قصة ولادة من جديد.. الكاتب الفلسطيني علي بدوان يشرح لـ"ميــلاد"تفاصيل زراعة كبده في مشفي الحيش الصيني
التاريخ: 2010-06-12 19:47:42
رام الله-حوار خاص بوكالة ميلاد الاخبارية
• قاتل في حصار بيروت ضد القوات الاسرائيلية الغازية عام 1982.
• قاتل في حروب المخيمات التي شنتها حركة أمل على المواقع الفلسطينية
• أصيب في الكبد اصابة مؤلمة عام 1985 أثناء الدفاع عن المواقع الفلسطينية في بيروت.
• تفاقمت الاصابة في العام 2005.
• لم يتكفل فصيله الذي كان ينتمي اليه بعلاجه (الجبهة الديمقراطية).
• تكفلت أسرته بدفع التكاليف الباهظة له بعد خضوعه لعملية زرع كبد في مشفى الجيش الصيني
"كبد جديد حياة جديدة".. هذه العبارة مكتوبة بالأضواء اللامعة باللغتين الانكليزية والصينية على المبنى الضخم للمستشفى المركزي الأول لزراعة الكلى والكبد في مدينة تيانجين شمالي شرقي العاصمة الصينية بكين، كما يخبرنا الأستاذ علي بدوان (المسؤول الإعلامي السابق في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وعضو اللجنة المركزية فيها وأمين سر مكتب الأمين العام لأكثر من خمس عشرة عاماً).
مقدمة في تاريخ زراعة الكبد
وتعتبر عملية زرع الكبد من العمليات الجراحية الجبارة في تاريخ الجراحة عامة وزراعة الأعضاء خاصة وهي الأمل الوحيد لمرضى الفشل الكبدي. وتؤكد التقارير الطبية الصادرة عن مراكز الأبحاث العالمية أن عمليات زرع الكبد تطورت بشكل مذهل خلال السنوات الأربعين الماضية، أي منذ فشل أول عملية زرع للكبد جرت عام 1963. حيث يرجع تاريخ زراعة الكبد الى ما يزيد عن الأربعين عاماً حيث تمكن الدكتور توماس ستارزل في الولايات المتحدة من زراعة أول كبد لانسان في عام 1963 ولكن المريض توفي بعد ساعات قلائل. وكذلك كان مصير سبعة مرضى آخرين أجريت لهم زراعة للكبد في كل بوسطن ودنفر وباريس.
وفي عام 1982 استخدم البروفسور كالن في كامبردج البريطانية عقار السايكلوسبورين لأول مرة لتخفيض المناعة وبالتالي تقليل نسبة رفض الكبد المزروعة، ومن حينها عقد مؤتمر طبي في الولايات المتحدة أعلن في ختامه بأن عملية زرع الكبد قد خرجت من حيز التجارب و الأبحاث الى عالم التنفيد مما دعى كثير من وحدات الكبد حول العالم من بدء برامج لزراعة الكبد.
ومما لا شك فيه ان اكتشاف محلول جامعة وسكانسون (University of Wisconson Solution) في عام 1988 م قد احدث ثورة عارمة في عالم زراعة الأعضاء عامة بشكل عام وليس الكبد فحسب، حيث اصبح بالأمكان تخزين الكبد المستتأصلة فترة أطول مما هو متعارف عليه فأصبحت عملية الزراعة تجرى بطريقة غير عاجلة ساعات بعد استئصالها من جسد المتبرع معطيا الفرصة لاستدعاء مريض آخر اذا ما وجد عائق طبي يمنع زرع الكبد للمريض المقترح ومعطية الفريق الطبي فرصة لأخد قسطاً من الراحة بعد استئصال الكبد المتبرع بها وقبل زراعتها للمتبرع له.
ويعتمد نجاح أي برنامج زراعة على جهود وخبرات الفريق الطبي المكون من جراحي زراعة الأعضاء وأطباء متخصصين في أمراض الكبد وممرضات متخصصات في هذا المجال وأطباء الأشعة والتحليل النسيجي المتخصصين في الكبد وكذلك المنسقين لعمليتي التبرع والزراعة.
لقد تطورت عملية زرع الكبد خلال االثلاثين سنة الماضية حتى اصبحت علاجا ناجعا لكثير من امراض الكبد المزمنة وأصبحت العلاج الوحيد المتواجد امام مرضى الفشل الكبدي. وفي السنين الاخيرة تحسنت نتائج عملية الزراعة تحسناً ملحوظاً بسبب التحسينات التي أدخلت على الطريقة الجراحية للزراعة اضافة لتوفر كثير من التقنيات الحديثة مثل جهاز الأرغون للتخثير، جهاز الثيرما يلاستوجراف التي ساعدت كثيراً في جعل هذه العملية اكثر سلامة للمريض وقللت من نسبة الوفيات اثناء العملية.
وفي هذا السياق، فان الإحصائيات الرسمية التي تصدر عن المعاهد الطبية ومراكز الأبحاث في العالم تشير إلى أن أكثر من خمسة وثمانين في المائة من عمليات زرع الكبد تسجل نجاحاً مميزاً ويعيش أصحابها حياة صحية اعتيادية.
الصين وزراعة الكبد وحالة صديقنا
صحيح أن الصين بلد أرخص من غيرها بكثير من دول العالم الأخرى، غير أن عملية زراعة الكبد التي أجريت له في هذا المشفى العالمي، مضافا إليه مجمل كلف العلاج، بلغت مائة وستين ألف دولار، تنصل نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية من دفع سنت واحد منها، رغم أن العملية التي أجريت للأستاذ بدوان كان سببها أذى لحق بكبده أثناء أسره لدى حركة أمل في لبنان، جراء التعذيب الجسدي، وذلك خلال فترة حرب المخيمات وقيامها بتسليمه لجهة ثانية أستكملت مابدأته معه.
ورغم أن حواتمة يحوز ملايين بلا عدد من الدولارات، حصل عليها من البنك البريطاني في بيروت، كما من "القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير"، على حد وصف حواتمة نفسه..!
الأستاذ بدوان، ومن واقع تجربته بالغة المرارة مع حواتمة، وجبهته، أجرى تعديلا بسيطا على شعار مشفى "تيانجين".. ليصبح "كبد جديد..حياة جديدة.. كتاب جديد"..
كتاب بدوان الجديد سيتحدث بالتفصيل عن تجربته مع حواتمة والجبهة الديمقراطية طوال سبعة وعشرين عاما، لكنه هنا، وبعد أن يجيب على اسئلتنا عن تفاصيل مرضه والعملية الناجحة التي أجريت له سنة 2006، يكشف لأول مرة عن موقفه من حواتمة، المؤسس على الممارسات غير المتوقعة من الرجل الذي يطرح نفسه قائدا أمميا، وليس فقط فلسطينيا أو عربيا.
من مقدمتنا ننتقل إلى نص الحوار مع الأستاذ المناضل علي بدوان، الذي لم يكن سهلا اقناعه بالتحدث، أو قول بعض ما لديه، حيث بدأ قوله بالتالي :
بعد انتظار لفترة معينة من الزمن خضعت لعملية (OLT/نقل كبد) على يد الجراح العالمي البروفسور (جيو جي جين) وتحت إشراف ورعاية خاصة من قبل البروفسور (زيانغ تشين) مدير مشفى تيانجين والأستاذ الأول لزراعة الكبد في العالم. فخرجت بصحة وعافية، وأنطلقت من جديد في ولادة جديدة شاقاً دروبي في الحياة، بعد أن تهددني الموت حتى لحظات حرجة، اثر فشل كبدي يعود لإصابة (أذية) خارجية وقعت معي أثناء عمله الوطني في صفوف واحد من الفصائل الفلسطينية. ورافقني في رحلة العلاج شقيقي الأكبر (عبد الرحمن من مواليد حيفا 1946) وزوجتي هدى حوتري، وهي أخصائية في الطب المخبري.
وبعد عملية نقل الكبد (OLT)، التي مضى عليها إلى الآن (30) شهراً، فتحت لي أبواب الحياة من جديد، بعد أن غادرت المشفى بعد (30) يوماً من العزل الصحي المعقم، ووصلت إلى مخيم اليرموك في اليوم الثاني والثلاثين من اجراءها، لأينطلق بعد أقل من عشرة أيام من وصولي لدمشق إلى ساحات العمل والانتاج بعملي الإعلامي والسياسي، وبعملي التربوي والتعليمي، حيث أعيش الآن حياة طبيعية بكامل عافيته، وأعمل في أكثر من مجال، وأول هذه المجالات العمل الكتابي المستديم، كما أعمل في مجال التربية والتعليم.
س : بعد مضي أكثر من عامين على عملية(نقل كبد) التي أجريت لك كيف تشعر ؟
ج : كانت العملية بمثابة ولادة جديدة لي، والحمد لله أنا بصحة ممتازة، أمارس نشاطاتي اليومية بشكل طبيعي جداً جداً، أتابع ذاتي الصحية وفق البرنامج الذي تعلمته من أطبائي، وأقوم بين فترة وفترة بإجراء مراجعات روتينية، وإجراء تحاليل طبية روتينية أيضاً، وكل التحاليل الطبية ونتائجها القياسية الرقمية تشير والحمد لله إلى حالتي الصحية الممتازة.
س : كيف بدأت العوارض المرضية عندك، ومتى ؟
ج : تختلف العوارض من شخص إلى أخر، حسب الإصابة الكبدية وسببها ونوعها، أما إصابتي فقد كانت من نوع أخر، وهو أمر سأتحدث عنه بالتفاصيل في كتاب سيطلق خلال فترة قريبة. وبسبب من طبيعة إصابتي لم يقع معي ما يقع عادة مع أصحاب الإصابات الكبدية الشائعة مثل اصفرار الوجه والهزال الجسدي، وفقدان الشهية، وارتفاع وظائف الكبد ... الخ. فنوعية إصابتي الكبدية كانت مختلفة عن الإصابات الشائعة، لدرجة أن وظائف الكبد كانت عندي طبيعية حتى قبل إجراء العملية بيوم واحد، وهو أمر كان ومازال محيراً للأطباء.
س : اذاً، ماهي طبيعة الإصابة الكبدية التي تعرضت لها ؟
ج : هذا أمر سأشرحه بالتفاصيل في كتابي القادم كما قلت من زاوية (الأذية والإصابة الخارجية، كيف حصلت وقائعها وتفاصيلها، زمانها، وماهي). ومع هذا أختصر القول بأن الأذية تأت أثناء ماعرف باسم حرب المخيمات التي شنتها حركة امل ضد القوى الفلسطينية في بيروت عامي 1985/1986وأنتقلت الى مناطق صيدا (معارك مغدوشة)، ففي ذلك الوقت اعتقلت بعد اصابة طفيفة الا أن ظروف الاعتقال ومارافقها من ممارسات وقعت بحقي خصوصاً بعد أن قامت حركة أمل بتسليمي لجهة ثانية التي زادت بدورها على ماقامت به حركة أمل بحقي من تعذيب مريع، أدت الى تمزقات في نسيج الكبد، وهي تمزقات ظهرت مخرجاتها السلبية بالتدريج وتفاقمت في نهاية المطاف بعد عشرين عاماً. حيث من المعروف علمياً بأن نسيج الكبد يتحمل العوامل المرضية خارجية كانت أم داخلية لفترات طويلة، ويكفي أن يكون (10%) منه سليماً ليتم وظيفته. لذلك لم أكن أعاني بشكل جدي طوال السنوات التي تلت الاصابة، بل وأديت خدمة الجيش الالزامية بصفوف جيش التحرير الفلسطيني/قوات اجنادين بعد أن كنت قد أتبعت دورة قيادة سرية مشاة صاعقة كضابط مجند في مدرسة المشاة في حلب، وخضعت أيضاً لدورة قفز مظلي (خمس قفزات)، ودورة ابرار جوي (انزال بالحوامات) في الجيش العربي السوري لصالح جيش التحرير الفلسطيني، واديت خدمتي العسكرية في الخطوط الأمامية وتحديداً فوق مرتفعات جبل الشيخ وفي موقع القمة المعروف بموقع (قصر شبيب) وهو أعلى ارتفاع في بلاد الشام حيث يبلغ ارتفاع القمة عن سطح البحر (2814) متر، وكنا على بعد أقل من (50) متراً من قوات العدو الصهيوني.
ومن الزاوية (الطبية العلمية) خصوصاً وأنني (بت أملك مخزوناً معرفياً جيداً بكل مايتعلق بعمل الكبد وأمراضه). لذلك فان إصابتي تأتت عن إصابة (أذية) خارجية، حيث تم تشخيصها بدقة في مشفى هونغ كونغ لزراعة الأعضاء في مقاطعة تشينجن، وبعد ذلك في مشفى تيانجين. بينما كان التشخيص في بلادنا غير دقيق بالمعنى التام، بل واتجهت بعض التشخيصات عندنا للقول بأن إصابتي الخارجية ترافقت مع وجود "العامل الاسترالي" وهو أمر تأكد بالفحص والتحليل العادي بطريقة الاستشراب التقليدية. لكن وبعد إجراء الفحص الأدق والأرقى بطريقة الخزعة الكبدية (بواسطة إبرة الشيبا) في مشفى الدكتور فايز صندوق بدمشق، تأكد بأن لاوجود للعامل الاسترالي، وأن طريقة الاسشراب السابقة أعطت مايطلق عليه في التحليل المخبري الطبي بمصطلح "ايجابي كاذب"، وهو أمر معروف في التحليل الطبي لكنه يصعب تفسيره بشكل قاطع، بل يمكن التكهن بأسبابه لا أكثر ولا أقل. وعليه تم نفي العامل الاسترالي بشكل قاطع، ليتأكد القول بالأذية (الإصابة) الخارجية غير التقليدية.
وحقيقة وجود الإصابة الخارجية فقط دون غيرها، عزز من إمكانية العلاج ونجاح العملية بشكل ممتاز، وعودتي للحالة الطبيعية تماماً. وعليه فالتحليل المخبرية التي تلت العملية، وتكررت عملية إجراءها، أكدت بشكل قاطع سلامة الدم وعدم وجود أي عامل فيروسي (استرالي) أو غيره، بل وأشارت التحاليل الطبية بعد العملية إلى توالد مستضد في الجسم بات يحمي الكبد من العوامل السابقة.
س : لكن، هل يمكن إجراء عملية نقل الكبد لأي شخص مصاب بفشل كبدي؟
ج : بالطبع لا، على ما أعتقد حسب خبرتي ومشاهداتي، والأمر يحتاج إلى سؤال طبيب مختص، فهناك بعض حالات الإصابة يصعب التخلص منها وإجراء عمليات نقل الكبد. مثلاً الاصابات السرطانية التي انتشرت خارج الكبد، أوالاصابات الفيروسية الفعالة (فيروس موجب/فعال من نوع B أو C)، أو الحالات التي تنتج عن أذية جينية داخلية (خلل في سلسلة نسيج DNA الكبد)، أو خلل جيني ذو أصل وراثي، أو الحالات التي يرافقها مشاكل متقدمة في القلب أو غير ذلك. وكلما كانت حالة المريض خالية من العيوب المرضية الاضافية كلما سهلت أمور العمل الجراحي وفتحت طريق نجاح العملية.
س : اذاً هناك حالة عامة لديك سهلت إمكانية نجاح العملية ؟
ج : نعم، فعند إجراء الفحوصات التمهيدية طوال الأسابيع الأربعة الأولى من وجودي في المشفى، وبعد انجاز التقرير التقرير الطبي الشامل للجسم ومعه التقرير (الباثولوجي) العام، تأكد الأطباء من عدم وجود أي خلل إضافي لدي. فالقلب يعمل بطريقة ممتازة، وكذلك الكلى، والبنكرياس، ولاوجود لأي عوامل سلبية في المعدة (بكتيرية)، مع انتفاء عامل ارتفاع الضغط، والمستوى الطبيعي للشحوم والكولسترول أيضاً، حتى وظائف الكبد الأربعة فكانت قياساتها بالمستوى العادي بالرغم من حالة الكبد الحرجة. وعلى حد تعبير البروفسور جيو فان جسمي كان قبل العملية (مرسيدس بنز، فيها قطعة واحدة مضروبة فقط هي الكبد لاغيرها).
وهنا في هذا المقام أشير إلى أن الفحوص التي خضعت لها قبل العملية، كانت شاملة وتناولت كل شيء في الجسم، لدرجة أنني كنت أستيقظ يومياً الساعة الخامسة صباحاً، وعلى مدار الـ (35) يوماً قبل العملية من أجل الخضوع للفحوص الطبية الشاملة والمتطورة التي تستمر حتى ظهر اليوم، عدا المتابعات الليلية في غرفتي، وتسجيل القياسات الضرورية المتعلقة بحالتي ساعة بساعة في سجل يومي يتم تدقيقه يومياً بعد منتصف الليل من قبل الطبيب العام المشرف على متابعتي.
س : كيف تعامل الأطباء في سورية مع حالتك الصحية؟
ج : بشكل عام بعناية، بالرغم من تخلف طب الكبد في عموم بلادنا العربية، حيث حيرة واضحة تلف أطباء الكبد في منطقتنا عموماً بسبب من جهل يكاد يكون كبيراً في تشخيص وعلاجات الحالات المرضية في الكبد، خصوصاً منها الحالات غير المعروفة التي تقع لسبب خارجي.
