تأملات في موقف المقاوم والمفاوض الفلسطيني
بداية يجب عدم وقف إطلاق النار قبل الانتهاء من الاتفاق على كل بنود الاتفاق المطروحة وتفاصيلها وعدم تأجيل شيء منها، فلم يعد لدى أهل غزة ما يخسرونه فلقد تم تحميل غزة أكثر مما تحتمل ولم يعد هناك خيارات للتراجع إما أن تكون حرب تحرير وإعادة الاعتبار لقضية الأمة، أو أن نعود إلى اتفاق تهدئة هزيل وضياع دماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى وهدم مئات المنازل وتشريد آلاف الأسر، وعلى المقاومة إن فشلت في تحقيق انتصار حقيقي يتجسد في شروط التهدئة يتناسب وحجم التضحيات التي دفعتها غزة في هذه الحرب وكل الحروب السابقة ويكون درساً رادعاً للعدو الصهيوني ألا يفكر في إعادة الكرة مرة ثانية فلترحل من حياتنا إلى الأبد، وإن فكرت أن تحتفل بانتصارات وهمية على حساب أشلاء الشهداء كما هي عادتها فعلى القادرين من الشعب أن يخرجوا بأجسادهم لمنع تلك الاحتفالات حرصاً على مشاعر المصابين والثكالى والمنكوبين! لذلك على المقاومة الحذر من تكرار نفس الأخطاء التي وقع فيها عند التوقيع على اتفاقيات التهدئة السابقة، وتاريخ طويل من اتفاقيات الإطار التي تم التوقيع عليها وتم نقضها من طرف العدو الصهيوني قبل أن يجف حبرها. ومن الخير للمقاومة ألا يتولى التفاوض أو اتخاذ القرار قيادات الخارج الذين يعانون من جوانب القصور الكثيرة في ثقافتهم السياسية والتفاوضية وقصور الطموحات، إضافة إلى أنه يرزح تحت الضغوط التي تمارس عليه من جهات التمويل أو الدول المضيفة التي تمنعه من حسن استثمار حجم جرائم العدو وحجم تضحيات شعبنا في فرض أفضل الشروط لصالح القضية والشعب والمقاومة. ومهم جداً وضع جدول زمني ويكون (مقدس) لا قداسة دينية أو صنمية ولكن قداسة التزام من قبل العدو الصهيوني والدول الراعية للاتفاق تجنباً للتسويف كالعادة والمماطلة والنقض له، وقداسة الالتزام بالمواعيد المدرجة فيه يجب أن تكون مقترنة بحق المقاومة في الرد على عدم الالتزام بالطريقة التي تراها مناسبة. كما أن الاستمرار في المعركة يجب أن يكون وسيلة المقاومة لإكراه العدو والموقف الدولي الداعم له على سرعة الاستجابة لشروطها التي يجب أن تؤكد هذه المرة حقيقة أنها هي التي تملك أوراق القوة وزمام المبادرة ومتى تنتهي المعركة لا العدو الصهيوني. إضافة إلى ذلك علينا أن نؤكد لأنفسنا قبل العالم حقيقة: أن الوضع الداخلي الصهيوني هش ولا يحمل مقومات الصمود والصبر لأكثر من مدة محددة وقابل للانهيار تحت ضربات المقاومة، وكذلك حالة الجندي الصهيوني الجبان الضعيف نفسياً سريع الهروب من أرض المعركة .. وإن كان ذلك الوضع الهش قادر على الضغط على غطرسة حكومته وإجبارها على الاستجابة لشروط المقاومة وألا تنقض اتفاقياتها مرة ثانية، أو قد يكون هشاً فعلاً إلى درجة أنه أيضاً لا يستطيع التأثير على قرارات قادته السياسيين والعسكريين، ونركز هنا على تحطيم أكذوبة الأسطورة الصهيونية عن غلاء الدم اليهودي والتأكيد على أن القادة الصهاينة لا يبالون بدماء الصهاينة ...! أين الضفة الغربية والأسرى في مفاوضاتكم؟!
