منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4

العرض المتطور

  1. #1

    عندما تشيخ الأفكار...


    عندما تشيخ الأفكار...

    هل حقا أن الأفكار تشيخ.. وتهرم.. ثم تموت؟ وهل يسري على الأفكار ذات القانون الذي تدور به نواميس الكون من ولادة .. فحياة.. ثم فناء؟ وهل تمر الأفكار بطور النمو كالجنين في رحم المِكان المظلم، إلى طفل يحبو نحو عالم مازال الزمن فيه مجهولا؟
    وهل تنعم الأفكار بمرحلة فورة الشباب ومن ثم رزانة النضج، انتهاء بالخلوص إلى حكمة الكبار؟ تلك الحكمة التي عادة ما تتلخص فيها معالم جيل بأكمله في مجرد "لحظة" تختصر الزمان والمكان، أو "حكمة" تنطق بها عقلية ما كان لأحد أن يصقلها دون المرور بالكثير من المواقف والعديد من التجارب اليومية.

    ما بين اللحظة والحكمة..
    وفي هذه "اللحظة" يتسلل الكون بتعقيداته إلى حالة غير معهودة من السكون، تتوقف فيها صيرورة الحياة السريعة وتتيه تفاصيلها في زحمة المخيلة الممتلئة بالمواقف اليومية بحلوها ومرها.
    "لحظة" يستمر معها صاحبها باسترجاع كل ما احتوته ذاكرته من تفاصيل على مدى سنوات، لتدرك حينها كم أن الانخراط في تفاصيل "اللحظة" يعطيك قدراً كبيراً من الوقت لتحديد عمر أفكارك.
    وإذا ما كانت أعمار الأشياء تقاس فعلياً بالساعة أو اليوم أو السنة، فإن عمر الأفكار يحدد بمقدار فهم تفاصيلها وخباياها وعياً، وخوض غمارها تجريباً، وتجنب المرور بمخاطرها ابتعاداً، واقتناص فرصة الاستمتاع بأخرى اقتراباً.
    وهكذا، وصولاً إلى "الحكمة" التي تلخص عمر تلك الأفكار وبكل تفاصيلها الضاربة في الزمان بكلمات قليلة لا يتعدى التلفظ بها "اللحظة". وعلى هذا النحو فإنه يمكن لكل إنسان أن يقيس عمر أفكاره عبر فهم تفاصيل المسافة الفاصلة ما بين "اللحظة" و"الحكمة"، أو من خلال إدراك الزمن الذي تستغرقه الأفكار كي تلخصها "اللحظة" والتي لا تجد بدورها إلا في "الحكمة" تعبيراً صادقاً لها.

    جديد يلتهم ذات قديمه..
    وإذا ما أدركنا أن الأفكار وكغيرها من الأشياء تتغير، فلماذا لا نتوقع ذلك التغير ونتحسب على الأقل لأن تكون نتائجه جيدة دائما؟ وهل يمكن لشخص ما أن يسير على هدي جميل أفكار من سبقوه مع ضمان الوصول إلى نفس النتتجة؟ وإن كان ذلك يحتمل قليلا من الصواب المحفوف بالكثير من العبث، إلا أن صيرورة الأفكار ودورة حياتها في معترك الحياة لا يمكن تلمس مسارها بسهولة أو حتى مجرد التنبؤ بنتائجها. ثمة شيء يمكن التأكد منه هنا وهو معرفة قدر التغيير الذي يعتري الأشياء ولكن بعد مرور الزمن.
    أكتب اليوم ما تحويه مخيلتك من تجارب، مواقف، أحداث، تمنيات، طموحات، رغبات، أو حتى أحلام، ثم احتفل مع هذه السطور في عيد ميلادها الأول بقراءتها، فستجد كم أنك وأفكارك كنتما قديمين، ليس لأنك لم تقدح زناد فكرك حينها لتخرج كل ما لديك من أفكار، ولكن لأن الأفكار تسبح في بحر زمان واحد وفي ذات المكان وهو الذاكرة، وعندما لا يتسع بها المكان لما هو قادم يلتهم جديد الأفكار قديمها، ويتغذى جديدها على قديمها منتجا فكرا آخر مختلفا.

    مَعَـاِلـم..
    إن المسافة الفاصلة بين ما هو جديد من الأفكار وقديمها يتجلى أيضا بنظرة بسيطة إلى ميعاد الميلاد الأول لعمرك الصغير. إذ تمثل أمام ناظريك محطات تندم أن اخترت خوض غمارها ودخول متاهاتها. وفي ثوان معدودة تتلاشى هذه المحطات من خلفية ناظريك وتتيه عميقا في تعاريج الذاكرة.
    وعند محطات أخرى جميلة تمكث طويلا مشدوه البال، ولا تأبه بالزمان حين تحوم في زوايا الذاكرة لتسترجع بشغف كل لحظة مخبأة في الثنايا، وتود أن يمتد عمر هذه اللحظات لتبقى حية طالما أن الجسد حيا يحتضن تلك الذكريات. الشيء الوحيد الذي يشفع لسطور قديمة أن تبقى حية هو أن تلمح فيها حكمة مخبأة تدوم مع الزمن، أو حلما جميلا أصبح واقعا ملموسا بعد أن كان مجرد سطور مكتوبة.
    فقد كنت أحسب أن للأفكار عمرا غير ذلك. إلا أن ممارسة الكتابة للحظة ومن ثم العودة إلى سطور ذات اللحظة بعد أن حط عليها بعض من غبار الزمن، يجعلك تدرك كم كانت تلك الأفكار قديمة، وقد لفتها غشاوة ما لم تبصره عينا العقل والقلب حينها. وما أسرع أن تبيح لك السطور القديمة بشيخوخة أفكارك، لا سيما إذا ما كانت خالية من الكثير من معالم الاستشراف.

    عندما تخطف اللحظة إنسان..
    إلى هنا فإن أهمية السطور الأولى ــ أو القديمة ــ تكمن في أنها لا تبيح كل ما بداخلها من أسرار وقت تنساب الأفكار سابحة في منطقة هي الأقرب إلى منطقة الأحلام في العقل الإنساني. وفي حالة كهذه فإن الإنسان يكون مأخوذا بشغف الرغبة الطموحة من أجل تحقيق الكثير من الأحلام طالما أنه انتقل إلى حالة جديدة تراءت له فيها الأحلام على مرمى قدم أو أقرب فاتحة أمامه آفاقا رحبة لا يعلم ماذا سيكون نتاجها.
    وإن لم تكن السطور القديمة مهمة، فإنها على الأقل ستخبرك بقدمها وستعترف بذلك ضمنيا من خلال اختلاف تفسير معانيها بأن أصبحت غير ملازمة للحالة الجديدة التي تعيش، وفي كثير من الأحيان سترى كم كانت باهتة دلالات الكثير من الكلمات، حتى وإن كُتبت في أحسن حالة جاد بها عقلك عليك حينها. فالانسان عادة ما يكون أسيرا للحظة أو الحالة التي يجلس فيها كي يخط بعض السطور، ويَحُد أفكاره أسوار ذات اللحظة التي تتسع أو تضيق حسب نوعية وطبيعة التجربة.
    ختاماً، غداً ستصبح هذه السطور أو الأفكار قديمة وسيغزوها الهرم وتبدو عليها ملامج الكبر، لتؤكد من جديد على حقيقة واضحة وهي أن شيخوخة الأفكار أسرع من شيخوخة الجسد.

    موسى محمود الجمل
    أدعوكم لزياردة مدونتي



    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

    رد: عندما تشيخ الأفكار...

    فعلاً يتغير رأيك فيما كتبت عندما تعود لقراءته مرة أخرى
    شكراً للموضوع الجميل
    والشكر للأستاذ محمود الجمل

  3. #3

    رد: عندما تشيخ الأفكار...

    ختاماً، غداً ستصبح هذه السطور أو الأفكار قديمة وسيغزوها الهرم وتبدو عليها ملامج الكبر، لتؤكد من جديد على حقيقة واضحة وهي أن شيخوخة الأفكار أسرع من شيخوخة الجسد.

    خطيرة هذه المقولة
    اعجز عن شكرك لهذا المقال وبعد النظر فيه
    ورغم هذا تجد فريقا من الأدباء يكتبون مواضيعا لاتناسب اعمارهم وفيها من روح المراهقة الكثير فهل هؤلاء الاستثناء ام القاعدة؟
    رغد
    إذا كنتَ لا تقرأ إلا ما تُوافق عليـه فقط، فإنكَ إذاً لن تتعلم أبداً!
    ************
    إحسـاس مخيف جـدا

    أن تكتشف موت لسانك
    عند حاجتك للكلام ..
    وتكتشف موت قلبك
    عند حاجتك للحب والحياة..
    وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء ..
    وتكتشف أنك وحدك كأغصان الخريف
    عند حاجتك للآخرين ؟؟

  4. #4

    رد: عندما تشيخ الأفكار...

    ربما لأن الحقائق والوقائع تتغير
    وربما لأن الزمن يتغير بسرعة
    فتتغير معه الافكار والمواقف والاراء
    تحيتي

المواضيع المتشابهه

  1. الأفكار... للكبار فقط
    بواسطة حيدر محمد الوائلي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-18-2012, 07:47 PM
  2. عندما تصبح الأفكار واقعا‎
    بواسطة المتفائل في المنتدى فرسان التمريض والصيدلة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-09-2011, 08:40 AM
  3. زحام الأفكار..
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 11-19-2011, 04:41 AM
  4. رواية"عندما تشيخ الذئاب" للأديب جمال ناجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2011, 02:33 PM
  5. كيف تسوق الأفكار؟
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-29-2007, 06:56 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •