومرية وفك أسرارها وفهم معانيها.
وتعتبر القواميس اللغوية التي ألفها هؤلاء الكتاب عملاً جديداً ومن أولى المحاولات في تاريخ المعرفة الإنسانية. وكان عمل البابليين مستقلاً عما كان قد عمل في حضارة إيبلا في سوريا. ولم يؤلف مثل هذه القواميس بعد ذلك لقرون طويلة، إذ أن الإغريق لم يكونوا يهتمون بلغات الشعوب الأخرى. وأصبحت هذه القواميس مفيدة لبقية الشعوب بعد أن أصبحت الأكدية لغة الدبلوماسية والتجارة في الشرق الأدنى. وبتقدم الزمن اهتم البابليون بتأليف قواميس خاصة كقواميس أسماء الأحجار والنباتات والحيوانات والمعادن بل ألفوا قواميس لمعاني الأفعال وقواميس لغوية للأضداد والمترادف، بل وللجذور واشتقاقاتها واستعمالاتها وكذلك قواميس للكلمات النادرة التي تستعمل في الأدب. كما لم تخل هذه القواميس من توضيحات وتعليقات خاصة من فترة الألف الأول قبل الميلاد.(2) ويرى باحثون أن تطور الكتابة عند البابليين لم يستغرق وقتاً طويلاً على الرغم من القواعد الدقيقة التي وضعوها لها والأدب المتميز الذي أنتجوه(3). ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مهنة الكتابة عند البابليين لم تقتصر على الرجال وحدهم وانما كانت هناك أيضاً نساء كاتبات منذ وقت مبكر من الحضارة البابلية كما تدل على ذلك المكتشفات من مدينة (سبار)(4) التي تقع شمال بابل وهو شيء له أكثر من دلالة. كما أن معرفة القراءة والكتابة لم تكن مقتصرة على طبقة معينة من الناس كالكتاب والكهنة. بل إن الكثير من النصوص الأدبية التي عثرعليها جاءت من بيوت الناس العاديين(5) وربما كان بعضهم يملك مكتبات خاصة. وهذا يعطينا فكرة عن أن البابلي كان له اهتمامات أدبية أيضاً.
وكان أحد المكتشفات الأولى التي عثر عليه الآثاريون والذي أثار إعجاب الناس هو ماعرف بشريعة حمورابي التي تعتبر من أقدم القوانين في الحضارات القديمة وأكثرها شمولاً وتفصيلاً. إذ تحتوي على أكثر من مئتين وثمانين فقرة شملت الكثير من مناحي الحياة. كما تميزت شريعة حمورابي خاصة بجمال اللغة ودقتها وصفائها. وقد جاء في بعض ديباجتها التي تعطي بعض أسباب تشريعها ((إنه من أجل أن يسود العدل في البلد ويقضى على الشر والظلم وكي لا يضطهد القوي الضعيف)). وقد وضعت نماذج منها في أماكن عامة كالمعابد كما كان التلاميذ يتعلمونها لمضمونها ولجمال لغتها وأصبحت نصوص هذه القوانين نموذجاً لما يسمى اللغة البابلية القديمة.
وكما برز البابليون في تشريع الشرائع فقد اشتهروا أيضاً في مجالات أخرى كالطب وكان للطبيب الذي يسمى (أسو) (وهو آسي في العربية وآسيا / اسا في السريانية) موقع مهم في المجتمع وكان يعد من أبناء الطبقة العليا وكانت مهنته متميزة لاعلاقة لها بالدين أو السحر إذ من كان يمارس علاج الناس بواسطة هذين كان يسمى (أشيفو). بينما كان الطبيب الذي كان يتميز بين الناس بحمل أدواته معه وطريقة حلاقة شعره يتعلم مهنته بالدراسة أولاً. وبعد الانتهاء من الدراسة كان يقوم بممارستها مع من هم أقدم وأكثر خبرة منه. وقد وصلنا عدد كبير من الألواح التي تضم قوائم بالأعراض والأمراض والوصفات الطبية التي كتبها أطباء. وهي تحتوي على تشخيص لأسباب طبيعية للأمراض. (ويعتقد أن أقدم وصفة طبية هي تلك التي وصلتنا من بلاد الرافدين من سلالة أور الثالثة). ويتبين من بعض هذه الوصفات التي اكتشفت أن العناصر المكونة للدواء مازالت مستعملة اليوم لنفس المرض. ومن النصوص في مجال الطب مؤلَف مهم اعتبره الباحثون تحفة علمية راقية يعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد على الأقل وعنوانه (رسالة في التشخيصات الطبية والتكهنات). ويعتقد بعض الباحثين ان هذا المؤلَف ربما كان يحتوي على خمسة آلاف إلى ستة آلاف فقرة وقد عثر على أربعين لوحاً منها تمثل نصفها تقريباً(6) كما أن هؤلاء الأطباء عرفوا العدوى وشخَّصوها كما عثر على رسائل مرسلة إلى أطباء فيها الكثير من التفاصيل لحالات مرضية وبعضها احتوى على بعض أسماء الأطباء أيضا. وكان بعض هؤلاء الأطباء قد أرسل من بابل لمعالجة ملوك معاصرين للبابليين مثل الملك الحثي (حتوسيلس الثالث) في القرن الثالث عشر قبل الميلاد(7). وقد استعمل الأطباء في علاج هذه الأمراض ليس الأدوية فحسب وإنما استعملوا الأدوات للعمليات الجراحية. وممايدل على انتشار الطب هو وجود سبع مواد على الأقل في شريعة حمورابي تتعلق بعمليات جراحية. . ويرى بعض الباحثين أن البابليين قد مارسوا العلاج النفسي أيضاً الذي يعتقد أنه من نتاج العصر الحديث.
واهتم البابليون بالرياضيات وقد عثر على آلاف الرقم والألواح التي تضم أعداداً رتبت بطرق مختلفة وعمليات طرح وجمع ومسائل حسابية تتعلق بالعمارة ومساحة الأرض والسقي. كما عثر على ألواح كثيرة تحوي تمارين رياضية بعضها مع حلول لها والبعض الآخر بدون ذلك وبعض هذه التمارين بمستوى متقدم. وإن ماوصلنا منهم من قضايا رياضية يؤكد قدرتهم النظرية التي قلَّ أن وجد مثلها قبل العصر الكلاسيكي(8). وكان تصنيع المعادن شائعاً وأعطوا لمن يمتهن ذلك إسماً عاماً يدل على اختصاصه وهو (نفاخو) (بالأرامية نفاخا وبالعربية نفاخ). ثم خصصوا ذلك بإضافة اسم المعدن اليه فسمي الحداد (نفاخ فرزيلو) والذي يعمل بالذهب )نفاخ خورصي). (ومن هذه الكلمة أخذت الكلمة اليونانية خروسس للذهب). ويقول جورج روكس في كتابه العراق القديم ((ليس من شك في إن البابليين (والآشوريين) كانوا يعرفون أكثر مما عثر عليه في كتاباتهم فنقل الصخور الهائلة ونصبها مثلاً أو إنشاء ممرات مائية طويلة يدل على معرفة متقدمة بقوانين الفيزياء. وكذلك معرفتهم ببعض مبادئ الكيمياء التي كانت قد طبقت بشكل ناجح في الأدوية والأصباغ وعمل الزجاج الملون وتزيين الآجر بالمينا))(9).
واهتموا كذلك بعلم الفلك وكانوا يراقبون القمر والشمس والنجوم بشكل دقيق وكانوا يقومون بهذه المراقبة من على المعابد الدينية وأبراج خاصة في بعض المدن. كما تنبأوا بخسوف القمر وكسوف الشمس وراقبوا الرياح والسحب أيضاً. وفي ضوء علم الفلك قسموا السنة إلى اثني عشر شهراً (ومازالت أسماء الأشهر البابلية تستعمل عند اليهود وكذلك النظام الشمسي - القمري). وقسموا الشهر إلى ثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً وقسموا اليوم إلى أربع وعشرين ساعة والساعة إلى ستين دقيقة. وقد وردت أسماء علماء فلكيين في بعض الرسائل البابلية التي عثر عليها وسجل هؤلاء حالات كسوف وخسوف بشكل دقيق كما يقول بطليموس. وظل الناس يستفيدون من خبرة البابليين في هذا المجال بعد زوال دولتهم خاصة. إذ نقرأ أن نابو- ريماني (القرن الخامس ق.م) وكدينو والكاهن بل أشور(القرن الثالث ق.م) كانوا من العلماء الذين استفاد منهم الإغريق في علم الفلك وأطلقوا عليهم أسماء إغريقية. فالأول سمي نابوريانوس والثاني سديناس والثالث بيرسوس. ولذلك اختلط على بعض الباحثين أصلهم وظنوهم من الإغريق فنسبوهم إليهم خطاً ومن الضروري إعادة هويتهم إليهم. وعرف عن الكاهن بل أشور أنه كان له حلقة دراسية يدرس فيه طلاباً في بلاد الإغريق بطلب منهم. وبل أشور هو نفسه الذي كتب تاريخاً باللغة اليونانية لموطنه بابل ولملوكها ولم يصل لنا من هذا الكتاب (مع الأسف) إلاّ أجزاء قليلة. ومما ذكره في هذا الكتاب أن نبوخذ نصر بنى الحدائق المعلقة لزوجته أميتس. وقد ذكر مؤرخون أن الإسكندر الأكبر كان معجباً بخبرة البابليين في علم الفلك وحكمتهم(10) ويرى بعض الباحثين أن تعاون علماء الفلك البابليين والإغريق قد ساهم في تطور هذا العلم إلى درجة لايمكن تجاهلها. كما إن بعض علماء الفلك من القرن السادس الميلادي قد اعتمدوا على ملاحظات البابليين في التنبؤ بكسوف الشمس. ومعروف أن رموز الأبراج المستعملة اليوم ترجع في أصلها إلى البابليين (وهناك لوح أثري من بابل في المتحف البريطاني يؤكد ذلك). وقد قيل إن شعب مابين النهرين قدم أعظم إنجازاته في حقل الرياضيات والفلك.
كما ابتكر البابليون الساعة الشمسية وقال المؤرخ هيردوتس (القرن الخامس قبل الميلاد) عن ذلك (إن علم المساحة والساعة الشمسية وتقسيم اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة لم تأت من اليونان أو مصر ولكن من بابل). واهتم البابليون كذلك بالجغرافيا وقد عثر على نصوص تتضمن قوائم لأسماء البلدان والجبال والأنهار والمدن بل وحتى للمسافات بين المدن وهي قضية مفيدة جداً للمؤرخين في العصر الحديث. وقد عثر على بعض المخططات (وليست خرائط بالمعنى الحديث) لبعض المدن وقد اكتشف مخطط لمدينة نيبور كان قد وضعه البابليون لها يتفق مع مااكتشفه الآثاريون لواقع هذه المدينة. بل عثر على خريطة للعالم كذلك تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد. وكتب على أقصى الشمال منها (الأرض التي لاترى فيها الشمس أبدا). كما اكتشفت نصوص تشير إلى اهتمامهم بالجغرافيا التاريخية من عصر مبكر.
واهتموا أيضا بالتاريخ فعدا عن تدوين ما أنجزه الملوك أثناء حكمهم وما كتب على الأبنية من معلومات تاريخية فقد عثر على قوائم تضم أسماء السلالات الملكية وأسماء الملوك وشخصيات معروفة وقوائم بأحداث متزامنة إلى جانب تسجيل الحملات العسكرية التي أفادت الباحثين كثيرا ليس في تأريخ الحدث حسب ولكن أيضا في معرفة أسماء الملوك والبلدان الأخرى. وكانت قوائم الملوك تذكر أحياناً الأحداث المهمة لكل سنة في فترة حكم هؤلاء الملوك. ومن القوائم المفيدة التي اكتشفت قوائم بأسماء الآلهة. ومن الأمور المهمة التي عثر عليها قوائم طويلة بالطوالع (طوالع الخير والشر) يصل عددها إلى الآلاف. وكان لهذه الطوالع مختصون بها يدرسونها ويتدربون على معرفتها لفترة طويلة يسمى الواحد منهم (الرائي أو الناظر). وهي مفيدة جدا لدراسة العادات والتقاليد والمعتقدات للمجتمع البابلي. وقد تأثرت بعض الشعوب (بهذا العلم) (كما أطلق عليه بعض الباحثين) كالحثيين فجمعوا قوائم لها مماثلة أيضاً. واهتموا بالوثائق والحفاظ عليها والإعتناء بها فقد كانت بعض الرسائل المهمة والوثائق توضع في ظروف من الطين وتختم حتى لايعبث بها أو تقرأ من قبل أناس غير مخولين. وكانت تكتب بعض الكلمات على الظرف تشير إلى مابداخل الوثيقة أو الرسالة. وقد عثر على عدد كبير من هذه وهي مازالت مغلفة(11). ويبدو أن ختم الرسائل الشخصية بختم خاص من الحجر كان معروفا بين البابليين حتى ان هيرودتس ذكر أن كل بابلي كان له ختمه الخاص(12). كما ترك لنا البابليون تراثاً أدبياً مهماً شعراً ونثراً من أدب وحكمة وفكاهة وغيرهما ويأتي على رأس هذا الأدب قصة الخلق وعشتار في العالم السفلي وملحمة جلجامش. وهذه الملحمة هي واحدة من أهم الملاحم في العصور القديمة. وقد كان من إعجاب الشعوب الأخرى بها وتأثرهم بروعتها أنهم ترجموها إلى لغاتهم وقد عثر على ترجمتها إلى اللغة الحورية واللغة الحثية(13) وفي العصر الحديث ترجمت الملحمة إلى أكثر من لغة على رأسها الإنجليزية كما هو معروف.
