أنواع الحديث (غرامي صحيح)
عن الحصن النفسي
--------------------------------------------------------------------------------
منظومة رائعة في انواع الحديث للإمام شهاب الدين احمد بن فرح الاشبيلي المتوفي سنة 699 هجرية
غرامى (صحيح) والرجا فيك (معضل) * وحزنى ودمعى (مرسل ، ومسلسل) .
وصبرى عنكم يشهد العقل أنة * (ضعيف , ومتروك) وذلى أجـــمل
ولا(حسن) إلا سماع حديثكم * مشافهة يملى على فأنــــقل
وأمرى ( موقوف ) عليك وليس لى * على أحد إلا عليك المعول
ولو كان ( مرفوعا ) إليك لكنت لى * على رغم عذالى ترق وتعدل
وعذل عذولى ( منكر)لا أسيغه * ( وزور، وتدليس ) يرد ويهمل
أقضى زمانى فيك (متصل) الأسى * ( ومنقطعا ) عما به أتوصل
وها أنا فى أكفان هجرك ( مدرج ) * تكلفنى ما لا أطيق فأ حمل
وأجريت دمعى فوق خدى ( مدبجا ) * وما هى إلا مهجتى تتحلل
( فمتفق ) جسمى وسهدى وعبرتى * ( ومفترق ) صبرى وقلبى المبلبل
( ومؤتلف) وجدى وشجوى ولوعتى * ( ومختلف ) حظى وما منك آمل
خذ الوجد منى ( مسندا، ومعنعنا ) * فغيرى (بموضوع ) الهوى يتحلل
وذى نبذ من ( مبهم ) الحب فأعتبر * (وغامضه ) إن رمت شرحا أطول
( عزيز ) بكم صب ذليل لعزكم * ( ومشهور ) أوصاف المحب التذلل
( غريب ) يقاسى البعد عنك وماله * وحقك عن دار القلى متحول
فرفقا ( بمقطوع ) الوسائل ماله * إليك سبيل لا ولا عنك معدل
فلا زلت فى عز منيع ورفعة * ولا زلت (تعلو) بالتجنى (فأنزل)
أوري بسعدى والرباب وزينب * وأنت الذى تعنى وأنت المؤمل
فخذ أولا من آخر ثم أولا * من النصف منه فهو فيه مكمل
أبر إذا أقسمت أني بحبه * أهيم وقلبى بالصبابة مشعل
أخوكم ..
لنعرض بعض المصطلحات الحديثية التي تغيب عن البعض .. ليتم فهم القصيدة والمراد منها ..
أولا ً القصيدة تستعرض أنواع الأحاديث من صحيح وضعيف ومرسل ومرفوع .. إلخ وهي أقسام الحديث بحسب روايته ..
ولكن الناظم أدخل فيها المدح والغزل مع استعراض لعلم الحديث بطريقة أدبية إبداعية جذابة .. فكان هذا المزج البديع ..
ونترككم مع الشرح ..
اسْمُ الْمَنْظُومَةِ :
هذه المنظومة سميت بأول جملة فيها ، و هي " غرامي صحيح " .
و الغرام : الحب الملازم لصاحبه ، و منه الغريم : و هو الدائن الملازم للمدين ، و منه قوله تعالى : " إن عذابها كانت غراما " يعني : ملازمٌ للمعذب ملازمةً تامة ، بحيث لا يستطيع الانفكاك منه .
- ( غرامي صحيح )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم أن الغرام : هو الحب الشديد الملازم ، و الحب يبدأ شيئا يسيرا ثم تُروى شجرتُه بترديده في الذهن و على اللسان حتى يصل بالشخص إلى أن يكون عبدا لغير الله .
و قوله " غرامي صحيح " يشير به إلى النوع الأول من أنواع علوم الحديث و هو : الصحيح .
و هو عند أهل الحديث ما توفرت فيه الشروط الخمسة : ما رواه عدل ضابط بسند متصل غير معلل و لا شاذ .
قال الحافظ العراقي :
فالأول المتصل الإســناد *** بنقل عدل ضابط الفـؤاد
عن مثله من غير ما شذوذ *** و علة قـادحـة فتوذي
- إذا توفرت هذه الشروط ، صار الحديث صحيحا و مقبولا بالاتفاق .
( و الرجا فيك معضل ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - الْمُعْضَلُ :هو : ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي ، و يشترطون أن لا يكون السقط من مبادئ السند ، ليَفْتَرِقَ بذلك عن المعلق .
و المعضل : اسم مفعول ، من الإعضال ، و هو : الشدة في الأمر .
فبإسقاط الراوي لاثنين من رواته ، جعل أمره مستغرقا شديدا على الناظر فيه ، لأنه لو سقط واحد فالأمر أسهل ، لأنه يمكن إدراكه بمعرفة الشيوخ و التلاميذ .
قال الحافظ العراقي :
و المعضل الساقط منه اثنان **** فصاعدا و منـه قسم ثان
حذف الصحابي و النبي معا **** و وقف متنه على من تبعا
أي : حديث معروف بسند متصل إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم يأتي بعض الرواة من يجعله من قول التابعي ، فيحذف الصحابي و النبي صلى الله علي و سلم ، يقول ابن الصلاح : " و هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى " .
( و حزني و دمعي مرسل و مسلسل ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
هذا فيه اللف و النشر المرتب ، لأن الحزنَ مرسلٌ ، و الدمعَ مسلسلٌ .
اللف و النشر : أن يُؤتى بأشياء على سبيل الإجمال ، ثم تُفصَّل ، فيُذكر ما يتعلق بها تفصيلا ، ثم إن كان على نفس الترتيب سمي : مرتبا ، و إن اختل الترتيب سمي : غير مرتب ، و ربما قيل فيه : اللف و النشر المشوش .
و كل منهما من فصيح الكلام ، و جاء في أفصح الكلام - و هو القرآن - اللف و النشر المرتب و غير المرتب ، قال الله تعالى : " فمنهم شقي و سعيد ..... فأما الذين شقوا ..... و أما الذين سعدوا " وهذا مرتب ، و قال تعالى : " يوم تبيض وجوه و تسود وجوه ، فأما الذين اسودت وجوههم ..... و أما الذين ابيضت وجوههم " و هذا غير مرتب .
- الْمُرْسَلُ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرسل : اسم مفعول من الإرسال : و هو المطلق من غير قيد ، يقال : أرسله إذا أطلقه .
و اختلفوا في تعريفه اصطلاحا ، و لكن الأكثر – و هو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين – أنه : ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه و سلم .
و منهم من يُقيد التابعي : بالكبير ، و منهم من يُطلقه بإزاء الانقطاع ، من أي موضع كان .
قال الحافظ العراقي :
مرفوع تابع على المشهـور **** مرســل أو قيده بالكبير
أو سقط راو منه ذو أقوال **** و الأول الأكثر في استعمال
- التابعي : لما رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، يحتمل أن يكون قد حذف الصحابي فقط ، لكن من يضمن هذا ؟ لاحتمال أن يروبه عن تابعي آخر عن صحابي ، فحذفه من الصحابي ، أو عن تابعي عن تابعي عن صحابي ، فيكون حذف اثنين من التابعين و الصحابي ، و قد يكون رواه عن ثلاثة من التابعين ، و قد يرويه عن أربعة من التابعين ، و قد يرويه عن خمسة من التابعين عن الصحابي .
و من حيث الوجود : أكثر ما وُجد ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض ، و هذا نادر ، و ذلك في حديث يتعلق بفضل سورة الإخلاص ، و هو عند النسائي و أحمد و غيرهم ، " و هو أطول إسناد في الدنيا " ، كما يقول النسائي رحمه الله .
فلا يُدرى من الساقط ، أهو الصحابي فقط ، أو الصحابي مع التابعي ، و التابعون ليسوا كلهم عدول ، بل فيهم العدل و فيهم غير العدل ، بخلاف الصحابة فإنهم كلَّّهم عدولٌ .
و لهذا : الجمهور على رد المراسيل .
فائدة : في الصدر الأول كانت المراسيل مقبولة ، و لذا ذكر ابن عبد البر ، و قبله ابن جرير الطبري ، أن التابعين بأسرهم يحتجون بالمراسيل ، فقال : " التابعون بأسرهم يحتجون بالمراسيل ، و لم يُعرف رد المرسايل إلى رأس المائتين " يعني : حتى جاء الإمام الشافعي رحمه الله فاشترط شروطا في قبوله ، و منه أحمد يعده من الضعيف .
و يحتج بالمرسل : مالك و أبو حانفية و أتباعهما .
قال الحافظ العراقي :
و احتج مـالك كذا النعمان **** و تابعمـوهما به و دانوا
و رده جـماهـر النـقـاد **** للجهل بالساقط في الإسناد
و صاحب التمهيد عنهم نقله **** و مسلم صدر الكتاب أصله
قال الإمام مسلم في ( مقدمة الصحيح ) : [ المرسل في قولنا و قول أهل العلم بالحديث مردود ] .
أما نقل الإجماع عن التابعين بأنهم يحتجون بالمرسل : فإنه رُوي عن سعيد بن المسيب أنه يرد المرسل ، و لا يَقبله من التابعي حتى يسنده إلى الصحابي .
فهل نستدرك بـ : سعيد على الإمام الطبري ؟ فنقول الإجماع الذي ذكره الطبري مخروم ؟ لا ، لأن ابن جرير يقصد بالإجماع : قول الأكثر .
و الشافعي يقبل المراسيل بشروط :
1 - أن يكون المرسِلُ من كبار التابعين .
2 - أن يكون ممن لا يسمي إذا سمى إلا ثقة .
3 - أن يكون هذا المرسِل ، إذا شَرِكَ أحدا من الحفاظ لم يخالفه .
4 - أن يكون للخبر المرسَل شاهد يزكيه ، من مسند أو مرسل آخر ، يرويه غير رجال الأول ، أو يفتي به عامة أهل العلم .
4 - الْمُسَلْسَلُ :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المسلسل : من التسلسل ، و هو التتابع .
و المسلسل : اتفاق الرواة و تتابعهم على صفة قولية أو فعلية .
- مثال الصفة القولية : " يا معاذ إني أحبك ... " ، ثم قالها معاذ للصنابحي ، و قالها الصنابحي لللراوي عنه ... إلى يومنا هذا ، مازالت السلسلة .
و من أشهر المسلسلات : الحديث المسلسل بالأولية : " الراحمون يرحمهم الرحمن ... " ، فكل راو من الرواة – إلى يومنا هذا – يقول : " و هو أول حديث سمعته منه " ، لكن انقطعت السلسلة عند سفيان ، وذكره بعضهم بالتسلسل التام و لا يصح .
- مثال الصفة الفعلية : كالتبسم عند التحديث ، و كقبض اللحية .
و قد يتسلسل بالأسماء : كأن يكون جميع الرواة محمدين .
و قد يتسلسل بصفات الرواة : كأن يكون جميع الرواة فقهاء .
و قد يتسلسل بصيغ الأداء : كأن يكون كل راو يقول : " سمعت فلانا يقول " .
و الغالب على المسلسلات : الضعف .
وَ صَبْرِيَ عَنْكُمْ يَشْهَدُ الْعَقْلُ أَنَّهُ **** ضَعِيفٌ وَ مَتْرُوكٌ وَ ذُلِّيَ أَجْمَلُ
5 - الضَّعِيفُ :
ــــــــــــــــــــــــــ
عرفه ابن الصلاح بأنه : " كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن " .
و الحافظ العراقي يقول : " لا نحتاج إلى ذكر الصحيح في الحد " لأنه إذا لم تتوافر فيه شروط الصحيح فمن باب أولى أن لا تتوافر فيه شروط الصحيح ، لأن ما قَصُر عن رتبة الحسن ، فهو عن رتبة الصحيح أقصر .
فائدة : قال أهل العلم : " الحرف ما لا يصلح معه دليل الاسم و لا دليل الفعل " ، فلم يكتفوا بأحد دون الآخر ، فلم يقولوا مثلا : " ما لا يصلح معه دليل الاسم " ، و سبب ذلك أن بين الاسم و الفعل تبايناً .
بخلاف ما لو عرّف أحد الشاب ، فقال : إن الشاب هو ما لم يصل إلى حد الكهولة ، و لا يلزمه أن يقول : ما لم يصل إلى حد الكهولة و الشيخوخة ، لأنهما متداخلان ، فإذا لم يصل غلى حد الكهولة ، فهو من باب أولى لم يصل إلى حد الشيخوخة .
و لهذا قال العراقي عن الضعيف : " هو ما لم يبلغ مرتبة الحسن " ، لأن بين الحسن و الصحيح تداخلا .
قال الحافظ العراقي :
أما الضعيف فهو ما لم يبلغ **** مرتبة الحسن ...............
- و عند التحقيق نجد أن بين الصحيح و الحسن تداخلا من جهة ، و من جهة أخرى نجد أن بينهما تباينا ، فالصحيح قسمان : صحيح لذاته ، و صحيح لغيره ، و الحسن قسمان : حسن لذاته ، و حسن لغيره .
فبين الحسن لغيره و الصحيح لذاته : تباين .
و بين الصحيح لغيره و الحسن لذاته : تداخل .
فكلٌّ من القولين – قول ابن الصلاح و قول الحافظ العراقي – لكل منهما : وجه .
و أقسام الضعيف : كثيرة جدا .
أما من حيث التنظير و التقسيم العقلي ، فلا نهاية له ، أوصلها بعضهم إلى أكثر من خمسمائة قسم ، وبسطها على هذه الطريقة لا طائل تحته .
الذي يهم منها : ما سماه أهل العلم باسم خاص ، و ما عداه فلا داعي لتتبعه .
الضعيف : يُطلق في الأصل على خفيف الضعف .
6 - الْمَتْرُوكُ :
ــــــــــــــــــــــــــ
المتروك : ضعفه شديد ، و يُترك الحديث إذا كان راويه متهما بالكذب ، أو جاء الراوي الضعيف بما يخالف القواعد المقررة في الشرع .
و المتروك : لا ينجبر و لو جاء من مائة طريق .
وَ لَا حَسَنٌ إِلَّا سَمَاعُ حَدِيثِكُمْ **** مُشَـافَهَةً يُمْلَى عَلَيَّ فَأَنْقُلُ
7 – الْحَسَنُ :
ــــــــــــــــــــــــ
الحسن : في مرتبة بين الصحيح والضعيف ، متأرجحة بينهما ، ولهذا صَعُبَ تعريفه و حده عند أهل العلم، حتى قال الذهبي : إنه " لَا تَطْمَعُ بِأَنَّ لِلْحَسَنِ قَاعِدَةً تَنْدَرِجُ كُلُّ اَلْأَحَادِيثِ اَلْحِسَانِ فِيهَا ، فَأَنَا عَلَى إِيَاسٍ مِنْ ذَلِكَ " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
منقول بتصرف خشية الإطالة ..
أرجو أن تعم الفائدة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا أتوجه بالشكر إلى الوتر الحساس على طرحه الجميل .. لهذه القصيدة
والتي أتاحت لنا أن نغوص قليلاً في بحر علمنا الشرعي الذاخر الذي تركه لنا سلفنا ..
ونرجو الله عز وجل أن نكون على خطاهم ونحمل هذه المسؤولية لنوصلها لمن بعدنا بأمانة وصدق
وننال شرف حمل هذا العلم الشريف .. ونكون حلقة في تلك السلسلة المشرفة. إنه على كل شيء قدير ..
ـــــــــــــــــــــ
عن
أخوكم
أبو المواهب