منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

العرض المتطور

  1. #1

    نحن و إشكالية الدولة

    نحن و إشكالية الدولة

    غالبا ما يسعفنا لفظ "الدولة" بإيجاد مبررات لعجزنا وتخلفنا. فإن تمت مقارنة إنجازات شعوب الأرض بإنجازاتنا، نجد مشجب الدولة حاضرا لتعليق عجزنا عليه. هذا على صعيد الجماعات، ولا تكون الحالات الفردية استثناءا لذلك، فإن فشل أحدنا بتجارته أو عمله أو حتى حياته الأسرية، فسرعان ما يحشر الدولة باعتبارها سببا في فشل حياته الزوجية أو عدم توفيق أولاده في دراستهم أو وفاة أحدهم .. قد يكون حشر الدولة في إحداث بعض الإخفاقات سببا مشروعا، ولكن المبالغة في تحميلها كل حالات الإخفاق يضم بين ثناياه ظلما يحتاج لإنصاف ..

    كثيرة هي المواضيع الأدبية والسياسية والصحفية والنقابية التي تناولت وتتناول موضوع الدولة العربية، ولكن كتابها في كثير من الأحيان ينجرون للكتابة بشكل كيدي، أو بشكل يرد كيد كاتبين آخرين، فتظهر الكتابات وكأنها ردود على ردود، فكل كاتب يهاجم من سبقه، يدحض من خلال كتابته ما تقدم به من سبقه في الكتابة ليحاكمه من زاوية عقائدية ويبين نقائص فكره ويستخف بها، دون أن يساهم في تطوير الفكرة أو الأفكار التي تصب في الفضاء الذهني الذي يجعل من الدولة العربية مساوية لمثيلاتها في الدول المتقدمة..

    لقد وقع معظم الكتاب العرب في مصائد جعلتهم قاصرين عن تطوير فكرة الدولة العربية. فمنهم الأسير لفكرة الدولة القديمة التي وَضع شكلها بما يناسب رغبته الفكرية التي لم يكتمل تكوينها بشكل يؤهله للحديث في هذا المجال، فتَصَوَّر بذلك أن الدولة العربية أو الإسلامية قد اكتملت شروطها في عينة من الوقت بحيث إنه لم ينقصها شيء، ويتحصّن وراء هذه الفكرة مستفيدا من حجم الإنجازات الفكرية والعسكرية التي تحققت في أجواء إدارة تلك الدولة، متناسيا الظروف التي ترافقت مع تلك الإنجازات، وساكتا عن حجم المشاكل التي واجهت تلك الدولة أو الكيفية التي تمت معالجة تلك المشاكل بها .. ولو طُلب من هؤلاء الكتاب تحويل أفكارهم لمنهج إجرائي لتاهوا في تفاصيل يختلط بها العقائدي مع الإداري، لتتحول تلك الأفكار بالتالي إلى جهد لا يصب في حل إشكالية الدولة.

    ومنهم من يفتتن بنماذج دولية معاصرة، يريد الاحتذاء بها دونما مواضعة للشروط والظروف التي رافقت قيام تلك التجارب الدولية، فهذا يريد تجربة على الطريقة الأمريكية وهذا يريدها على الطريقة اليابانية وذاك يريدها على الطريقة السوفييتية وآخر يريدها أن تكون على الطريقة الفلانية .. فإن كانت الرجعية تعني رفض فكرة التطور والتمسك بما كان (وِفْق تصور صاحب الفكرة)، -وهذه يمكن أن نطلق عليها الرجعية الزمانية (المتعلقة بالزمن والتاريخ)-، فإن الاحتذاء بتجربة عالمية لا تتوافق شروطها مع شروط وضعنا الخاص، يمكن إطلاق تسمية (الرجعية المكانية) عليها..

