التصلب العصبي المتعدد وطرق علاجة
د. سعيد عبدالله بو حليقه - 15/9/2006
فشلت الكثير من الدراسات في معرفة الأسباب الحقيقية لمرض التصلب العصبي ولكن المتفق عليه هو وجود قابلية جينية (أي استعداد في جينات الشخص المصاب) قد تؤدي لحد كبير إلى الإصابة بالمرض، وهناك عوامل بينية (معظمها مجهول) قد تتسبب في حصول المرض في سن معين، ومن أهم هذه العوامل البينية أن يعيش الشخص في المناطق الباردة الشمالية أو الجنوبية من الكرة الأرضية، وخاصة خلال مرحلة الطفولة.
وينتشر هذا المرض في الإناث أكثر من الذكور، وخاصة في العقد الثاني إلى الخامس من العمر، وتبدأ أعراض المرض بحدوث إصابات مفاجأة في الجهاز العصبي المركزي، نتيجة تآكل مادة تسمى (الميلانين) أو (النخاعين) التي تغلف الأعصاب الموجودة في المادة البيضاء من الدماغ، حيث تدخل بعض الخلايا البيضاء أو البلغمية إلى الجهاز العصبي لأسباب غير معروفة، ولكن من المحتمل أن يكون ذلك نتيجة اضطرابات في الجهاز المناعي العصبي، وتسبب هذه الخلايا في فقدان أو تآكل مادة الميلانين التي تعتبر العنصر الأساسي في انتقال الإشارات العصبية إلى أجهزة الحس والحركة، ففي حال كانت الإصابة في عصب العين قد يفقد المريض البصر في إحدى عينيه، وفي حال كانت الإصابة في المخيخ فإنها تؤدي إلى اضطرابات التوازن والحركة.
وما يميز هذا المرض هو حدوث الإصابات أو ما يسمى الهجمات المتعددة والمتتابعة في أماكن وأوقات مختلفة، وعادة تكون الهجمات غير متوقعة، ولذلك وصف هذا المرض (بالمتعدد)، أما كلمة (تصلب) فتعني تحول الغلاف العازل من مادة الميلانين الدهنية إلى مادة ليفية متصلبة.
وكثيراً ما تبدأ الأعراض أو الهجمات بشكل مفاجئ، وغالباً ما تختفي أعراض المرض تلقائياِ في بداية الإصابة به، ثم تحصل هجمة أخرى في مكان آخر وهكذا، وهذا النوع من المسار المرضى هو الغالب، ويدعى الانتكاسي التراجعي أو المنوح، ويصيب نحو 75٪ من المرضى.
وتختلف القصة المرضية بين مريض وآخر، ولا يوجد وقت متوقع أو محدد للهجمات، ومع مرور الزمن تبدأ هذه الهجمات بترك إعاقة معينه للمريض، أي أن الهجمة قد لا تختفي كلياً، وعند تراكم هذه الهجمات تحصل إعاقة تراكمية تؤثر على حركة المريض وقدراته المختلفة، ويسمى المرض حينئذ بالنوع الانتكاسي المضطر أو المتسارع، وعادة ما يتحول المرض من النوع الانتكاسي التراجعي إلى المتسارع، بعد 5 إلى 15 سنة منذ الإصابة الأولى، وقد يبدأ المرض بشكل مطرد من بداية الإصابة، ويسمى في هذه الحالة بالمطرد الأولي، ويصيب أقل من 5٪ من مجموع المصابين، ولا زال التطوير والتحديث في التشخيص والعلاج لهذا المرض مستمراً.
وتبدأ عملية التشخيص بزيارة طبيب الأعصاب الذي يستعرض القصة المرضية والفحص السريري، يتبعه بعض تحاليل الدم والأشعة المغناطيسية للدماغ والحبل الشوكي، إضافة إلى فسيولوجية البصر والجهاز الحسي، وغالباِ ما يحتاج المريض لإعطاء عينة من السائل النخاعي لفحصها والتأكد من دقة التشخيص، فقد تكون الأعراض ناتجة عن أمراض أخرى، مثل التهاب الأوعية الدموية أو بعض الاضطرابات الاستقلابية أو الجينية، وبعد التأكد من دقة التشخيص يجتمع الطبيب مع المريض لاستعراض الحالة ونوعها ومناقشة خطة العلاج
(العلاج)
وينقسم العلاج في العادة إلى 3 أنواع:
1) علاج الهجمات الحادة: ويكون ذلك بأخذ حقن (الكورتيزون) في الوريد لمدة 3 أو 5 أيام متتالية.
2) الأدوية المنظمة للجهاز المناعي: وأكثرها استخداماً عقار (الانترفيرون بيتا) الذي يستخدم تحت الجلد عدة مرات أسبوعياً أو بواسطة الحقن في العضل أسبوعياً، أو باستخدام عقار (الكوباكسون) تحت الجلد، وقد أثبتت هذه الأدوية فعالياتها بتخفيف حدة الهجمات وتقليل عددها، وبالتالي إيقاف أو التقليل من تراكم الإعاقة المتوقعة مع مرور الزمن.
3) العناية الطبية للأعراض المصاحبة للمرض: مثل تيبس أو شد العضلات، والتعب، واضطرابات المثانة، والاضطرابات النفسية كالاكتئاب.
وكان الاعتقاد السائد بإمكانية الإصابة بهذا المرض في المناطق الحارة كالمملكة ودول الخيلج، وقد بينت بعض الأبحاث التي نشرت من جامعة الملك سعود عام 1986بأن المرض يصيب حوالي 8 أشخاص من بين كل 100 ألف شخص بالمملكة، ونشر في نفس السنة بحث من الكويت يشير إلى نتيجة مشابهة، لكن ومنذ ذلك الوقت انتشر المرض بشكل كبير، وتم تشخيص الكثير من الحالات المصابة بهذا المرض في مختلف مستشفيات المملكة بشكل متزايد.
وقد بينت دراسة حديثة نشرت في إحدى مجلات الأعصاب الأوروبية المتخصصة العام الماضي أن نسبة انتشار المرض بين المواطنين الكويتيين قد تضاعفت حوالي 4 مرات، وبذلك فإنه يوجد 30 مصاباً من بين كل 100 ألف مواطن كويتي، كما نشرت دراسة قطرية أثبتت نفس النتائج بين المواطنين القطريين، ونعتقد بأن نسبة انتشار المرض في المملكة مشابهة لتلك النتائج، ولا يعرف حتى الآن سبب محدد لهذه الزيادة، ولكن يمكن اعتبار دقة التشخيص وتوفر الأطباء المختصين والأجهزة الطبية الحديثة عامل مهم، وكذلك تزايد عدد المواطنين السعوديين وخاصة الشباب منهم، فقد زاد عدد سكان المملكة لأكثر من ضعفين خلال العشرين السنة الماضية، وربما توجد عوامل بئية أخرى؟ ولذلك فنحن بصدد تزايد مقلق وانتشار مضطرد للمرض
وهنالك الكثير من المستجدات في مجال الأبحاث الجينية والبيئية عن احتمالية الإصابة بهذا المرض، ويوجد العديد من الوسائل التشخيصية الجديدة للتأكد من الإصابة بالمرض في أقصر وقت ممكن، إضافة أن العشرات من الأدوية التي تعمل على الجهاز المناعي العصبي في مراحل مختلفة من البحث الطبي، تمهيداً لاستخدامها للمرضى.