نقلتها والله اعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
كذب المنجمون ولو صدقوا
وحكم الأبراج وقراءة الكف والفنجان، والتنبؤ بحالة الطقس
س: هل عبارة "كذب المنجمون ولو صدقوا" حديث وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما مدى صحتها، وما حكم الأبراج وقراءة الكف والفنجان، وهل التنبؤ بحالة الطقس تدخل في التنجيم المحرم؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وأصحابه الطاهرين وبعد:
هذه العبارة مشتهرة على ألسنة الناس وليست من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بحثنا عن هذه العبارة في غالب متون الحديث والأجزاء الحديثية وشروح الحديث وكتب التخريج والزوائد والعلل والموضوعات والواهيات ومصطلح الحديث وكتب الجرح والتعديل فلم نجده.
جاء في أرشيف ملتقى أهل الحديث(27/124):"هذا ليس بحديث ولكنه قول مشتهر بين الناس". جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية(4/6311):"فهذه العبارة "كذب المنجمون وإن صدقوا" بالقاف مقولة اشتهرت على الألسنة، وليست حديثاً نبوياً، وإن كان معناها صحيحاً". وجاء في موسوعة البحوث والمقالات العلمية(10):"ليست من القرآن الكريم ولا من الحديث الشريف وذلك قولهم:كذب المنجمون ولو صدقوا".
وأما معنى العبارة؛ فهو صحيح؛ فإنَّ المنجمين يتخرَّصون ويتحرزون، ويحتمل أن يقع القدر وفق ما قالوا، فقد صدقوا وكذبوا، صدقوا؛ لأن خبرهم وقع قريبا مما قالوا أو مثله، ويندر ذلك، وكذبوا؛ لأنه ليس عن علم منهم بل حرز وتخمين، وقد يكون من استراق الشياطين للسمع. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تسترق السمع ثم تلقيه للكاهن والساحر.
روىالبخاريفي صحيحه عنأبي هريرةأن النبي صلى الله عليه وسلمقال: إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُسِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير،ُفَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُفَوْقَ بَعْضٍ. وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَأَصَابِعِهِ فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّيُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِالسَّاحِرِ أَوْ الْكَاهِنِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْيُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَامِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَاوَكَذَا فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنْ السَّمَاع.
وصناعة التنجيم وتصديق أهلها محرم بإجماع الأمة، فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود واللفظ له:"من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد".
والعمل بالتنجيم قديما وحديثا، وفي العصر الحديث تنبأ المنجمون بحدوث أشياء كثيرة بحلول عام 2000، فقد تنبأ بعضهم بنهاية العالم وحصول براكين وزلازل وحروب، وجعلوا لذلك أمدا ووقتا، وجاء الوقت المضروب ولم يقع ما يقولون، فكل ذلك دجل وكذب ينبغي أن نصون عقولنا عنه.
ومن التنجيم الأبراج وقراءة الكف والفنجان.
جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية(35/192):"لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَصِنَاعَةُ "التَّنْجِيمِ" الَّتِي مَضْمُونُهَا الْأَحْكَامُ وَالتَّأْثِيرُ وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ وَالتَّمْزِيجِ بَيْنَ الْقُوَى الْفَلَكِيِّ وَالْقَوَابِلِ الْأَرْضِيَّةِ: صِنَاعَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ بَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى لِسَان جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} وَقَالَ:{أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} قَالَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ: الْجِبْتُ السِّحْرُ".
وقراءة الأبراج والكف والفنجان محرمة ولو كانت على سبيل المزاح والترويح على النفس وإن لم يؤمن القارئ بما يقرأ؛ لأن قراءتها منفذ من منافذ الشيطان قد تجر إلى الإيمان بما فيها وبما يقول الفتاح، وقد جاء الإسلام ليحرر الناس من الأوهام والأباطيل وأمرهم باحترام الأسباب، التي بُني عليها الناموس الكوني، مع الإيمان والعلم أن الأسباب لا تعمل إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
لذا فإن مجرد سؤال العراف والذهاب إليه لا تقبل صلاة المرء أربعين يوما، أما تصديق العراف بما يقول والإيمان به، وأنه على علم بالغيب فهو كفر. جاء في صحيحمسلمأن النبي صلى الله عليه وسلمقال:"من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعينليلة". وروى البزار بسند جيد:"من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".
فالغيب مستور لا يعلمه إلا الله، من ادعاه فقد كفر وأنكر معلوما من الدين بالضرورة، قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}النمل:65. وقال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ...}الجن:26،27. وليست النجوم والكواكب إلا آية من آيات الله سبحانه وتعالى وليس لها أدنى تأثير على سعادة الناس أو شقائهم.
والتنجيم المحرم القائم على التنبؤ بالغيبيات والمستقبليات، وربط ذلك بالنجوم، وحركاتها فيما زعموا، وهو غير علم الفلك الذي يقوم على أساس من المشاهدة والحسابات الرياضية. لذا فإن التنبؤ بحالة الطقس لا تدخل في التنجيم المحرم؛ لأنها قائمة على الحساب والمراقبة والمشاهدة لسير الرياح وليس على الحرز والتخمين.
{انظر: مفهوم العلم وتكوين العقلية العلمية في القرآن الكريم للقرضاوي(ص32)، فتاوى يسألونك(6/353)، فتاوى المجلس الإسلامي للإفتاء(1/256)، المنتقى من فتاوى فوزان(10/8)، شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، فتاوى الشبكة الإسلامية(4/6311)}.
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
19 من ذي القعدة 1432هـ الموافق: 17/10/2011م