شخصية المرأة عند شكسبير
"اذهبي للدير"
جملة قالها هاملت لحبيبته أوفيليا و كانت مفصلية في المسرحية الأشهر لشكسبير و لم تكن في حال من الأحوال تعبير عن رؤية هاملت لوحده وإنما بالقطع كانت انعكاسا لرؤية مجتمع بطريركي مشفوعا بميراث ضخم عن المرأة من العصور المظلمة يعتبر المرأة صديقة الشيطان . و بالرغم من أن شكسبير صنف من قبل بعض النقاد كداعم نبيل لحركة التحرر النسوية لكن هذا مغاير للحقيقة . يقول الناقد ماكلوسكي : ما كتبه شكسبير كان من أجل إمتاع الرجال و ما قيل عنه أنه داعم للمساواة بين الجنسين خطأ كبير"
و لكن ما دفع البعض لتصنيف شكسبير كداعم للمساواة هو "قدرته كأديب كبير على رسم الشخصيات و الدخول في عوالمها و تصوير حالاتها النفسية في مجتمع بطريركي "(نساء شكسبير، ليز لويس)
و في الحقيقة شكسبير قدم صورة وحيدة للمرأة في أدبه بالرغم من تنوع الشخصيات المواضيع التي قدمها .حيث رأى في المرأة مصدرا دائما للشرور و الآثام و كان هذا بانعكاس من المصدر الديني القائل بخطيئة ادم الأولى القائمة على دافع أنثوي بحت
شهوة و تردد أوفيليا و الملكة/ هاملت/
في مسرحية هاملت قدم نموذجين نسويين هما جرترود الملكة والدة هاملت و زوجة الملك الجديد الذي قتل أخاه للاستيلاء على العرش بحسب رواية الشبح الذي ظهر لهاملت في بداية المسرحية
جرترود قدمت كشخصية سطحية و شبقة و لا تنطوي ردود أفعالها على أي عمق فكري أو وفاء أو حتى احترام لسنها فهي بعد موت الملك هاملت في ظروف غامضة بأيام تتزوج أخيه و هي تفسر هذا بأنها تحافظ على المملكة مما يدخلها في دائرة الشك بضلوعها بجريمة مقتل زوجها الأول على الأقل في نظر هاملت ابنها و تحيط رأسها بالأزهار و تلبس و ترقص كما تفعل الفتيات الصغيرات في السن و لا تستيقظ عاطفة أمومتها بالشكل الكافي حتى عندما ترى ما يعتري ابنها من تغييرات و اضطرابات بل على العكس من هذا تساعد في تكريس المقولة بجنون ابنها ، فقط كانت بعض الأماكن التي استيقظت فيها أمومتها كما فعلت في مشهد موت أوفيليا و عند المبارزة و ربما كان هذا بدافع مما يمليه عليها وضعها كملكة بالنسبة الأكبر .
ابنها هاملت لم يتقبلها لأن المطلوب من أم و زوجة في هذا المجتمع لم يكن ما فعلته جرترود و هذه هي النقطة التي تطرح سؤال فيما إذا أراد شكسبير أن يدافع عن المرأة من خلال جرترود لكن الحقيقة هو أنه قدم صورة صادقة عما يمكن لمجتمع ديني أبوي أن يراه في المرأة.
أوفيليا: شخصية رئيسية في مسرحية هاملت ظاهريا تبدو كما لو أنها ضحية للشخصيات الأخرى في المسرحية حيث استخدم هاملت مدى حبها له كأداة في خطة انتقامه من عمه كلاوديوس.. و كان قاسيا معها في مواضع كثيرة منها خطابه " اذهبي للدير" كمنعكس لما رآه من والدته حيث رسخ في باله أن المرأة بتقلباتها و تحولاتها و ضعفها كائن غير قادر على الوفاء .
و حين حذرها والدها بولونيوس من مغبة الاستمرار في علاقتها العاطفية مع هاملت ظهر ضعفها و ترددها و هذا شيء طبيعي في مجتمعها الذي تحكمها ظروفه و هذا ما أدخلها في دور مزدوج عندما قتل هاملت والدها بطريق الخطأ لازمها الإحساس المزدوج بالذنب لأنها أحست انها الملومة في جنون هاملت و في مقتل والدها و كان لجوئها للجنون هو وسيلة الهرب الوحيدة من هذا الشعور بالذنب أو يمكن اعتباره في معناه العميق احتجاجا على المجتمع البطريركي و انتهى الأمر بانتحارها .. هذا الانتحار المذموم في مجتمع كنسي يعتبره من الكبائر إدانة جديدة للمرأة و تكريسا لضعفها و عدم ثباتها القيمي.
و هكذا لم تكن اوفيليا و لا جرترود سوى شخصيات سلبية مثلت في جانب الشهوة و الأنانية و التجرد من المشاعر التي يفترض بالمرأة أن تحتويها و مثلت في جانب آخر الضعف و التردد و عدم الثبات الأخلاقي .
غدر .. جشع و غرور في " الملك لير"
أشبعت هذه المسرحية المهمة بحثا و دراسة و الشخصيات المحورية الثلاث كانت نسوية مما يدفعنا للاعتقاد أن هاملت أرادها مسرحية نسوية الاتجاه و ربما من أجل هذه تحديد صنف شكسبير كأول داعمي تحرر المرأة.
كورديليا ، جونريل و ريجان بنات الملك لير و كل منهن تمثل عالما قائما بذاته فيما تصب ردود أفعالهن في مصب واحد عنوانه السلبية و متفرقا إلى أبواب هي الجشع و الغدر و الغرور و كن المصدر الرئيس لمأساة الملك لير.
تمثل ريجان و جونريل الجشع و الشهوة للسلطة و التملك و الكذب و الخيانة و لا تتورعان عن أية رذيلة ابتداء من العقوق و انتهاء بالقتل سرا و جهرا . هذا يأتي من الموروث الإنجيلي حيث الخطيئة الأولى تقود إلى الخطايا الأخرى بالجملة .
و كان مشهد نهايتهما ممعنا في القسوة و يرتد بالقارئ أو المشاهد إلى الميثولوجيا اليونانية و أسطورة الميدوزا التي تعود لجسد واحد هو الشر برؤوس الأفاعي القاتلة ..أينما تحركت و مهما كانت الوجهة سيأتي الموت من قبلها.
أدت شخصية كورديليا في المسرحية وظيفتين رئيسيتين من خلال كونها الابنة المحبة و المخلصة و النقية فهي من جانب تمثل دور الأم الغائب تماما في المسرحية حيث أن محبتها أمومية الطابع فيما نجد بالمقابل أنه لم تنعم جونريل و ريجان بنعمة الأمومة وهذه عقوبة إضافية من شكسبير ممثل عصره ليحرم أنثى من مقومها الأساسي.
و من جانب أخر تمثل كورديليا الموت بحسب فرويد ، و هذا يتوضح في حكاية القبعات الثلاث التي من خلال اختيار كورديليا تكون قد اختارت الموت و ربما من أجل هذا رسمت شخصية كورديليا كألطفهن و أجملهن و أكثرهن إخلاصا .
لكن الإنصاف يقتضي أن نسال أنفسنا سؤالا: هل كانت كورديليا حصيفة بالشكل الكافي حين أجابت جوابا ملغزا و غير واضح عن سؤال والدها ؟ ألم يكن باستطاعتها أن تحفظ والدها و مملكته و حياتها لو كانت أكثر ذكاء و أقل صلفا و غرورا و عنادا؟ و نجد هذا منطقيا إذا عدنا للحقيقة أن شكسبير يكتب لإمتاع رجال عصر يعتبر المرأة شرا و شيطانا و مصدرا للآثام و الخطايا .. سيكون من الطبيعي أنه لن يقدم شخصية نسوية ايجابية و سيجعلها مسؤولة عن كل المأساة التي أحاطت بالملك لير.
شيطان رجيم ليدي ماكبث
الليدي ماكبث التي تعيش صراعا مابين وأد الأنثى في داخلها لصالح شهوة السيطرة و القوة الذكورية في داخلها ، شخصية تبرز بوضوح التحامل الذكوري على الشخصيات النسوية منذ عصر شكسبير و حتى الآن .
شخصية الليدي ماكبث تحوي خطين أساسيين . أولهما هو انتفاء القدرة لديها على أن تكون أما و محاولتها قتل هذه الرغبة في داخلها و ربما يكون السبب هو أنها لا تحاول أن تكون ذكرا بقدر ما تحاول أن تتفادى لعنة أن تصبح أما فاسدة
الخط الثاني الذي اشتغل عليه شكسبير هو رفضها الاتسام بالسمة الأنثوية هذا عائد إلى أنها تعرف الدائرة التي يؤطر مجتمعها الأنثى ضمنها.
و بحسب فرويد فإن التفسير النفسي لشخصية الليدي ماكبث هو أنها تعاني من عقدة ديانا " أو" عقدة الخصاء" و الذي يقول بأن المرأة تعاني دوما من كونها ذكر ناقص
انتهت الليدي ماكبث بالجنون كما معظم شخصيات شكسبير النسائية كأنه يريد الجنون عقابا لهن على التمرد و العصيان و على الشرور التي ارتكبنها لأنه في نهاية المطاف عليه أن يضع النهايات المناسبة لذوق جمهوره و ثقافته و معتقداته .
ريم بدر الدين بزال
بيروت 6/1/2011
مراجع
* Merriam Webster`s encyclopedia of Literature. Mirriam –Webster ,Incorporated, Puplishers Springfield,MSassachausettes.1995)
* William Shakespeare .volume11.john.F.Andrews.libraray of congress cataloging in publication data.1985
*(The American Heritage® Medical Dictionary Copyright © 2007, 2004 by Houghton Mifflin Company. Published by Houghton Mifflin Company.)
*(Shakespeare's Women ,Shakespeare's Treatment of Women in the Tragedies Hamlet, Othello and Antony and Cleopatra,Liz Lewis)