فالتشخيص الدقيق عندنا في بلادنا يتحدد بحالات الإصابات الفيروسية التقليدية المعروفة وإصابات القناة الصفراء، أما الحالات المغايرة فعملية تشخيصها في بلادنا مازالت صعبة على الأطباء لأكثر من سبب، وبالتالي فان هناك حالة من العجز في معالجة العديد من الإصابات الكبدية وهو أمر يقود لتدمير الكبد.
س : علمت أنك كنت قد أجريت فحوصات في هونغ كونغ.
ج : نعم هذا الأمر حصل عندما سافرت إلى شنغهاي برحلة عمل دراسي (....) وذلك في أيار/مايو 2005 أي قبل أن تسوء حالتي بشكل مريع. ففي ذهابي إلى شنغهاي انتقلت إلى مدينة تشنجن وهي عاصمة الإقليم الذي بات يضم جزيرة هونغ كونغ تحت إدارة خاصة، وهونغ كونغ جزيرة في البحر تبعد خمسة كيلومترات فقط من شواطىء تشنجن، لذلك كنت زرتها وأجريت فحوصات للكبد بعدما علمت عن وجود مشفى متخصص، وعندها أعطيت تطمينات أولية، وقيل لي بضرورة الخضوع لنقل كبد ولو بعد حين.
س : وهل هذا السبب الذي دفعك لاتخاذ قرار العلاج أخيراً في الصين ؟
ج : ليس السبب السابق، أي زيارتي لشنغهاي وتشنجن، بل بعد أن قرر طبيب أمريكي من أصل عربي (فلسطيني من مدينة صفد وعائلته في سوريا) في الولايات المتحدة (اختصاص زرع كبد) وبعد اطلاعه على كل ملفاتي التشخيصية ومراسلاتي الطبية معه، وبعد التشخيص النهائي والدقيق، أن حالتي الصحية لا تحتمل الانتظار، وأن إنقاذ حياتي يستدعي عملية جراحية لاستئصال الكبد واستبداله بكبد صحي آخر، وهذه الجراحة الدقيقة والخطيرة غير متوفرة في سوريا وحتى في البلدان العربية، بما في ذلك مصر والسعودية والأردن التي تقتصر العمليات فيها على يد فريق ألماني يأتي لهذه البلدان مرة واحدة كل عام أو عامين ولفترة أسبوعين، يجرى خلالها بعض العمليات بعد توفر (الكبد البديل) وبمبالغ طائلة.
وفي حقيقة الأمر، اتجهت مساعي أسرتي نحو المشافي العالمية التي تتم فيها عمليات الزرع، حيث تم مراسلة العديد منها في أوربا الغربية (ألمانيا بشكل خاص، وانكلترا، وفرنسا...) وبتدخل من أصدقاء وأقارب ومعارف من المقيمين في تلك البلدان بما فيهم ابن شقيقتي، بروفسور أمراض القلب يسار غزاوي الطبيب المقيم في مشافي برلين، وابن شقيقتي الأخر أمير شرفي وهو بروفسور في الكيمياء في جامعات ألمانيا، إضافة للولايات المتحدة، وجميعها رحبت لكن بشرط الانتظار الذي قد يطول أعواماً، وهو أمر لا يتناسب مع حالتي الحرجة في حينها. إلا أن رست الأمور أمام خيارين : الخيار الأول وقد طرحه (خالاتي وأخوالي وأبناءهم، واصهرنهم، وأنسبائهم) المقيمين في مدينة حيفا، ويتحدد بإجراء العملية في إحدى مستشفيات فلسطين المحتلة عام 1948، وقد تم أخذ الموافقة على الأمر من المشفى كما قيل لي بشكل مؤكد. لكن هذا الخيار كان غير مناسب لي لعدة أسباب لاداعي لشرحها، لذلك تم نفي هذا الاحتمال، أو وضعه كاحتمال احتياطي بعيد.
أما الخيار الثاني فقد طرحه الطبيب الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الذي سبق وأن تم ذكره، وقد نصحني بالتوجه إلى مشفى تيانجين في جمهورية الصين الشعبية، لأن إجراء العملية في الولايات المتحدة يتطلب انتظاراً طويلاً، عدا عن الكلفة الباهظة، إضافة لمهارة العاملين في مشفى تيانجين وسمعته المرموقة التي تضاهي سمعة مشفى مايوكلينك في الولايات المتحدة، وأسعاره المعقولة سنتذاك قياساً لتكاليف المشافي الغربية. وبالفعل فقد تمت الاتصالات مع مشفى تيانجين في الصين بواسطة الطبيب الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الذي سهل لنا الطريق، وتحدث شخصياً مع البروفسور جيو الذي أجرى لي العملية (وهو بروفسور من امهر أطباء الكبد في العالم)، إضافة لمدير المشفى البروفسور زيانغ تشن الذي اشرف على العملية.
وعليه فان خيار الصين كان لابد منه، وقد تم بالفعل إجراء الترتيبات المطلوبة بشكل سريع، حيث سافرت إلى الصين عبر دبي يوم (14/11/2006) وكان في استقبالنا في مطار بكين طاقم الإسعاف مع سيارة خاصة وعلى رأس الطاقم منسق المشفى (مومينغ) وهو صيني مسلم ويتكلم العربية بطلاقة، وبالفعل انتقلنا إلى المشفى الذي يبعد عن بكين قرابة (250) كيلومتر. لتبدأ المرحلة الأولى في التشخيص والفحوص منذ أن وطأنا أرض المشفى، وليبدأ معها العد العكسي لإجراء عملية الكبد، حيث كانت الخطوة الثانية بوضعي على قائمة الانتظار للحصول على متبرع يكون كبده مناسباً من زاوية زمرة الدم (+O) ومن زاوية المواصفات الفنية (الحجم والوزن، قطر القناة الصفراء الخ ..) حيث لاحاجة في زراعة الكبد لتطابق الأنسجة. وطال الانتظار حتى (19/1/2007) حين حالفني الحظ بكبد متبرع مناسب لشاب صيني لايتجاوز الـ (24) عاماً توفي في حادث سير، فرن جرس إنذار لازمني ليلاً نهاراً لإشعاري صباح اليوم المشار إليه دالاً على توفر الكبد والاستعداد للعملية.
وهكذا كان حيث (رن جرس الإنذار) الذي كنت احمله في جيبي، وبدأت عمليات تحضيري السريع للدخول لغرفة العمليات عبر مجموعة إجراءات أشرف عليها البروفسور مامي ومجموعة متكاملة من الممرضات، فخضعت لعملية نقل كبد الجراحية والتي استغرقت تقريباً ثمانية ساعات متواصلة، بعد أن كان مقرراً لها نظرياً أن تستمر (13) ساعة، وعند انتهاءها تم عرض الكبد التالف أمام المرافقين (شقيقي وزوجتي) وجرى تصوير مقاطع منه، وشرح وضعه، وأرسل للتحليل العام لتقدير دقة التشخيصات، حيث أشارت نتائج التحليل الباثولوجي لدقة معطيات ماقبل العملية، وتبين أن الإصابة أذية خارجية لكنها أصابت نسيج الكبد.
س : عند وفاة صاحب الكبد الأصلي، كم استغرق الزمن لنقل الكبد منه اليك، فالمعروف أن الكبد يموت مع صاحبه فوراً ؟
ج : عند وفاة المتبرع، تنقل أعضاءه فوراً إلى سائل معروف، يستطيع العضو المنقول إليه مثل الكبد أن يعيش في هذا السائل لساعات محدودة لاتتعدى (12) ساعة كما قيل لي، وعلى ما أذكر فان اسم السائل (سائل وسكنسون) على اسم الجامعة البريطانية التي قام علمائها بتركيبه أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وهو سائل غالي الثمن، قيل لي أيضاً بأن الكمية التي يغمر فيها الكبد للحفاظ عليه لمدة ساعات يبلغ ثمنها بحدود عشرة آلاف دولار، ولاتستخدم إلا لمرة واحدة.
لذلك فعملية نقل الكبد تتم خلال ساعات قليلة لاتتجاوز (8) ساعات فقط من وفاة صاحب العضو الأصلي. وهو ماوقع في حالتي حيث توفي صاحب الكبد الأصلي بحادث سير الساعة الحادية عشر صباحاً، وتم نقل الكبد لي الساعة السابعة من مساء اليوم نفسه، وانتهيت العملية بشكل كامل الساعة الثانية عشر والنصف ليلاً تقريباً. فعند تركيب الكبد وزرعه في الجسم، يترك البطن مفتوح لمدة ثلاث ساعات لفحص عملية إقلاع الكبد المزروع وإفرازه للمادة الصفراء، وإجراء قياسات الإقلاع، والتأكد من تمام الأمور.
س : حدثنا عن المراحل الأولى من العملية ؟
ج : بدأت التحضيرات الأولية في الحادية عشرة من صباح اليوم الذي رن فيه الجرس في جيبي، حيث أشرف على التحضيرات البروفسور مامي، ومجموعة من الممرضات، وهي اجراءت عديدة تبدأ بالحمام المركز، والحقن الشرجية ... وارتداء لباس محدد شديد التعقيم وشبيه بـ (الدشداشة) ومفتوح من الأمام بواسطة أزرار بسيطة. ومن ثم وضعت في وضعية النوم على عربة الانتقال إلى الطابق (13) حيث غرف العمليات. وبالفعل دخلت إلى غرفة العمليات الساعة الخامسة مساء في اليوم ذاته. وكل ما أذكره في طريقي لغرفة العمليات، خضوعي أولاً لتعقيم جديد داخل صالون طويل، حيث كان يتساقط رذاذ التعقيم على جسمي وعلى العربة لفترة زمنية جيدة، وبعدها سارت العربة في رواق أخر جرت فيه أيضاً عملية تعقيم بطريقة ثانية للعربة أثناء سيرها البطىء في الرواق، إلا أن وصلت إلى غرفة العمليات المفترضة وأنا والعربة وكل ماحولي ومعي في حال تعقيم فائقة، وحينها جرى نقلي إلى طاولة العمل الجراحي بطريقة دقيقة، لأصبح في وضعية الاستلقاء على الظهر، تبعها إجراء عملية ربط اليدين بقوة بعد فردهما، كذلك الرجلين إلى طاولة العمليات بواسطة أحزمة رابطة.
في هذه الأثناء وكل ما أذكره، أن أصوات الموسيقى الناعمة كانت تمليء غرفة العمليات، بل وطلب من طبيب التخدير أن اختار أي لون موسيقي أريده، وبدأ يحادثني ويلاطفني ومعه مجموعة من الممرضات بطريقة إنسانية وودية، بينما كان فريق العمل المتكامل يجري لي عملية تخدير، وبعدها فقدت الوعي وأصبحت في عالم أخر.
س : ماهو شعورك لحظة دخول غرفة العمليات ؟
ج : عندما كنت أفكر بالعملية كانت تنتابني مشاعر خوف ورعب كبيرة. ولكن في يوم العملية بالذات حصل معي استرخاء كامل بل وارتياح. لذلك عند دخولي لغرفة العمليات كنت مطمئناً وفي حالة معنوية جيدة وقد سلمت أمري لله رب العالمين. وكنت في قرارة نفسي واثق من عون الله لي، بسبب من سيرتي الحميدة وسجيتي العالية الخيرة التي لم تسيء لإنسان إساءة فعلية طوال عمري إلى الآن.
وأذكر اللحظة بشعور معين، التي تم فيها نقلي على عربة الانتقال إلى الطابق (13) حيث غرف العمليات، حيث ودعني الأصدقاء ومنهم العرب على وجه الخصوص، حيث توقفت العربة لمدة ربع ساعة في جانب من رواق الطابق الرابع قبل إدخالها إلى المصعد الكبير، وبدؤا بقراءات المعوذات فوق رأسي، وبعض من آيات القرآن الكريم، وفي تلك اللحظات سمعت همسات بكاء زوجتي، فهدأت من روعها.
س : هل لديك معلومات عن سير العملية ؟
ج : قيل لي من قبل الأطباء بأن انجاز العملية استغرق بحدود ثمانية ساعات، أي أقل من الوقت النظري المحدد لها وهو (13) ساعة، وأن الكبد الجديد أقلع بعد لحظات من ربطه بالجسم ( ثلاثة اربطه : الوريد البابي، الشريان الكبدي، القناة الصفراء) وبدأ الكبد الجديد بإفراز المادة الصفراء وفق القياسات الكمية المطلوبة.
وقيل لي أنه في تلك اللحظة وقف الأطباء والممرضين باندهاش، وبفرح شديد، وبعضهم ممن لم يكن يرتدي الكفوف الطبية صفق لدقائق فرحاً بنجاح العملية، إلا أن دخل البروفسور زيانغ تشن إلى غرفة العمليات وتأكد من نجاح مراحل العملية بشكل تام، ومن إقلاع الكبد الجديد وانضباط الوظائف العامة للجسم (وحينها قال حسب مانقل لي : أن الكبد الصيني يتلألأ في البطن الفلسطيني) فأعطى أوامره بإغلاق الجسم (تقريباً ثمانين غرزة) فوراً وإعلان نجاح العملية. وتم خارج غرفة العمليات وداخل مختبرات التحليل العائدة للمشفى إنزال الكبد التالف، وتم عرضه على أسرتي (زوجتي وشقيقي) حيث تم تصويره عدة صور له وعلى ((CD وتم نقله لإجراء الفحص الباثولوجي له، للتأكد من دقة التشخيص، واستخلاص النتائج. وتحديد طبيعة الإصابة بشكل أكثر من دقيق.
س : كيف كانت لحظات انتهاء مفعول سريان المخدر عندك.
ج : تم نقلي من غرفة العمليات إلى غرفة العناية الفائقة، وفيها يتم إحداث العزل التام في غرفة شديدة التعقيم، لايدخلها أحد مهما كان سوى الأطباء المعنيين وكذلك الممرضات. وبقيت في تلك الغرفة يومين متتاليين، إلا أن تأكد الأطباء بأن خروجي إلى غرفة العناية المعقمة من الدرجة الثانية باتت ممكنة.
وهنا أود أن اقول بأن صحوتني من التخدير بدأت بعد دخولي غرفة العناية الفائقة بيوم واحد، لأجد نفسي مقيداً بسرير طبي من اليدين والقدمين تلتف حوله ممرضتين مرافقتين، وحولي أجهزة قياس كثيرة متصلة بجسمي تعطي بكل لحظة قياسات مختلفة للضغط والسكر، ووظائف الجسم المختلفة ... الخ ، اضافة الى أكثر من عشرة أنابيب طبية متصلة بمناطق مختلفة من جسمي.
وأذكر أنني بادرت لسؤال الممرضتين : هل انتهت العملية، فضحكت كل منهما بابتسامة عريضة، وابلغتني أحداهما أن العملية انتهت من الأمس. وعندما طلبت منهم الماء باللغة الانكليزية اعتقدت إحداهما أنني أطلب قبلة منها فقبلتني، لكني عدت وطلبت منها الماء ففهمت عندها ماهو طلبي، واكتفت بوضع شاشة بيضاء مبللة بالماء المعقم على شفتي.
وأذكر في اليوم التالي من وجودي في غرف العناية الفائقة، أن دخل البروفسور ثيو يحمل هاتف نقال ملفوف بلفاف معقم، وطلب مني التحدث مع والدتي في دمشق، حيث كانت على الخط.
واستطيع القول بأن أصعب اللحظات كانت تلك أثناء وجودي في غرفة العناية الفائقة حيث عانيت من كوابيس مختلفة نتيجة تكرار حالة الصحو والغفوة بشكل متتالي.
س : هل احتجت لنقل دم أثناء العملية ؟
ج : على الإطلاق، فليس كل عمليات (نقل الكبد) تحتاج لنقل دم بعد أن تطورت تقنيات إجراءها، فبعضها فقط يحتاج لذلك، بل وخرجت من العملية وخضابي يبلغ الرقم عشرة، وارتفع بعد شهر من العملية ليصبح (13) والآن يبلغ تقريباً (14,5) وهو الحد الطبيعي الممتاز، وعندما يصل إلى (16) يكون لزاماً أن أتبرع بالدم.
س : وعندما انتقلت إلى غرفة العناية من الدرجة الثانية ؟
ج : في الحقيقة غرفة العناية من الدرجة الثانية مطابقة تماماً لغرفة العناية الأولى من حيث التعقيم والعزل، لكن مع إمكانية دخول المرافقين، وحتى الأصدقاء من المرضى العرب، لكن بعد ارتداءهم (الماسك الطبي) خوفاً من إمكانية جلب العدوى لي من قبلهم، لأن مناعتي في تلك اللحظات تكون متدنية جداً نتيجة تناولي أدوية خفض المناعة.
وأذكر في حينها أن عملية نقلي من طابق العناية الفائقة (الطابق الثاني عشر) إلى الطابق الرابع، تم بسرير طبي وأنا ملفوف بشرشف طبي أبيض حجمه ومساحته كبيرة دون أي لباس أخر. وتولت أكثر من عشرة ممرضات نقلي إلى سرير الغرفة الثانية بهدوء شديد جداً، بحيث لم تتضرر الأنابيب الموصولة بجسدي، بينما كانت شاشة تلفزيونية كبيرة على جدار الغرفة مقابل سريري تماماً تبث موسيقى هادئة مع لقطات طبيعية لمناطق في بلدان مختلفة، يرافقها أغان بلغات عالمية منها اللغة العربية كان يؤديها مطرب اسباني.
ومن حينها بدأت المرحلة التالية من العلاج بوجود ممرضتين تناوبتا على مدار الساعة في التواجد معي بشكل دائم طوال عشرة أيام، بما في ذلك الإشراف على إطعامي، ورعايتي، وإعطائي الأدوية المختلفة، وجرعات من الأوكسجين عند الحاجة وهو أمر حصل لمرة واحدة فقط، وبعدها أصبح لاضرورة للأوكسجين.
س : كيف كانت لحظة رؤيتك ما حولك في الغرفة الثانية ؟
ج : في الحقيقة أن المرضى العرب من (مصر، السعودية، الامارات، عمان، قطر، ليبيا) والمرضى الأجانب ومنهم من (كوريا الجنوبية، اليابان، الولايات المتحدة، أستراليا، تايوان) ومرافقيهم بدؤا يدخلون غرفتي وهم واضعي (الماسك الطبي) بانتظام اثنين اثنين، وكلما دخل اثنين خرج من دخل قبلهم، ليتبادلوا معي التهنئة بنجاح العملية. وأذكر أن طبيبة مصرية أسمها الدكتورة عزة، كانت ترافق زوجها المريض كانت أول الداخلين لغرفتي حين بادرتني بالقول (الحمد لله على السلامة ياسي علي، إن الله يحبك ياسي علي لذلك ابتلاك، أما الذي لايحبه الله، يسيبه زي مهوه، ويقول للملائكة أعطوه اللعاوزه، دنا مش عايز اسمعه صوته، ده حسابه بالأخره).
وكلما دخل أحد إلى غرفتي لعيادتي، طلب مني الدعوة له، باعتبار أن دعوتني مستجابه في تلك اللحظات، حتى امرأة من كورية الجنوبية طلبت مني ذلك، وأخر أمريكي. هذا إضافة لسيل الاتصالات التلفونية التي بدأت تتواتر في الرنين على الهاتف النقال من كل أنحاء العالم من الأقارب والأصدقاء والمعارف، وكلها توجه لي التهنئة وتطلب مني الدعاء. وصدقني إن بعض الاتصالات جاءتني من أشخاص لا اعرفهم على الإطلاق، وهم من معارف أقاربي وأشقائي.
س : وبالنسبة لبرنامج الغذاء ؟
ج : خضعت لبرنامج غذائي مكثف، فأرتفع وزني من ستين كيلوغرام قبل العملية إلى مايقارب خمس وسبعين كيلوغرام بعد شهر من إجراءها، حيث كان لزاماً أن أتناول كل يوم وعلى وجبات متتالية (كيلوغرام واحد على الأقل من اللحوم المختلفة : لحم غنم، لحم دجاج، أسماك) إضافة لوجبة رز أساسية مطبوخة بطريقة رائعة مع الخضار، وهو ماكان يجلب لي يومياً داخل أوعية معقمة تستخدم لمرة واحدة من مطعم خاص يزود المشفى.
إضافة لقائمة من الأغذية المركزة والطبيعية : فاكهة، عصائر، سلطات وخضار طازجة، حليب، لبن ... وزجاجات من المواد الطبيعية المعصورة والمحضرة بالطريقة الصينية لشربها بدلاً من الماء بواقع ثلاث لتر كل يوم على مدى وجودي في المشفى بعد العملية. وخلال تلك الفترة كان البروفسور مامي يعمل يومياً على تعقيم الجرح ولفه وربطه بحزام خاص حول البطن. إلا أن تم فك الغرز بعد عشرين يوماً من العملية.
س : ولكن الآن، هل هناك محاذير من تناول بعض الأطعمة، أو نصائح معينة، وكم وزنك الآن ؟
ج : على الإطلاق، كل ماقيل لي أنني إنسان طبيعي جداً جداً. وقيل لي تناول ماتشاء ولاتحرم نفسك شيئاً، ولكن ضرورة مراعاة الوسطية بالأمور بالنسبة للمواد الدسمة، والملح والسكر، وهي نصيحة عامة وليست نصيحة لي لوحدي على حد تعبير جميع الأطباء في المشفى. والنصيحة الثانية كانت بضرورة المشي دوماً كرياضة عامة للجسم، ولتشغيل الكبد وتنشيطه. وعليه فإنني أمشي على المتوسط ثمانية كيلومترات يومياً. ووزني الآن يبلغ تقرباً (93) كيلوغرام ثقلي (تعادل 930 نيوتن)، وطولي 180 سم. ومن المعروف أن الوزن المثالي يجب أن يحقق المعادلة التالية : الوزن = الطول – 100، وبالتالي فان الوزن المثالي لحالتي = 180 ـ 90 = 90 كيلوغرام ثقلي (900 نيوتن)، ولذلك فإنني أحمل الآن زيادة في الوزن تساوي ثلاثة كيلوغرامات، وهو أمر عادي بشكل عام.
س : متى بدأت الحركة والمشي ؟
ج : بدأت المشي بعد اليوم الثالث مباشرة من دخولي الغرفة الثانية بعد أن غادرت العناية الفائقة، حيث كان المشي يشكل جزءاً أساسياً من مرحلة الشفاء، فكان لزاماً أن امشي كل يوم عدة ساعات في فترات مختلفة داخل رواق المشفى ذهاباً واياباً وأنا أرتدي (بيجامة معقمة) مع استخدام (ماسك) طبي معقم للوجه وكامل الرأس، واليدين، وذلك برفقة االممرضة التي كانت تتناوب في الإقامة معي، حيث كانت تمسك بيدي، وتحمي بطني عند السعال مثلاً، عبر إمساكها بالحزام الذي يلف جروحي، إضافة لاستخدام جهاز للاتكاء في الأيام الأولى من المشي. ولكن بعد عشرة أيام بت أمشي لوحدي دون مساعدة أحد، وبت اتحكم بجهاز (T تيوب) الموضوع على خاصرتي اليمنى فوق الكبد والموصول بالقناة الصفراء داخل الجسم.
س : كيف تم ربط جهاز (T تيوب ) بالجسم، وماهي مهمته ؟
ج : تم ربط هذا الجهاز عبر تيوب طبي اخترق الجسم من ناحية الكبد مع الوصلة التي تصل القناة الصفراء في جسمي مع القناة الصفراء للكبد الجديد. أما خارج الجسم فقد تم لف الجهاز على الجسم بحزام طبي حول البطن، وتم إخفائه تحت الرداء بسهولة دون أن يلاحظه أحد. لذلك كنت أتحرك وأتجول دون أن يلاحظه أحد، لكنني كنت أراعي الحيطة والحذر من الاحتكاك أو الاصطدام أثناء المشي مثلاً مع أي أحد طوال فترة ربط الجهاز.
وكانت مهمة الجهاز تحقيق غر ضين، المهمة الأولى التأكد من قياس كميات المادة الصفراء التي ينتجها الكبد، والتأكد بالتالي من مستوى عمل وأداء الكبد، والمهمة الثانية للمساهمة في تمتين ربط القناة الصفراء، بحيث يتم سحب الجهاز بعد التأكد من تحقق الغرضين، وهو ماكان.
وقد كان الأطباء في المشفى قد صوروا لي شريط تسجيل على آلة تصوير (ديجتال) لتمرين عملي لتعليمي كيفية التعامل مع الجهاز بعد عودتي، وكيفية سحبه بعد انقضاء الشهور الثلاثة الأولى من العملية، والشريط المصور تناول تمرين تم إجراءه لي في غرفتي لشرح مايتوجب مني فعله.
س : كيف ومتى وأين تم سحب جهاز (T تيوب) ؟
ج : جرى سحبه وتفكيكه نهائياً بعد ثلاثة أشهر من العملية بعد أن تم التأكد من استقرار القناة الصفراء عبر إرسالي للصور (المائية + ايكو دبلر) بالبريد الالكتروني للمشفى في تيانجين، فخاطبني البروفسور جيو على الفور بعد وصول الايميل لبريد المشفى الالكتروني، طالباً مني سحب الجهاز بالطريقة التي علمنا إياها. وبالفعل تمت عملية سحبه بدمشق. ومن موقع الدقة والاطمئنان لم أقم بسحبه شخصياً بل في عيادة خاصة من قبل طبيب سوري ماهر يقيم في القاهرة، وكان متواجداً في دمشق وأسمه الدكتور محمود بكري السقعان، بعد أن تخوف جميع الأطباء بدمشق من سحبه. وتمت عملية سحبه بأقل من ثلاثة ثوان بشكل تام وناجح. ولم يقبل الطبيب أن يتقاضى مني أي مبلغ كان، داعياً لي بطول العمر بعد نجاح المرحلة الأخيرة من العملية.
س : كيف كنت تقضي فترة انتظار العملية في المشفى؟
ج : كانت فترة صعبة للغاية، خصوصاً عندما كنت أحاول النوم في الليل. فقد كانت تنتابني مخاوف وهواجس أكاد أن أقول بأنها كانت مرعبة رغم أنني لم أكن أخشى الموت في حياتي وفي خدمتي الوطنية في أصعب الظروف (الحروب المختلفة في لبنان منذ العام 1976، حرب الجبل وتحرير بيروت 1984، حرب المخيمات 1985/1987... وخدمتي كضابط مجند بمهمة قائد سرية مشاة صاعقة في قمة جبل الشيخ والمرتفع 2814 على جبهة الجولان في قوات أجنادين/جيش التحرير الفلسطيني، حيث كنا على بعد أقل من خمسين متراً من قوات العدو).
كما كانت فترة الانتظار أقسى من فترة اعتقالي أثناء حرب المخيمات التي شنتها حركة أمل في بيروت/لبنان ضد الشعب الفلسطيني وقواه الفدائية والسياسية عام 1985، وماتعرضت له من تعذيب شديد يصعب وصفه (من الضرب باستخدام الكابلات الكهربائية المجدولة إلى الصعق بشحنات الكهرباء الساكنة) في حينها داخل أقبية التحقيق في المكان الذي اعتقلت فيه.
ولكن التعرف على أصدقاء جدد هناك ساعد على تخفيف قلقي وهواجسي المرعبة، وخصوصاً مع وجود نادي استراحة مريح داخل المشفى، كان عنواناً لجلسات جميلة مع أصدقاء تعرفت عليهم هناك ومن كل الجنسيات.
كما كانت الفحوص اليومية الطبية مكثفة أثناء فترة الانتظار حتى يوم العملية، إضافة للزيارات المتواصلة على مدار الساعة لمختلف الأطباء الذين كانت لهم اختصاصات متعددة، وقد أخضعوني لنظام غذائي معين وصعب.
لكن بالمقابل كنت أتابع عبر القنوات الفضائية وشبكة الانترنيت مايجري في فلسطين وعموم منطقتنا، وأمارس المطالعة والكتابة ومراسلة الصحف العربية وتزويدها بالمواد (صحيفة الحياة، البيان الإماراتية/تقريباً مادة أسبوعية، الوطن القطرية، الشرق الوسط) عبر الحاسوب المحمول، وكنت أشاهد المواد بعد نشرها، ولم يكن أي من العاملين في الصحف المذكورة يعرف أنني على سرير المشفى في جمهورية الصين الشعبية، ولم يدري أي منهم أنني أراسلهم من بكين.
كما أنني أثناء انتظار العملية، تمكنت من انجاز مخطوط كتاب (العنب والرصاص) ومعالجة المادة الخام المتعلقة به، وهي التي كنت اصطحبتها معي على (فلاشة) وصدر الكتاب بعد عودتي من الصين، وهو كتاب يتناول فصولاً من سيرة القوى والأحزاب والفصائل الفلسطينية، وقد تم نشره على مساحة عشر حلقات على صفحات صحيفة البيان الإماراتية بعد عودتي من بكين بشهرين.
س : هل وجدت فرقاً بين الأطباء العرب والصينيين ؟
ج : الفارق الأساسي في التعامل والتعاطي المهني، فهناك فروق عدة، منها مثلاً أن الطبيب الصيني إنسان قبل أي شيء أخر وليس بتاجر. وثانيها أن الطبيب الصيني يطور نفسه باستمرار وأن الطواقم الطبية تضم أجيال من الأطباء، والطبيب القديم يأخذ بيد الطبيب الجديد. وثاثها أن الطبيب الصيني يتابع مريضه حتى أخرلحظة. ورابعها أن الطبيب الصيني لايتذمر من الأسئلة التي تطرح عليه من قبل المريض أو مرافقيه، بل العكس تماماً فانه يغرق معهم في شرح التفاصيل كما كان يحدث بيني وبين مدير المشفى البروفسور زيانغ تشين الذي كنت كل يومين اوثلاثة أجلس معه في مكتبه ويشرح لي التفاصيل. وخامسها أن الأطباء الصينيين أكثر حذراً في وصف الأدوية من نظرائهم العرب، فهم يتجنبون وصف الأدوية كما يجري عند أطبائنا العرب العجولين بكتابة قائمة الأدوية الطويلة، والقابلة للتغيير السريع من طبيب إلى أخر. وسادسها أن الأطباء الصينيين يعتبرون أن عملية إبلاغ المريض مباشرة عن وضعه الصحي بالتفصيل هو واجب قانوني عندهم، بينما الطبيب في عالمنا العربي بشكل عام يتوجه بالشرح المقتضب عن حالة المريض إلى الأهل وليس للمريض مباشرة، ولايتحمل السؤال بل ويتذمر منه. وسابعها أن الطبيب الصيني يبقى متابعاً حالة مرضاه لحظة بلحظة حتى درجة الملل والانزعاج التي يبديها المريض لكثرة زيارة الأطباء المفاجئة بين ساعة وساعة لغرفته. وهنا أورد ما وقع معي عندما تابعني الطبيب المعني بمراقبة (جهاز T تيوب) المؤقت الموضوع على جسمي، والممتد من القناة الصفراء إلى خارج الجسم وعلى اليمين منه/ ناحية الكبد، فقد كان يلاحقني من مكان إلى أخر أثناء حركتي داخل رواق المشفى ليتأكد من سير الأمور. ولاتسألني عن الممرضات، اللواتي كانت الواحدة منهن تتابع أوضاعي لدرجة الملل من قبلي، فبين فينة وفينة يدخلون لغرفتي طوال فترة علاجي، وبجانبي جرسي رنين واحد مستعجل وواحد عادي عند طلبي لأي منهم.
س : من الطبيعي أن تكون قد خرجت بأصدقاء من المرضى ومرافقيهم ؟
ج : صحيح، فقد تعرفت على عدد جيد من العرب من مختلف دول الخليج ومصر وليبيا، وباتت تربطني بهم علاقة حميمية، ومنهم شاب إماراتي، زارني في دمشق مع عائلته، وزرته في أبو ظبي، ومن سلطنة عمان حيث زارني مجموعة منهم أيضاً في دمشق. إضافة إلى ضابط عقيد في الجيش الليبي أجريت له أيضاً عملية مماثلة، حيث كان يرافقه ابنه الطبيب، وكان بالنسبة لي نعم الأخ والصديق، وقد دعاني لزيارته في ليبيا أكثر من مرة، وكان في كل يرسل لي بطاقة الطائرة، لكني لم أتمكن من زيارته إلى الآن لأسباب عملية فقط، وسأزوره قريباً. وأذكر هنا اليوم الخير الذي غادرت فيه المشفى حيث أقام لي المرضى العرب ومرافقيهم، وبمبادرة من ضابط في الجيش الليبي كان من نزلاء المشفى، حفل توديع وغداء تم جلبه للجميع من مطعم قريب.
س : ماذا تقول لتشجيع الناس على فكرة التبرع بالأعضاء؟
ج : كل يوم يقوم الأطباء بمحاولات لإنقاذ حياة مئات المرضى ممن ينتظرون على لوائح طويلة للحصول على أعضاء تعطيهم أملاً في حياة جديدة بعيداً عن خطر الموت، لكن المطلوب اصدار تشريع فقهي واضح في بلادنا يعالج الأمر، وتشجيع إقدام الناس على المزيد من التبرع/ وأقول التبرع، من أجل إنقاذ حياة الذين ينتظرون "رنة الجرس" بفارغ الصبر وكثيراً من الأمل. والحقيقة المؤسفة أن كثيراً من المرضى خسروا حياتهم وهم ينتظرون.
س : هل لك أن تخبرني عن المبالغ المالية التي كلفتها العملية بكاملها ؟
ج : بصراحة كانت المبالغ باهظة جداً بالقياس لوضعي ووضع عائلتي وأهلي، وحتى بالقياس لي كلاجىء ومواطن فلسطيني عادي. فقد توزعت التكلفة التي بلغت في حينها تقريباً ( 160) ألف دولار، على :
1. كلفة العلاجات الأولية في دمشق على مدى ثلاث سنوات (فواتير أطباء، تحاليل طبية متتالية لقياسات مختلفة، خزعات كبدية لثلاث مرات في فترات ثلاث، تحاليل عالية التكلفة ومتتالية من نوع (PCR)، ايكو دوبلر شهري، أثمان أدوية نوعية ... الخ ) وقاربت بمجموعها ما يعادل (15) ألف دولار أمريكي.