    وحتى نتمكن من الدخول الى الموضوع لكشف ما نرمي إليه، ولنتمكن بالتالي من الزعم بأننا قد نحاول إضافة فكرة تصب في الجهد الذي يجعل من موضوعنا مساهمة في تنشيط الحديث بهذا الموضوع الشائك، علينا أن نضع بعض المقتربات الضرورية للتمهيد لهذا الحديث: وعي الناس بالدولة، ما هي الدولة وماذا تريد الدولة من مواطنيها، وماذا يريد المواطنون من الدولة، أي ما هي ضرورات الدولة، ومتى تكون الدولة شرعية ومتى تفقد الدولة شرعيتها، الخ من الأسئلة التي تساعد في تكوين صورة لما يجب أن تكون عليه الدولة وكيفية السبيل لتحقيق ذلك.

    الوعي بالدولة

    من المفيد أن نتذكر أن الوعي هو القدرة على تكوين صورة أو إعادة تكوين صورة، فالوعي الماضوي (المنسوب للماضي) يعني إعادة تكوين صورة حدثت في الماضي، وهذا يتطلب مجموعة من تحديد نقاط الصورة لكي تكون مطابقة لما كانت عليه ( إحداثيات الصورة بمحوريها السيني والصادي [ حسب المفاهيم الهندسية])، وهي مهمة أقل صعوبة من تكوين صورة لم ترسم بعد، في الوعي المستقبلي.

    حيث إن الصورة السابقة تحتاج تثقفا بما رافق تشكيلها وقت رسمها الأصلي، مثل فهم الظروف السائدة في وقتها وعوامل القوة والضعف، وهذا يأتي من خلال الدراسات المستفيضة والاستعانة بما كتب المؤرخون حول قضية معينة. أما رسم صورة مستقبلية بالوعي المستقبلي، تحتاج جهدا مضاعفا في فهم إحداثيات الصور الماضوية والحاضرة (الراهنة) للانتقال الى استشعار واستشراف العوامل المحيطة بالصورة المنشودة مستقبلا ..

    لا يتمنى الرعاة ولا البدو ولا (الغجر) وجود دولة، لأنها بكل بساطة تعيق من حركتهم وتقيد حرياتهم، وكذلك لا يتمنى المجرمون ولا المهربون وجود دولة، ولكن بعض الأصناف من هؤلاء لن يكون لوجودها أهمية إذا اختفت الدولة، فالتهريب سيصبح غير استثنائي إذا زالت مراقبة السلطات الحدودية له .. هل يعني ذلك أن الدولة هي رديف للرقي والتقدم والانضباط وخضوع الفرد لإرادة جمعية تتحكم في شكلها قوانين يتم وضعها ضمن تسلسل يتطور وفق حاجات ضبط حركة أفراد الدولة؟

    يقول المفكر عبد الله العروي في هذا الصدد أن (كل منا يكتشف الدولة قبل أن يكتشف الحرية، أو بعبارة أدق، تجربة الحرية تحمل في طياتها تجربة الدولة، لأن الدولة هي الوجه الموضوعي القائم في حين أن الحرية تطلعٌ الى شيء غير محقق)*1.. ويتابع (تواجهنا الدولة أول ما تواجهنا كفكرة مسبقة، كمعطى بديهي يطلب منا أن نقبله بلا نقاش، كما نقبل خلقتنا وحاجتنا الى الأكل والنوم .. الخ) .. هكذا يبدأ وعينا بالدولة وعي مضطرب يرتبط بكل سلطة ومنشأ للأوامر والنواهي وقوائم الممنوعات، وينسحب هذا الوعي ليشمل كل من يقوم بهذا الدور من رب العائلة لشيخ العشيرة للمسئولين المحليين من تربويين وشرطة وغيرهم، فيزداد الاضطراب اضطرابا في تكوين صورة واضحة عن مفهوم الدولة ..