أين الضفة الغربية في عقل المفاوض الفلسطيني وشروط مبادرات التهدئة أو الهدنة طويلة الأمد التي إن صح ما نشر عن شروط المقاومة تمتد 10 سنوات؟! أين الضفة التي تئن من سياسة التنسيق الأمنى، ومن استباحة العدو الصهيوني لها اعتقالاً وقتلاً واغتصاباً للأرض وتهويدها وتدمير المنازل ومنع البناء ... أين هي في شروط التهدئة في الوقت الذي يطالبونها فيه أن تنتفض ضد سياسة اللتنسيق الأمني وضد العدو -وهي منتفضة دعماً لغزة الآن- أليست القضية واحدة وهي جزء من الوطن ويجب التأكيد على وحدة القضية والوطن جغرافياً وسكانياً؟! أم أننا نفتكرها ونطالبها بدفع الثمن والتضحية وننساها عند توقيع اتفاقات جني الغنائم؟! ومثل الضفة أين الرهائن (الأسرى والمعتقلين) في سجون العدو الصهيوني وطرح حلول وأفكار لإنهاء معاناتهم في السجون وتحريرهم ومنع عودة اعتقالهم ثانية؟! في الماضي تسبب كثير من القادة الفلسطينيين في توصيل رسائل خاطئة للعدو الصهيوني والأطراف الإقليمية والدولية من خلال إدلائهم بتصريحات غير مسئولة أو يطغى عليها الطابع الفصائلي، آن الأوان للكف عن مثل تلك التصريحات! كما أن عليهم الكف عن تقزيم قضية الأمة وحقوق الشعب في تصريحات تسول تهدئة مقابل التهدئة أو مقابل رفع الحصار! عليهم رفع سقف مطالبهم بما يتناسب وحجم قضية بمستوى الأمة لا فصيل يريد أن يثبت أركان حكمه في بقعة صغيرة بعد أن حصر كل تفكيره فيها وأصبحت هي بداية ونهاية القضية وحقوق وتضحيات الشعب الفلسطيني والأمة! أولئك القادة والإعلاميين بحاجة لتلقي دورات تأهيلية في كيفية الإدلاء بالتصريحات السياسية وتوصيل الرسائل بالأسلوب الصحيح، هم بحاجة لدروس في كيفية تجسيد الوطنية والوحدة الوطنية في خطابهم السياسي والإعلامي ومفاوضاتهم ورسائلهم إلى الأطراف المعنية، لأن الروح الفصائلية والرغبة في تحقيق المكاسب الشخصية والحزبية تتصدر المشهد ومهيمنة على أدائهم على جميع الأصعدة، وهنا مقتل المقاومة والقضية في مراحلها الحاسمة التي تحتاج فيها إلى إلغاء الأنا والتركيز على وحدة القضية والموقف! لأن اختزال المقاومة في فصيل دون بقية الفصائل هو إضعاف لوحدة الموقف الفلسطيني، واختزال المقاومة في الفصائل دون الشعب الذي هو المقاوم الحقيقي وهو الجندي المجول الأكثر تضحية وعطاءً وثباتاً هو تقزيم لملحمة البطولة والنضال وبخس أهل الفضل فضلهم من المتصارعين على قطف ثمار معاناة الجماهير ...! كما أنه في الوقت الذي يجب أن نؤكد فيه على أننا شعب يحب الحياة مثل كل الشعوب يجب أن نؤكد على حقيقة أننا شعب خُلق للحرب والقتال وقادر على الصمود وممارسة الحياة الطبيعية تحت القصف والدمار والقتل إلى أن ينتهي الاحتلال، وأن مستجلبي العدو الصهيوني هم الذين يعجزون عن الصمود وممارسة الحياة بشكل طبيعي تحت القصف وإطلاق الصواريخ وتُشل الحياة ومجالات الإنتاج لديهم ويُدمر اقتصادهم وكل شيء، لذلك إن فرض علينا العدو الصهيوني المعركة في المستقبل فلا يلومن إلا نفسه ولا يظن أننا سنرحب بأي مبادرة للتهدئة بعدها إلا بعد أن نحرر أرضنا ومحيطها لأننا قادرون على