2. كلفة المراسلات الخارجية مع المشافي العالمي لمدة ثلاث سنوات متتالية، ومارافقها من كلفة التقارير الطبية، بما فيها تكلفة إرسال الصور (ايكو دوبلر) بالبريد الدولي المستعجل، والاتصالات الهاتفية، وقاربت بمجموعها مايقارب (5) آلاف دولار أمريكي.
3. كلفة السفر إلى مشفى زراعة الأعضاء في هونغ كونغ لإجراء الفحوص الأولية التي مكنتني من دخول مشفى تيانجين، وقد بلغت مع فاتورة المشفى مايقارب (7) آلاف دولار امريكي.
4. كلفة العملية الكاملة (نقل كبد) وقد سددت منذ اليوم لدخولي مشفى تيانجين، وقد بلغت بالضبط (120) ألف دولار أمريكي، وأعتقد بأنها تبلغ الآن رقماً يصل إلى نحو (200) ألاف دولار أمريكي.
5. ثمن الغذاء النوعي المركز لمدة شهر بعد العملية، بمبلغ يقارب ثلاثة آلاف دولار أمريكي.
6. أثمان الأدوية التي جلبتها معي بعد العملية، وهي أدوية مؤقتة للمراحل الأولى من الزرع باستثناء نوع واحد دائم طوال العمر، ويتم استخدامها (المؤقتة) لستة شهور فقط (دواء شهية/URSOFALK) + (واقي المعدة/METRISONE) + (سلسبتMMF /داعمة لمنع الرفض) + (حبوب FK) الدائمة الباهظة الثمن + حبوب واقي القناة الصفراء (LOSEC 40MG QD) + جرعات داعمة HBIG400IU IM BIW)) بواسطة الأبر لحماية الجسم وتوليد المستضدات في الدم، وهي بالغة التكاليف أيضاً وقد كنت أخذها كل يومين لمدة شهر فقط، وقد بلغت أثمان الأدوية جميعها مايقارب (10) آلاف دولار أمريكي.
7. مصروفات السفر والإقامة في تيانجين، مع مرافق (شقيقي)، ومرافقة (زوجتي) وتذاكر السفر بمبلغ يقارب (10) آلاف دولار أمريكي.
س : ولكن، وبعد استقرار الحالة الصحية، كم نوع من الأدوية تتناول، وكم تكلفتها تقريباً ؟
ج : استخدم الآن، وبعد عامين من العملية، دواء واحد فقط بشكل دائم، وهو عبارة عن حبة كل (12) ساعة من دواء (FK)، وكل حبة (كبسولة) تحوي واحد ملغرام فقط من المادة الفعالة، أي أنني أتناول الآن أقل من غرام واحد في السنة الواحدة. حيث يبلغ ثمن العلبة الواحدة من هذا الدواء (400) دولار أمريكي، وتحوي العلبة (100) حبة فقط. ومن المتوقع (على الأرجح) خلال العامين القادمين أن تنخفض الجرعة إلى حبة واحدة يومياً، وذلك بعد التأكد من إمكانية ذلك عبر التحاليل الطبية (تحليل دواء الـFK ) في الدم، وهو تحليل متوفر بدمشق، ويكلف (25) دولار تقريباً.
س : يقال بأن هناك أثار جانبية ترافق الأدوية في حالات الزرع ؟
ج : نعم الأمر كذلك بشكل عام، ولكن الجسم البشري لايخضع لمعادلة رياضية استاتيكية ثابتة بالنسبة لتفاعل الدواء معه. فلكل جسم حالة خاصة تعود لتركيبته، وتركيبة خريطته الجينية، وعلى هذا الأساس قد تظهر أثر جانبية عند هذا الشخص أو ذاك ممن خضع للعملية ذاتها، وقد لاتظهر بتاتاً. وعلى كل حال فان الآثار الجانبية يقف على رأسها ارتفاع السكر، وهو أمر ليس بالضرورة أن يحصل، وفي حالتي والحمد لله لم يحصل معي على الإطلاق أي ارتفاع في السكر حتى عندما كانت الجرعة الدوائية عالية. وقيل لي بأن المشي المتواصل يخفف، بل ويكاد يطمس الآثار الجانبية.
س : لكن دواء الكورتيزون لابد يجلب معه أثار جانبية ؟
س : في حالتي لم أتلقى أي جرعات من الكورتيزون على الإطلاق، وجسمي لم يعرفه أبداً. فالكورتيزون يعطى لجميع حالات زرع الكلى، ويعطى لبعض حالات زرع الكبد، وهي حالات محدودة.
س : وهل تجري تحاليل دائمة ؟
ج : يفترض إجراء تحاليل دورية روتينية، كل أربعة شهور مثلاً، مع مراقبة (ايكو دوبلر). فلم يعد هناك حاجة على الإطلاق لإجراء التحليل الباهظة مثل تحليل الـ (PCR) وتحليل DNA. فقد تم إجراء (فحوصات نهائية وقطعية وباتة) في تيانجين ودمشق، وبيروت، وكلها أكدت خلو الدم من أي عوامل سلبية، فكانت قيمة الـ (PCR) مساوية للصفر تماماً، وهي علامة النقاء والشفاء التام وفق فحوص نافذة الدم.
وأشارت للمقاييس المثالية لمستويات القياسات المختلفة، ووظائف أجهزة الجسم كافة، بما فيها الكبد والقلب، الكلية، والبنكرياس، وثبات الضغط عند قيم مثالية تتأرجح بين (12 إلى 11 /على/ 8 إلى 7) .. الخ. كما أن وزني بالحدود الجيدة.
س : ماذا تقول بالنسبة لعلاقاتك التي تطورت مع الطاقم الطبي والإداري في المشفى ؟
ج : ليس هنالك في قواميس اللغات كلمات تستطيع أن تعبر عن شكري وامتناني للمنسق العام لمشفى تيانجين (مومينغ) فهو نعم الإنسان، احتضنني منذ أن تعرفت عليه ومعه أطباء المشفى خصوصاً البروفسور جيو، والبروفسور زيانغ تشن، والبروفسور مامي وفريق الأطباء الاختصاصيين ( جان جيم، ثيو، صوي، هيو، بان، شنكوفي ….) وغيرهما، ولم أكن اشعر قط أنني في حضرة ورعاية أطباء مهرة ومخلصين، بل في رعاية ملائكة انزلت إلي من السماء. صدقني هكذا كان شعوري تجاه هؤلاء البشر الاستثنائيين، وهكذا يشعر بقية المرضى الذين التقيتهم والذين كانوا يتلقون علاجهم. وعليه، أريد أن أقول أنني كنت أرى مشاعر الحب الصادق في عيون الأطباء والممرضات في مشفى تيانجين مجبولة بالأمل، فقد ساهموا في إنقاذ حياة إنسان أحبوه واحتضنوه وقدموا له أجمل هدية للحياة.
س : هل ماتزال تتواصل معهم ؟
ج: نعم باستمرار. خصوصاً مومينغ الذي يراسلني دوماً على الايميل، إضافة للحديث الهاتفي بين فترة وفترة. تصور انه يرسل لي بطاقات التهنئة عبر الايميل في كافة أعيادنا، وحتى النكات والقصص، وبعض الايميلات المعبرة والجميلة.
س : عرفت منك أنك عدت للمشفى للمراجعة بعد عام ونصف ؟
ج : نعم تم الأمر في أيار/مايو 2008، حيث غادرت دمشق إلى بكين ومن ثم إلى تيانجين، وقد حصلت على فيزا خاصة، حيث لم تكن الجهات الصينية المعنية تمنح تأشيرة دخول لأحد من الشرق الأوسط خلال فترة الأعداد للألعاب الأولمبية وخلال الدورة الأولمبية. وكانت المفاجأة الكبرى حين اجتمعت مع الأطباء والممرضات، خصوصاً البروفسور جيو وزوجته وهي طبيبة في المشفى أيضاً، فوقف البروفسور جيو باندهاش شديد عند رؤيته لي ولحالتي الصحية الجيدة. وبالفعل أجريت لي فحوصات شاملة تناولت كل شيء، وكانت مجانية، وأكدت حالتي الصحية الطبيعية. وبعد انتهاء الفحوص الطبية أقام المنسق (مومنغ) حفل عشاء ضمني مع زوجتي وعائلته، وبعض الأطباء والممرضات في مطعم راق في مدينة تيانجين، وتم تبادل الهدايا مع الجميع. وقبيل مغادرتي بكين إلى دمشق عبر دبي دعاني الأصدقاء الصينيين لحفل عشاء في المطعم الكبير في بكين المسمى بمطعم البط المشوي، حيث جلسنا في نفس الجناح من المطعم الذي تناول فيه (شو إن لاي) ومعه (ليو تشاو تشي) طعام البط المشوي مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1972.
س : وهل اقتصرت الزيارة فقط على المراجعة الطبية ؟
ج : بالطبع لا، فقد كانت فرصة لي للتجوال في تيانجين المدينة التي أجريت العملية الجراحية في مشفاها المركزي الأول في الصين، وقد بقيت حبيس المشفى من لحظة دخولي إليه إلى خروجي منه أثناء فترة العلاج، لذا لم يتسنى لي رؤية المدينة في حينها، فكانت زيارتي في هذه الحال فرصة لزيارة المدينة ومعالمها. كذلك لزيارة بكين والذهاب إلى أكثر من مكان فيها من سور الصين العظيم إلى قصر الأوبرا الفخم، إلى ملعب أولمبياد بكين المعروف باسم عش الطيور. وعلى كل حال فقد كنت أنجزت زيارة مدينة شنغهاي الرائعة التي سحرتني، وذلك قبل عام من إجراء العملية حين زرت مناطق جنوب الصين في كوانتون، وتشينجن، وهونغ كونغ ... الخ.
س : ألم تلتقي بأحد من الفلسطينيين في الصين ؟
ج : بصراحة لا قبل العملية الجراحية، إنما في الزيارة الأخيرة التي تمت في أيار/ مايو 2008 للمراجعة الطبية، فقد تم ترتيب لقاء وزيارة لسعادة سفير فلسطين في بكين الأخ دياب اللوح وعائلته قبيل مغادرتنا دمشق، فأستضافني مع زوجتي، ومعه طاقم السفارة، وأكرمنا أحسن إكرام. وهنا أتذكر واقعة زلزال سيشوان الذي ضرب الصين، ووصل بتأثيره إلى بكين، حيث كنا على طاولة الغداء في منزل السفير عندما اهتزت الطاولة بنا.
وهنا أيضاً اشكر الأخ احمد موسى السكرتير الأول في سفارة فلسطين الذي وفر لنا جولات سياحية ممتازة في بكين ولم يفارقنا طوال الوقت. كذلك الأخ سعدي جابر من سفارة فلسطين في بكين.
س : ولو كان سؤال خاص، اسمح لنا بالتدخل قليلاً بشؤونك، ونريد الإجابة التي تريدها دون إحراج، هل تكفل أحد بتكلفة العلاج، خصوصاً وانك كنت تنمتي منذ صغرك، لجهة سياسية فلسطينية ؟
ج : لم يتكفل أحد بعلاجي سوى أسرتي الصغيرة وفروعها، بالرغم من أن إصابتي جاءت في سياقات معلومة وأنا في أوج اندفاعي وعملي الوطني، وعطائي في رسالتي الوطنية. فالمبالغ التي تم صرفها على العلاج تم جمعها من أشقائي وشقيقاتي، ومن أبناء أشقائي وأبناء شقيقاتي. أما الذين كنت معهم واصبت عندهم بـ (الإصابة الأذية الكبدية) فلا تسأل عنهم، فهم كانوا غاية في السوء .. بل وأحجموا عن صرف بعض الفواتير الطبية لي في الفترة التي كنت للتو قد غادرتهم، لذلك القول سيأتي لاحقاً بالنسبة لهذا الموضوع، وقد أنجزت كتاباً يتناول تلك الأمور وينتظر إطلاقه قراراً مني ....
س : لكن من الطبيعي أن تمت عيادتك من قبلهم بعد العملية مثلاً ؟
ج : لم يتم هذا الأمر على الإطلاق، وهو على كل حال أمر أراحني جداً. لأنه باختصار عزز وأكد قناعتي النهائية بهم. في الوقت الذي تمت فيه عيادتي من قبل جميع القوى والفصائل وبمستويات قيادية جيدة ولأكثر من مرة، من : حركة فتح، حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية/القيادة العامة، منظمة الصاعقة، التنظيم الفلسطيني لحزب البعث، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، جبهة التحرير الفلسطينية، الحزب الشيوعي الفلسطيني، حركة فتح /الانتفاضة، جيش التحرير الفلسطيني وقائد الجيش وغالبية ضباط الأركان فيه، بما فيهم رئيس الأركان.عدا عن المؤسسات والهيئات واللجان خصوصاً المدير العام للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا الذي زارني أكثر من مرة... الخ. وهنا لايسعني سوى أن أتوجه بالشكر لهم جميعاً، ومعهم كافة أصدقائي، ومعارفي، حيث يصعب بالنسبة لي تحديد بعض الأسماء لأن الجميع تعاضد معي بصوته وكلماته وبإنسانيته على الأقل.
س : ولكن يقال بأنك مازلت على علاقة بهم ؟
ج : ليس لي علاقة بهم لامن قريب ولا من بعيد منذ شهر أذار/مارس 2003، فقد غادرتهم بملىء إرادتي لأسباب (على الأقل لم تكن سياسية في حينها) وسأشرحها بالتفاصيل والمعلومات في (كتاب) وهو كتاب منجز وينتظر قرار إطلاقه من قبلي، سأتناول فيه تجربتي معهم، والحال التي رسو عليها، خصوصاً مع وجود أمين سر لهم في الخارج يشكل حالة موتورة، ويضمر في ذاته بئراً عميقة من الشرور والأحقاد والمكائد، ولايتورع عن اباحة استخدام أية وسائل ممكنة للبطش بالأخرين بما في ذلك القتل والسحل عند توفر الظروف المناسبة للقيام بهكذا أعمال فاشية وسافلة. اضافة لذلك فمعه بطانة (بعضهم/وأقول بعضهم) من العوائين، خصوصاً واحداً منهم يقود اقليمهم في سوريا، أستطيع أن أصفة بيسر وسهولة بـ (الأحمق + الرزيل) من الذين كالوا لي و"برعونة عالية" الشتائم والاتهامات ذات الوزن الثقيل في مجالسهم المعزولة في مخيم اليرموك دون أدنى وازع أو ضمير أو خجل أو حياء. وهو أمر ترك صورة سيئة ومقيته ومقرفة عنهم عند الناس الذين هم في نهاية المطاف أقرب إلى علي منهم.
وفي تلك اللحظات كنت فعلاً أصارع البقاء في حالتي الصحية، فأحتسبت وصبرت وتحملت، وبقيت أركض في الحياة، اعمل وأجتهد، وأحاول أن أصنع شيئاً بالرغم من التسارع المريع في حالتي الصحية، دون أن انبس شفتيي بكلمة واحدة أذرها هنا أو هناك، ولسان حالي (في أناس فقدوا شرش الحياء والأخلاق) أن أقول (داروا سفهاء قومكم).
س : إلى هذا الحد ؟
ج : أكثر من ذلك، الأمور ليست شخصية فقط، فهي أكثر من شخصية، وتدخل في نطاق ذهنية معروفة، باتت مسيطرة عندهم، وهي ذهنية لاتعترف بالأخلاق، بل تعتبر الأخلاق "ضرباً من ضروب الهبل"، وعلى كل حال سأتناول الأمور إياها، وبالتفاصيل في الكتاب الذي أشرت إليه، وأنا هنا لم أتكلم مع إنسان بخصوص ماقيل من طرفهم بحقي، من موقع احترام المجالس والأمانات، واحترام عمل كنت ملتزماً به بغض النظر عن تحولاته اللاحقة.
لذلك لم أحاول أن أشرح أي شيء، وهو ما أعتقده البعض عامل ضعف عندي. وانا هنا لا أتبع الجمع فهناك أفراد وأشخاص مناضلين، محترمين أدين لهم بالتقدير، منهم القليل من الذين بقوا حيث هم، ومنهم من استشهد وهم كثر، ومنهم من غادرهم وهم الأكثر، ومنهم الذين عرفتهم وتأثرت بهم في مقتبل شبابي، وكانوا عنواناً لي ....
س : هل تحمل حقداً دفيناً عليهم بعد هذا ؟
س : أنا لا أعرف الحقد أبداً، وكل من يعرفني يدرك سريرتي الطيبة، ومنطق التسامح الذي أتزين به، ومعشري الهادىء، وبيئتي الأسرية التي تربيت فيها، وحبي للناس، وإخلاصي للجميع بغض النظر عن ماهية الأخرين. إضافة لإخلاصي في عملي بشكل عام، والتفاني المغروس في ذاتي تجاه قناعاتي وكل ما أسير عليه، وتجاوزي الدائم للصغائر والأنا للصالح العام، وهكذا كان خط عملي وحياتي طوال أكثر من (27) عاماً من العمل معهم.
ولكن تأكد لي بأن تلك المواصفات كانت مقتلاً لي عندهم. لذلك أنا الآن لا أتحدث أبداً بلغة من يحمل الحقد، فأختصرتهم ورميت بهم خلف ظهري، تاركاً أمر من أساء لي ولغيري من أمثالي للزمن فهو كفيل به، ولن أقول أكثر من ذلك.
المصدر
http://www.milad.ps/arb/news.php?maa=View&id=18058