    يتبع

    هامش
    ــ
    *1ـ مفهوم الدولة/ عبد الله العروي/ المركز الثقافي العربي/المغرب/ الدار البيضاء/ ص 5

  2. #2
    موضوع ذو مفهوم كبير اوجزته استاذنا في سطور واتمنى ان يكون له بقيه
    كل الشكر والامتنان
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3


    حياك الله أستاذي الكريم و أسعد أوقاتك بكل خير و بعد ..
    نعم أستاذي أتفق مع ما جاء في مقدمتك في أنه من الخطأ أن نحمل الدولة كل ما يحدث لنا من إخفاقات و نجعلها شماعة لفشلنا هذا ، لكن في الوقت نفسه علينا ألا نغفل الدور الكبير و السلبي الذي لعبته أنظمة الحكم في كثير من بلادنا العربية من تكريس للجهل و الفقر ، و لا نستطيع إغفال دورها في النهوض بالاقتصاد أو هدمه ..


    أخوك تمــــــــــــــــــــــام

  4. #4
    الاخ الكريم
    موضوع يستحق وقفة متانية من طرفنا جميعا .
    انا اردد في هدا الموضوع " عوض ان تلعن الظلام اشعل شمعة "
    ثقافتنا مغ الاسف ثقافة التبرير ومع الاسف حتى اللغة صغتاها بطريقة تغطي عن عجزنا . نقول " امشى عليا القطار " اما في لغة اجنبية فالجملةتبدا دائما بالفاعل " انا ضيعت ....القطار"
    الدولة لها نصيبها لكن لوكنا في المستوى لما زاغت ولما جارت ولما استاسدت .
    تحباتي

  5. #5
    الأخت الفاضلة

    الأخوان الفاضلان

    أشكركم جزيل الشكر على المرور الكريم

  6. #6
    الأخت الفاضلة

    الأخوان الفاضلان

    أشكركم جزيل الشكر على المرور الكريم

  7. #7
    الدولة تاريخيا في ذهنية العرب :

    تمتزج المفاهيم مع مرور الوقت، فتبتعد عن حقيقتها المجردة ، وتصطبغ بصفة أقرب لموروث (تراثي). وعند مقاربتها مع المفاهيم السائدة، يتصارع الموروث (بتفاصيله غير الواضحة) مع علمية الوظيفة للمفهوم، وتتيه الفكرة لتتحول الى شظايا فكرية تكون عصية على التحول الى حزمة أو حزم فكرية ، كان القصد من تجميعها كي تكون في خدمة تطور المفهوم، فيحال المصطلح الى دواوين أكاديمية أو ثقافية فيفقد دوره العضوي في خدمة مصلحة القضية التي أُثير من أجلها، وهذا شأن مفهوم الدولة في تراثنا العربي ..

    لقد طغى تطور الدولة في أوروبا منذ القرن السادس عشر الى القرن العشرين على الخلفية التي تُناقش فيها مسألة الدولة في مختلف بقاع العالم، وحيث أن العلوم السياسية التي يتم تدريسها في المدارس والجامعات في مختلف بلدان العالم لا بد لها من المرور على التجربة الأوروبية، فإن مساحة التأثر بفكرة الدولة (أوروبيا) كان ولا يزال يحتل مساحة كبيرة أو (طاغية) في مناقشة قضية الدولة..

    وقد تأثرت مدارس الفكر الأوروبي بإيقاع التطور الصناعي والمالي الذي كان يرافق عصور النهضة والحداثة، فكان أصحاب الفكر الليبرالي يؤكدون على علاقة مفهوم الدولة بفكرة السيادة وبحقوق المواطنة، وقد استكمل رواد الفكر (الديمقراطي) الحديث هذا التوجه بالتركيز على أهمية فكرة المسئولية السياسية. ومن ناحية أخرى اتجه الفكر الماركسي الى إبراز صلة الدولة بالهيكل الطبقي وعلاقاته ودورها كأداة للضبط الاجتماعي والقهر السياسي في ظروف اجتماعية معينة *1..

    لقد تناغم النشاط الفكري مع النشاط الاقتصادي والعلمي في أوروبا، بحيث كانت الأفكار المطروحة أولا بأول تتماشى مع الحاجة للضوابط التي تنظم الحريات العامة مع إرادة الدولة كممثل للمجموع، فكان تطورها مفهوما عند المفكرين والمثقفين ومقبولا أو مفسرا عند عموم أبناء الشعب.

    في حين لم يكن لدينا (نحن العرب) مثل تلك الخصائص العامة، فلم تحسم النخب التي تستلم الحكم أو تعترض على الحكم أمرها في الشكل الذي تريده من الهيئة الظاهرة للدولة، والتي تكون قابلة للفهم من قبل الجمهور حول دور الدولة ووظائفها العامة. فإن كان فلاسفة الغرب (في شأن الدولة) يمثلون معالم فكرية متتابعة وتشكل مراجعا لعلامات التطور في مفهوم الدولة، فإن تحدثوا أو استشهدوا بما قال (هيجل) بشأن الدولة وما قاله ماركس وما وصل إليه نيكولاس بولانتزاس أو جرامشي فإنهم قد تعرفوا على هؤلاء في أدبياتهم واستطاعوا أن يؤشروا على نقاط النقص أو الثغرات فيما قالوا أو وصلوا إليه فكريا، فيكون الجهد في معالجة النواقص قائما في كل مرحلة، بينما يبحث أحدنا (كعرب) في صفحات التاريخ عن فيلسوف أو مفكر يتواصل مع من سبقه ليوصل الى من يليه، فلا يجد ضالته بسهولة، بل يجد مفاهيم ضبابية تاهت بين الترحم والأسى والتمني ..

    مقارنات برؤية عربية

    لم يكن للعرب دولة واضحة قبل الإسلام، بل كان لهم أشباه دول، ولكنهم ـ بعد الإسلام ـ واتساع دولتهم في العهدين الأموي والعباسي، تم اعتبارهم ورثة كل الدول التي سبقتهم في حكم المناطق التي بسطوا نفوذهم عليها، وبقيت حتى اليوم محسوبة على أنها (بلدان عربية)، فليس هناك من يستطيع أن ينافس العرب على أنهم ورثة الفراعنة أو السومريين أو الكنعانيين أو السبأيين. ولكن ذاكرة العرب السياسية لا تتخطى الحد الذي يفصل بين الدعوة المحمدية وما قبلها، فليس هناك تشبث بالكيفية التي كانت تُدار بها الدولة في اليمن قبل الإسلام أو الدولة الفرعونية أو الدولة الحثية الخ ..

    لذلك جاءت الصورة عن الدولة مهزوزة أو مرتجة وغير واضحة المعالم في ذهنية العربي كما يصفها (محمد جابر الأنصاري) في كتابه التأزم السياسي عند العرب وموقف الإسلام .. ولو لخصنا ما قاله في الكتاب لخرجنا بما يلي:

    1ـ إن الدولة عند العرب لغويا (مرتجة و مهزوزة) من تداول الحديث، وهكذا دواليك، وتلك الأيام نداولها بين الناس، في حين الدولة عند الغرب مأخوذة من
    Statusأي الصخرة الصلبة ، فأصبحت State ..

    2ـ الدولة جغرافيا وتاريخيا عند العرب غير واضحة المعالم، لا هي و مواطنيها، ففي حين نعتبرها من الأندلس الى الصين، ونعتبر أن مفكريها وأعلامها هم من أبناء عمومتنا أو أجدادنا من زهير بن أبي سلمى الى أبي القاسم الشابي واحمد شوقي و جميل صدقي الزهاوي .. نجد أن هناك مجلس أمة في الأردن ومجلس أمة في الكويت الخ .. فالارتجاج واضح جغرافيا وتاريخيا عند العرب، في حين أن الصين مثلا، هي التي تقع داخل حدود سور الصين ..

    3ـ الدولة مرتجة اجتماعيا، ارتبطت الدولة العربية أو حتى تلك الدول التي سبقت الإسلام بعائلة أو عشيرة، فهذه دولة الفراعنة وهذه دولة الأمويين وحتى يحدث تخصيص مطلق فيقولون دولة الرشيد أو دولة فلان .. ولا زال هذا الوضع قائما فيرتبط اسم الدولة باسم عائلة .. وهنا يبرر الكاتب عدم حرص المواطنين للدفاع عن دولة فلان أو العائلة الفلانية .. في حين لا نجد تلك الظاهرة في فرنسا أو ألمانيا مثلا ..

    حقائق تاريخية اجتماعية

    من أكثر ما يواجه النشاط الفكري العربي فيما يخص الدولة عند العرب، هو ما يخص الرؤية الإسلامية (السياسية) في الفكر الحديث، فكل يوم نسمع ونقرأ من يدعو الى العودة الى الماضي لنضمن العودة الى بواطن القوة، فهناك من يرفع شعار الإسلام هو الحل، وكأن هذا الشعار يطرح لأمة غير مسلمة، علما بأن سكان البلدان العربية غالبيتهم المطلقة من المسلمين. ومع ذلك سنحترم هذا الطرح الذي لا خلاف عليه وسنناقشه وِفق رؤية ثبتها (محمد عابد الجابري) في كتابه (الدين والدولة وتطبيق الشريعة) وسندرج الحقائق التي توصل إليها الكاتب:

    1ـ لقد كان النظام السياسي الاجتماعي في مكة والمدينة (يثرب) قبل الإسلام، نظاما جماعيا قبليا لا يرقى الى مستوى الدولة التي قوامها أرض ذات حدود معلومة وجماعة من الناس تسكن هذه الأرض وسلطة مركزية تنوب عنهم في تدبير شؤونهم الجماعية وفق قوانين وأعراف.

    2ـ مع البعثة المحمدية، بدأ المسلمون يمارسون الدين الجديد ليس كموقف فردي إزاء الرب (المعبود) بل أيضا كسلوك جماعي منظم، انسلخوا فيه عن انتماءاتهم القديمة( مجموعة الهجرة الى الحبشة، كانت من مختلف القبائل ولكنها تصرفت كمجموعة منضبطة وفق انتماء عقائدي جديد غلب انتماءاتها القديمة) ..

    رفض الرسول صلوات الله وتسليمه عليه أن يسمى حاكما أو ملكا، رغم أنه كان يقود مجتمع المسلمين سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتنظيميا، يبعث الرسل ويوزع الغنائم الخ

    3ـ إذا كان الدين هو وحي من الله لا يمكن أن يرثه أحد من الرسول، ولا أن يخلفه فيه، فإن التنظيم السياسي الاقتصادي الاجتماعي الذي نما بنمو الدعوة وانتشارها يحتاج الى من يرعاه ويدبره ويسهر على حسن سيره بعد وفاة الرسول صلوات الله عليه .. ولم يكن هذا التنظيم السياسي الاقتصادي الاجتماعي يحمل اسما سياسيا، فلقد رفض الرسول أن يُسمى ملكا، ولم يكن في قاموس اللغة العربية مصطلح آخر للرئاسة غير الملك، وهو مصطلح رفضه الإسلام وشجبه باعتبار أن (الملك) الوحيد هو الله .. من أجل ذلك استعاض الصحابة بمصطلح (الأمر) .. وهكذا صارت عبارة من سيتولى هذا الأمر؟ تدل على ما تدل عليه عبارة من سيرأس الدولة؟

    يذكر المؤرخون أن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، أثار المسألة مع علي بن أبي طالب عندما كان النبي مريضا مرضه الأخير، إذ قال له: (أدخل على النبي واسأله إن كان الأمر لنا بينه، وإن كان لغيرنا أوصى بنا خيرا) وتقول الرواية أن عليا امتنع لأنه خاف أن تكون النتيجة سلبية إن هو سأل النبي، فيحرم الهاشميون من الخلافة الى الأبد .. وتدل هذه الواقعة أن الصحابة كانوا يشعرون أن الدعوة المحمدية قد تطورت فعلا الى دولة..

    4ـ رغم أن القرآن قد تحدث عن الأمة الإسلامية مرارا، وتحدث عن الأوامر والنواهي والحلال والحرام، إلا أنه خلا من ذكر النظام السياسي .. إلا إشارة (أولي الأمر منكم) والتي لم يتفق ـ حتى الصحابة ـ على تعريفها بشكل متطابق فاختلفوا ـ أو كادوا ـ في سقيفة بني ساعدة .. وبقيت بذور الاختلاف تعلو وتهبط حتى طغى الخلاف السياسي على قوة التطابق العقائدي (الديني).

    5ـ يبدو أن مسألة علاقة الدين بالدولة لم تأخذ حقها من النقاش لا في زمن النبي صلوات الله عليه ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .. فكانت مبايعة أبي بكر تختلف عن مبايعة عمر وتختلف عن مبايعة عثمان، لتبدأ بذور الفتنة في السنوات الأخيرة لحكم عثمان وتتعمق في حكم علي ..

    لقد وضعنا تلك المقاربة، لنناقش موضوع الدولة سياسيا، بعيدا عن الاجتهادات العقائدية، على قاعدة أن الغالبية من مواطني الأمة هم من المسلمين الذين، لم يتحزبوا الى وجهة نظر عقائدية ضد أخرى، سيما أن هذا الخلاف قد وقع بين أطهر المسلمين من الصحابة ومنهم مبشرين بالجنة، فالرجوع إليه يدخلنا بمتاهات سجالية لا تقدم ولا تؤخر ..

    يتبع


    هوامش
    ــ
    *1ـ يمكن الرجوع الى : العرب ومشكلة الدولة/ نزيه نصيف الأيوبي/دار الساقي/ بيروت/ الطبعة الأولى 1992
    *2ـ التأزم السياسي عند العرب وموقف الإسلام(مكونات الحالة المزمنة) / محمد جابر الأنصاري/المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت 1995ط1
    *3ـ الدين والدولة وتطبيق الشريعة/ محمد عابد الجابري/ مركز دراسات الوحدة العربية/ بيروت/1996 ط1

  8. #8

    الدولة :

    بحث من المهم إثارته على مستوى أوسع , وأنا أنتظر بقية البحث لأناقشك فيه .
    شكرا" لك

  9. #9
    أشكركم أستاذنا على المرور وتزكية الموضوع

  10. #10
    مفهوم الدولة

    لو حاول أحدنا تصنيف ما يقوله الناس عن الدولة، لوقع بحيرة كبيرة في تحديد شكل المقولات، فمنهم من ينظر لها من زاوية غلاء الأسعار ومنهم من ينظر لها من زاوية إطلاق الحريات، ومنهم من ينظر إليها من زاوية تأمين الكرامة الوطنية ومنهم من ينظر إليها من زاوية التشريعات التي تسنها وتغض النظر عن تجاوزها من قبل البعض الخ

    ( إن الفيلسوف لا يتعامل مع معطيات التاريخ مثل العالم الاجتماعي أو المؤرخ، والمؤرخ لا يستغل استخلاصات الفلاسفة والاجتماعيين كما يفعل غيره. إن الباحث في هدف الدولة، رغم سرده للأحداث، لا يكتفي بالنظرة التطورية وإلا خرج عن حيز الفلسفة. لا بد له أن يتجاوز أنماط الدولة المتلاحقة ليصل الى مفهوم الدولة في حد ذاتها وليطرح على النطاق العام المجرد السؤال التالي: ما هو هدف الدولة؟)*1

    لو عرضنا مقالتين كان لهما تأثير واسع في مجرى التاريخ البشري، ولم تعط أية واحدة منهما للدولة استقلالا كافيا لكي تهيئ تربة فكرية لنشأة نظرية الدولة، بالمعنى الدقيق للكلمة.

    المقالة الأولى: تقرر أن الغاية المقدرة للبشر ليست من عالم المرئيات وأن الحياة الدنيا هي بمثابة تجربة يجتازها المرء ليعرف قيمته وما يستحق من جزاء في حياة أخرى محجوبة عنه الآن وغير متناهية .. فالتوجه هنا في تلك المقالة يكون للوجدان الفردي لكي ينفصل عن قوانين الحياة الدنيا الخادعة.

