منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    محمد الماغوط:في دائرة المفقودات الشخصية





    محمد الماغوط:في دائرة المفقودات الشخصية


    موظف : كل من فقد حقيبة او محفظة او جواز سفر ، فليراجع امين المستودع . هيا


    مواطن : سيدي انا فقدت انفي . فمن اراجع؟


    الموظف : تعال انت . ما هذا المنظر الرهيب؟ فعلا اين انفك وعيناك وأذناك وحواجبك ؟ مع من تشاجرت؟


    المواطن : مع المرآة


    الموظف : ان هيئة الأجرام واضحة عليك


    المواطن : ابدا يا سيدي . فأنا ضعيف ومسالم كالهواء


    الموظف : اذن ما هي ظروف الواقعة وكيف حدثت ؟


    المواطن : سيدي ، لقد فقدت ارضي في حرب 48 وأهلي في حرب السويس وتفاؤلي في حرب حزيران ، وتشاؤمي في حرب تشرين ، وعقلي في حرب لبنان. ثم فقدت القدرة على التعبير في المسائل الأدبية ، وعلى الأيضاح في المشكلات السياسية ، وعلى الحب في الأجتماعات النسائية النضالية
    ثم فقدت هيبتي في البيت ، ونقودي في المقامرة ، وسمعتي في الحانات ، واصدقائي في الملمات . ولم أشك . ولم أتذمر . واغلقت بابي دون العالم بأسره . وقلت : ليتخل عني الجميع فلن ابالي . تكفيني ملامحي هذه ، واستسلمت للنوم وانا اتلمسها بشوق وحنان كما يتلمس الضرير جدران حارته وبيته القديم
    وفي تلك اللحظة بالذات استيقظت على حركة تنقلات واسعة في وجهي . فمي مزموم الي الأسفل، وانفي منكمش الي أعلى ، واللسان ملتصق بسقف الحلق ، والجبين مكان القدم ، والقدم مكان الجبين ، والعين اليمنى تبتعد عن اليسرى ، والأذنان تتحركان في جميع الأتجاهات بحثا عن ملجأ تحت الياقة وكأنها جميعا تتوقع حملة مداهمة بين لحظة وأخرى


    الموظف : ومتى حدث ذلك بالضبط ؟


    المواطن : بصراحة ، يوم اجتماع وزراء الداخلية العرب مؤخرا . ولقد قضيت الليل بطوله أهديء من روعها وأحثها على التجلد والصمود ، واعادة الثقة بالنفس وبالمستقبل ولكن دون جدوى . اذ منذ صباح اليوم التالي أخذت أضراسي تؤلمني وعيناي تحرقانني ، وصدري يزفر وانفي يسيل . انها حرب استنزاف واضحة . وقررت الصمود في سريري لمواجهة ما يستجد من تطورات واحتمالات . ولم يطل بي الأمر حتى سمعت وانا غارق في النوم ، همسات ومداولات ووشوشات مطولة بين الأذن والأنف ، والعيون والحواجب ، والمعدة والفم ، راحت على اثرها تتسلل من اماكنها الواحدة تلو الأخرى حسب خطة مبيتة فيما بينها وتتجمع حول باب الخروج واصابعها على شفاهها كي لا اكتشف امرها . ولكنني أكتشفته .


    ونهضت كالملسوع من سريري . انها مؤامرة ، حركة عصيان واضحة ، وعلى قهرها في المهد. وحاولت استعمال الهاتف فلم اجد اصابعي ، وحاولت الصراخ فلم اجد حنجرتي ، وحاولت اللحاق بها فلم اجد قدمي . ماذا افعل ؟ هل اقرض عليها الأقامة الجبرية ؟ هل احاكمها ميدانيا ؟ هل القم قلمي بالحبر واقذفها بكل ما تطوله يدي؟ ولكن اين يدي؟ وفكرت : كيف اقدم على ذلك ، وهي اولا وآخرا ملامحي وامام صمتها واطرقتها العنيدة امام باب الخروج ، صرخت مستسلما


    اذهبي الي الجحيم . ستندمين عاجلا ام آجلا ستندمين


    فتنحنحت المعدة وردت باسمهم جميعا : وعلى ماذا سنندم يا هذا ؟ هذه العيون ماذا سترى اكثر مما رأت ؟ وهذه الأذن ماذا ستسمع اكثر مما سمعت ؟ وهذه الأقدام ؟ لو كان عندها ذرة من كرامة لكان عليها - من اول فلقة - ان تهرب وتبحث عن مكان آخر ، او حذاء جديد . ثم انا شخصيا ، على ماذا سأندم ؟ الا تخجل من نفسك يا رجل ؟ خمسين سنة ... حمص ، فول ، شورما ، وغازات . أهذا طعام كفاح ونضال؟

    الموظف : اسمع . ملامحك موجودة عندنا في المستودع . وسأعيدها اليك مع انفك ، بشرط ان تقنعه بالتعاون معنا . فهو بحكم موقعه الأستراتيجي في وسط الوجه ، يستطيع ان يمدنا بمعلومات جلى في هذه المرحلة .. العين ماذا ترى ، الفم ماذا يقول ، الأذن ماذا تسمع ، اليد ماذا تقبض ، الأقدام اين تذهب ...الخ


    المواطن : سيدي ، انه انف وليس طائرة اواكس


    الموظف : لا عليك ، سندربه ونزوده بمخاط سري لهذه الغاية


    المواطن : لا اظنه يقبل بهذه المهمة . فهو امي وخجول وشاعري ايضا. هل تعرف ماذا قال لي قبل الرحيل ؟ قال : ارجوك ، اذا ما جاء الربيع في غيابي فقل له بأنني انتظرته طويلا ولم يأت ، أعده الي سيدي ارجوك


    الموظف : اكاد انهض واجدعه . لماذا تصر عليه هو بالذات كل هذا الأصرار؟


    المواطن : اريد ان اتنفس يا سيدي


    الموظف : الشعب العربي كله لا يتنفس ، فلماذا تريد انت هذا الأمتياز ؟


    المواطن : وماذا افعل الآن ؟


    الموظف : انصرف ولا تراجعني بهذا الموضوع او سواه ابدا


    المواطن : والى اين اذهب وانا مجرد هيكل عظمي كما ترى ؟


    الموظف : الي احدى المستشفيات ، حيث سيعلقونك في قاعة التشريح ، وضمن اطار طبعا .. كي يستفيد منك الطلبة في دروسهم التطبيقية


    المواطن : شكرا على هذه النهاية


    الموظف : لا شكر على واجب


    المواطن : سؤال آخر يا سيدي: هل يمكن ان تعيد الي ملامحي القديمة ذات يوم ؟


    الموظف :في هذه المنطقة لا شيء يذهب ويعود سوى الأمريكان . هل تسمح لي بسيجارة ؟


    المواطن : عفوا سيدي ، بيدك واحدة ، وامامك اثنتان


    الموظف : لقد نسيت . ونسيت ان اسألك يا هذه ، كيف تكلمني وانت دون حنجرة ، وتتنفس دون انف ، وترى دون عينين؟


    المواطن : من الشائع يا سيدي ان الديك المذبوح لتوه يمشي بضع خطوات بشكل طبيعي قبل ان يلوي عنقه بين جناحيه وينطرح ارضا . وانا لا أتكلم باسمي كأنسان او كديك ، بل اهذي كدجاجة على هيئة امة ، تمشي خطواتها الأخيرة قبل ان تلوي ماضيها وحاضرها ومستقبلها بين سياطها وميكروفوناتها وتنطرح ارضا بين قدمي الشرق والغرب
    المصدر:
    http://www.taybeh.info/forum/messages.php?webtag=TAYBEH_FORUM&msg=690.1

    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    إنها قصة عجيبة وغريبة وواقعية , وليست رمزية , لأننا فعلاً نعيش بهذه الدنيا بلا أعضاء تنفعنا , وكل العروبة رهينة السجن في بيوتها , إلا الأمريكان هم الذين يتحركون شرقاً وغرباً ونحن كدجاجة تحضر , وتنتظر رمقها الأخير , أو كالديك الرومي الذي قيل فيه وهو يتراقص من ألم الذبح .

    برقت له مسنونة تتلهب ...... أمضى من القدر المجيب وأغلب ,
    قالوا حلاوة روحه رقصت به .... فأجبتهم ما كل رقص يُطرب .



    لك التحية والشكر يا أديبتنا على نقل هذه القصة المعبرة والمؤلمة حقاً , تحياتي .

المواضيع المتشابهه

  1. منتخبات من مؤلفات محمد الماغوط
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-15-2015, 02:40 AM
  2. المصباح والفراشة/محمد الماغوط
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-15-2015, 01:48 AM
  3. دائرة المعارف العلمية (4 أجزاء) - أحمد محمد صبري
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-19-2014, 04:13 AM
  4. سأخون وطني/محمد الماغوط
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-03-2013, 09:19 PM
  5. «محمد الماغوط العاشق المتمرد»
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-12-2006, 09:49 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •