أي نوعية من المياه نحتاجها؟
* أحمد الشقيري
لو توقّفنا قليلاً وفكّرنا في مكوّنات أجسامنا لتوصّلنا إلى معرفة أهمية المياه في تحديد نوعية الحياة التي نعيشها. وفي حقيقة الأمر، تتكوّن أجسامنا من أكثر 70% ماء، ليس ذلك فحسب بل أنّ هذا العنصر الثمين يتحكّم في جميع جوانب صحتنا بصورة عامّة، ونحن لا نتحدّث هنا عن الماء الذي نشربه فقط بل الماء الذي نستحمّ به ونطبخ ونحضر العصائر والشاي والقهوة بإستخدامه، وغيرها من الأشياء التي نقوم بها يومياً والتي تؤثّر على صحتنا بشكلٍ كبير.
من المعروف أنّ الجسم البشري قد يقاوم الحرمان من الطعام لبضعة أيام، لكنّه لا يستطيع مقاومة خطر الجفاف وقلة الماء. ولا تشكّل المياه الصالحة للشرب في العالم سوى 2.5% من الماء الموجود على سطح الأرض، ويكون معظمه متجمِّداً في الأنهار والقمم الجليدية، وهذا يعني أن غير المتجمّد من تلك المياه والرصد البيئي العالمي التابع للأُمم المتّحدة: "تعتمد نوعية المياه على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية على الإستثمارات التي يقوم بها كل من الأفراد، والمجتمعات والحكومات على كافة المستويات لضمان حماية الموارد المائية وإدارتها بطريقة مستدامة".
وتختلف نوعية المياه وسبل الحصول عليها في منطقة الخليج والمناطق المجاورة لها، فمثلاً في الأردن، ما يزال شائعاً غلي مياه الصنبور أو إستعمال فلتر لتصفية المياه لإستعمالها في الشرب والطبخ. ويعود السبب في ذلك إلى ارتفاع كلفة المياه المعبأة التي لا يستطيع البعض شراءها. وتعتبر الأردن واحدةً من الدول العشر الأكثر معاناة من شحّ المياه في العالم، التي يزداد الطلب فيها على المياه الصالحة للشرب بصورة مستمرة بسبب الزيادة السكّانية، واستغلال الموارد وتلوّث الموارد المائية المتوفرة. وقد بيّنت الدراسات أنّ حوالي 95% من سكّان الأردن مزوّدون بخطوط الإمداد بالمياه العامّة.
وأكثر من ذلك، هنالك مناطق معيّنة في أفريقيا وبلدان نامية أخرى في العالم يضطر فيها الناس إلى المشي لأميال طويلة للوصول إلى مصدر المياه الوحيد المتوافر لهم، حتى أنّ بعضهم قد يحفر في الرمال فقط للحصول على ماء للشرب أو للطبخ. إن تلك الساعات التي يقضيها أولئك الناس في البحث عن الماء توثِّر على حياتهم بصورة كبيرة وتمنع الكثيرين منهم من العمل أو الذهاب إلى المدرسة، فضلاً عن تعرّضهم للكثير من مخاطر الطريق مثل الإعتداءات. ويعدّ الأطفال الأكثر عرضة لمثل تلك المخاطر فضلاً عن خطر المياه غير النظيفة أصلاً على صحتهم.
ويبيّن أحد التقارير الصادرة عن الأُمم المتّحدة "أن المياه غير النظيفة وسوء الخدمات الصحيّة هي السبب وراء ما يقدّر بـ80% من جميع الأمراض الموجودة في البلدان النامية. كما أن الوفيات السنوية تتجاوز خمسة ملايين شخص يمثل الأطفال أكثر من نصفهم. كما بيّنت التقديرات أن سوء نوعية المياه يزيد من قابلية الإصابة بالأمراض التي تسبِّب الإسهال مثل "الكوليرا" و"حمى التيفوئيد" و"الدوسنتاريا" وسائر أمراض العدوى الأخرى الناشئة عن سوء نوعية المياه".
وفي العديد من أجزاء العالم، يعتمد الناس على مياه الصنبور لسدّ احتياجاتهم اليومية من شرب المياه، إلّا أنّ الكثير من المستهلكين قد بدأ ينأى بنفسه عن هذا المصدر والإعتماد بدلاً من ذلك على المياه المعبأة، التي أصبحت في الآونة الأخيرة المشروب التجاري الأسرع نمواً في العالم.
وفي المملكة العربية السعودية، تكون مياه الصنابير ذات جودة عالية وممتازة، كما تكون المياه المعبأة متوفرة ورخيصة الثمن. لكن في إطار سد احتياجاتنا اليومية كالشرب والطبخ والإستحمام وغسل الملابس والسيارات، هل ستكون المياه المعبأة، عند عدم توفر ماء الحنفية مثلاً، حلاً واقعياً أو مريحاً يجعل حياتك سهلة؟ بالطبع لا!
من أجل ذلك، في المرة المقبلة التي نفتح بها ماء الصنوبر، يجب علينا التفكير جدّياً بهذه النعمة المتوافرة لنا بيسرٍ وسهولة، والتي يضطر الكثيرون للعيش من دونها في بعض أجزاء العالم.
ولنتذكر جميعاً أنّ الرسول (ص) كان يتوضأ بـ"مد" من الماء، و"المد" هو ملء الكلف فقط لا غير... فلم يكن الرسول (ص) يصبّ الماء صبّاً كما نفعل اليوم، ولكنّه كان يضع في يده كمية قليلة جدّاً من الماء، ثمّ يدلّك موضع الوضوء.
- تجربة عملية:
جرّبوا في المرة القادمة أن تتوضّأوا بنصف قارورة ماء صغيرة. وستعجبون أن هذه الكمية كافية للوضوء!
عن موقع البلاغ