    فالدولة في تلك المقالة عبارة عن تنظيم اجتماعي اصطناعي لا يمكن أن يتضمن قيمة أعلى من قيمة الحياة الدنيا كلها، فإن كانت الدولة في خدمة الفرد لكي يحقق غايته المنضبطة (وجدانيا) مع روح المقالة فهي مقبولة شرعيا. أما إذا منعته من أن يلبي الدعوة الموجهة الى وجدانه أو تجاهلت الهدف الأسمى أو عارضته فهي مرفوضة ولا شرعية ..

    في تلك المقالة تتحدد واجبات الفرد في تربة فكرية ترسم النظريات الأخلاقية التي تحدد مسئوليات الدولة، وهنا فإن الشريعة هي مجموعة القيم المتولدة عن الغاية العليا والتي يعمل الفرد على تحقيقها والأخلاق هي مجموع طرائق السلوك التي تتجسد فيها تلك القيم. فتخاطب الشريعة في آخر المطاف (الفرد) .. والأخلاق هي أخلاق الفرد عندئذ، ولا معنى للكلام هنا عن أخلاق الدولة!

    هناك تمييز دائم بين الفرد وبين الدولة، بين القانون الوجداني الفردي ( القانون الجواني) وبين القانون الذي تصدره الدولة (القانون البراني) .. ليس بالضرورة أن يتعارض القانونان باستمرار.. فقد يكون قانون الدولة خاصا بالحياة الحيوانية في الإنسان التي هي ضرورية لحياة (روحه) ..

    لقد تعددت في التاريخ أشكال تلك المقالة من قبل المسيح عليه السلام عند اليونانيين وامتدت حتى وصلت فقهاء الإسلام*2


    المقالة الثانية: تقرر أن غاية الإنسان هي المعرفة والرفاهية والسعادة. إن الإنسان وليد الطبيعة، يصبو الى سد حاجاته البدنية والفكرية المتنامية باستمرار. فيتجه الى الطبيعة التي تمده بالوسائل الضرورية لذلك. من أهم تلك الوسائل التعاون. إن قوة الإنسان في الأساس قوة جماعية: إذا نظرنا إليها من زاوية الحاضر وجدناها تنشأ عن التعاون وإذا نظرنا إليها من زاوية الماضي وجدناها مدخرة في العادات، في الثقافة، في اللغة. المجتمع إذن نظام طبيعي ضروري، فهو بالتالي معقول متكامل متجانس، لا توجد فيه تناقضات تلزم تدخل قوة رادعة من الخارج. نلاحظ في هذا الاستدراج لتلك المقالة أن الناس في الوقت الحاضر لا يلجئون الى الدولة (الشكوى والقضاء الخ) إلا بعد استنزاف وسائل حلها فيما بين المختلفين وفق عادات وطرائق جربها المجتمع سابقا.

    إن الدولة الطبيعية تخدم المجتمع بقدر ما يخدم المجتمع الفرد العاقل: تنظم التعاون، تمهد طرق السعي، تشجع الكسب وطلب العلم. المطلوب منها بالأساس الحفاظ على الأمن في الداخل والسلم في الخارج، أي ردع العنف اللامعقول، ما دام له أثر بين البشر .. بقدر ما تتقدم الإنسانية في سبيل العلم والرفاهية والسعادة بقدر ما تخف ضرورة اللجوء الى الدولة بشأن المحافظة على السلم، فتتلاشى وسائل الدولة الزجرية والقمعية..

    أما الدولة الفاسدة المناقضة للمجتمع المبنية على العنف واستعباد الناس، فليست سوى مؤامرة ضد الإنسانية. لقد أنتجتها تاريخيا عملية سطو قام بها النبلاء (وليسوا في الأصل سوى قطاع طرق) والكهان (وليسوا سوى مغترين مزورين) اختلقوا خرافة الإنسان الشرير، أسطورة الفرد اللاإجتماعي الذي يفضل الجهل على العلم ويسعد عندما يلحق الضرر بأخيه الإنسان. هذه خرافة اختلقتها أقلية شريرة لتثبيت حكمها والدفاع عن امتيازاتها*3

    هاتان مقالتان متعارضتان تعارضا تاما، في الظاهر نراهما تتصارعان في الفلسفة اليونانية وداخل الفكر الإسلامي (أخوان الصفا) وفي الفلسفة الغربية الحديثة، يصل تعارضهما الى حد أن الكلمة الواحدة (عقل، طبيعة، أخلاق) تؤدي في كل واحدة منهما معنى معاكس لما تعنيه في الأخرى. رغم ذلك فالمقالتان متفقتان على كيفية تصور المشكلات في منظومة فكرية معينة (تخص الدولة).


