منذ أيام بدأت بكتابة قصة، عناصرها وفكرتها وأبطالها ومكانها مخزونة في رأسي كاملة، وصلت في كتابتها إلى هنا.. ثم.. كلما حاولت أن أكمل أتركها..! وهذا ما كتبته:
(لماذا عليه أن يدفع ثمن أخطاء الآخرين..؟
مرة أخرى تمتد البادية أمامه، يباسها يطحن روحه، لكنه لا يكفّ عن المضي فيها، تدفع به أيادٍ تخضّبت بالقسوة، تفرش البادية أمامه جبروتها، فيرى نفسه ضئيلاً، صغيراً، تائهاً إلا من تطلّعٍ باهت إلى سمرة تراب يمتدّ ويمتد إلى ما لا نهاية..
حتى عندما كان في تلك المدينة، يقول له والده وهو يرخي عباءته السوداء:
ـ هي بادية أيضاً يا بنيّ، لكنها محشوّة بكتل إسمنتية، ووجوه بلا ملامح..
تمسك بيدها عوداً يابسا، تجوس به تخريباً في مملكة نمل صولجانها في تراب خفيف، يخرج النمل مذعورا، ويتفرّق أشتاتا..
ـ أنا لا أحب الحملان.. حيوانات خنوعة كل ما تفعله في هذه الحياة أن تنتظر سكين الجزار.
تبتسم شامتة، وتنظر إليه باستعلاء..
تطبق على صدره كتل إسمنتية رهيبة، وناس يلبسون هياكل الاغتراب بلا وجوه يتحركون حوله دون توقف، يفتش عن فسحة يتنفس فيها ضوء الشمس، تسرع خطواته، تتقلّص مساحة أنفاسه، وعند آخر مهابط الإسمنت، يرى النور يتهادى بطيئاً على صفحة رمل جافر، فيملأ رئتيه من نسائم البادية.
العود اليابس بيدها ما يزال يُعمل القتل في مملكة النمل:
ـ أحب الذئاب، حيوانات قويّة قاتلة لا ترحم.
تستدرك:
ـ إذا كان لا بد أن تواجه الموت قتلاً، يجب أن تصبح ذئباً..
...........................................)