بسم الله الرحمن الرحيم
أخوتنا الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن موضوع الحياة والموت من المواضيع الهامة جداً في الشرع الإسلامي .
فالحياة الأولى التي بدأنا بها هي الانتقال الأول من الموت الأزلي الأول إلى الحياة الدنيا . وتكون بنفخ الروح في الجسد وارتباط النفس الإنسانية بجسدها المقرر لها ، وفيها يكون الإنسان مرسلاً إلى هذه الدنيا كمدرسة يطلب التعلم والارتقاء بالعلم أولاً بمعرفة الله تعالى ومحبته ثم الالتزام بأوامره ونواهيه التي فيها يحيا قلوبه حياته الحقيقية ..
وهذه الحياة قدسها الله تعالى وجعل أجر إبقائها أو الإنقاذ من موتها أجر إحياء العالم جميعاً .
(من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)
(وضرب حكمتها من قصة الأخوين هابيل وقابيل) فلو بقي المقتول حياً لكان هناك من البشر مثل العدد الموجود الآن .
ما الموت ؟
الموت هو انفصال النفس عن الجسد كاملاً ، ومن علامات ذلك توقف أي علامة من علامات الحياة في الجسد ، وقد يستغرق ذلك أجزاء الثانية أو عدة أشهر ..ويرجع ذلك إلى حكمة الله في الناس واختياره لطريقة كل واحد . والموت في الحقيقة هو المرحلة الانتقالية من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية فهو يشبه عملية الولادة التي تنقل الجنين من الحياة الرحمية إلى الحياة الدنيا . وقد تكون الولادة سهلة تمر بسلام وببضع دقائق وقد تستغرق ساعات أو أياماً أو جراحات ..
وفي مسألة الحياة والموت الحكمة التي بينها الله تعالى منهما :
(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً .)
بعد فهم المعرفة الأساسية التي حددها القرآن أحب أن أعلق على الفقرة الواردة في النص المذكور :
(والموت الدماغي هو عندما يتوقف كل نشاط كهربائي في الدماغ، ويعتبر ذلك الآن قانونياً ودينياً هو علامة وفاة الإنسان وان كان هناك قلب ينبض، ويمكن في هذه الحالة الحصول على بعض أعضاء الكائن من كلى وقلب في سبيل زرعها لمريض بحاجة لها.)
إنَّ علامة الوفاة الحقيقية الدينية التي قررها الفقهاء سابقاً ولاحقاً هي التي تتناسب مع الحكمة المفهومة من الشرع في خلق الحياة والموت . وهي زوال كل علامات الحياة من الجسد بما فيها توقف القلب ..
وما المذكور في النص إلا مجاراة لمفهوم جديد طرأ على الطب وهو محاولة الاستفادة من نقل الأعضاء وهي القضية الخلافية أيضاً .
لذلك باعتقادي لا يجوز الاجتهاد في التلاعب بأحكام الحياة والموت ففيها إثم كبير إن لم توافق حكمة الله تعالى فيها.
وأنا كطبيب أتورع عن إسقاط أي حياة نشأت بعد تلاقح النطفة بالبيضة ففيها بدء حياة الإنسان المقدسة كما أتورع عن إنهاء حياة أي إنسان مهما كانت في خطر ولو كان ينازع الموت (ظاهرياً) فنحن لا نعلم متى هو زمن انتهاء الأجل النهائي لهذا الإنسان ..
وبهذه الفكرة تم إنقاذ كثير من حياة البشر الذين قرر لهم الأطباء أن مرضهم ميؤوس منه .. والحقيقة أن أجل الإنسان النهائي لا يتقرر إلا بعد انفصال النفس عن الجسد وزوال أي مظهر من مظاهر الحياة في الجسد . ومن يقدم على دفن إنسان وقلبه ينبض أو حدقته العينية تستجيب للضوء فإنما يدفن حياً قبل وفاته .
نعم هناك تشريع في أمريكا الآن يعتمد وثيقة نهاية الحياة التي يختار فيها المريض طريقة إنتهاء حياته فيما يتعلق بالإسعاف ، فقد يوصي بأنه لا يريد تطبيق أي علاج إسعافي بعد فقده القدرة على الحكم ( كأن يكون في سبات) .
وأنا بعقيدتي في الحياة والموت أعتبر أن ذلك جهل كبير بمعنى الحياة وقيمة ذكر الله فيها حتى النوع الأخير ..
لنعلم أخوتنا أن الرجل الصالح يهيء له ربه موتاً مريحاً وقد ينبئه بدنو أجله قبل الوفاة ليستعد له بالذكر والطهارة التي ينتقل بها إلى الحياة البرزخية ، وقد يكون الموت بمعاناته وشقائه تطهيراً للمؤمن مما بقي عليه من آثام لديه (أو لدى المسلم العادي) . فهو مدرسية تُعِدُّ ذا الإيمان إلى الحياة الجديدة وإن تقصير هذه المدة جناية بحق هذا الإعداد ..
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ..
هي دعوة أخوتي الكرام للتفكر ملياً في الحكم التي يجب تقصيها من الأحكام الشرعية .. ولا يغرنك الاجتهادات التي يذهب إليها بعض العلماء بما يقدمه لهم بعض الأطباء ممن تعلموا الطب دون فهم الحكم الشرعية الأساسية منها .. بل وفق تصورات علماء الطب الغربيين ..
لنعد إلى مفاهيمنا الأساسية ولنتق الله في مرضانا .. ولنحاول إنقاذهم مهما كلف الثمن ..
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً .. ولننصح مرضانا بالصبر على الآلام إن رافقت الاحتضار ولنعلمهم ذكر الله والاستغفار في هذه اللحظات حتى تغرغر الروح في الحلق .وعندها لن يجدي أي عمل .. وتكون النفس بذمة الله الذي خلقها وأعادها .
ضياء الدين الجماس