نوبل السوري...وداعاً
سامي مروان مبيّض
منذ يومين، أعلن القائمون على #مكتبة_نوبل، الواقعة مقابل فندق الشّام وسط العاصمة #دمشق، بأنها ستُغلق أبوابها إلى الأبد.
منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت هذه المكتبة معلماً ثقافياً في دمشق، ولها فضل على ملايين الناس الذين اقتنوا منها كتباً زادت جمالية بيوتهم ومن معرفتهم ومعرفة أولادهم من بعدهم. كان قرار الإغلاق قراراً مؤلماً بالنسبة لهم وللكثيرين من رواد مكتبهم، ولكنه كان متوقع.
لا تلوموا أصحاب المكتبة أبداً، فمن لم يُجرب الكيّ لا يعرف مواجعه، وياله من كيّ تعرض له جميع أصحاب المكتبات في السنوات القليلة الماضية.
الناس اليوم تفضل القراءة السريعة على هاتفها الذكي، ولم تعد تهتم بقراءة الكتب، ناهيك عن سعر الكتب (وخصيصاً تلك الصادرة في لبنان ومصر) وتكلفة إنارة وتشغيل وتدفئة المكتبات. وكم من مرة رأيت فيها "زبائن" يفاوضون اصحاب المكتبة على سعر الكتب، وكأنها جرزة نعنع أو كيلو خيار. وكم من مرة سمعتهم يقولون: "هذا الكتاب ممنوع...وهذا الكتاب نافذ...وهذا الكتاب لم نطلبه لأنه غالي الثمن."
تُضاف مكتبة نوبل إلى سلسلة من المكتبات الشهيرة التي أغلقت أبوابها في السنوات القليلة الماضية، مثل "ميسلون" المجاورة لمكتبة نوبل ومكتبة اليقظة عند مقهى الكمال، التي أصبحت محل لبيع الأحذية، أو مكتبة الذهبي في الشعلان التي تحولت إلى محل بيع فلافل. لا أعرف كمية المقاهي في دمشق اليوم، ولكنها وبالتأكيد تفوق عدد المكتبات بأضعاف مضاعفة.
فقد أصبحت مدينتنا اليوم، دمشق التي كانت قبلة للكتاب والناشرين في زمن مضى، أصبحت معقلاً للنراجيل، لا للكتب. فلا فرق بينهما، كما قال دريد لحام في مسرحية ضيعة تشرين: "هاد بليرة وهي بليرة...والأركيلة ما بتودي عالحبس بس الكتاب بيودي، وياما كتب وأفكار ودت أصحابها على المشنقة."
شكراً للأخ ادمون، فقد كنت صديقاً لي في أيام المراهقة، وعندك قرأت روائع نزار، من "قالت لي السمراء" و"سامبا" وصولاً إلى "بلقيس" و"الرسم بالكلمات." وعندما كبرت ودخلت الجامعة أصبحت مصدري الرئيسي عن تاريخ سورية الحديث، ومنك اقتنيت مذكرات خالد العظم وأوراق فارس الخوري وخطابات شكري القوتلي. ثم دارت بنا الأيام لتصبح مكتبتك مركزاً لبيع مؤلفاتي في دمشق (الطبعات الأصلية منها وليس المقرصنة). بذلك، لك ثلاثة أفضال في حياتي...لن أنساها أبداً.
في أيام الحرب العالمية الثانية، أصدرت الحكومة البريطانية تعليمات بضرورة إبقاء جميع المسارح والسينمات والمكتبات مفتوحة أمام الناس، لكي يحافظ اللندنيون على توازنهم النفسي والفكري في ظلّ تساقط القـ. ـنابل الألمانية اليومي عليهم وعلى مدينتهم. فهل من أحد مهتم بالحفاظ على توازننا النفسي والفكري، نحن سكان دمشق؟