ممارسة الحياة في كل الظروف! كما أنه على القادة والمحليين السياسيين الكف على الفزلكة الفارغة عن سبب العدوان الصهيوني لكسب أصوات الناخبين، أو للهروب من أزمة سياسية داخلية تعاني منها الحكومة، أو للحفاظ على حكومة الائتلاف الصهيوني الحالية ... أو أن صمودنا سيفشل سياسة الحكومة الصهيونية وسيحل الائتلاف القائم وغير ذلك وأن ذلك جزء من انتصاراتنا التي حققناها، فكل ذلك لا قيمة له ما دام كل الحكومات التي تأتِ أو التحالفات التي تشكل حكومة جديدة سرعان ما تعيد الكرة، ذلك شأن داخلي صهيوني وتنافس بين أحزابه وسياسييه على تحقيق مكاسب انتخابية أو سياسية حزبية في ضوء ثبات موقفها من الآخر الفلسطيني وعدائها له واتفاقها على استئصاله وإبادته! تركيز الصواريخ على المغتصبات القريبة
على المقاومة أن تكف عن إطلاق الصواريخ بعيدة المدى والكلفة العالية مالياً وسياسياً لقضيتنا ويكفِ ما أطلقته وقد أدرك العالم أن لدينا صواريخ تصل إلى أبعد مما يتخيله العدو الصهيوني والدول الداعمة له، وعليها التركيز على المغتصبات الصهيونية المحاذية للشريط الحدودي والقريبة من قطاع غزة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، مثل مغتصبة سديروت التي يصعد سكانها على أسطح منازلهم والمناطق المرتفعة فيها ليشاهدوا أثار قصف جيش عدوانهم على أحياء قطاعنا الحبيب! فتلك المغتصبات تكلفة الصواريخ التي تصل إليها قليل، كما أن القبة الحديدية المزعومة تفشل في إسقاطها لقصر مداها، أضف إلى ذلك أنها الحلقة الأضعف ويمكن تهجيرهم وتشريدهم إلى الداخل المحتل وذلك سيشكل ضغطاً أكبر على حكومة العدو من اختباء سكان المدن البعيدة في الملاجئ أو مواسير الصرف الصحي لبعض الوقت ثم الخروج. كما أنه يجب أن يكون من شروط المقاومة في المستقبل أنه في حال نقض العدو الصهيوني اتفاق التهدئة الموقع أو هدد حركة المزارعين الفلسطينيين وحرية وصولهم إلى أراضيهم المحاذية للشريط الحدودي، طبعاً بعد نقله إلى حدود ما قبل 4 حزيران/ينويو 1967 واستعادة الأراضي التي صنع منها مناطق عازلة، ولا بأس أن تطالب المقاومة أن تكون حدود قطاع غزة عند نهاية الأرض الحرام (الأراضي التي كانت عازلة قبل عدوان 1967 بين غزة والأراضي المحتلة 1948 وأن يتم تحريرها واستعادتها وتوسيع مساحة قطاع غزة عشرات الكيلو مترات المربعة)، يجب أن تكون رسالة المقاومة في حال نقض العدو الاتفاق أنه سيتم قصف المغتصبات الصهيونية في الأراضي المحتلة عام 1984 القريبة من عزة وتهجير سكانها وإبقائها مهجورة ومنع عودتهم إليها. يجب أن تتشدد المقاومة في شروطها لتحقق أكبر قدر ممكن منها ولتعلم العدو درساً لا ينساه فهو عدو مستهتر بأرواح أبناء شعبنا متغطرس بقوته العسكرية ظناً منه أنها يمكن أن تكسر إرادتنا واعتاد على فرض شروطه وإملاءاته لذلك يجب كسر هذه المعادلة الجائرة بحقنا! يجب ان تكون هذه المعركة بعد كل هذه التضحيات معركة استكمال تحرير غزة وذلك ما لفتنا انتباه المقاومة له منذ عام 2005 وما بعدها ولكن قادتها للأسف كما تسابقوا على جني ثمار انتفاضة الأقصى وأضاعوا إنجازاتها وتضحياتها وتسببوا في الانقسام وربنا رحمنا من الحرب الأهلية؛ يبدو عليهم الآن أيضاً يستعجلون قطف الثمار بوعودهم لنا باحتفالات النصر في العيد تلك الاحتفالات التي عادة لا تراعي مصاب الثكالى والمصابين والمشردين بلا مأوى والذين فقدوا مصدر رزقهم .... يحتفلون دون مراعاة لمشاعر الذين دفعوا الثمن غالي وكأنهم حرروا فلسطين! لذلك يجب التركيز على تحميل العدو الصهيوني تكاليف إعادة الإعمار وتعويض الأسر المنكوبة والشهداء .... يجب أن يكون شرط مقترن بحق اللمقاومة في الرد على العدو الصهيوني بالطريقة التي تراها مناسبة في حال عدم الوفاء به أو تعطيله من قبل العدو الصهيوني. حذاري من التدويل لمرافق السيادية
على المفاوض الفلسطيني التركيز على السيادة الوطنية لا تدويلها لأن التدويل أوقات أو غالباً ما يكون مفسدة وتضييع للحقائق على الأرض في المستقبل وجمود الحال على ما هو عليه ويصبح معيق لحركة المقاومة والرد في بعض الحالات، والأسوأ أنه يمثل انتهاكاً للسيادة الوطنية على مرافق المناطق المحررة -حسب يزعم البعض أنها محررة-، مثل: الميناء والمطار والمعابر وغيرها! ولا يعقل أن يتم رفض المراقبين الدوليين بحسب اتفاق عام 2005 على معبر رفح وقبوله الآن، أو رفض إرسال قوات مراقبة دولية من قبل فصائل مقاومة قبل سنوات واتهام الذين نادوا به في وطنيتهم واليوم يصبح مقبولاً وعملاً وطنياً لأنه يخدم مصلحة فصيل أو بعض الفصائل وطبعاً يلتقي مع نوايا الذين طرحوا فكرة التدويل سابقاً..! يجب أن تبدأ مرحلة جديدة بعد هذه المعركة بحيث يتم تقليص دور الفصائل والسلطة الفلسطينية في إدارة شئون الأراضي المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة) ومنح الجماهير دوراً أكبر، وتتفرغ الفصائل المقاومة للمقاومة فقط ولا تتدخل في شئون الناس وحياتهم التي للأسف لم تقدم نموذج ثوري صحيح يجمع بين السلطة والمقاومة وانعكست تجربتها سلبياً على حياة كثير من المواطنين ومواقفهم، وأن تتفرغ السلطة للمفاوضات العقيمة التي لا نهاية لها ولن يكون لها نهاية ما دام كبير المفاوضين صاحب كتاب "الحياة كلها مفاوضات"! كما يجب التأكد من تقليص هيمنة حماس وحكمها لغزة وإشراك الفصائل الأخرى وأن تكون مشاركة الفصائل وحماس رمزية وتكون إدارة غزة الفعلية للجماهير ومن يختارونه بعيداً عن الشخصيات التي تزعم أنها مستقلة وما هي بمستقلة، لأن الجميع شركاء في النصر أو في النكبة ويجب أن يكونوا شركاء في اتخاذ القرار في غزة، والجماهير هي المتضرر الأكبر ولها الحق في إدارة شأنها بنفسها! اشتراط تقليص دور أجهزة حماس الأمنية في ملاحقة واعتقال أبناء شعبنا لأي سبب إلا في حال وجود دليل على جريمة يعاقب عليها القانون أما الاعتقالات السياسية والملاحقات والمضايقات التي تسببت في شرخ المجتمع وإثارة روح الكراهية والعداء بين مكوناته يجب أن يوضع لها حد! هذه بعض التأملات التي نرجو من الله تعالى أن يأخذها المقاوم والمفاوض الفلسطيني في الاعتبار في هذه الحرب الهمجية التي يجب وضع حد لها تماماً! التاريخ: 20/7/2014