وقد قيل عن البابليين انهم فاقوا في العلوم معاصريهم من الشعوب الأخرى.
وقد أعجب الباحثون والآثاريون بدرجة حب البابليين للبحث الخالص وحبهم للإستكشاف والإستطلاع أما عن بابل في عصرها المتأخر فقد وصفها المؤرخ هيرودتس وصف معجب بها ومنبهر ببنائها وبتخطيطها وببواباتها فقال عنها (لا توجد مدينة تشبهها في روعتها في العالم الذي نعرفه). وكان أشهر هذه البوابات بوابة عشتار التي زينت واجهتها باللون الأزرق وزينت بعدد من التنانين (رمز للإله مردوخ) وكذلك بعدد من الثيران (رمز الإله أدد). وقدِ بلغ عدد هذه الرموز 575رمزاً (14). وكانت البوابة موصولة بشارع سماه الباحثون (طريق المواكب) وأطلق عليه البابليون إبور شابو (الطريق الذي لن يجتازه العدو). وتوجد بوابة عشتار اليوم في متحف برلين وهي تبهر الإنسان بشكلها وبنائها وروعة تصميمها. وذكر أن بابل ضمت أكثر من ألف معبد من مختلف المقاسات(15). وذكر بعض المؤرخين أن الإسكندر الأكبر (الذي كان في بلاد مابين النهرين ومات فيها) قد أبدى إعجابه بها وأراد أن يجعلها عاصمته العالمية بل ذكر بعض هؤلاء أنه جعلها فعلاً عاصمته واستقبل السفراء فيها(16).
الهوامش :
Roux, G.1980,Ancient Iraq,pp29-30(England) -1
von Soden,W., 1994,The Ancient Orient, pp149-50(Michigan)2-
Roux,G -3., المصدر أعلاهp76
Von -4 SodenW.,op.cit. p.106المصدر أعلاه
Saggs,H.W.1988,The Greatness that was Babylon p.389 (London)5-
Bottero,J.2001,Everyday Life in Ancient Mesopotamia,p.177(Edinburgh)6-
Roux,G -7.,op.cit المصدر أعلاه ص368
Ibid -8, pp.358-9 المصدر نفسه
Ibid -9, pp.360-1المصدر نفسه
Mackenzie,D -10.,n.d. Myths of Babylonia and Assyria,p497(London)
Von -11 Soden, W.,1994 - The Ancient Orient,p 139
Saggs -12, H.W. op.cit.p.434المصدر أعلاه
Bottero,J -13., op.cit p.234 المصدر أعلاه
Roux -14, Georegsالمصدر أعلاه, pp.392-3
15- المصدر نفسه ص 390
Mackanzie,D -16,,p المصدر أعلاه ص497
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برنامج طباعي للكتابة المسمارية
ان الكتابة المسمارية العراقية التي كُتِبَ بها كل التراث العراقي القديم، السومري والاكدي، وكذلك التراث السوري ـ الشامي القديم (بالاضافة الى كل التراث القديم لبلدان الشرق الاوسط، مثل ايران والاحواز وتركيا والخليج، باستثناء مصر)، وطيلة ثلاثة آلاف عام. وهذه الكتابة تدَّرَس خصوصاً في الجامعات العراقية والسورية، مع الكثير من جامعات العالم. إن هذه الكتابة المهمة وطنياً وعالمياً، ظلت محرومة من إمكانية الطباعة الرقمية (الكومبيوتر)!
لقد بادرت استاذة بلجيكية في جامعة بروكسل الحرة في مركز اللغات القديمة، إسمها (سيلفي فانسفرن ـ Sylvie Vanséveren) وأبدعت برنامج للكتابة في الحاسوب بالخط المسماري. وهذا البرنامج يمكن تسجيله مجاناً، في الرابط التالي :
كذلك يوجد برنامج (Cuneiform Software) ندخل فيه الكتابة المسمارية التي تخص السومرية لاجل ترجمتها للانكليزية :
ذ¦ذµذ½ر‚ر€ ذ¾ذ±ذ½ذ¾ذ²ذ»ذµذ½ذ¸رڈ ذ±ر€ذ°رƒذ·ذµر€ذ°