    كيف فهم العرب القدماء فكرة الدولة

    عندما نقول العرب في هذا المقام، فإننا نقصد أولئك الذين نزل عليهم الإسلام في بداياته، وهم عرب الجزيرة والعراق وبلاد الشام .. فهؤلاء لم يكونوا بعيدين عن محاولات جادة و متكاملة في تأسيس الدول، خصوصا أولئك الذين كانوا في اليمن*4 أو الإمارات التي كانت في نجد و الحجاز والعراق وبلاد الشام كإمارة كندة وإمارة الغساسنة وإمارة المناذرة *5 .. ومع ذلك فقد ورث العرب تراث التعاطي مع فكرة الدولة من خلال إرثهم لحضارات ما بين الرافدين أو مصر*6

    وبعد دخول الإسلام الى قلب الجزيرة العربية، أحس الرسول صلى الله عليه وسلم بوجوب الإحاطة بطرق إدارة الدولة فبعث بالعام الخامس للهجرة للحبشة، للفرار من الفتنة أولا ولنشر الدعوة الإسلامية ثانيا و للدراسة الميدانية لطريقة إدارة الأحباش لدولتهم*7

    وسنفرد في المرة القادمة حول تطور الفهم العربي الإسلامي لمفهوم الدولة

    هوامش



    *1ـ مفهوم الدولة/ عبد الله العروي/ المركز الثقافي العربي/ الدار البيضاء/ المغرب/ الطبعة السابعة 2001/ ص 8

    *2ـ يقول ابن تيمية : الأصل أن الله خلق الأموال إعانة على عبادته لأنه خلق الخلق لعبادته (السياسة الشرعية ص 39)

    *3ـ يقول فيخته : (إني أعلم أنكم ستذكرون لا محالة أن بني آدم أشرار. وهذا ما لم أتوصل الى إقناع نفسي به) ذكره عبد الله العروي في هامش صفحة15

    *4ـ ممكن الرجوع لموسوعة العلامة جواد علي (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) الصادر عن دار العلم للملايين/بيروت

    *5ـ ممكن الرجوع لكتاب الحياة السياسية عند العرب/ دراسة مقارنة على ضوء الإسلام/ تأليف: محمد حامد الناصر /دار الجيل/بيروت/1994/ صفحات 29ـ 36.

    *6ـ ممكن الرجوع لكتاب : مقدمة في دراسة المجتمع العربي والحضارة العربية/ الياس فرح/ دار الطليعة ـ بيروت/ ط2 /1980/ فصل يصف فيه الطريقة التي كانت تدار فيها مكة عشية ظهور الإسلام صفحة 44 وما بعدها.

    *7ـ النظام السياسي في الإسلام/ محمد عبد القادر أبو فارس/ دار الفرقان / عمان ـ الأردن/ 1986صفحة 134

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. اللغة والفلسفة.. إشكالية الاحتواء/ماهر الشيال
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-12-2016, 04:31 AM
  2. إشكالية تجديد علم أصول الفقه عند حسن حنفي/بوبكر جيلالي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-29-2014, 02:45 AM
  3. إشكالية العلاقة بين الفلسفة والأدب
    بواسطة حسن لشهب في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-03-2014, 08:50 AM
  4. المحتوى العربي على الإنترنت: إشكالية الكم والنوع
    بواسطة أوس الحكيم في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-14-2012, 07:31 PM
  5. رفع التكليف عند الصوفية،،،إشكالية حوار !!!!
    بواسطة عبدالوهاب موسى في المنتدى فرسان الافتاءات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-17-2010, 12:29 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •