منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 10

العرض المتطور

  1. #1

    الشهيد والكاتب والتشكيلي/غسان كنفاني





    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    غسان كنفانيغسان كنفاني (عكا 1936 - بيروت 8 يوليو 1972) كاتب فلسطيني تم اغتياله على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في 8 يوليو 1972 وعمره 36 عاما بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت. كتب بشكل أساسي بمواضيع التحرر الفلسطيني. ولد غسان كنفاني في عكا في فلسطين. وفي عام 1948 أجبر وعائلته على النزوح فعاش في سوريا كلاجىء فلسطيني ثم في لبنان حيث حصل على الجنسية اللبنانية. أكمل دراسته الثانوية في دمشق وحصل على شهادة البكالوريا السورية عام 1952. في ذات العام تسجّل في كلية الأدب العربي في جامعة دمشق ولكنه انقطع عن الدراسة في نهاية السنة الثانية، انضم إلى حركة القوميين العرب التي ضمه اليها جورج حبش لدى لقائهما عام 1953. ذهب إلى الكويت حيث عمل في التدريس الابتدائي، ثم انتقل إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية (1961) التي كانت تنطق باسم الحركة مسؤولا عن القسم الثقافي فيها، ثم أصبح رئيس تحرير جريدة (المحرر) اللبنانية، وأصدر فيها(ملحق فلسطين) ثم انتقل للعمل في جريدة الأنوار اللبنانية وحين تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أصدرت الجبهة جريدة ناطقة باسمها حملت اسم "الهدف" وترأس غسان تحريرها، كما أصبح ناطقا رسميا باسم الجبهة. تزوج من سيدة دانماركية (آن) ورزق منها ولدان هما فايز وليلى. أصيب مبكرا بمرض السكر.

    وكان كاتبا له عدة روايات من مثل :

    رجال في الشمس – بيروت، 1963.
    ما تبقى لكم- بيروت، 1966.
    أم سعد – بيروت، 1969.
    عائد إلى حيفا – بيروت، 1970
    الشيء الآخر – صدرت بعد استشهاده، في بيروت، 1980
    العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة).
    القنديل الصغير-بيروت
    مجموعات قصصية :

    موت سرير رقم 12- بيروت، 1961.
    أرض البرتقال الحزين – بيروت، 1963.
    عن الرجال والبنادق- بيروت، 1968.
    عالم ليس لنا- بيروت، 1970.
    كما له دراسة "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال" 1948-1968

    الجوائز التي نالها

    نال في 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته "ما تبقى لكم".
    نال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في 1975.
    منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    حركة القوميين العرب:
    تأسست حركة القومين العرب في نهاية القرن الثامن عشر في مواجهة الاستعمار العثماني للبلدان العربية وفرضها لسياسة التتريك في هذه البلدان وتحديداً عام 1891 عند تأسيس الجمعية العربية الفتاة في باريس والتي أسسها مجموعة من الطلاب العرب هناك وهم عوني عبد الهادي توفيق التميمي محمد البعلبكي محمد عزة دروزة جميل مردم بك . أول إرهاصات القومية العربية كانت في بلاد الشام بعد حملة محمد علي والتدخل الأوروبي الذي تبع ذلك. في البداية كانت مطالب القوميين العرب محدودة بالإصلاح داخل الدولة العثمانية، واستخدام أوسع للغة العربية في التعليم والإدارات المحلية، وإبقاء المجندين العرب في وقت السلم في خدمات محلية. طرأ تشدد على المطالب إثر ثورة عام 1908 في الآستانة وبرنامج التتريك الذي فرضته حكومة لجنة الوحدة والترقي (والمعروفة بتركيا الشابة). إلا أنه حتى ذلك الوقت فالقوميون العرب لم يمثلوا تيارا شعبيا يعتد به حتى في سوريا معقلها الأقوى آنذاك، بمعظم العرب كان ولاؤهم لدينهم أوطائفتهم أو قبيلتهم أو حكوماتهم المحلية. عقائد الجامعة العثمانية و الرابطة الإسلامية كانا منافسين قويين للقومية العربية.
    في عام 1913 اجتمع بعض المفكرين والسياسيين العرب في باريس في المؤتمر العربي الأول. وتوصلوا إلى قائمة من المطالب للحكم الذاتي داخل الدولة العثمانية. وطالبوا كذلك ألا يُطلب من المجندين العرب في الجيش العثماني أن يخدموا خارج أقاليمهم إلا في وقت الحرب.
    تزايدت المشاعر القومية خلال إنهيار السلطة العثمانية. القمع العنيف للجمعيات السرية في دمشق وبيروت من قبل جمال باشا واعدامه الكثير من الوطنيين في عامي 1915 و 1916، ساعدا على تقوية المشاعر المضادة للأتراك. وفي نفس الوقت قام البريطانيون من جانبهم بتحريض حاكم مكة، الشريف حسين على الثورة العربية خلال الحرب العالمية الأولى. هُزم العثمانيون ودخلت القبائل العربية الموالية لفيصل، ابن الشريف حسين، دمشق عام 1918. حينها شهدت القومية العربية أول محاولاتها الفاشلة المتمثلة في إقامة المملكة العربية بقيادة الملك فيصل الأول.
    ثم استمرت هذه الحركة إلا أنها هذه المرة كانت بمواجهة الاستعمار الانجليزي والفرنسي للبلاد العربية التي تحررت من المستعمر التركي. وبعد سنوات من النضال استطاعت البلدان التحرر من الاستعمار الاوروبي لها. الا أن المستعمر البريطاني قام بتنفيذ وعد بلفور وتمكين اليهود من أخذ أرض فلسين العربية وتأسيس كيان لهم على أرضها.



    جامعة دمشق


    تأسست جامعة دمشق عام 1923وكان اسمها آنذاك "الجامعة السورية"، وكان ميلادها نتيجة مزاوجة بين مدرسة الحقوق، ومعهد الطب. أما مدرسة الحقوق فقد تأسست في عام 1913 ، وأما معهد الطب فقد تأسس في دمشق عام1903.

    صورة:شعار جامعة دمشق.jpg
    شعار جامعة دمشقاستمرت الجامعة السورية بالتطور حتى الاربعينات بعد جلاء القوات الفرنسية المحتلة، حيث أنشئت كلية الآداب وكلية العلوم والمعهد العالي للمعلمين (دار المعلمين) إضافة إلى كلية الهندسة في حلب، ثم كلية الشريعة عام 1954. وخلال السنوات اللاحقة توسعت الجامعة السورية وتم احداث كليات جديده كلية الاقتصاد، كلية الزراعة، كلية الصيدلة، كلية الهندسة المدنية، كلية الهندسة المعمارية، كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، كلية الفنون الجميلة، كلية الشريعة، والمعهد العالي للتنمية الإدارية.

    إن ما يميز جامعة دمشق والجامعات السورية الأخرى هو أنها الجامعات الوحيدة في العالم التي تدرس كل علومها في كل فروعها باللغة العربية وبشكل كامل وقد عربت العديد من الكتب والمراجع العلمية في اختصاصات مختلفة .

    وقد درس في الجامعة السورية عبر تاريخها نخبة من المدرسين والعلماء والمفكرين على مستوى سوريا والوطن العربي .

    الجامعة السورية-جامعة دمشق



    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ثاني أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. تأسست الجبهة عام 1967 كامتداد للفرع الفلسطيني من حركة القوميين العرب، أسسها مجموعة من قياديي القوميين العرب وبعض المنظمات الفلسطينية التي كانت منتشرة في حينه وعلى رأسهم مؤسسها وأمينها العام السابق د. جورج حبش و
    انضمت إلى منظمة التحرير الفلسطينة عام 1968 ، وكان امينها العام منذ التأسيس وحتى عام 2000 هو جورج حبش ، حيث تنحى واستلم أبو علي مصطفى منصب الامين العام من بعده حتى تاريخ اغتياله في 27 اغسطس 2001 ليستلم منصب الامين العام احمد سعدات المعتقل في سجن اريحا الفلسطيني تحت حراسة رجال أمن بريطانيين وأمريكان بعد صفقة بين رئيس السلطة الفلسطينية وكل من الأمريكان والبريطانيين وإسرائيل تم بناءا عليها سجن سعدات و4 من أعضاء الجبهة الشعبية بعد محكمة صورية لهم اقامها عرفات ونقلو تحت حراسة امريكية بريطانية إلى سجن اريحا وبالمقابل فكت إسرائيل حصارها عن عرفات (مؤقتا). وتتهم إسرائيل سعدات وزملائه بالوقوف وراء اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي ردا على قيام القوات الإسرائيلية باغتيال الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ابو علي مصطفىفي مارس من عام 2006، قامت القوات الإسرائيلية باقتحام سجن أريحا، ثم اختطفت سعدات، و مجموعة من السجناء الفلسطينيين، ليتم اعتقالهم في سجن عوفر.
    اشتهرت الجبهة في حقبة السبعينات بعمليات خطف الطائرات ونسف المطارات واقتحام ونسف السفارات وإغتيال القيادة الإسرائيلية والتشدد بالموقف. ومن أهم المحطات التي مرت بها الجبهة الشعبية خلال انتفاضة الاقصى 2000 حادثة اغتيال امينها العام أبو على مصطفى 28/7 عام 2001 الذي ردت عليه بإغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي وتعتير هذه العملية من أهم العمليات التي اوجعت الكيان الصهيوني وتصنف العملية الاولى من نوعها على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي لما قامت به من استهداف لواحد من قيادات إسرائيل.
    تعتبر الجبهة الشعبية من ابرز التنظيمات اليسارية المتشددة والراديكالية والتي تتبنى الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، وقد اشتهرت برفضها للإتفاقيات التي تراها تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني منذ نشأتها وقد عارضت بشدة في فترة السبعينات إتفاقية كامب ديفيد التي اجراها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل ، كما عارضت وبشدة الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل المتمثلة باتفاقية اوسلو وما تمخض عنها. كانت أسلحة الجبهة الشعبية أسلحة خفيفة، حصلت عليها، قبْل حرب يونيه 1967، من مصدرَين رئيسيَّين، هما: مصر وجيش التحرير الفلسطيني، اللذان تربط العلاقات الطيبة، قيادتيهما بـ"حركة القوميين العرب". أضف إلى ذلك بقايا الأسلحة والذخائر، التي تركت في ساحات حرب 1967، أو تلك التي بقيت في المستودعات الجيش المصري وجيش التحرير الفلسطيني، في قطاع غزة. زد على ذلك الأسلحة المشتراة من السوق السوداء. ولم يطرأ على تسليح الجبهة، حتى منتصف السبعينيات، تغيير مهم، إلا الحصول على بعض المدافع الخفيفة. أمّا في خارج الأرض المحتلة، فكانت تحصل على مستلزمات قواتها العسكرية من العراق؛ ومن الأسواق الحرة، في حالات نادرة. واستمرت في اعتمادها على بغداد، لفترة طويلة، ثم تلقت الأسلحة من ليبيا، بعد عام 1978. وبعد توقيع الاتفاقية المصرية ـ الإسرائيلية (كامب ديفيد)، حصلت الجبهة على الأسلحة من كوريا الشمالية، والاتحاد السوفيتي، ودول أوروبا الشرقية.
    دربت الجبهة بعض أعضائها، قبل حرب 1967، في معسكر أنشاص، في مصر؛ وبعضهم الآخر في الأردن، سرّاً. وبعد تلك الحرب، افتتحت معسكراً للتدريب، في سورية، ثم في الأردن، ثم في لبنان. واشترك بعض أعضائها وضباطها في الدورات، التي كانت توفرها لهم منظمة التحرير الفلسطينية، في الدول الصديقة. وكذلك، أرسلت الجبهة مقاتليها إلى الاتحاد السوفيتي، ودول أوروبا الشرقية، للتدريب هناك.
    لقد حدث انشقاق في الجبهة الشعبية، في مارس 1972، بقيادة جناح اليسار، التابع لسورية. وتأسست جبهة، أطلق عليها "الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين"؛ لم يتجاوز عدد أعضائها، في تلك الفترة، 55 شخصاً
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4
    رجال في الشمس للكاتب غسان كنفاني هي رواية تم نشرها عام 1964 مثلت انطلاقته الروائية عالجت قضية الهجرة أمام صعوبات الحياة الفلسطينية أول سنوات الاحتلال ومن خلالها عبر غسان كنفاني عن لا جدوى الحلول الفردية لحل مشاكل الواقع الفلسطيني. تحكي هذه الرواية تفاصيل محاولة هرب ثلاثة رجال فلسطينيين لإيجاد لقمة العيش في الكويت واستغلال المهربين لأحوالهم في المدن العربية وحملت في طياتها تلميحات عن الأوضاع السياسية في العالم العربي آنذاك وكذلك وضع الداخل الفلسطيني العاجز. أشار غسان كنفاني بأصابع الاتهام إلى التهافت الفلسطيني على الهروب عبر الشخصيات المحورية وانتهازية الدول المجاورة عبر المهربين وانهزامية الجيل الذي حارب في 48 عبر شخصية السائق أبو الخيزران الذي فقد رجولته في الحرب مما ولد عنده حالة من اللامبالاة أدت إلى موت الهاربين الثلاثة. حولت الرواية إلى فلم "المخدوعون" كما تم تحويلها إلى مسرحية، رائعة جداً .
    عائد إلى حيفا: رواية للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، تعتبر من أبرز الروايات في الأدب الفلسطيني المعاصر. صدرت طبعتها الأولى في عام 1969. تم ترجمتها إلى العديد من اللغات منها اللغة الروسية في العام 1974 وكذلك اللغة الفارسية في العام 1991
    أرض البرتقال الحزين هي مجموعة قصصية للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني صدرت أولى طبعاتها عام 1962 و قد حاول فيها تصوير الشخصية الفلسطينية أمام قدرها سواء في الداخل الفلسطيني مثل قصص :
    ورقة من الرملة
    ورقة من غزة
    السلاح المحرم
    الأفق وراء البوابة
    أو خارج فلسطين مثل قصة :
    قتيل في الموصل
    تعد قصة ارض البرتقال الحزين العمود الفقري لهذه المجموعة حيث كانت ملتحمة بسيرة غسان كنفاني لكنها في نفس الوقت تؤرخ لمعاناة الفلسطيني المهجر بشكل عام استعمل فيها أساليب قصصية مستحدثة اذ استغل ضمير المخاطب عوض المتكلم للحديث عما شهده في طفولته وكانت شخصيته مجرد انعكاسا للأحداث وليس له اي فعل كما عبر عن موقفه من جيل أبيه المهزوم وقد حمل عبر رمز البرتقال كل ملامح الشخصية الفلسطينية
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أبعد من الحدود
    الأفق وراء البوابة
    السلاح المحرم
    ورقة من الرملة
    ورقة من الطيرة
    ورقة من غزة
    الأخضر والأحمر
    أرض البرتقال الحزين
    قتيل من الموصل
    لا شيء
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #5
    موقع للشهيد
    بمناسبة مرور 70 عاما على ولادته
    http://www.ghassankanafani.com/
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #6
    لوحاته:
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #7
    محاولة تقديم...
    و وقف الكون كله على صهوة جواد... كان اغتراب الوطن الممدد بين رصاصتين ينمو، و ينجب زعترا و مقاتلين... و تنجب الذاكرة شعور التمجيد لشخص غسان كنفاني.كان غسان و لم يزل مقاتلا و نبيا للقضية و الإنسان... و وقف كشجرة زيتون في وجه القباحة...لقد تقدست أشلاءه بفعل الشهادة.
    كانت هجرة غسان القصرية و حياة التشرد و الوحدة... من أكثر العوامل التي أنتجت هذا الرجل العملاق و العبقري بكل المقاييس، و كان استشهاد غسان هي الطريقة المثلى كنهاية لحياته الحافلة، فلقد عانق الوطن بطريقة استثنائية و بنفس الطريقة التي حرق من خلالها سنوات عمره في محراب القضية الفلسطينية.
    من الصعب على الأبجدية أن تحاصر غسان كنفاني بين حبرٍ و كفنٍ ابيض... فهل للدمعة مكان بيننا في ذكرى استشهاده... أم انه سيتحول لغصة في حلوقنا كلما قرأنا له أو سمعنا اسمه في زحمة الأسماء الميتة... و هل من الممكن أن نزرع شجرة زيتون على روحه في عكا...لكن من منا يستطيع أن يحبس النسائم و من منا يقدر على أن يبنى جنة كجنة غسان كنفاني...
    على الرغم من استشهاد غسان عن عمر لم يتجاوز الستة و الثلاثين و مشوار طويل و مرير مع المرض
    ...فقد ترك أضعاف ما تستوعبه تلك السنين القليلة مشاعل مضيئة مازالت تغوص في معانيها أقلام و عقول أكثر من أن تحصى، عملت بمباضعها الخبيرة كل صنوف التشريح و كتبت آلاف الصفحات دراسة و مفسرة لزخم إنتاج هذا الرجل... لقد استطاع أن يصنع معجزته الفريدة و الجميلة بكل المعاني و ترك لنا تاريخا حافلا بالإبداع و الشموخ و الثورة.
    لقد تنقل غسان كنفاني بين صنوف الاداب الغزيرة و أعطانا ثروة أدبية لا يمكن أن نستبدلها باى شي و لا يمكن لأحد أن يملا هذا الفراغ الهائل لغياب غسان كنفاني... لقد أبدع غسان في كتاباته المسرحية و الروايات و القصص القصيرة و المقالات الساخرة التي تعتبر نبعا للدارسين في أدب النقد ... إن عبقرية غسان كنفاني تجاوزت كل التوقعات و الكلام المباح، فلم يزل هذا الرجل متفردا بشخصيته على الصعيد الانسانى و الادبى و حتى العمل السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين...استطاع هذا الرجل أن يهز كل النائمين و المتشردين من أبناء فلسطين لواجبهم المقدس اتجاه الوطن.
    كان غسان يستيقظ كل صباح و الصوت ذاته يقول: " لك شئ في هذا العالم فقم " أعرفته!
    و بهذا كان يعايش التحادي و البحث المتواصل عن وطن و سماءٍ حرة للكلمات الطليقة... فهو لم يحمل معه من فلسطين سوى ذكريات الطفولة و حبة برتقال من يافا، بحث في أعماق الكلمات عله يجد تفسيرا للغز الغريب و الذي يجعل من فلسطين جمرة نار تحرقه و تعذبه و هو في المقابل يبادلها حبا متفرد المعاني ... على الإيقاع ذاته كان المرض و العذاب و الوحدة الشقية ترافق حياة غسان .
    هل للكلمات مكان بيننا في ذكرى استشهاد غسان كنفاني... صحيح انه رحل عنا بالصورة الحية لكنه مازال شامخا في زمن الأقزام و علما يرفرف في سماء غزة و عكا و كل مكان في العالم يذكر فيه اسم غسان كنفاني... لتحيى ذكره في قلوبنا و قلوب الأجيال القادمة و لتكن ذكراه شمساً تضيء سماءنا السوداء.
    كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، و لا يمكن أن نستعيده إلا إذا استعدنا الوطن.
    لقد استعنت بهذا البحث المتواضع باكثر من عشر مراجع...و بالنسبة عن المسرحيات و بعض المقالات الساخرة فسوف اوردوها لاحقا.
    اتمنى ان اكون وفية للرفيق و المعلم غسان كنفانى...
    والد غسان كنفانى *:
    خرج ابوه من اسرة عادية من اسر عكا و كان الاكبر لعدد غير قليل من الاشقاء، و بما ان والده لم يكن مقتنعا بجدوى الدراسات العليا فقد اراد لابنه ان يكون تاجراً او كاتباً او متعاطياً لاى مهنة عادية و لكن طموح الابن ابى عليه الا ان يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس فى ظروف غير عادية. صفر اليدين من النقود و حتى من التشجيع فما كان عليه الا ان يتكل على جهده الشخصى لتامين حياته و دراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه و تارة يبيع الزيت الذى يرسله له والده و يشترى بدل ذلك بعض الكاز و المأكل، و يشارك بعض الاسر فى مسكنها، الى ان تخرج كمحام. و عاد الى عكا ليتزوج من اسرة ميسورة و معروفة و يشد رحاله للعمل فى مدينة يافا حيث مجال العمل ارحب و ليبنى مستقبله هناك.
    و كافح هناك و زوجته الى جانبه تشد ازره و تشاركه فى السراء و الضراء و نجح و كان يترافع فى قضايا معظمها وطنى خاصة اثناء ثورات فلسطين و اعتقل مراراً كانت احداها بايعاز وطنى من الوكالة اليهودية.
    و كان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم و كانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة و ينقلها معه حيثما حل او ارتحل، و كثيرا ما كان يعود اليها ليقرأ لنا بعضها و نحن نستمتع بالاستماع الى ذكريات كفاحه، فقد كان فريداً بين ابناء جيله، و كان هذا الرجل العصامى ذو الآراء المتميزة مثلاً يحتذى به. هذا هو والد غسان كنفانى الذى كان له بدون شك اثر كبير فى حياة ثالث ابنائه غسان.
    غسان الطفل*:
    هو الوحيد بين اشقائه ولد فى عكا، فقد كان من عادة اسرته قضاء فترات الاجازة و الاعياد فى عكا، و يروى عن ولادته ان امه حين جاءها المخاض لم تستطع ان تصل الى سريرها قبل ان تضع وليدها و كاد الوليد ان يختنق بسبب ذلك وحدث هذا فى التاسع من نيسان عام 1936.
    و كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا و كنا نحسده لاته يدرس اللغة الفرنسية زيادة كما كنا ندرسه نحن. و لم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات. فقد كانت اسرته تعيش فى حى المنشية بيافا و هو الحى الملاصق لتل ابيب و قد شهد اولى حوادث الاحتكاك بين العرب و اليهود التى بدأت هناك اثر تقسيم فلسطين.
    لذلك فقد حمل الوالد زوجته و ابناءه و اتى بهم الى عكا و عاد هو الى يافا، اقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 الى ان كانت احدى ليالى أواخر نيسان 1948 حين جرى الهجوم الاول على مدينة عكا.
    بقى المهاجرون خارج عكا على تل الفخار ( تل نابليون ) و خرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم و وقف رجال الاسرة امام بيت جدنا الواقع فى اطراف البلد و كل يحمل ما تيسر له مة السلاح و ذلك للدفاع عن النساء و الاطفال اذا اقتضى الامر.
    و مما يذكر هنا ان بعض ضباط جيش الانقاذ معنا و كنا نقدم لهم القهوة تباعا علما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلى كانت ترابط فى اطراف بلدتنا. و كانت تتردد على الافواه قصص مجازر دير ياسي و يافا و حيفا التى لجأ اهلها الى عكا و كانت الصور ماتزال ماثلة فى الاذهان. فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع و يراقب ما يجرى.
    استمرت الاشتباكات منذ المساء حتى الفجر و فى الصبح كانت معظم الاسر تغادر المدينة و كانت اسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الاسر فى سيارة شحن الى لبنان فوصلوا الى صيدا و بعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما فى بلدة الغازية قرب صيدا فى اقصى البلدة على سفح الجبل، استمرت العائلة فى ذلك المنزل اربعين يوما فى ظروف قاسية اذ ان والدهم لم يحمل معه الا النذر اليسير من النقود فقد كان انفقها فى بناء منزل فى عكا و آخرفى حى العجمى بيافا و هذا البناء لم يكن قد انتهى العمل فيه حين اضطروا للرحيل.
    من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين الى حلب ثم الى الزبدانى ثم الى دمشق حيث استقر بهم المقام فى منزل من منازل دمشق و بدأت هناك مرحلة اخرى قاسية من مراحل حياة الاسرة.
    غسان فى طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع اخزته و اقرانه و لكن كنا نكتشف دائماً انه مشترك فى مشاكلهم و مهيأ لها دون ان يبدو عليه ذلك.
    غسان اليافع*:
    فى دمشق شارك اسرته حياتها الصعبة، ابوه المحامى عمل اعمالاً بدائية بسيطة، اخنه عملت بالتدريس ، هو و اخوه صنعوا اكياس الورق، ثم عمالاً، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات امام ابواب المحاكم و فى نفس الوقت الذى كان يتابع فيه دروسه الابتدائية. بعدها تحسنت احوال الاسرة و افتتح ابوه مكتباً لممارسة المحاماة فاخذ هو الى جانب دراسته يعمل فى تصحيح البوفات فى بعض الصحف و احيانا التحرر و اشترك فى برنامج فلسطين فى الاذاعة السورية و برنامج الطلبة و كان يكتب بعض الشعر و المسرحيات و المقطوعات الوجدانية.
    و كانت تشجعه على ذلك و تاخذ بيده شقيقته التى كان لها فى هذه الفترة تاثيراً كبيرا على حياته. و اثناء دراسته الثانوية برز تفوقه فى الادب العربى و الرسم و عندما انهى الثانوية عمل فى التدريس فى مدارس اللاجئين و بالذات فى مدرسة الاليانس بدمشق و التحق بجامعة دمش لدراسة الادب العربى و اسند اليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين فى معرض دمش الدولى و كان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصى. و ذلك بالاضافة الى معارض الرسم الاخرى التى اشرف عليها.
    فى هذا الوقت كان قد انخرط فى حركية القوميين العرب و اترك الكلام هنا عن حياته السياسية لرفاقه و لكن ما أذكره انه كان يضطر أحيانا للبقاء لساعات متأخرة من الليل خارج منزله مما كان يسبب له احراجاً مع والده الذى كان يحرص على انهائه لدروسه الجامعية و أعرف أنه كان يحاول جهده للتوفيق بين عمله و بين اخلاصه لرغبة والده .
    و كان غسان يقول عن حياته :
    " و قد استطعت أن أتابع تحصيلى العلمى بنفسى من خلال عملى معلماً فى احدى المدارس الابتدائية فى القرية. و كانت تلك بداية منطقية ساعدتنى على متابعة المرحلة الثانوية التى أنهيتها فى تلك المرحلة و بعد ذلك انتميت إلى جامعى دمشق قسم الأدب العربى لمدة ثلاث سنوات فصلت بعدها لأسباب
    سياسية "
    فى أواخر عام 1955 التحق للتدريس فى المعارف الكويتية و كانت شقيقته قد سبقته فى ذلك بسنوات و كذلك شقيقه. و فترة اقامته فى الكويت كانت المرحلة التى رافقت اقبالة الشديد و الذى يبدو غير معقول على القراءة و هى التى شحنت حياته الفكرية بدفقة كبيرة فكان يقرأ بنهم لا يصدق. كان يقول انه لا يتذكر يوماً نام فيه دون أن ينهى قراءة كتاب كامل أو ما لا يقل عن ستماية صفحة و كان يقرأ و يستوعب بطريقة مدهشة. و هناك بدأ يحرر فى إحدى صحف الكويت و يكتب تعليقً سياسياً بتوقيع " أبو العز " لفت اليه الأنظار بشكل كبير خاصة بعد أن كان زار العراق بعد الثورة العراقية عام 58 على عكس ما نشر بأنه عمل بالعراق.
    فى الكويت كتب أيضاً أولى قصصه القصيرة " القميص المسروق " التى نال عليها الجائزة الأولى فى مسابقة أدبية و ظهرت عليه بوادر مرض السكرى فى الكويت أيضاً و كانت شقيقته قد أصيبت به من قبل و فى نفس السن المبكرة مما زاد ارتباطاً بها و بالنالى بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت فى كانون الثانى عام 1955. فأخذ غسان يحضر للميس فى كل عام مجموعة من أعماله الأدبية و الفنية و يهديها لها و كانت هى شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر أمام رفيقاتها و لم يتأخر غسان عن ذلك إلا فى السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.
    عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل فى مجلة الحرية كما هو معروف.
    غسان الزوج* :
    بيروت كانت المجال الأرحب لعمل غسان و فرصته للقاء بالتيارات الأدبية و الفكرية و السياسية. و بدأ عمله فى مجلة الحرية ثم أخذ بالاضافة إلى ذلك يكتب مقالاً اسبوعياً لجريدة " المحرر " البيروتية و التى كانت ماتزال تصدر أسبوعية صباح كل إثنين. لفت نشاطه و مقالاته تلانظار اليه كصحفى و مفكر عامل جاد و نشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً للكثير من المهتمين.
    عام 1961 كان يعقد فى يوغسلافيا مؤتمر طلابى اشتركت فيه فلسطين و كذلك كان هناك وفد دانمركى. و كان بين أعضاء الوفد الدنمركى فتاة كانت متخصصة فى تدريس الأطفال. قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطينى و لاول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية.
    و اهتمت الفتاة اثر ذلك بالقضية و رغبت فى الاطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها إلى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم إلى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفانى كمرجع للقضية و قام غسان بشرح الموضوع للفتاة و زار و اياها المخيمات و كانت هى شديدة التأثر بحماس غسان للقضية و كذلك بالطلم الواقع على هذا الشعب.
    و لم تمض على ذلك عشرة أيام الا و كان غسان يطلب يدها للزواج و قام بتعريفها على عائلته كما قامت هى بالكتابة إلى أهلها.
    و قد تم زواجها بتاريخ 19/10/1961 و رزقا بفايز فى 24/8/1962 و بليلى فى 12/11/1966 .
    بعد ان تزوج غسان انتظمت حياته و خاصة الصحية اذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه . عندما تزوج غسان كان يسكن فى شارع الحمراء ثم انتقل إلى حى المزرعة، ثم الى مارتقلا أربع سنوات حين طلب منه المالك اخلاء شقته قام صهره بشراء شقته الحالية و قدمها له بإيجار معقول.
    فى بيروت اصيب من مضاعفات السكرى بالنقرس و هو مرض بالمفاصل يسبب آلاماً مبرحة تقعد المريض أياماً . و لكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم فى نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لا توصف و كان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل.
    و برغم كل انهماكه فى عمله و خاصة فى الفترة الأخيرة الا أن حق بيته و أولاده عليه كان مقدساً . كانت ساعات وجودة بين زوجته و أولاده من أسعد لحظات عمره و كان يقضى أيام عطلته اذا تسنى له ذلك يعمل فى حديقة منزله و يضفى عليها و على منزله من ذوق الفنان ما يلفت النظر رغم تواضع قيمة موجوداته.
    غسان و الحب: ( آخر رسالة من كتاب رسائل غسان كنفانى الى غادة السمان )
    صباح يوم 28/12/1966 أيقظنى قرع على الباب. كان غسان واقفاً منهكاً و غاضباً، و ناولنى هذه الرسالة قائلاً : إنها لك. كتبتها لك، و لكننى خاطبت أختى فائزة فيها لغضبى منك. و تركها بين يدى و مضى .. و كانت رسالة بدأ كتابتها فى الليلة السابقة، ليل 27/12/1966 و ختمها برسالة أخرى بعد طلوع فجر 28/12/1966.
    صعقنى ما ورد فيها فقد كنت ليلتها بحاجة إلى أن أخلو إلى نفسى بعد سهرة من بعض الأصقاء و لم يخطر ببالى أن ذلك سيزلزل غسان إلى هذا المدى .. أم تراه خطر ببالى و تعمدته فى اللاوعى ؟ أم ترانى كنت أريده حقاً أن يقضى سهرته مع أسرته و لذا اقترحت عليه الذهاب مبكراً إلى هناك ووعدته بأن أهتف له لأضمن ذهابه مما أثار شكوكه؟ هل تعمدت إثارة شكه؟ مازلت حتى اليوم لا أدرى، و لكننى أذكر جيداً أننى كنت دائماً حريصى على كيانه العائلى بقدر حرصى على استقلالية كيانى(1).
    بيروت27/12/1966
    عزيزتى فائزة ..
    إننى أغيب عنك سنوات و لكننى أعود، أنبع فجأة، و أنت تقولين لنفسك: ها هو الطفل يعود. كنتِ فيما سبق تغضبين و تحزنين و تقولين إنك تفتقديننىو لكنك استسلمت أخيراً لذلك الطفل الغريب الأطوار دائماً، المغلوب على
    أمره دائماً، الباحث عن ملجأ دائماً.. تستطيعين الآن، بعد ثلاثين سنة أن تطمئنى لشئ واحد هو أننى سأظل أعود فقد كتب على كما يبدو ان أظل مهزوماً فى أعماقى،إن الشئ الذى انكسر فىّ حين كنت فى العاشرة لن يلتئم، و قد ظللت دائماً أوفى الناس لشئ اسمه التعاسة و سوء الحظ.و هأنذا أعود مرة أخرة لك،ربما لأنك بعيدة عنى ولأنك الجزيرة التى لم تعد لى و لأنك لا تستطيعين ان تأخذينى معك و فيك و لك..
    ما الذى حدث خلال السنين الطويلة الماضية؟ ما الذى حدث، بالضبط، منذ اقتحمت عليك غرفة العمليات؟ هل تذكرين؟يوم رفعت المشرط وجه المسكين ولسون، ذلك الاسكتلندى الطيب الذى كان يجد فّى مالم أجده أنا نفسى ،إنه يضحك بلا شك حين يذكر القصة. كنت أنا على حق رغم كل شيء، و قلت له: ليمت الطفل، و لكن إذا ماتت هى فستموت معها هنا.
    و رفضت أن أخرج و ظللت مثل مجنون فار مثبتاً ظهرى إلى زاوية و أنظر
    إليك مضرجة بالدم تحت اصابعه الباردة و حين تنفس الصعداء بعد قرن من الرعب أخذت أبكى، و سقط المشرط من يدى… و لم أرك إلا بعد أن صار أسامة فى الرابعة من عمره..
    لماذا أذكّرك الآن بهذا الشئ الذى مضى؟ ربما لأننى أشعر كم كنت على حق… إن الإنسان ليس إلا مخترع ملاجئ، هكذا كان و هكذا
    هو و هكذا سيظل، و كل ما عدا ذلك هراء فى هراء، و اقول الان: كنت
    أحس ملجأى عميقاً داخل تلك الغريزة التى كنت تسمينها حين كنتُ طفلًا النبوة ، و كنت أحس كم كان فقدانه هولاً تساوت فيه أرادة العيش بشفرة
    المشرط. انى لا انسى حدقتى الدكتور ولسون حين كانت تسبح فيهما تلك الكرتان الزرقاوان كان رجلا قادرا على الفهم من فرط ما شاهد الناس يموتون ببساطة و يتركون ورائهم العالم بملاجئ اقل و كان يعرف انك ملجأى.و هأنذا اعود يا فائزة مثلما كنت اعود اليك طفلا شقيا مبللا بمطر يافا الغزير و تستطيعين بنفس الصوت القديم ان تقولى لى. " كنت تحت المزاريب، أنا اعرف كم تبلغ بك الشقاوة.." تحت المزاريب يا فائزة تحت المزاريب.. اننى اعطيك راسى بعد اكثر من عشرين سنة لتجففيه مرة اخىرغم اننى احسه مبتلا من الداخل اعطيك راسى ، أنا الشقى المسكين، فلم يتبق ثمة شئ إلا يديك.. و بالضبط لأنهما على بعد ألف ميل.ما الذى حدث منذ ان ولد اسامة عبر ذلك المخاض الصعب الرهيب؟ بالنسبة لى ماتزال دفتا الباب الابيض تروحان و تجيئان متقاطعتين منذ خرجت منهما.. هل تغير ايما شئ؟ ما الذى حدث؟ اى جنون يملا هذا العالم؟ هل رايت الدكتور ولسون مرة اخرىو تحدثتما عن جنونى؟ هل يعرفنى اسامة؟ هل يسمع عنى بين الفينة و الاخرة؟ أما أنا فقد حدث لى ذلك الشىء الذى قلت لى مرة انه وحده سيحطمنى ذات يوم: الحب.لو كنت هنا و جلسن معنا كما كنت تفعلين منذ زمن لنظرت فى لحظة مسروقةوهززت راسك موافقة لقد عشت عمرى انتظر ان ارى من راسك تلك الحركة. حين جلسنا مع جاكلين فى بحمدون قبل سبع سنوات انتهزت اول فرصةو رفعت امام عينى حاجبيك كانك تقولين" لا، ليست " و راحت جاكلين، و راحت مُنى و راحت كوكب عبر حاجبيك.
    اللذين كانا دائما يقولان "لا" ..و جاءت هى . قولى لى انها هى.اخيرا هذا هو
    الشىء الذى كنت تنتظرينه يا فائزة وراء ظهرى. دون ان اعرف.. هذا هى
    الشىء الذى وحده يستطيع ان يحطمنى. كم كنتِ صادقة و كم كنتُ غبيا.. اتذكرين يوم جئت اليك اقول ان جاكلين سافرت؟ قلت لى على مائدة الفطور:
    إن شراستك كلها إنما هى لإخفاء قلب هش.لا حدود لهشاشته، ذات يوم
    ستصل اصابع امرأة ما اليه و ستطحنه.. و إذ نجئ يومها إلىّ سأفهمك وحدى!
    هأنذا أجئ فكافئينى بأن تفهمينى، ليس بوسعك ان تنصحى احدا. اننى اتمزق و ليس بوسعك ان تجدى، بعد، اذنا واحدة فى هذا الجسد الذى كان كله، آذان
    اننا نجئ دائما متاخرين. متاخرين. متاخرين. افهمتِ كل شئ الان يافائزة؟متاخرين.
    اقف الان على هذا المرتفع فى حياتى و انظر اليها قاحلة مليئة بالشوك و التوحد و تمتد فى برودة الماضى و برودة المستقبل دونما نهاية.. و يبدو اننى احاول ان استبدل الوطن بالمرأة، اعرفت عمرك كله ما هو ابشع من هذه الصفقة و اكثر منها استحالة؟ و لكن هذه ما يحدث، و استطيع ان اكشفه بوضوح الان كأن ما حدث لم يكن إلا اقتيادا اعمى الى هذه النهاية. لقد حاولت منذ البدء ان استبدل الوطن بالعمل، ثم بالعائلة، ثم بالكلمة، ثم بالعنف،ثم بالمرأة، و كان دائما يعوزنى الانتساب الحقيقى، ذلك الانتساب الذى يهتف بنا حين نصحو فى الصباح. "لك شئ فى هذا العالم فقم" اعرفته؟ و كان الاحتيال يتهاوى، فقد كنت اريد ارضا ثابتة افق فوقها، و نحن لا نستطيع ان اخدع كل شئ ما عدا اقدامنا اننا لا نستطيع ان نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقةبالهواء، و الان: كنت امشى على رقع الجليد تلك، و ليس كل ما كتبته و كل ما قلته فى حياتى كلها الا صوت تهشمها تحت الخطوات الطريدة. مرة اخرى، ما
    الذى حدث؟ تزوجت فجاة، انت لا تعرفين لماذا بالطبع و قد فاجأك الخبر مثلما فجأ والدى. و لكنه لم يكن يستطيع ان يفعل شيئاً، لم يكن يستطيع ان يحرمنى من ثروته بعد ان حرم منها رغم انفه، و لم يكن يستطيع ان يمنعنى من ولوج بيته بعد ان امتنعت من تلقاء نفسى و لم يكن ليستطيع استنزال غضب السماء على فلدى من غضبها ما يفبض عن حاجة رجل واحد.. و لم يكن هو ايضا يعرف لماذا و كيف، و لكننى كنت اعرف، كنت امارس تلك الفضيلة البشرية الوحيدة: كنت اخترع ملجأ.
    لقد جاءت أنى حين كنت قد شرعت، مختارا و مرغما فى الانزلاق على هضبة الوحل المغرية و الجذابة، و فى ذات صباح الذى قررت فى مسائه ان اتزوجها كنت على وشك الاتفاق مع امراة نصف ثرية و نصف جميلة و نصف تحبنى و نصف شابة على ان نعيش معاً. كانت تلك المرأة نصف الطريق إلى السقوط و أردت ان أجعلها محطتى كى اقبل الرحلة كلها فيما بعد الى قرار القاع السحيق و المنسى. و جاءت آنى ذلك اليوم مثلما تجئ رسالة البشرى من مكان قصىّ مجهول فجعلتها ملجأى للفرار فى واحدة من ومضات النبوة التى تبوق فى ضمير كل انسان على ظهر هذه الارض. أقول لك الان: كانت فراراً.
    كانت بعيدة يا فائزة عنى فى كل شئ. و احتجت إلى خمس سنوات كبيرة اظل مشغولاً خلالها فى ردم الهوة المفتوحة بيننا، و ارتكبت مرة اخرى خطا الاحتيال: فحين عجزت عن ردمها كما ينبغى ردمتها بطفيلن. و لكنن رغم كل شئ
    ظللت مخلصا للقيم التى احترمها و التى اورثنى اياها اقطاع جدى المؤمن بالفضائل حين خسر اراضيه و لكنه اصر على كسب اخلاقه و كن اعرف فى اعماقى ان الشراع المطوى فى اعماقى سيمتلئ برياح الغربة من جديد و لكنن ظللت صامدا، وبقسوة السكين تخليت عن حياتى السابقة فى سبيلها، كانت و ماتزال امرأة رائعة، ربما الشئ الوحيد فى هذا الكون الذى استطيع برضى لا حدود له، ان اقدم لها حياتى اذا ما تعرضت لخطر الغياب.
    اقول لك الان رغم انك سالتنى ذات يوم و كنا وحدنا هلى انت سعيد معها؟ فقلت لك حاسما و صادقا لا إن الحب شئ و علاقتى بها شئ آخر و هى تعرف.
    ثم جاءت غادة.
    جاءت؟لا، ان الكلمة الاصح هى عادت. لقد كانت موجودة دائما فى اعماقى. أنا لا تحدث عن الفترة التى كنت اراها فيها عابر فى ممرات الجامعة قبل عشر سنوات، لا. اننى اتحدث عن وجود اكثر تعقيداً من ذلك و اكثر عمقاً. ماذا اقول لك و كيف اشرح لك الامور؟ دعينى اقول لك كيف: امس كنت اتلهى بهذه اللعبة التى يكوّن فيها الانسان شيئا فوضويا و غامضا من زجاجة و قضيب شمع، و كان ذوب الشمع قد كسى جسد الزجاجة باكمله تقريبا، و فجأة سقطت نقطة من الشمع الذائب دون ارادة منى و تدحرجت بجنون فوق تلال الشمع المتجمد على سطح الزجاجة و استفرت فى ثغرة لم اكن قد لاحظتها من قبل و تجمدت هناك فجعلت ثوب الشمع بأكمله يتماسك من تلقائه.
    هذا ما حدث، و لست اجد اى وصف آخر له. و منذ قابلتها اول مرة عرفت فى اعماقى كل الذى سيحدث، على الاقل من جهتى. و رغم ذلك فقد كان عليه ان يعود او ان يقطع الطريق الى الامام.
    عمرى الان سبعة شهور، و لن تصدقى كم تغيرت أنا نفسى لم اصدق و لا اصدق، و يبدو ان هناك رجال لا يمكن قتلهم إلا من الداخل.
    لقد عذبها الكثيرون فى حياتها و هى وحيدة و لا تستطيع ان تردم الهوة بينها و بين العالم الا بالرجال، ( فى الواقع لا اؤمن بهذا و قد قاله لى هاتف مجهوا قبل اسبوع ) الم اردمها أنا بطفلين!.
    لنحاول كرة اخرى انها تحبنى و تخشى اذا ما اندفعت نحوى ان اتركها مثلما يحدث فى جميع العلاقات السخيفة بين الناس، و تخشى اذا ما ذهبت فى علاقتنا الى مداها الطبيعى ان نخسر بعضنا. و لكن يا فائزة هذا كلام كتب و اطباء و مدرسى حساب و ليس عواطف امرأة امام رجل يحبها و تحبه..
    لنحاول مرة ثالثة: انها تحبنى الى حد لا تريد فيه ان تقوض حياتى. و لكن من الذى قال لها ان هروبها لن يفعل؟.
    يا فائزة. إننى اثق بذكائها، ربما اكثر مما ينبغى. و افسر كلامها مثلما يفعل الباحث فى المختبر. يخيل لى احياناً أنا امام الناس تحاول إذلالى إن ذلك لا يغضبنى ( نعم فقد وصلت إلى هذا الحد! ) و لكن لماذا؟ ما الذى يدفع انساناً ما الى تمزيق انسان آخر يحبه بهذه القوة؟ امس قثالت لى
    امام صديق: إن اى رجل فى هذا العالم لن يدخل بيتى إلا هو. لأنه اخ ( و كانت تتحدث عن صديقى ) لماذا؟ ما هو الشئ الرهيب الذى يدفع امراة بان تقول هذا الكلام للرجل الذى تحبه امام صديقه؟
    لست ادرى يا فائزة. و لكننى ليل نهار، لحظة و راء الأخرى، افكر فى ذلك كله و اعيش و اتعذب فيه و من اجله.. احياناً انظر إلى عينيها و اقول لنفسى: ينبغى ان تكره هذه المراة التى يروق لها إذلالك على هذه الصورة، و لكننى لا استطيع. كنت فيما سبق استطيع ان اصل إلى قرار فى لحظة حين اقول هذا الكلام لنفسى.. أما الآن فأنتِ لت تدركين تعاستى! إن الدنيا عجيبة، و كذلك الأقدار. إن يداً وحشية قد خلطت الأشياء فى السماء خلطاً رهيباً فجعلت نهايات الأمور بدايتها و البدايات نهايات.. و لكن قولى لى: ماذا يستحق ان نخسره فى هذه الحياة العابرة؟ تدركين ما اعنى. إننا فى نهاية المطاف سنموت.
    و أنا لم اكتب لك ذلك كله لأطلب نصيحة، استطيع الآن ان القى محاضرة حول هذا الموضوع.. و لست ادعى اننى اعرف كيف ستنتهى الامور، و لكننى ذات يوم ساكون قادراً على ان اقول لنفسى و أنا اودعها اما بيتها دون ان تتيح لى لحظة الاقتراب منها "لقد ماتت". و عندها سابكى و قد ارتكب حماقة و قد انكسر لشهر او شهرين، و سيضل قلبى يقرع كلما اقرا عنها او اراها او اسمع اخبارها مثلما يقرع قلب المرء حين يصادف شبحا، و اقول لك ما
    هو ابشع: قد انزلق و اتحطم و لكننى ابداً ابداً لن اقبل ان اكون صديقاً لها، ارى بعينىّ المكسورتين رجلاً يثبت انها يحبها و تحبه. فلن اتحمل هذا الهراء. اننى .. كما قلت لك مرة _ افضل الموت عن الاسر. ان احداً لا يستطيع ان يحبها كما فعلت،و على الاقل من اجل الحقيقة فسأرفض دائماً ان اقبل الزيف.
    … الايام تدور ايتها العزيزة، تدور و تدور مثلما تدور راسى الان، و تحت غبارها التافه يامل الانسا ن ان ينسى. اتذكرين يوم روى لنا والدى المسكين كيف حشا جرح صديقه بغبار العنكبوت جمعه من ثقوب سور عكا؟ قال لنا يومها ان الغبار اوقف النزيف.. يا الله كم كان يقرأ الغيب!
    ربما تسمعين ذات يوم اننى كففت عن حبها، اقول لك الآن: لا تصدقى. اننى احبها بطريقة لا يمكن ان تذوى، كتبت لها ما لم اكتبه فى حياتى و معها و من اجلها تحدّيت العالم و الناس و نفسى و تفوقت عليهم جميعاً. إن حباً من هذا المستوى لا تقبله المراة و لكنه و مع الاسف يستطيع رجل ما ان يحمله و هو يعرف هذه الحقيقة. لا فرار و لا ملجأ هذه المرة فامنأمل بمفعول الغبار.
    انت تسالين: ما الذى تريده إذن؟ و أنا لا اعرفق. اعرف فقط اننى اريدها. أنا لا استطيع ان افهم كيف ترفض المرأة رجلاً تحبه. إن علاقتهما، إلى ابعد مدى، تضحى حاجة، و إذا كنت أنا قادراً على اتخاذ قرار رهيب من النوع الذى اتخذته منذ شهرين فكيف تريدين أن أفسر الأمور؟ صحيح أن الجنس ليس اولاً و لكنه موجود.. أوه يا عزيزتى! ليس من السهل بالنسبة لى أن أبنى معها علاقة جنسية حتى لو اتيحت لى الفرصة لذلك، اذكر……………….إذن ماذا اريد؟ لا اعرف ايتها العزيزة لا اعرف.. إن الحياة معقدة اكثر مما ينبغى لأناس سيعيشون أربعين سنة على الأكثر،و الذى اشعره الآن اننا نضيع حياتنا هباء… إن رجولتى لم تذل فى حياتها مثلما تذل فى كل ليلة أقول لها فيها: نوماً
    هانئاً… ثم ادير ظهرى و امضى و كاننى قطعة خشب لا يسكنها عصب، و
    ينزف جرح تلك الرجولة المهدورة حين اسمع وراء ظهرى اصطفاق الباب: إن الأمر لا يعنيها.
    ماذا افعل؟ حولى ان تقولى لى رغم اننى لن اطيع، و لكن عسى ذلك يساعد فى لوصول إلى شيء.. اننا تافهونحين يضحى الامر متعلقا بنا. احياناً افكر فى الالتحاق بالفدائيين عسى أن أموت شريفاً على الاقل، احيانا افكر بالسفر الى مكان مجهول: ابدل اسمى و اعمل و اعيش الى ان اموت بهدوء مجهول.. احيانا افكر فى اقتحام بيتها و البقاء فيه.. و لكن ذلك كله _ أسألك _ ماذا يجدى؟ اتحسبين اننى افتش عن فرار من نفسى؟ لا. اذا ماذا اريد؟ اننى اريدها. و لكن كيف؟ كيف؟ اين هى البلاطة السحرية فى هذا الكون التى نستطيع ان نضع أقدامنا فوقها معاً؟إن الشئ الوحيد الذى اردنه فى حياتى لا استطيع الحصول عليه. لقد تبين لى ان حياتى جميعها كانت سلسلة من الرفض و لذلك استطعت ان اعيش. لقد رفضت المدرسة، و رفضت العائلة. و رفضت الثورة، و رفضت الخضوع، و رفضت القبول بالاشياء، و لكننى ابداً لم ارد شيئا محددا، و حين اريدها تفر من اصابعى( و اصابع القدر و الاشياء و العالم، أنا افهم ذلك ) مثلما يفر الماء من الغربال!إننى افكر بالنسبة لها كما يلى: معركتنا خاسرة، إذن فلنعمل على ربحها إلى ان تجئ اللحظة. الزمن ضدنا فلنستعمله طالما هو معنا. اللقاء مستحيل فلنتلاق حين يكون ذلك ممكناً. سنخسر كل شئ فلنربح الزمن كى لا نندم. البكاء قادم.
    أنا اعرف انها تحبنى. لا ليس كما احبها، و لكنها تحبنى انها تردد دائما انها ضدى اذا شيّأتها و لكنها لا تكف عن تشييئى دون وعى منها انها تهربمنى فى وقت لا اكف فيه عن الاندفاع نحوها. انها _ رغم ما تقوله _ تفضل التفاهة و المشاعر التى تمر على السطح، و أنا اعرف ان الحيان قد خدشتها بما فيه الكفاية لترفض مزيدا من الاخداش و لكن لماذا يتعين على أنا ان ادفع الثمن؟ انها امرأة جميلة _ و تستطيعين رؤية ذلك فى صورها _ و لكنها اجمل فى الواقع من صورها و قد يكون دورها فى اتعاسى و هزيمتى انها مشتهاة بطريقة لا يمكن صدها و هو امر لا حيلة لها به و لكننى ايضا لا حيلة لى به، و هى ذكية و حساسة و تفهمنى و هذا يشدنى اليها بقدر ما يبعدها عنى، فهى تعى اكثر منى ربما طبيعة الرمال المتحركة التى غرقنا فيها دون وعى منا. اقول لك باختصار انها جبانة، تريد ان تكون نصغ الاشياء، لا تريدنى و لا تريد غيابى، و فى اللحظة التى وصلت فيها أنا إلى انتساب كامل لها كنت ابحث عنه كل حياتى تقف هى فى منتصف الميدان.
    اننى ادفع معها ثمن تفاهة الاخرين.. امس صعقتنى، مثلاً حين قلت لها اننى ارغب فى رؤيتها فصاحت: اتحسبنى بنت شارع؟ كانت ترد على غيرى، و كنت اعرف ذلكو لكن ما هو ذنبى أنا؟
    اننى اتمزق مثلما لم يحدث لى فى حياتى ابداً، لا شئ كان قادرا على هزى بلا هوادة اكثر من هذه المراة اننى احبها و اشتهيها.. و فى سبيل ذلك ارتكبت حماقة اخرى لا يد لى بها: يا فائزة، ليس لدى أية علاقة جنسيةمع اى كان.. هل تفهمين؟ اننى رجل مأساتى هى فى ذلك التوافق غير البشرى بين جسدى و عقلى، هكذا قال الدكتور ولسون يوماً: و لذلك انت مريض بالسكّر يا صغيرى!
    و لكن حذار ان تحسبى ان هذا هى المشكلة. لا. اننى لست صغيراً الى هذا الحد و لم يعد الجنس بالنسبة لى نهاية الكون. ما هى مشكلتى اذن؟ لا اعرف و لكننى اريدها. هذا شئ مستحيل كما قد تقولين، و أنا اعرف هذه هى القصة.
    دعينا نحاول اكتشاف الامور ببساطة: لنقل انها امراة يلذ لها تعذيبى فلنسعد الآن، الفراق لا بد منه فلنتلاق بانتظار ان ياتى.
    او فلنبتر كل شئ الآن. هذه اللحظة، فى جرح نظيف و نبيل و نهائى.
    و لكن فى الوسط؟ فى الوسط يا فائزة التى تعرفين اننى لا استطيعه يا لتعاسة اخيك المغلوب على امره.. إن سيزيف نسى قضيته ضحية العادة.اما أنا فثمة صخرة واحدة احملها مرة واحدة و اعود بها مرة واحدة!
    كيف حال اسامة؟ علميه ان الزيف هو جواز المرور الاكثر حسماً، و أنا الدنيا هراء يكسب فيها من ينزلق على سطحها لا تروى له ابدا ابدا قصة خاله الذى اراد ذات يوم ان يصنع الحياة بمشرط جارح.. إن الحياة اقل تعقيدا و ينبغى ان تكون اكثر بساطة. إن الحياة مثل هضبة الجليد لا يستطيع ان يسير عليها من اراد ان يغرس نفسه فيها. الانزلاق هو الحل و هو الاحتيال الامثل.. علميه ان لا يتتظر ثلاثين سنة ليرتكب اخطاء خاله التعيس، و ان لا يتوقع شيئاً.
    لا تكتبى لى جواباً. لا تكترثى لا تقولى لى شيئاً. اننى اعود اليك كثلما يعود اليتيم الى ملجأه الوحيد، و سأظل أعود: اعطيك راسى المبتل لتجففيه بعد ان اختار الشقى ان يسير تحت المزاريب!.
    28/12/1966
    الشمس ستشرق بعد قليل، و لتوى تلقيت هاتفاً منها.. كنت انتظرها طوال الليل و كنت اعرف اننى لو اردت ان اجدها لوجدتها و لكننى كأنما دون إرادة منى كنت اريد اى ارى مدى اهتمامها هى. لا خبرّ، لا اشارة. لا شئ.
    قالت لى فى الصباح انها ستأوى إلى فراشها فى العاشرة و لذلك " أذهب لبيتك باكراً اليوم ".. و لكن حتى منتصف الليل لم(1) تكون هناك، و لا فى الواحدة، و لا فى الثانية، و لا فى الثالثة… ثم هتفت لها فأبلغتنى انها كانت تشرب نبيذاً، و انها كانت تسهر مع صديق… و سألتنى: لماذا تأخرت؟
    كانت تحسب اننى احدثها من البيت و لكننى لم اكن هناك. كنت على بعد صرخة واحدة منها. كنت سألت البيت عما اذا كان احد قد هتف فقيل لى ان جرس الهاتف دق مرة او مرتين دون جواب فهتفت لها. وهذا _ يا فائزة _ ما كانت تريد ان تقوله! هل تتصورين؟ كانت تجهد لتنال أذنى كى تصب فيهما اللعنة.. ترى ما الذى يذكّر هذه الانسانة بى إلا الذل؟
    ما الذى حدث هذه الليلة؟ اننى مجنون. هذا شئ حقيقى: حين كتبت لك الصفحات السابقة كنت، ايضا، على بعد خطوات منها، فى المقهى المجاور و سيارتى الى جانب سيارتها، و مثلما حدث و توقعت لم تكترث و ذهبت، و كنت اشرب كأساً مع كل صفحة حتى صار الليل و فتك الكحول بكتفى فلم يعد بوسعى ان احرك ذراعى و قدت السيارة فى المطر و الغبش و الذهول بهدوء لم يكن عندى فى حياتى، و قررت اى لا ارى احداً… لم افكر بالموت فكرت بالتعاسة فقط و عرفت اننى ساكون تعيساً الى امد طويل. اننى احبها و هذا شئ لا استطيع ان انكره و لا ان انساه و لا حتى ان اغفره لنفسى، و حين لمست اصابعى جسدها ذات ليلة راودنى شعور مخيف، اخافنى حقاً، بأننى لم المس امرأة من قبل.
    و هأنذا مكسور و مطعون و بعيد عن كل شئ غداً لن يكون يوماً آخر.. و أنا اعرف اننى احتاج ان اكون وحيداً تماماً ربما ثلاثة شهور، اظل اكتب فى هذه الاوراق لك، يوماً بع الآخر، لترى بعينية قصة رجل ينتهى، او يبدأ او ينزلق او يغترب او يموت بالصدفة بعد ذلك كله.
    و ما الذى بقى لأفعله ايتها العزيزة؟ ما الذى بقى؟ بعد قليل سأشرب قهوة أخرى، و احتاج لكأس حليب كى يظل صدرى قادراً على التنفس.. و سأمشى، و لكننى لن أرى أحداً… و سأضع نفسى فى مكان أبعد و أنآى من أن أسمع صوتها و اثر انخفاضا من ان يتيح لى رؤيتها او التحدث اليها.
    اجلس الآن فى الشمس و اكتب. مررت من امام بيتها عشر مرات و رايت سيارتها
    و وقفت على حاجز الروشة اتفرج على الناس و الاطفال و الموج و أنا اكاد اغفو على الحاجز. لأول مرة منذ سنوات نسيت الأبرة اللعينة و نسيت الطعام.. تراها سألت عنى؟ ذلك لن يكون إلا إذا كانت تريد أن ترانى معذباً، او تريد ان تنصحنى تلك النصيحة التافهة: إذهب إلى بيتك باكراً.. او لتقول لى: لماذا تغار؟ بعيدة عن الحقيقة بعيدة بعيدة..
    ستجد ألف عذر لترضى هذا الطفل القنوع الغبى، و كالعادة لن يكون بوسعى أن اقول لها: لا، و أ مس ليلاً ما الذى حدث؟ ماذا يمكن أن يكون قد حدث غير إنها كانت فخورة بانها قادرة على الخروج مع شاب آخر، او مع نفسها، و أنا انتظر؟
    و ما الذى اريده.. ما الذى اريده من كل شئ يا فائزة؟ ما الذى يريده هذا الطفل المدلل الضائع الغبى الذى تحول الى كرة متشابكة من الاعصاب و الجروح.
    غسان و القضية:*
    أدب غسان و إنتاجه الأدبى كان متفاعلا دائما مع حياته و حياة الناس و فى كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به.
    " عائد إلى حيفا " وصف فيها رحلة مواطنى حيفا فى انتقالهم إلى عكا و سكناهم فى الغازية " موت سرير رقم 12 " استوحاها من مكوثه بالمستشفى بسبب المرض . " رجال فى الشمس " من حياته حياة الفلسطينيين بالكويت و اثر عودته إلى دمشق فى سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة و وصفها تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما فى هدفها فقد كانت ترمز و تصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة و تحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
    فى قصته " ما تبقى لكم " التى تعتبر مكملة " لرجال فى الشمس " يكتشف البطل طريق القضية ، فى أرض فلسطين و كان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائى.
    قصص " أم سعد " و قصصه الأخرى كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. فى فترة من الفترات كان يعد قصة و دراسة عن ثورة 36 فى فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيمات و يستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة و التى سبقتها و التى تلتها و قد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر ( نشرت فى مجلة شؤون فلسطينية ) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها فى كتابه
    " عن الرجال و البنادق". كانت لغسان عين الفنان النفاذة و حسه الشفاف المرهف فقد كانت فى ذهنه فى الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاهل من مشاهدته لأحد العمال و هو يكسر الصخر فى كاراج البناية التى يسكنها و كان ينوى تسميتها " الرجل و الصخر ".
    غسان الرائد:*
    تجب وضع دراسة مفصلة عن حياة غسان الأدبية و السياسية و الصحفية و لكننا فى هذه العجالة نكتفى بإيراد أمثلة عن ريادته بذكر بعض المواقف فى حياته و عنها الذاكرة :
    كان غسان أول من كتب عن حياة أبناء الخليج المتخلفة و وصف حياتهم وصفا دقيقاً مذهلاً و ذلك فى قصته " موت سرير رقم 12 " و لا أستطيع أن اؤكد اذا كان سواه قد كتب عن ذلك من بعده.
    فى أوائل ثورة 58 بالعراق أيام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان العراق و رأى بحسه الصادق انحراف النظام فعاد و كتب عن ذلك بتوقيع " أبو العز " مهاجما العرق فقامت قيامه الأنظمة المتحررة ضده الى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلين سبقه فى كتاب خاص بذلك.
    بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة " المحرر " اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة و كانت على ما اذكر الصفحة الخامسة و كان يحررها هو و آخرون . و منذ سنة تقريبا استحدثت احدى كبريات الصحف اليومية فى بيروت
    صفحة مماثلة و كتب من كتب و أحدهم استاذ صحافة فى الجامعة الأمريكية كتبوا فى تقريظ لصفحة و ساءنى أن يجهل حتى المختصون بالصحافة ان غسان قام بهذه التجربة منذ سنوات.
    لا أحد يجهل أن غسان كنفانى هو أول من كتب عن شعراء المقاومة و نشر لهم و تحدث عن أشعارهم و عن أزجالهم الشعبية فى الفترات الأولى لتعريف العالم العربى عن شعر المقاومة، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان و أصبحت محاضته عنهم و من ثم كتابه عن " شعراء الأرض المحتلة " مرجعا مقررا فى عدد من الجامعات و كذلك مرجعا للدارسين.
    الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيونى كانت لغسان و نشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان " فى الأدب الصهيونى ". أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللاسلم و اللاحرب و لو عدنا قليلا إلى الأشهر التى تلت حرب حزيران 67 و تابعنا تعليقات غسان السياسية فى تلك الفترة لوجدناه يتحدث عن حالة اللاسلم و اللاحرب اى قبل سنوات من الاكتشاف الأخير الذى تحدثت عنه الصحافة العربية و الاجنبية.
    اننا نحتاج الى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات و المواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفانى. هل نتحدث عن صداقاته و نقول أنه لم يكون له عدو شخصى و لا فى أى وقت و اى ظرف أم نتحدث عن تواضعه و هو الرائد الذى لم يكون يهمه سوى الأخلاص لعمله و قضيته أم نتحدث عن تضحيته وعفة يده و هو الذى عرضت عليه الالوف و الملايين و رفضها بينما كان يستدين العشرة ليرات من زوملائه. ماذا نقول و قد خسرناه و نحن فى أشد ما نكون فى حاجة اليه، الى ايمانه و اخلاصه و استمراره على مدى سنوات فى الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف يأساً و قنوطا و قصر نفس.
    كان غسان شعباً فى رجل، كان قضية، كان وطناً، و لا يمكن أن نستعيدخ الا إذا استعدنا الوطن.
    غسان ينال الشهادة:*
    ( صباح الاغتيال. يوم السبت 8 تموز 1972 جلسنا أطول من النتعاد نحتسى فنجان قهوة على شرفة بيتنا فى الحازمية. تحدث غسان كعادته فى أمر كثيرة، و استمنعا كعادتنا باهتمام لحديث ذكريات عن طفولته فى فلسطين مع أخته فايزة، و قبل أن يغادرنا فى الساعة الحادية عسرة إلى مكتبه أصلح القطار الكهربائى اللعبة المفضلة لابننا فايز، و كان على لميس ابنة أخنه أن ترافقه لزيارة أقارب لنا فى وسط بيروت. بعد دقيقتين دوى صوت انفجار هائل، تحطم على أثره زجاج النوافذ و اهتز البيت بعنف. صرخت دون وعى: غسان… و نزلت بسرعة لأجد سيارتنا الصغيرة أشلاء ممزقة. كانت لميس ملقاة على بعد أمتار من السيارة جثة هامدة، و رأيت وسط الركام ساق غسان اليمنى مبتورة و ملقاة على الأرض صرخت
    بفزع: غسان… غسان… علمت فيما بعد انهم وجدوا أشلاءه فى الوادى و على أغصان الأشجار، نقلوها بعيداً عنى. أيقنت أننى فقدت غسان للأبد ).
    بهذه الكلمات البسيطة و الحزينة أرخت آنى كنفانى (المرأة العظيمة بكل المقاييس )
    زوجة الشهيد غسان الستار على رحلة زواجها القصيرة، و رفقتها لرحلة مرض طويلة، فى بحر عمر لم يتجاوز الستة و الثلاثين سنة لرجل ترك أضعاف ما تستوعبة تلك السنين القليلة مشاعل مضيئة مازالت تغوص فى معانيها أقلام و عقول أكثر من أن تحصى، عملت بمباضعها الخبيرة كل صنوف التشريح و كتبت آلاف الصفحات دراسة و مفسرة لزخم انتاج هذا الرجل.
    استطاع غسان بنصفه الحى الذى طالما كتب عنه أنه يحلق و يبدع فى ميادين شاسعة واسعة فبالإضافة إلى التزامة الحميم بالعلاقات الأسرية الإسانية المادية منها و المعنوية كعامل ربط مستمر لواقع أسرة ( مثل أكثر الأسر الفلسطينية ) فرضت عليها ظروف الحياة و التشرد أن تنتشر فى أصقاع الأرض تنحت الصخر و تخرج منه نبل البقاء و هذا بالتحديد مثل إزميل نحت فى شخصية غسان شعوراً عميقاً
    بالانتماء المطلق الذى ينسحب أيضاً على ما يدور فى دائرته من انتماء متكامل إلى مجتمعه و شعبه و بالتالى وطنه.
    صحيفة يابانية تقدم كنفانى للجمهور:*
    بدأت صحيفة يابانية فى تقديم كنفانى للجمهور اليابانى عبر دراسة شاملة، تتناول جوانب إبداع الروائى الشهيد. أعماله الأدبية من روايات و قصص، و نتاجه الصحفى من مقالات نقدية جادة و ساخرة.
    " الكثير من أعماله الروائية و القصصية فى صورة خاصة ترجمت إلى لغات اخرى منها الإنجليزية و الفرنسية و الروسية ".
    لم يحصل أديب فلسطينى على ما حصل عليه الشهيد غسان كنفانى من اهتمام. و لم يقتصر هذا الإهتمام على الوطن العربى، ترجمت أعماله للعديد من اللغات الأجنبية، حتى اللغة العبرة ترجمت إليها روايته الشهيرة " عائد إلى حيفا ".
    الجديد فى الأمر فى هذا المجال أن كنفانى سوف يقدم للجمهور اليابانى. و سوف تقوم بتقديمه إلى هذا الجمهور جريدة " أساهى شيمبون " اليابانية، التى تصدر عن مؤسسة إعلامية من طوكيو، كما أنها معروفة بأنها أكثر الصحف اليابانية توزيعا.
    و قد بدأت الصحيفة اليابانية أخيرا فى تقديم كنفانى للجمهور اليابانى عبر دراسة شاملة، تتناول جوانب إبداع الروائى الشهيد: أعماله من روايات و قصص قصيرة، و نتاجه الصحفى من مقالات نقدية جادة و ساخرة، و من دراسات فكرية و تحليلات سياسية ، و اعماله الفنية المختلفة من رسوم و منحوتات و " بوسترات "، و هى الفن الذى ازدهر فى نهاية الستينات مع بروز حركة المقاومة الفلسطينية، كما أنها سوف تغطى انشطته الخرى مثل عمله الطويل فى الصحافة، و نضاله السياسى و الوطنى و التنطيمى فمن المعروف أن كنفانى كان عضواً فى المكتب السياسى للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
    و لإنجاز هذا العمل قام مراسل الجريدة اليابانية فى الشرق الأوسط و إفريقيا، بالإطلاع على كتابات غسان كنفانى، و التقى مع أفراد أسرته و استمع إليهم، فى سوريا، و الدنمارك، و لبنان و منطقة الخليج العربى، و غزة، و مصر. كما التقى مع كثيرين من رفاق غسان العديدين و زار الأمكنة التى كان يتردد عليها غسان،
    أو تلك التى نشأ أو عمل فيها، و المدارس التى درس أو دّرس فيها، حتى أنه سافر على الطريق ذاته الذى سار عليه أبطال رواية غسان " رجال فى الشمس "، و التى تمتد من فلسطين إلى البصرة فى العراق و من هناك إلى الكويت عبر الصحراء الملتهبة. و تسلط الدراسة التى تنوى الصحيفة اليابانية بعد الانتهاء من نشرها على حلقات إصدارها فى كتاب يترجم إلى الإنجليزية و العربية، الضوء على غسان كنفانى و مسيرة حياته، التى تؤرخ لمرحلة مشرقة من مراحل نضال الشعب الفلسطينى و درو الشهيد المتميز فيها، فقد كان كنفانى أحد أبرز صناعها
    و خاصة على الصعيد الثقافى.
    ا
    المجزوآت ::
    خلف غسان ثلاثة مجزوآت هى بمثابة بدايات لروايات ربما كان سيتاح لها أن تصبح أعمالاً فنية جبارة. و لا بأس فى إلقاء نظرة عليها الواحدة إثر الآخرى.
    :: العاشق ::
    تقول لجنة التخليد فى مقدمتها للمجزوأت الثلاثة ( ص415 ): " قد تكون هذه القصة هى الملحمة التى كانت دوماً فى ضمير غسان لتأريخ الثورة الفلسطينية،
    منذ مطلع القرن و عبر السنين اللاحقة، و التى استمع من أجلها إلى عشرات القصص من أفواه أبطالها ". و الحقيقة أنه فى إمكان كل من يرجح هذا الرأى ان يرى البذور الملحمية فى شخصية بطل هذا المجزوء. فقاسم، أو العاشق " نوع من الرجال ينبت فجأة أمامك، فاذا بك غير قادر على نسيانه، و بدل من ان يتجه مثل كل الناس الى الأشياء تتجه اليه الأشياء من تلقائها" ص439. إنه، إذن ينبثق انبثاق اشبه بظهور أحد أبناء الالهة. و هو رجل يتمتع بصفات استثنائية جعلت الشيخ سلمان يشبهه بحصان فتى. و ما هو بعاشق الا بسبب من العلاقة الحميمة التى تقوم بينه و بين الفرس " سمرا ". انه مغرم بالخيل، يفهماها و تفهمه، يرتبط بها ارتباط الفارس بجواده.
    و الحقيقة ان خبب الخيل غالاً ما يسمع و هو يدق فوق صفحات هذا المجزوء.
    و مع ذلك كله ، فان هذا البطل _ شأنه شأن معظم أبطال غسان _ مصاب بعقدة الذنب، مع ان ذنبه ناجم عن جريمة قتل لا عن شعور بالتقصير، ،
    كما هو حال حامد و سعيد. ففى السجن، بعدما القت شرطة الاحتلال القبض عليه، نسمعه يحدث نفسه قائلا: " كانت الجريمة فى ذاتها عقاباً, كان الإختباء عقاباً، كان الانتقال من عبد الكريم إلى قاسم عقاباً، كانت صهوات الخيل فى تلك الليالى الجليدية التى لا تنتهى و لا تبدأ عقاباً، كان الرعب عقاباً"، (ص436) و هو يعتقد أن الهارب من العقاب ينال عقابه اثناء هروبه بطريقة من الطرق، أى بالهروب نفسه.
    انه الفلسطينى الذى عاقبته الحياة بالتشرد، عاقبته على انسحابه من ساحة المعركة. و نلاحظ كيف تسيطر مقولة العقاب على هذا المقبوس الصغير، بل على المجزوء كله. ان غسان تنهشه عقدة الذنب نهشاً. فكأنما " العاشق " لا تريد أن تقول سوى شئ واحد: ما من جريمة بلا عقاب.
    الا ان بطل غسان هذا كان، على ما يبدو، سينو و يتطور باتجاه بطل ملحمى وطنى، متنقلا من مجرم قاتل الى مناضل أصيل، لان قاسم اصبح الانجليز ( و خاصة الكابتن بلاك ) اعداءه الشخصيين.. فى ظننا ان تحوله الى مناضل حقيقى يرنكز على أساس نفسانى فحواه أن غسان يتجه من عقدة الذنب الى تجاوز العقدة. و هذه الحركة هى، فى راينا، البنية التى تتواتر فى كل روايتيه، " ما تبقى لكم " و " عائد الى حيفا ".
    إن حامد يتجازو عقدة الذنب بالتوجه نحو الأرض، بالإقدام على عبور الأرض التى يعبرها أحد منذ ستة عشر عاماً، و سعيد يتخطى عقدة الذنب بالسماح لابنه خالد بالالتحاق بالفدائيين. و هذا يعنى أن خالد ( المستقبل ) هو الذى سيسمح دوف ( الماضى )، أى هو الذى سيحل عقدة الذنب و ربما كان العاشق سيحل عقدة الذنب. و ربما كان العاشق سيحل عقدة ذنبه بيده، و ذلك من خلال انتقاله من مجرم الى بطل وطنى.
    بوسعى التوكيد على ما فحواه ان المحتوى النفسانى الأعمق لمعظم الأدب الفلسطينى الموضوع، بما فى ذلك الشعر، اعهو عقدة الذنب. و علة هذه الظاهرة ان تلك العقدة هى ما يملأ البنيان النفسانى للإنسان العربى الفلسطينى و لسوف يظل النقد الأدبى المتعامل عن نصوص فلسطينية الموضوع مقصرا عن اغراضه، و عاجراً عن فهم هذه النصوص، و بالتالى عن تقييمها جماليا مصيبا، ما لم يستطيع هذا النقد ان يكشف عن ابعاد هذه العقدة فى الأدب، و عن كيفية التى قامت هذه العقدة وفقاً لها بصياغة النبدعات الفنية.
    و فى ظنى أن من الممكن إتمام هذا المجزوء العظيم و الوصول إلى ملحمة عربية تراجيدية. و يمكن لمن ينوى البلوغ إلى هذه الملحمة أن يطور البطل فى السجن بحيث يجعله يفهم تمام ان المسؤول عن تحوله إلى مجرم يعيش عقدة الذنب بكل مشاعره هو الإستعمار الإنجليزى.
    و لكى يكفر عن آثانه تجاه الشعب، أو الأشخاص الذين قتلهم يأخذ على نفسه عهدا ان يكرس حياته ثائرا على الانجليز فيحدث ثغرة فى جدار السجن و يخرج لينضم الى الثورة المتاججة خلال النصف الثانى من الثلاثينيات.
    و حين تنتهى الثورة يهرب قاسم الى بلد عربى ما ليظل مختفيا حتى عام النكبة حيث يظهر من جديد ليقاتل و يستشهد. و ياتى استشهاده و استشهاد قسم كبير من رفاقه و الهزيمة العسكرية التى تمنى بها الجماعة التى يقودها، كل هذا ياتى كنهاية تراجيدية فاجعة تمثل نضال و كارثة فلسطين.
    و الحقيقة ان هذه الرواية لو اتيح لها ان تكتمل لكانت مفخرة الرواية العربية و المأثرة الاسايسة لغسان كنفانى و ذلك بسبب من احتدام الصراعين الداخلى و الخارجى فيها و بسبب من قدرة الكاتب الفائقة على رسم الابعاد النفسية للبطل، و على تقديمه من حيث هو كائن حى نابض بدفق الحضور. ففى ظنى ان العاشق،
    أو قاسم _ لو اتيح لروايته الاكتمال _ سيكون واحد من الاسماء الكبيرة فى عالم الرواية و قد يذكر باسماء من امثال راسكولنكوف، بطل " الجريمة و العقاب " الذى يحمل العاشق بعض حالاته النفسية اعنى عقدة الذنب و توم جود بطل عناقيد الغضب او ربما سيذكر بابطال " الحرب و السلام " و " لمن يقرع الجرس؟ " و الحق ان هذه الشخصية لم يخلقها غسان من محض خياله بل هى قائمه فى لاشعوره تاسست هناك من خلال معايشته للواقع و اصغائه الذكى للاخبار و دليلنا على ذلك اننا حين نقرأ الرواية المجزوءة نشعر ان هذه الشخصية تتكشف لنا .
    _ و بالتالى لغسان _ تكشفاً تدريجيا مما يعنى ان الكاتب كان لا يدركها الا اثناء صوغه لها .
    :: الأعمى و الأطرش ::
    احسبنى لا اجافى الحقيقة اذا ما ذهبت الى ان هذا المجزوء اشبه بكابوس لا يمكن لكاتب لا يستمر فى كتابته دون تغيير جذرى يطرأ على الإسلوب و النهاجية و الشكل معا. و الحقيقة ان غسان نفسه قد اضطر الى اجراء هذا التغيير فى الفصول الاخيرة منه. منذ الفصلين الاول و الثانى نشعر ان البطكلين ليسا مجرد كائنين بشريين بل هما اشبه بتجسيد الرغبة فى مطاردة ما لا يمكن الوصول اليه. هذا فضلا عن انهما يعكسان حسن التمزق بكامل ضغوطه و اثقاله،
    و اخص منهما الاطرش الذى تتواتر على لسانه دوماً عبارة " عيشة النكد " التى لا يدرى كيف تسلقت الى شفتيه و هو محق فى ذلك بكل تاكيد. انه يعيش كابوسا طويلا يتجسد فى انه " امام صف لا نهاية له من البشر "، صف لا ينتهى ابداً.
    " لقد فقدت القدرة على التاكد من ان ما اراه ليس الا تكرار شهريا لمشهد واحد عمره عشرون سنة. " ( ص481 ).
    الاهم من كل هذا ان غسان يملك فى هذه الرواية لغة لم يسبق له على الاطلاق ان قدم مثلها، بل و يندر ان نقع على قرينة لها فى الرواية العربية. انها اقرب الى لغة الشعر التصويرية، او لغة الاستبار الباطنى القادرة على اخراج الحياة الداخلية و تجسيمها فى صور فنية. و نستطيع ان نأخذ فكرة عن صياغات الجمل و تكوين الفقرات فى هذه الرواية اذا ما تاملنا المقبوسات التالية المقتطفة عشوائيا من بين ثناياها.
    هكذا يفتتح الفصل الثالث:
    " اننى امد لك يدى. أيها الشيخ التقى الميت، من قاع هذا الصمت
    و ( قاع تلك العتمة ) التى لا يسبر غورها، يا حبيب الله، المعاد الى الأرض ثمرة متفجرة على الخشب. اخاطبك من وراء ظهر الحواس التى يخاطب بها الإنسان قدرهُ المكتوب له " ( ص485 ).
    هذه لغة متضرمة تحاول ان تبسط شعورا مبهما حتى على البطل المتكلم، و ربما على غسان نفسه. فما هو " قاع هذا الصمت " و " قاع تلك العتمة " ؟ و كيف اعيد حبيب الله " الى الارض ثمرة متفجرة على الخشب " ؟ و كيف المخاطبة
    " من وراء ظهر الحواس " ؟ ان هذا اشبع بالشعر الرمزى منه بلغة الرواية. اتحاول ان تسبر حس التمزق و القلق، هذا الحس العميق.
    السحيق و ان تنشرهعلى سطح الشعور؟ و هل كان صدفة ان اختار غسان بطلا اصماً ليعبر عن الشعور بالصمت ؟ و هل المسالة مسالة صمت فيزيولوجى ؟ و اذا كان الامر كذلك فما معنى ان يلعب غسان لعبة لفظية فى الصفحة نفسها ليقدم لفظة " الصمت " بحيث تتلوها لفظة تدل على الظلام موضوعة بين قوسين؟ لا شك فى انه يدمج الاصم بالاعمى فى هذه العملية. لقد ادرك غسان فى مرحلة نضجة هذه ان الميدان الذى يعمل فيه الروائى هو الحياة الداخلية للأبطال و هكذا ان الصمت و الظلمة ليسا مؤشرين الى العمى و الصمم اللذين يلحقان بالحواس بل هما صمم و عمى ( او لنقل: عماء ) نفسانيين اعنى انهما تمزق و قلق و شعور بالتقصير يخلق التمزق و القلق فنحن ازاء لغة ملقحة بما ياتى و يتوافد من خلد ليس ثمة ما هو اقصى منه انها لغة " النفس الشعاع "
    ( اى : المفتتة )، كما قال شعراؤنا القدامى.
    و هكذا يفتتح الفصل الخامس (ص503 ):" الحياة و ايقاعها الرتيب الذى له ىصوت التقوض خطوات العبث تضرب فى تيه مجنون الى ابدى و ابدك و آباد الآخرين الصمت الذى له مذاق البئر المهجورة العقم الذى له صوت النواح هذه الجسور التى لم تواجد قط لم تبن قط بينى و بين العالم اننى انمو على الحائط الخارجى لهذا الكون انمو مثل الطحلب مقرف يشمئز من نفسه و يبحث دائما عن الزاوية و الظل. الصمت و العتم الصخب و الضوء اى بديل لاى شئ؟ الحشارة عدوى و كذلك الفجيعة و حين افتقد الضوء يضحى الصوت عبثا. حين اغطس فى الصمت الابدى تصبح العينان هما و نحن انما نتمدد تحت مطرقة العالم بايقاعها الذى له صوت التقوض الا يمكن ان يكون التاريخ كله حلم طفل احمق يعبث بالعاب اكثر تعدد من ان يستطيع طاقته استيعابها ؟".
    هذه، بكل توكيد صورة شعرية منثورة اذ هى مصوغة بلغة مجازية و جدانية البعد اكثر مما هى مصوغة باللغة الوصفية او التقريرية للرواية و هى تعتمد فى احداث تاثيراتها اعتمادا كبيرا على الاستعارة و الترابط الايمانى و لذا لا يمكن الاستمرار فيها طويلا دون ان تفقد الرواية صفتها الروائية فبينما تصلح هذه اللغة الايحائية لرسم الذات و الانفعالات الداخلية و التصورات اللاحسية فانها لا تصلح ابدا للسرد و الحوار.
    فى مطلع الفصل التاسع يصف الاطرش حلما " تتحرك فيه الجموع و تحطم باب المخزن و فجأة تمتلئ اذناى باصوات ضجيج لا قبل لى باحتمالها " ( ص525 )
    انه الكابوس الذى لا يطاق و الحقيقة ان غسان فى هذا المجزوء الكثيف المادة يصدق عليه هو نفسه قول الاطرش: " اننى رجل آخذ منذ ايام افقد صلتى بالواقع الذى عشته حتى الامتلاء كل عمرى و اننى اغوص فى عالم الاحلام و الاوهام و الرؤى العجيبة " ( ص542 ) فمثل هذه اللغة النابشة للداخل تكاد تشير الى ان غسان نفسه يريد ان ينقطع عن الخارج ليبنى عالم الداخل انه يغوص زراء ظواهر الاشياء ليكتنه اغوارها و لكن مثل هذا الغوص مثل هذه الحالة الباطنية النابشة للمخبوآت ،
    لا يمكن ان يعيشها الا انسان مسكون بعوالم مهجورة آخذة فى الاستيقاظ و بعوالم كابوسية آخذة بالتشكل فالفصول العشرة الاولى من " الاعمى و الاطرش " ان هى الا قصيدة و ليست رواية او قل هى لوحات زيتية لبنايات باطنية فاسلوبها يشعرنا انها ترواوح فى مكانها و لا تتقدم الى الامام. و الشرود الذهنى هو واحد من سمات لغتها و اخيلتها تماما كابطالها الذين يعيشون " وسط تلك الغابة الكثيفة من علامات الاستفهام "، و يرزحون تحت حلم " يكاد يكون كابوسا يصاب به حارس ليلى جديد لمتحف قديم " ( ص543 ).
    و للتدليل على المراوحة فى المكان و التثبت حول حالة بعينها, حالة الكابوس يكفى ان نمعن النظر فى مطلع الفصل الثانى عشر لنرى ان الكاتب
    _ على الرغم من مرور بضع عشرات من الصفحات _ مازال يركز ذهنه حول مسالة العمى و الحلك ة الظلام و الصمت الذى سبق له ان طرحها الف مرة فى الصفحات السابقة و لم يكن ليغيب عن بال غسان ان الرواية تراوح فى مكانها و ان اللغة التى استخدمها انما كان يتعمدها عن سابق اصرار فالابطال يبينون لك عجزهم عن اتيان اى فعل و مثل هذا العجز لا بد و ان يرافقه ركود فى حركة القصة و لا بد ان يحتاج الى اسلوب ركودى او عمودى يعبر عنه
    و منذ الفصل الثالث عشر حين يدخل والد الغلام حمدان الى قطاع الرواية كبطل نراو عيانا بعد ما كنا نسمع عنه فى الفصول السابقة و لا نراه ( و هو الفدائى الغائب الذى حضر بعد ما كان سجينا ) منذ ذلك الفصل تندفع الرواية الى الامام تماما كما لو كانت مطوقة برقية انفكت عنها الان ان الشروط الواقعية قد جاءت بولى واقعى بدلا من الولى عبد العاطى الميت الذى لا يمكن ان يكون ذا نفع و لا يمكن ان يمثل فى الرواية الا مكافئا خارجياً لحالة العطالة التى يتصف بها الابطال.
    و هنا نملك تفسير الفاظ " الصمت و الظلام " التى كثر تواترها فى الفصول السابقة انها الشعور الفلسطينى بالتقصير اتجاه الوطن هذا الشعور الذى يركب فى وجدان ابطال غسان مجموعة من العقد اهمها عقدة الذنب و عقدة الدونية الواضحتان فى البطل الاعمى و زميله الاطرش. غير ان كل ما فى المجزوء الذى بين ايدينا يشير الى ان القصور المحيق بارواح الابكال مبعثه شروطهم الخارجية اى ان العيب يقع فى خارجهم و ليس فى داخلهم ان والد حمدان الذى تعلم كثيرا من تجربة السجن، اصبح قادرا على التمييز بين نوعين من اطلاق الرصاص نوع يسميه " الطق طق " و هو ما لا يمكن ان يكون ذا جدوى و نوع يدعوه " السياسة " و هنا اذ تاخذ الرواية بالخبب كجواد جموح نراها تتقطع و تتوقف الى اين كان غسان سيصل لو اتيح له اكمالها هذا ما لا استطيع توقعه و لكننى متاكد من انه كان سيعرض حالات من النضال الشاق و المرير كتغطيه للشعور بالعجز و التقصير.
    هكذا نلاحظ ان خط سير هذه الرواية _ كمعظم روايات غسان _ ينتقل من العقدة الى حلها و الشكل فى كل مرحلة يوائم المعنى تماما فبينما كان يريد ان يصور الشلل و الشعور بالقصور كان يمركز الرواية حول شكل عاكس لها تماما و هو التمحور حول الاعمى و الاطرش المقعدين و الكتابة بلغة تصويرية مشحونة بالوجداني العميق و حين انتقل الى الفعل التاريخى و حل عقدة الذنب فقد تمحور الشكل حول الفدائى الذى يلعب وجوده دور التخفيف عن الشعور المضغوط.
    بقيت مسالة العنوان ففى ظنى ان لجبة التخليد قد اطلقت على الرواية العنوان الذى لا يناسبها و فى ظنى ان الافضل هو ان تعنون بالظلام و النور او بانكسار الصمت او بالعتمة المحطمة لان مثل هذه العناوين تناسب حركة انتقال الرواية
    من العقدة النفسية الى حلها.
    برقوق نيسان:
    الحقيقة ان هذا العمل الذى يعتقد انه آخر ما كتبه غسان يمكن النظر اليه من حيثي هو قطعة مكتملة اعنى من حيث هو قصة قصيرة و ربما كان اهم ما يلاحظ فيه هو تلك الشروح الهامشية التى يقدمها الكاتب لتلعب دروين اساسيين فى القصة : الاول انها تضفى عليها شيئا من الواقعية و توهم بانه حدثت فعلا و ذلك بسبب ما تحتويه تلك التليقات من تفاصيل لها طبيعية الحقيقة و الثانى انعالا تضئ الحدث و توضحه اى تكمل ما هو ناقص من متن الرواية
    و لست اظن ان هذه القصة صالحة للاندماج فى اى من المجزوئين السابقين ابتغاء التكامل بهما و لكنها على ايه حال تؤكد حقيقة اساسية فحواها ان غسان كان يتطور باتجاه رواية ابطالها يناظلون و لا يعيشون عقدة الذنب الناجمة عن الشعور بالتقصير ان ابطال " برقوق نيسان " كلهم فى مأزق و لكنهم مع ذلك يتحلون بروح شجاعة الى ابعد الحدود و الاهم من ذلك كله انهم بغير عقدة اطلاقا و بذلك يختلفون عن بقية ابطاله و الفراق الاساسى بينهم و بين ابطال روايته الاولى " رجال فى الشمس " هو قدرتهم على الفهعل التاريخى فهم ينقذون زيادة من الوقوع فى المكين المنصوب على الرغم من انهم داخل الكمين البطل الكنفانى الان لم يعد نعجة فى مسلخ بالشرك الذى وقع فيه الابطال يذكر بالخزان الذى ولجه الرجال الثلاثة ليلقون مصرعهم و لكنه يختلف عن ذلك الخزان فى نقطة جوهرية مفادها ان البط اصبح قادرا على ان يقرع الجدران اى ان يناضل ضمن اطار اقصى الشروط التريخية و لولا هذه القدرة على التحرك الفعال و الايجابى لانتهت
    " برقوق نيسان " بكارثة اشبه بتلك الذى واجهها الرجال الثلاثة فى الخزان.
    خاتمة:
    نملك الان ان نؤكد حقيقة مفادها ان بنية واحدة تنظم معظم روايات غسان و محتوى هذه البنية ان الرواية تسير فى عقدة الذنب و الشعور بالقصور نحو حل العقدة بالنتضحية و المو اجهة تماما كما لو كان يمارس طقسا دينيا يقوم على افتداء الانسان بالاضحية و هو طقس ينطوى على التطهر بالدم الحيوانى بل و يمكننا ان نلاحظ ما فى حوله ان خط سير غسان كله كان ينطق من رواية مجمل مضمونها هو الادانة و التقصير و عقدة الذنب ( اذ روايته الاولى لا تحتوى الا على ذلك بالدرجة الاولى ) نحو رواية مجمل مضمونها هو التضحية كتطهر و تنظيف للنفس مما يضايفها. و فى هذا الاتجاه نلاحظ ان غسان لا يتعامل من الجزيئات اليومية الدقيقة و الصغير اى هو لا يصف تفاصيل الشروط المعيشة و الواقعية ليبين مدى مسؤولية هذه الشروط عن بؤس ابطاله بل نراه يتعامل مع الوضع القائم مرفوعا اغلى آفاق التجريد و مأخوذا كمجمل.
    و تؤكد المجزوآت الثلاثة الاخيرة ان غسان كان يتطور باتجاه تعميق الرواية الفلسطينية الموضوع و ذلك من خلال استحداث اشكال جديدة و كذالك من خلال تاسيس لغة روائية تتصف بقدرتها على حمل المعانى العميق و بتماسها بقطاع اللغة الشعرية يئكد بعض كبار النقاد ان كمن بين العوامل التى اسهمت فى تعظيم الروايات الكلاسيكية هو ان كل واحدة من تلك الروايات تعتمد فى بسطها لمضاميناها على اسلوبين فى آن معاً احدهما وصفى او تقريرى و ثانيهما شاعرى او خيالى و الحقيقة ان روايات غسان كانت ستتجه نحو هذا
    الموضوع لة انه لم تتخطفى ايدى المنون.
    و ربما كان المجزوء الذى يحمل عنوان " العاشق " هو العمل الذى كان سيقدر له ان يغدو اعظم رواية فلسطينية على الاطلاق و ما ذلك لانه كان سيتطور باتجاه ملحمة تراجيدية فحسب، بل لان غسان قد امتلك فيه القدرة على الصوغ العميق للشخصيات فهو يوفر للبطل من الفرص ما يجعل منه اسماً عظيمًا. و اهم ما نلاحظه هو ان الكاتب يقوم ببسط المضمون الذاتى للشخصية عبر الحدث اكثر مما يقوم ببسطه عبر الحوار او عبر تداخلات المؤلف : و هذه خطوة جبارة قام بها غسان لانها تاخذ بالحسبان ان الفعل هو إخراج الوعى من وجود صراع مع الذات و هو ضرورة مأساة لكل رواية عظيمة فان النوع الاول من الصراع اكثر هيمنة و فى ظنى ان هذا المبدأ اساسى فى الروايت القادرة على اجتذاب القارئ و قد استطاعت رواية " العاشق " ان تؤسس المبررات الموضوعية لكل حالة من حالات الذات و لكل صراع من الذات بل و يبدو ان هذه الحالات و الصراعت الداخلية ستلعب دورا هاما فى تطوير الشخصية.
    و فى قلب موضوعة كل رواية من روايات غسان يكمن العنصر الاجتماعى او التريخى. و هذا يعنى ان الكاتب يعمد دوما بصورة مباشرة او غير مباشرة الى تبيان السبب الذى من اجله تقدم الشخصيات على الفعل او تحجم عنه و الحقيقة ان تفاعلنا مع شخصياته يتوقف على القدر الذى تتفاعل به مع هذه البيئة و بذلك تواظب رواياته على سير الةاقع و ارتياد مجاهله و اكتشاف ما استتر منه او تعميق استيعاب ما هو مكتشف بحيث يغدو اشد نصوعا من ذى قبل فنحن نلاحظ ان " الاعمى و الاطرش " التى لا تكشف عن جديد فى الواقع الفلسطينى تستطيع ان ترسخ فينا وعى القهر و الشعور بالتمزق و ان تعمق و توسع مثل هذه الحال الداخلية.
    فالرواية الكنفاني تبرز الظاهرة المراد دراستها بحيث ياتى حضورها امتلاء كاملا يضغط على حواس القارئ ضغطا يشعره بوجود الظاهرة الحقيقة او الواقعية الكامنة وراء الحدث الروائى فالتعامل مع العلاقات و الحالات الاكثر سوادا فى الواقع الفلسطينى هو الذى يمكن روايات غسان من حيازة الضواغط التى تشد على شعور القارئ بحيث لا يمكنه الا ان يحس بالموضوع المدروس و كيما يتيح لنا غسان الفرصة للنظر فى نفسيه الشخصية و جس امراضها فقد هيأ لنا الفرصة عبر مرايا حوارية و حدثية و وصفية تطلع علينا الشخصيات من خلالها و هى تحمل بعض القسمات الواضحة و الكثير من البقسمات الالماعية المتروكة لتحللي القارئ و قد عرضت هذه المرايا على هيئة موافق ضمن سياق النص بحيث لم تخلو بالتساقة المتناغم و تساوقه شطر الغاية المصممة .
    ان بطلا معيننا يعد متكامل الاباعد و عميق الشخصية بمقدار ما يعكس الخصائص العامة لواقع معين كما ان رواية ما تعد ناجحة بمقارد ما تعكس تصورات الافراد لمجمل معاشهم و الحقيقة ان قدرة ابطال غسان على حمل السمات التفسية للواقع الفلسطينى او للانسان العربى الفلسطينى المهزوم و من ثم الناهض و كذلك قدرة رواياته على استيعالب جملة الخصائص الموضوعية لهذا الواقع نفسه ان هاتين القدرتين هما العاملان الحامسان فى جعل رواياته اعمالا فنية جبارة .
    و فى ظنى ان غسان العظيم كان سيغفدو اسما عالميا لامعا اسما يتخطى جدار الوطن العربى ليغدو جزءا من ثقافة الانسانية لو لم تتلقفه ايدى الاغتيال و هو فى المرحلة الاولى من مراحل نضحه .
    الترجيديا و غسان:
    ان التجابه و الضرؤورة تماما على عكس الحرية التى هى الركوب على ظهر الضرورة او التصالح و اياها نحن اذا شعب تراجيدى باطلاق لاننا لا نقاوم شيئا سوى الضرورة لا نكافح ضد نزوة ضرورية حاتمة من نزوات التاريخ
    ( قيام اسرائيل ) نزوة اقدمت على ارتكتبها قواة نارية لا قبل لنا بها فى هذا الظرف المرير تقضى الضرورة ان تولد اسرايئل ان تفقس بيوض السعالى فوق ارضنا المغدورة نعم هذها قرار اتخذته الحتمية التاريخية القاهرة او الجبرية العالمية المبثوثة فى القلب المجرى الحى لمسار التاريخ و تقضى النزعة التراجيدية ان ينهض شعب صغير فقير ضد قوى لا اعتى منها و لا انذل نحن اذا شعب شهيد كله .
    و احسب ان غسان ما فاتته هذه المعانى قط بل ان كل حرف كتبه غسان ليشد على انه ما كان يكتب الا انبثاقا من هذه الرعشات و هو لا ريب يدرك ان جملة شرف الفلسطينيين انما تكمن فى انهم يتصدون و على نحوٍ مأسوى لقوى تتفوق عليهم بآلاف المرات لقد وقف هملت وحده فى وجه مملكة الدنمرك بكاملها فكان عليه ان يجابه قوى تفوقه باطلاق و ههنا بالضبط يكمن شرف هملت الشهم الوحيد فى مملكة النذالة.
    و يقينا لقد حاول غسان ان يصير فيلسوف الالم الفلسطينى و قديسه الاول و بكل توكيد كان غسان يتطور فى هذا الاتجاه ذلك ما يمكن لقراءة متأنية سابرة ان تستجليه من آخر عمل كتبه غسان و هو عمل لعنوانه وحى مأسوى و لو من بعيد. ان " برقوق نيسان " و هذا هو آخر نص أدبى كتبه غسان او هو من نصوصه المتاخرة ان هذا العنوان لا يمكن ان يوحى ببسمات الطبيعة و حسب فشقائق النعمان هى شقائق الاله البابلى الشهير ، تموز، الذى مزقته الخنازير ابرية كما مزقت غسان نفسه. هنّ دماؤه بقدر ما هن بسمات الربيع ان العونان نفسه يحتقب تضادا اصليا من شانه ان ينطوى على الجرثور التراتحيدى الدافع بالبطل ، فى الرواية او فى المسرحية الى مصيرة التراحيدى المريع ، ان للعبارة التراجيدية للجملة و شبه الجملة مسارا تراجيديا خاصا يتالف من تضاد يربض فى تركيبة العبارة بالذات .
    من اعسر الامور و اشقها ان يؤخذ التاريخى فى ذاته ليصير لا الحامل المطلق للتراجيدى كما هو الحال عند شكسبير و بعض التراجيديين اليونانيين بل ليكون التاريخى حصرا و عينا التراجيدى اياه و ليس " مشجبا يعلق عليه الموضوع "
    ولهذا السبب الفادح ولهذا العسر الاكثر، ولان غسان قد اغتيل قبيل اوج قوس العمر ( وغسان هو المزود بالحساسية التراجيدية اكثر من سواه من كتاب النثر الفلسطيني حتي الآن ) لم تستطع الكتابة الفلسطينية النثرية ان تبلغ الي طورها التراجيدي الناضج على الرغم من تراجيدية المناخ التاريخى الذى يتحرك فيه الكاتب الفلسطينى هذا فضلا عن جملة اسباب اخرى لعل اهمها ان الكتابة الفلسطينية تستهدف " التوعية المباشرة " كغاية نهائية لاغراضها النضالية. و هى بذلك تجهل ان خلق الشعور التراجيدى و تعميقه هما انبل توعية. و اجدى غاية يمكن لشعب منكوب ان يضعهما نصب عينية و فى تقديرى ان اية قراءة خبيرة لموروث غسان سوف تلخص الى ما فحواه ان ذلك الكاتب المخصوص بجملة من المواهب الفذة قد كان يكتب وفقاً لهذا المبدأ النبيل. و بينما يكتب الجميع انبثاقا من الوعى و بغرض الوعى و الذكاء و بهدف تزكية الذكاء فان النص التراجيدى لا يجئ الا من الراقة الطوطمية فى النفس البشرية و هو لا يساهدف الا التسامى بالروح بحيث تشجب و تستنكر كل نذالة فى هذا الكون و بحيث يبلغ الوجدان البشرى الى تاليه الرفعة و الكرامة البشريتين. و هذا يعنى ان النص التراجيدى فى المقام الاول تذكية للنفس و ليس تذكية للذكاء الذهنى الذى هو من اختصاص الفكر و يقيناً إن كثيراً من نصوص غسان و لا سيما " ما تبقى لكم " و " القبعة و النبى " و " الأعمى و الأطرش " انما كتبت من الروح الطوطمى و بغرض السمو بالروح الى برهة النظافة .
    غسان و الأدب الساخر:
    1_
    .. و كان غسان كنفانى يكتب ايضا الادب الساخر / الضاحك.
    فإلى مختلف الوان نشاطه و نتاجه الإبداعى المتعدد العجيب التدفق و الشديد التنواع، الغنى فى اشكاله و انواعه: من المقالة السياسية و التعليق الثقافى و النقد الادبى فى سياق عمله الصحفى اليومى المتعب ) .. الى القصة القصيرة المتدرجة بين الشكل الواقعى و الشكل الرمزى للواقعية .. الى الرواية و تحولات اشكالها البنائية الحديثة بين رواية و اخرى .. الى المسرحيات التى تترواوح فيها الشخوص بين الواقع و الرمز و المنذجة.. الى اللوحات الفنية و تصاميم الملصقات ..
    ( و قبل هذا و ذاك: نضاله السياسى الحزبى السرى و العلنى فى قلب الحركة الكفاحية للشعب الفلسطينى الى تحولاته الفكرية التى اوصلته الى التفكير الاشتراكى و الماركسية.. ).
    .. الى هذا كله و غيره من صبوات شخصية، رومنطيقية، و مناكفات و ألاعيب… بنى غسان كنفانى لنفسه واحة يفئ اليها.. يشعر فيها _ ربما _ بانه اكثر حرية و تفلتا و انفلاتا مما هو فى مجالاته الإبداعية المتعددة الأخرى…
    غسّان كنفاني.. شهيد شاهد
    في عام1956 سافر غسّان كنفاني إلى الكويت حيث عمل مدرساً للرياضة والرسم. وأثناء العمل انتسب إلى كلية الآداب في جامعة دمشق وأعد دراسة لنيل الشهادة الجامعية عن "العرق والدين في الأدب لصهيوني.."
    في 1960 غادر الكويت إلى بيروت ليعمل محرراً في جريدة "الحرية". كما عمل في جريدة "الأنوار" ومجلة "الحوادث" ورئيساً لتحرير "المحرر".
    في 1969 أسس جريدة "الهدف"، الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده.
    اغتالته المخابرات الصهيونية في 8 تموز (يوليو) 1972 بتفجير سيارته أمام منزله في الحازمية - بيروت، واستشهدت معه ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 عاما).
    نال في 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته "ما تبقى لكم".
    نال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في .1975
    منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.
    من أعماله:
    1 ـ الروايات:
    رجال في الشمس – بيروت، 1963.
    ما تبقى لكم - بيروت، 1966.
    أم سعد – بيروت، 1969.
    عائد إلى حيفا – بيروت, 1970.
    الشيء الآخر – صدرت بعد استشهاده في بيروت، 1980.
    العاشق.. الأعمى والأطرش.. برقوق نيسان.. (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة).
    2 ـ المجموعات القصصية:
    موت سرير رقم 12 - بيروت، 1961.
    أرض البرتقال الحزين - بيروت، 1963.
    عن الرجال والبنادق - بيروت، 1968.
    عالم ليس لنا - بيروت، 1970.
    3 ـ الدراسات:
    المقاومة في فلسطين المحتلة 1948- 1966- بيروت, 1966.
    الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال - بيروت، 1968.
    في الأدب الصهيوني- بيروت 1967.
    ثورة 36-39 في فلسطين، خلفيات وتفاصيل وتحليل.
    4 ـ المسرح:
    الباب.. القبّعة والنبيّ.. يات أخرى – بيروت، 1964.
    ظهرت أعماله الكاملة في أربعة مجلدات تشمل : الروايات، القصص القصيرة، المسرح، الدراسات.
    عن موقع افق العرب

  8. #8
    عرب48
    الشهيد كنفاني وزوجته
    اعترفت اسرائيل لأول مرة وبشكل رسمي ان عملاء جهاز الموساد هم الذين اغتالوا في العام 1973 الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني بزرع عبوة ناسفة في سيارته.
    وجاء هذا الاعتراف الاسرائيلي بقتل الكاتب الفلسطيني في سياق تقرير بقلم الصحفي ايتان هابِر نشرته صحيفة يديعوت احرونوت اليوم الاثنين حول "كشف جديد" لمعلومات تتعلق بـ"حملة الثأر" التي نفذها عملاء الموساد في عدد من الدول ضد فلسطينيين في اعقاب مقتل الرياضيين الاسرائيليين خلال دورة الالعاب الاولمبية في العام 1972 في مدينة ميونيخ الالمانية.
    يشار الى ان هابِر، وهو المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء الاسبق يتسحاق رابين وكاتب خطاباته، كان قد ألّف سوية مع د. ميخائيل بار زوهار كتابا في الموضوع بعنوان "مطاردة الامير الاحمر" علي حسن سلامة.
    وجاء في التقرير المنشور في يديعوت احرونوت اليوم انه في اعقاب قيام مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين باختطاف 11 رياضيا اسرائيليا كانوا يشاركون في دورة العاب ميونيخ الاولمبية قامت الشرطة الالمانية بقتل قسم من الخاطفين وجميع الرياضيين الاسرائيليين.
    وكتب هابِر ان "الالمان، بتشجيع من حكومة اسرائيل، لم ينووا تحرير الخاطفين.
    "فقد انتظرهم شرطيون المان في المطار وفتحوا عليهم النيران ما ادى الى مقتل الرياضيين وخاطفين.
    واضاف انه "بعد سنتين من العملية (اي في العام 1974) سيتضح ان جميع القتلى قضوا بنيران القناصة الالمان رغم ان الاعتقاد السائد كان ان الرياضيين قتلوا على ايدي الخاطفين".
    وتابع هابِر انه على الرغم من ذلك فقد اصدرت رئيسة الوزراء الاسرائيلية في حينه غولدا مئير أمرا بالانتقام وتم تشكيل لجنة وزارية لتصدر "أحكاما بالإعدام".
    وتشكلت اللجنة الوزارية الإسرائيلية من مئير ووزير الدفاع موشيه ديان ووزير الخارجية يغئال الون والوزير بدون حقيبة يسرائيل غليلي ورئيس الموساد تسفيكا زامير ومستشاري رئيسة الوزراء للشؤون الاستخباراتية اهارون يريف ورحبعام زئيفي الذي اصبح في حكومة ارييل شارون الاولى في العام 2001 وزيرا وقتل على ايدي فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فندق هيات في القدس.
    وبحسب هابِر فانه عندما تقرر تنفيذ "احكام الاعدام" بحق فلسطينيين في عواصم اوروبية تبين ان قاعدة الموساد في اوروبا لم تكن بالحجم الكافي وان اذرع جهاز المخابرات الاسرائيلي كانت "ضعيفة" ولم تكن قادرة على اختراق الجاليات العربية في اوروبا.
    وعلى اثر ذلك قام الموساد المسؤول عن عمليات اسرائيل في الخارج بتجنيد دعم من كافة الاذرع الامنية الاسرائيلية بينها الشاباك والوحدة العسكرية النخبوية المعروفة بالوحدة رقم 504 كما تم تجنيد ابرز رجال المخابرات المعروفين بقدراتهم على جمع المعلومات مثل شموئيل غورين وباروخ كوهين وتسادوق اوفير ورافي سيتون واليعزر تسَفرير ومايك هراري وناحوم ادموني الذي كان مسؤولا عن العلاقات مع اجهزة الاستخبارات الاجنبية.
    يشار الى ان قناصة الشرطة الالمانية قتلوا اضافة الى الرياضيين الاسرائيليين خمسة من الخاطفين من اصل ثمانية فيما تم اعتقال الثلاثة الاخرين.
    وبعد اشهر قليلة تم الافراج عن الخاطفين الثلاثة على اثر اختطاف طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا الألمانية في شهر تشرين الثاني/اكتوبر من العام ذاته ولم تتمكن الاستخبارات الاسرائيلية بعدها من اقتفاء اثرهم.
    ولفت الكاتب الى انه على الرغم من مرور سنوات طويلة منذ حملة "الانتقام" الاسرائيلية التي اعقبت احداث ميونيخ الا ان العديد من المعلومات ما زالت سرية.
    وقال ان احد الاشخاص الاوائل الذين نفذت اسرائيل بحقهم "حكم الاعدام" كان شخصا ينتمي الى منظمة "ايلول الاسود" لكن رغم مرور السنين فان اسمه وظروف مقتله وحتى كنيته ممنوعة من النشر حتى اليوم.
    وبحسب هابِر فان هذا الشخص كان ينوي ارسال حاوية محملة بطنين من المتفجرات ومغلفة بشحنة من الزبيب من العاصمة اليونانية اثينا الى ميناء حيفا في شمال اسرائيل وقد اطلق عليه اسم "رجل الزبيب".
    لكن هذه العملية لم تخرج الى حيز التنفيذ اذ وصلت معلومات حولها الى الموساد الاسرائيلي الذي ارسل عملاءه الى اثينا وقتلوا هناك "رجل الزبيب".
    وتابع هابر ان هناك عمليات تم التخطيط لها لكنها لم تخرج الى حيز التنفيذ.
    وبين هذه العمليات انه لدى البحث في اثينا عن "رجل الزبيب" تمكن عملاء الموساد من اكتشاف هوية مسؤول فرع حركة فتح في اثينا.
    وحاول الاسرائيليون قتل مسؤول فتح في العاصمة اليونانية من خلال زرع قنبلة ومايكروفون تحت منضدة في صالة بيته وعندما حضر مسؤول فتح الى البيت ونوى الاسرائيليون تفجير القنبلة سمع عملاء الموساد من خلال المايكروفون وجود شخص اخر في الغرفة معه وسرعان ما تبين وفقا للمصادر الاسرائيلية انها عشيقته وتراجع الاسرائيليون عن قتله.
    كذلك كشف تقرير يديعوت احرونوت اليوم عن أن عملاء الموساد قتلوا المسرحي الجزائري محمد بوضياء من خلال تفجير سيارته في العاصمة الفرنسية باريس في اطار حملة "الانتقام" الاسرائيلية.
    وتنسب المخابرات الاسرائيلية لبوضياء انه ارسل الى اسرائيل ثلاث نساء هن الفرنسية افلين بارج والشقيقتان نادية ومارلين برادلي ومسنين بهدف تنفيذ عمليات تفجيرية في اسرائيل لكن تم ضبطهم جميعا لدى وصولهم الى مطار اللد في وسط اسرائيل.
    وتابع هابِر انه في اطار "حملة تنفيذ احكام الاعدام" قتل عملاء الموساد شخصا في نيقوسيا بجزيرة قبرص ادعت اسرائيل انه كان ينتمي لمنظمة "ايلول الاسود".
    ولم يذكر الكاتب اسم هذا الشخص لكنه قال انه تم قتله من خلال زرع عبوة ناسفة صغيرة الحجم في السرير الذي ينام عليه.
    كذلك اختطف عملاء الموساد افراد خلية بينهم المانيان في العاصمة الكينية نيروبي بادعاء انهم كانوا ينوون اطلاق صاروخ ارض جو من طراو ستريلا نحو طائرة ركاب اسرائيلية وانهما تلقيا تدريبات في معسكر تابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
    ونقل الموساد افراد المجموعة الى اسرائيل حيث قضى الالمانيان في السجون خمس سنوات دون ان يعلم احد بقيام اسرائيل باعتقالهما والاخرين من اعضاء المجموعة التي لم يذكر التقرير هوية بقية اعضائها ومصيرهم.
    وتعترف اسرائيل من خلال تقرير هابِر بقيام عملائها بقتل علي حسن سلامة وبفشل محاولة اغتياله الاولى في بلدة ليلهامر في النرويج حيث تم قتل نادلا مغربيا يدعى احمد بوشيكي خطأ.
    وتابع التقرير الاسرائيلي ان سلامة قتل من خلال مروره بسيارته قرب سيارة مفخخة في بيروت.
    وقال هابِر انه كان هناك من قتل في "حملة تنفيذ احكام الاعدام" الاسرائيلية "على الرغم من عدم وجود علاقة لهم بالارهاب عامة وبعملية ميونيخ خاصة".
    واضاف "يعترفون اليوم في الموساد ان هناك من سقط ضحية في اعقاب القرار بخلق اجواء من الرعب والردع في صفوف الجالية الفلسطينية في اوروبا.
    "ابرز هؤلاء كان غسان كنفاني احد ابرز الادباء الفلسطينيين في الفترة التي اعقبت العام 1948...
    "وقد قضى نحبه في العام 1973 في سيارته بعدما زرع مجهولون عبوة ناسفة فيها".
    كما تعترف اسرائيل بقتل الدكتور احمد الهمشري ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا من خلال زرع عبوة ناسفة في منزله في العاصمة الفرنسية.
    وكان استاذ الحقوق الفلسطيني البروفيسور باسل الكبيسي احد ضحايا "حملة احكام الاعدام" التي نفذها الموساد عندما اطلق عملاؤه النار عليه في اذار/مارس 1973 في باريس واردوه قتيلا.
    واسفرت "حملة تنفيذ احكام الاعدام" الاسرائيلية عن مقتل عميل الموساد باروخ كوهين على ايدي فلسطيني في مدريد.
    وافاد الكاتب ان عميل الموساد الذي استبدل كوهين كان غدعون عيزرا وزير الامن الداخلي الاسرائيلي الحالي.
    والمح هابِر في تقريره الى ان توقيت النشر قد يكون البدء في كانون اول/ديسمبر القادم بعرض فيلم جديد للمخرج الامريكي ستيفن سبيلبرغ حول مطاردة اسرائيل لمنفذي عملية ميونيخ.
    وقال هابِر ان "اسرائيل تتحسب من ان يدحض الفيلم الادعاء القائل بان كل من تم قتله (من الفلسطينيين) في الاشهر التي اعقبت عملية ميونيخ كان ضالعا في تنفيذ العملية وان يثبت الفيلم الاتهام بانه في هذه الملاحقات لقي مصرعهم فلسطينيون قرأوا القصة (حول عملية ميونيخ) في الصحيفة وان يثبت الفيلم ايضا انه تم قتل عددا من القادة الفلسطينيين ليكونوا عبرة لغيرهم".
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الشهيد كنفاني وزوجته
    http://khaledn.blogspot.com/2006/07/blog-post.html
    فيديو

  9. #9
    غسان كنفاني في جوانب عدة
    نشر في السبت ١٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
    « شجرة الفلسطينيين لا تمل الحياة أبداً » « فواز عيد » ما هو السر في استمرار الجدل حول غسان كنفاني، أدبه، شخصيته، واستشهاده، ثمة كائن سحري يقبع خلف القسمات الممتلئة ذكاءً وغضباً وإبداعاً، والتي تحفر في وجه هذا الرجل أخاديد متضاربة، أخدوداً يرسم تضاريس فلسطين، آخر يحكي انكساراتها، وبطولاتها وسلامها وعنفها.
    السر في غسان كنفاني تماماً هو أنه فلسطيني عادي، لا يأبه لتغيرات السياسة، ولا يكترث لاندفاعات الهجوم مثلما لا يهزم لتراجع المرحلة، إنه يحمل كل تناقضاتنا، تشتتنا، ذكاءنا وغير ذلك، فالرجل لا يتحدث عن فلسطين وشعبها ونفسه، وإنما يتحدث وطنه وشعبه من خلاله. وهو في إطار اتحاد شامل وكلي، دون الرجوع إلى المصادر المتوفرة، إنه هو المصدر ذاته، وهو البيان، وهو الجواب. وهو السؤال أيضاً، سؤال ينتمي إلى تلك الشجرة، شجرة الفلسطينيين التي قال عنها المبدع الكبير فواز عيد إنها لا تمل الحياة أبداً.
    غسان كنفاني إذن، يائس ومتفائل، ومقاتل، شجاع و مهزوم، منتصر وشامخ في كل الأحوال، هو شخصية ليست فريدة أبداً إلا في إبداعها، لهذا امتد على صفحات أدبه واضحاً، وخط كلماته ببساطة نادرة وعمق لا يضاهى، في فترة كان الرصاص فيها حلاً لكل المشكلات، تحدث عن أخطائنا وحسن نوايانا، وعن كل ما تتحدث به نفس الفلسطيني دون أن تجرؤ على بوحه صراحةً، فباح به إبداعاً، نثراً ورسماً وحواراً ومسرحاً، ومقالةً، ولا يزال كذلك، يشعرنا في كل وقت أنه بيننا، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على رحيله، غسان كنفاني لا يزال بيننا ليس لأنه غسان وإنما لأنه ذلك الفلسطيني الذي يستحيل موته، حياً، إنه بسيط كالشهداء، واضح ككل المناضلين، شفاف بوصفه فناناً وأديباً، وكئيب باعتباره فلسطينياً لا يمل الحياة أبداً على الرغم من كل أدوات الموت.
    غسان مواطناً:
    ربما كان أدق ما اختصر من خلاله غسان واقع الفلسطينيين في الشتات العربي رواية « رجال في الشمس» الفريدة في الأدب العربي، فريدة من حيث الشكل والمضمون، فهي شكلاً ليست رواية تماماً، وإنما شيء آخر، إنه يفعل في « رجال في الشمس » ما يفعله أي مواطن فلسطيني وعربي، يشتم ويفكك ويحبط ولا يبالي بشيء، يضيع بين الحروف، يصف هذا بالمخصي ويحمله مسؤولية الاختناق داخل خزان الواقع المرير، ذلك ليس استقراءً لواقع بقدر ما هو تعبير عن آلام، فأبو الخيزران، المخصي يتاجر بنقل لاجئين إلى الكويت في خزانه، إنه لا يكترث لبقائهم داخل صندوق الحديد المغلق في حر الصحراء، هو يحبهم لكنه لا يكترث لموتهم، ويريد استثمارهم لكنه ليس مستعداً لبيعهم، يتألم بعيد مغادرته لسوق النخاسة، مشتتاً تجاه أحاسيسه ومن خلالهم يستفيد، لا يحبذ هذه الاستفادة في أعماقه، غسان هنا بصراحة يطرح رؤية الفلسطيني للنظام العربي، النظام السياسي، إنه يطرح التناقض الذي خطته الأنظمة، والتي كان لسان حالها التعاطف مع فلسطين وبث مقولات كراهية الفلسطينيين وهو ما استشعره العديد منا في مختلف مناحي حياته، مع الانتفاضة، وضد المنتفعين، تقديس لفلسطين وتعاون ضد الفلسطينيين يصل إلى حد الوقوف في صف الجلاد عند البعض.‍‍‍!!غسان المواطن، لا يتقن المواربة ولا يحبذ المواراة، فهو واضح كمثل أولئك الواقفين في طوابير استلام مئونة الإعاشة، يستلمون حصصهم ثم يشتمون من قام بتوزيعها!! يقاتلون ويقتلون، فلا يشعرون بأنهم قدموا شيئاًـ غسان أيضاً يقول ذلك بطريقة فنية، ولا يستثني قيادتنا، قيادة الثورة الفلسطينية من ذلك، بل لا يستثني الشعب والمجتمع نفسه أيضا حينما يصرخ: « لماذا لم تدقوا جدار الخزان». إنه يعتبر نفسه هنا كفلسطيني متأخراً باحتجاجه، ليصل إلى قمة السخط بتحميل بعض من الإدانة للضحية نفسها التي لم يكن احتجاجها عالياً في البداية، ربما كان يقصد انتفاضة لم يشأ العدو أن يراها تقرع جدران خزان العقل والواقع الفلسطيني فقتله قبل يوم الأرض، والقتال البطولي في لبنان، والانتفاضات المتكررة في فلسطين، لم يشأ العدو أن يرى صاحبُ الصرخة صداها، فقتل غساناً محاولاً بذلك قتل الروح الفلسطينية المتمردة على الآخر وعلى نفسها، على الواقع والحلم، الهزل والجد، الوطنية والخيانة، شأنه في ذلك شأن أي فلسطيني، وربما لأول مرة، سأورد حادثة واقعية تعجل في فهم مواطنة غسان كنفاني، وهي أن أحد الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في ليبيا وبعد قراءته لروايات كنفاني، أقر بأنه لا يستحق الحياة فشنق نفسه وذلك في مدينة بنغازي، بالطبع هو لم ينفذ هنا ما قاله غسان عن قرع جدران الخزان لكنه أوضح مدى تأثره، يقول أبناؤه بأنه فعل ذلك لائماً نفسه على الخروج من فلسطين، ربما فهم صرخة غسان على أنها كذلك، وبما أن النكبة حلت لم يستطع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فانتحر تاركاً رسالة لابنه تقول بما أنني تأخرت في قرع جدران الخزان، فأنا لا أستحق الحياة.‍‍‍!! هذه حادثة ليست إيجابية، لكنها معبرة بطريقة أو بأخرى، أفصح تعبير لها أن غسان يصل إلى داخل المواطن الفلسطيني ليس من خلال الشعار وإنما بطريقة جد بسيطة، يكتب همومنا، ومع الإقرار بخطأ الفعل الانتحاري، إلا أنه وعلى سلبيته يوضح مدى التأثير بحروف غسان، وإن كان يقصد على غير ما فهمه هذا المواطن المنتحر، إلا أن صرخة قرع الخزان وصلت إلى الكثيرين بطريقة أخرى وأزعم بأن صرخته هذه مع صرخات كثيرة أطلقها كتاب فلسطينيون هي من صنعت الشخصية الفلسطينية فأخرجتها من حالة النكبة السلبية إلى حال الفعل الثوري. لقد أنقذ أمثال غسان كنفاني الشعب الفلسطيني برمته من الضياع، عبر فهم لدواخلنا، وعبر التحريض، فانكسرت السلسلة الحديدية التي صنعها أمثال أبو الخيزران (المخصي) وقرعت جدران الخزان حقاً، وقد استطاع كنفاني ذلك، ليس فقط لأنه كاتب مبدع وإنما لكونه فلسطينياً حقيقياً، إنه مواطن عادي، لاجىء متألم، وفدائي وأديب وفنان مبدع، كل ذلك حين يجتمع يصنع معجزة التواصل مع الجمهور الذي تفتقده غالبيةٌ من أدباء وسياسيين وفنانين.
    غسان مبدعاً:
    .. عمل غسان كنفاني على نصه بجهد مضنٍ، لم يُعرف أدبه ولم يشأ أن يسميه، ليس لأنه لا يعرف ما يكتب وإنما لاكتشافه إمكانية كتابة شكل مختلف، ومُختلفٌ عليه من ضواحي أساليبه المترامية التي يجمعها الإبداع منطلقاً والمضمون غاية، مما حذا به للغوص في أشكال مترامية، ربما لم يقصد ذلك، لكن طبيعة النص الذي يكتبه فرضت نفسها مع كل جملة خطها بقلمه الواثق والمرتجف، لهذا قيل إن غسان كنفاني متأثر بالوجودية، ثم قيل بالواقعية، والواقعية الاشتراكية، والرومانسية وقيل ما قيل لكن الرجل لم يكن سوى نفسه في كل الأوقات. لم يأبه بالشكل، لهذا جاء متعدد التجريب في مدرسية كتابته، ولهذا أيضاً اعتمد لغة بساطة ممتنعة، لا تعتمد الإدهاش أو التنظير اللغوي للقارىء. وهو الأسلوب الذي اعتمده مجايليه، وكان سائداً ولا زال في مفاهيم أهل الحداثة العربية التي اعتبر بعض أو غالبية رموزها أن التهويم لغةً هو واحد من فنون الكتابة، وأن الكتابة المعقدة والتي تصدم عقل القارىء هي كتابة راقية، لم يكن غسان من بين هؤلاء فقد اعتمد لغة بساطة عميقة ونادرة. إن أهم ما يميز غسان كنفاني ليس السهولة، وإنما ما يمكن تسميته بالعمق المتدرج، أي ذلك الذي يعتمد على طرح بسيط شكلاً يمكن فهمه من قبل البسطاء وغير الدارسين أو المختصين، وهو في الوقت عينه يحير النقاد والمختصين ببلاغته وعمقه ولا دلالاته المرئية، ولهذا حاز الأديب الكبير على رضا كل من أهل الأدب والفن، وتقدير الجمهور الواسع، لهذا لا يمكن اعتباره مبدعاً جماهيرياً كما تم الترويج لذلك منذ عقود، غسان كنفاني مبدع وحسب، لكن أسلوب إبداعه قابل للفهم حسب مستوى معرفة وثقافة المتلقي، إنه كاتب العمق المتدرج، وهو ما أثار نجاحاً لدى العديد من أساطين الحداثة العربية شعراً ونثراً كنزار قباني، ومحمود درويش، على أن غسان اغتيل قبل اكتمال مشروعه ليس بالمعنى الفكري والفني، وإنما الكمي، لتتخيل إنه لا زال حياً، بالتأكيد لكانت الرواية والنثر والمسرح العربي أكثر سطوعاً ولا نبالغ هنا إذا قلنا أن هذا كان أحد أهم أسباب اغتياله غسان شهيداً : ترى ما الذي يدفع صهيونية منتصرة تسحق عدة جيوش بأيام، ولديها كل هذا الكم من المساعدين عرباً وعجماً للتفكير بقتل كاتب، ألان هذا الكاتب جمع بين كونه قائداً سياسياً، وإعلامياً، وفناناً وأديباً؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه، لأن العدو الذي اعترف بجريمة اغتياله بعد أكثر من ثلاثة عقود قد لا يعترف بالسبب إلى ما بعد ثلاثين عقداً أخر. شخصياً لا أعتقد بأن سبب اغتيال غسان كنفاني إلا كونه أديباً يهدد بسعة الانتشار والتأثير والتحريض على نطاق واسع، إلى كونه مؤسساً لمجلة خطيرة كانت تنهج منهجاً مغايراً للسائد، ليس من حيث الشعار السياسي وإنما الجموح نحو عمق إبداعي صحفي، فالمراجع للهدف منذ تأسيسها وحتى بعد اغتيال كنفاني، يجد روحاً فلسطينية مفعمة بالتغيير والتثوير عبر مفردات غير شعاراتية، وبأسلوب يحمل في طياته كل ذكاء «خبيث» كما كتبت عنها الصحافة العبرية، الهدف كانت، إلى جانب الإبداع الشخصي، هي من جعل من كنفاني هدفاً للاغتيال. لقد جمع كنفاني بين عمق المبدع، ومباشرة المقاتل، وجموح الثائر، وعمق الفيلسوف، وحنكة السياسي المناضل، لهذا مجتمعاً كان لا بد من اغتياله.
    كنفاني عاشقاً :
    لو لم يكن غسان عاشقاً شفافاً، يفيض أحاسيساً ورغبة وهياماً لما استطاع أن يعطي كل هذا الحب لوطنه، فالحقيقة لا تجزأ والرجل لا يمكن أن يكون طبيعياً إن لم يحب فكيف به إذا كان مناضلاً مبدعاً، إنه في عشقه لوطنه يحكي قصة أكبر عن حبه لامرأة، أب، أم، صديق وإلى ما هنالك. مناسبة القول هنا هي تلك «الخطيئة» التي حملها البعض لنشر رسائل المبدعين الكبيرين، غسان كنفاني وغادة السمان، فاعتبر البعض بأن الرسائل «تسيء» إلى غسان، وكأن الرجل ولد بلا أحاسيس رجل شرقي يهيم بامرأة ما، وكأن خطيئة الحب تنفي النقاء عن مبدع لم يكترث سوى لصدقه مع نفسه غير آبه بما قد يقال من هنا أو هناك كما لا يبني جداراً من الكذب الوقور مخفياً أحاسيسه الخاصة خلف صورة المناضل المتخشب، وجاءت ردود الفعل على غسان العاشق متفاوتة، المناضلون والمبدعون الحقيقيون بغالبيتهم رأوا أن الأمر طبيعي بالنسبة لمبدع زاده الشفافية والإحساس العميق بكل الأشياء والتفاصيل من حوله، ووقود إبداعه استمرارية الإحساس بالحياة بكل تلاوينها العامة والخاصة، عامته كانت فلسطين، وخاصته كان إبداعه الشخصي وعشقه المتنوع، وهو بذلك لم يخن نفسه أبداً، بل أضاف نقاءً لنقاء وطهر قضيته، المشروعة في كل جوانبها، والعميقة في كل أشكالها، لم يصطنع انتقاءً لمفردات من هنا أو هناك كما فعل بعض مواكبيه زمنياً فصار يكتب عن حبيبته (المرأة) ويسرد أفكاره وأحاسيسه ثم يكذب على نفسه فيكتب في النهاية فلسطين، وكأن حب امرأة أو أب أو أم أو صديق يلغي حب المرء لوطنه، إن الأمر في حقيقته معاكس تماماً، ونزعم أن من لا يحب لا يستطيع أن يحب وطنه. كل المناضلين الذين خطوا بأجسادهم المدماة تواريخ مهمة لشعوبهم، كانوا عشاقاً، ليس فقط لأرضهم وأوطانهم وشعوبهم، بل لنساء أحبوهن وتمادوا في التعلق بتلابيبهن، صحيح أن الحديث عن هيام شخصي بامرأة يبدو أمراً سخيفاً في بعض مراحل النضال، لكن ذلك لا ينفي إمكانية بل ضرورة وجوده واقعاً، بل إن الآخر المتواطىء كشخصية أبي الخيزران في « رجال في الشمس » والذي نجده عاجزاً عن هذا الأمر مريضاً وهو ما أودى به إلى كل هذه الانتهازية والـ….، فالأمر هنا لا يتعلق بشيء أكثر من كونه حقيقة إنسانية طبيعية أمام تشوه نفسي يؤدي إلى ما لا يحمد أمره لقد صنع البعض من رسائل غسان وغادة التي نشرتها هي بنفسها وكأن فضيحة قد وضع الغطاء عنها، كما عبر البعض عن سخطه لنشرها وكأن المناضل الشهيد ينبغي أن يكون شخصاً متخشباً، لا حياة فيه، وكأنهم يريدون ما أراده العدو نفسه مع تأكيد حسن النية هنا ـ ليبدو المبدع الكبير غير مبدع في حياته الشخصية، فنسي كثيرون أن صدق اللحظة يفضي إلى الصدق في تناول الوطن، فكان الاستنكار وطلب التعتيم على الحقيقة التي لا شك بأن غسان كان يلمس جوانبها تماماً في حياته الشخصية كل لحظة، وربما فكر في لحظة ما أنها ستكون سبباً لقتله، وقد كانت لاحقاً.‍!
    غسان خارج الزمن :
    ربما نسأل أنفسنا، ترى لماذا لا زال يُكتب حتى اليوم عن غسان كنفاني وكأنه اغتيل أمس، أو كأن أدبه كتب قبل لحظة، والجواب بسيط، غسان كنفاني مبدع متعدد الأوجه والدلالات والأفكار، عميق الرؤية، مع كل مرة تقرؤه تكتشف شيئاً جديداً، إنه شبيه ببطل أسطوري، كلما رأيته اكتشفت في وجهه ملامح جديدة، المؤسف أننا نستطيع الزعم بأن العدو اكتشف مواهب الرجل قبل أن يكتشفها كثير من الفلسطينيين والعرب فحسم أمره، في حين لا زال البعض في الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية غير منتبه إلى ذلك الكائن السري الساكن بين حروف كنفاني، فهناك من يقول بأن غسان أخذ أكثر من حقه نقدياً وإعلامياً، وإنكم أنتم خصوصاً في مجلة الهدف تحتفلون سنوياً بذكرى اغتياله وتروجون بضاعته، ولا شك بأن الهدف وفية لمؤسسها الكبير، لكن ماذا سيقال لأولئك النقاد، الذين من بينهم غربيون، بل وحتى صهاينة لا زالوا يتابعون ويدرسون نتاج كنفاني وكأنه نشر يوم أمس؟ فقد رد سامي ميخائيل الروائي الصهيوني على رواية « عائد إلى حيفا» بعد قرابة أربعة عقود، وللأسف لا زال بعض منا لم يكتشف غسان كنفاني وكأننا مصرون على أن يكتشف العدو أشياءنا، مزايانا، إبداعنا قبلنا نحن أنفسنا، وكأن هناك من يصر على ألا يفهم روح غسان كنفاني، الذي يجمع بين المناضل والسياسي والعاشق والمناضل والإنسان. كل هذا الجمع أوصل هذه الشخصية إلى أن تكون ركيزة لإبداع فلسطيني مميز، يحتمل كل تأويل ولكنه لا يمكنه إلا أن يكون نفسه، لهذا فإن الوقوع في بئر غسان كنفاني وقوع ممتع، وغني وشائك، وعميق مع كل متر تكتشف تضاريس جديدة، إن ذلك ليس شأن كنفاني وحده، وإنما كل المبدعين الحقيقيين، والكبار حقاً. إن غسان ينتمي إلى شجرة الفلسطينيين التي وصفها راحل كبير آخر هو فواز عيد قائلاً بأنها لا تمل الحياة أبداً، ولهذا سيستمر الجدل أيضا ……
    تنشر بالتزامن مع الهدف
    في ذكرى اغتيال غسان كنفاني من قبل مخابرات النازية الصهيونية
    http://www.haifalana.net/

  10. #10
    سيره سرديه عن غسان كنفاني
    سيرة غسان
    ---------------------------------------------
    " رغم كل شئ فقد كان " غسان " رومانسيآ وعاطفيآ ومناضلآ سويآ في آن واحد "
    يمضي شريط الذكريات في ذهن غسان مفعما بحكايات الطفولة , حكايات ولدت معه عام 1936 , وروتها المياه لمروج عكا .
    تلك المدينة الشامخة علي تراب فلسطين . ما أروع صورة والده المحامي وهو يترافع عن المظلومين في ساحات العدل . تتابع علي شريط الذكريات صور ناطقة بمعاناة المظلومين في عهد الانتداب البريطاني . كانت الأراضي تتساقط من أيدي أصحابها ولا يحق لهم حتي أن يقولوا لا . وسط هذا الجو المأساوي كان صراخ غسان الرضيع يعلو وهو بين ذراعي أمه التي كانت تهزه قائلة : ما بالك تصرخ .. اصمت قليلا .. كفاك بكاء . فيرد عليها والد " غسان " المحامي قائلا بنبرة عميقة الأبعاد : اتركيه يصرخ .. دعيه يوقظنا .. فالنوم حرام علينا ومن حولنا الظلم يكشر عن أنيابه والسجون قد فتحت أبوابها للجميع . كان " غسان " يصرخ مثل باقي أبناء شعبه وأهله في فلسطين , وكان والده يستمع لصراخه وكأنه يستمع لصراخ الآلاف من المظلومين الذين يلجأون إليه بحثا عن العدالة المفقودة , وكلما نجح في رفع الظلم عن أحد المظلومين عاد إلي بيته راضيا هانئا يحمل طفله ويهدهده ويؤمن له الألعاب التي تجعله يبتسم ولو لساعات ذلك النهار الذي حقق فيه بسمة علي شفتي مظلوم من أبناء شعبه المكبلين بالقيود .
    وهكذا شب الطفل " غسان " يبتسم بقدر ما يحقق والده من ابتسامات للمظلومين , ويربط " غسان " في حياته بين عدد الابتسامات التي رسمها علي وجهه منذ أن كان طفلا وعدد القضايا التي رسم فيها والده البسمة علي الوجوه بعد مرافعات ناجحة من مرافعاته المحكمة في بلاغتها وحججها , الأمر الذي جعل " غسان " محبا للغة وبلاغتها , متعلقا بالحجة والمنطق في قول الحق . جعلها سلاحه المنفصل . لكنه لم يحب أن يكون مجرد محام في قضية جزئية, بل اختار الدفاع عن قضية الحق , قضية وطن ضاع , وبضياعه شردت الأسر وتشتت في بقاع الأرض .
    كان " غسان " ممن فتحت لهم أبواب العيش في منطقة الخليج لتكون إحدي محطاته يدافع فيها عن حقه وحق أهله وأهل ديرته في العودة والتحرير بعد أن لجأت أسرته إلي لبنان ثم دمشق تاركه كل أملاها في عكا للمغتصبين الجدد ..
    واختار " غسان " الصحافة وميدان الكتابة منبرا يشحذ فيه الكلمة سلاحا من أجل فلسطين .
    وفي وقت الذي بزغ نجمه الفلسطيني في عالم الكلمة والأدب , كان شقيقه " مروان " قد نجح في دراسة القانون والمحاماة في جامعة القاهرة , وبزغ نجمه في كرة القدم كواحد من أفضل حراس المرمي في قارتي آسيا وإفريقيا خلال النصف الثاني من الستينات , وأثبتا أن العربي الفلسطيني ليس مخلوقا من عدم , ولن يكون مجرد لاجئا مشردا , بل هو حي لم يمت , ينتظر العودة إلي الوطن بشبابه النابغ في كل ميادين الحياة , من الرياضة إلي الأدب .
    تلك كانت رسالة أولي تعشعش داخل الأعماق الحزينة لكل مهاجر فلسطيني نزح وطنه مشردا لاجئا إلي الأوطان الشقيقة ضم الوطن العري الكبير .
    أما الرسالة الثانية التي آمن بها " غسان " وشقيقه " مروان " هي جمع الكلمة وحشد الطاقات الشابة والقادرة علي الالتفاف حول هدف العودة والتحرير , تحرير فلسطين من المغتصبين فكانا عضوين فاعلين في النقابات الشبابية مع الطلائع المثقفة .
    " غسان " عضوآ بارزا في اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين منذ أوائل الستينات وشقيقه " مروان " عضوا نشطا في اتحاد الطلبة الفلسطيني وهي النقابة التي تعتبر الأولي من نوعها بعد سنوات النكبة والتشرد , منذ أن تشكلت رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة عام 1953 م .
    لكن سهام " غسان " النافذة لم تقف عند حد جمع الشتات الفلسطيني وجمع الكلمة والرأي في سائر أنحاء الوطن العربي , بل امتدت إلي شعوب العالم المتقدمة في أوروبا , ونفذ إليها من خلال التصاقه بالنقابات الدولية للكتاب والصحافيين التقدميين في أوروبا , وتعمق ارتباطه بهذا البعد الدولي عندما عقد قرانه علي مناضلة دانمركية , مثقفة , وجعل من ارتباطه بها حلقة من حلقات النضال الاجتماعي في مواجهة الالتفاف الصهيوني العالمي علي الرأي العام الأوروبي .
    زواج كهذا لا يمكن أن يكون أمرآ عاديآ أو بعيدا عن حلقات الصراع الحضاري الطويل المدي بين الطلائع العربية القائدة لأمتنا العربية , وبين حركة الصهيونية العالمية , وهو لا يختلف في هذا الأمر عن علاقة الزواج العاطفية والإنسانية التي تمت فصولها في القاهرة بين شقيقه " مروان " وزميلته في الجامعة " نجوي" التي أصبحت واحدة من أفضل المذيعات التلفزيونيات في العالم العربي خلال السبعينيات .
    كان مؤلما هذا النهج في التفكير لدي المتربصين بكل فكر يشق الطريق إلي فلسطين , وكان شعورهم بخطورة " غسان " تماما مثل شعورهم بخطورة أن يكون شقفيقه " مروان " نجما محبوبا للجماهير الرياضية المحبة لكرة القدم في العالم العربي . فبدأت الحرب ضدهما .
    لم تكن حربا ضد شخصين هما " غسان " و" مروان " بل كانت حربا ضد رمزين لهما أبعادهما القومية والوطنية .
    ولم يكن غريبآ أن تنطلق بعض الآقلام تدين " مروان في حادثة كروية رياضية , وتدس له من موقعها الإعلامي , وتبث الفتنة لإحياء بذور الوقيعة والخلاف بينه وبين نصبه الإنساني الثاني .
    أما " غسان " فقد وهموا عندما ظنوا أن فكره سيواري التراب مع جسده , وكانت المؤامرة .. وكانت الخطة المحكمة في الثامن من يوليو عام 1972 .
    يوم اغتالته ايدي الصهيونية المجرمة . أدار محرك سيارته لتنفجر قنبلة المؤامرة .. لكنه لم يمت ... !! لان روحه باقيه يبقي " غسان " مبعث الأمل لشعب حاصره أخطبوط اليأس .. وتبقي آثاره نبراسا للأجيال . ككاتب وناقد وقاص وروائي مقدام .
    وقد باحت أديبة النساء العربيات " غادة " برسائل الحب التي تبادلتها مع " غسان " الذي لم يمهله الدهر زمنا كافيا ليمتعنا بكل ما حباه الله من موهبة الإبداع الأدبي وان كانت رسائل الحب ما بين " غادة " و" غسان " هي , اكتشاف جديد في شخصية " غسان " – الإنسان المهذب الشهيد , والمحب الرومانطيقي – المحبوب – والمناضل الملتزم الأصيل .

المواضيع المتشابهه

  1. رعشة المأساة لـ غسان كنفاني
    بواسطة عدنان كنفاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-19-2013, 01:00 PM
  2. غسان كنفاني في الذكرى 41 على استشهاده
    بواسطة عدنان كنفاني في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-08-2013, 07:18 AM
  3. إرث غسان كنفاني في زمن القصاصات الأدبية
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-23-2010, 02:48 PM
  4. مرثية للشهيد :غسان كنفاني
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى من روائع الشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-19-2010, 07:28 PM
  5. المرأة في أعمال غسان كنفاني
    بواسطة عبدالوهاب محمد الجبوري في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-27-2008, 06:40 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •