منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    سياسة المرابطين الداخلية في افريقيا

    سياسة المرابطين الداخليـــة في افريقيا
    أولا: نظم الحكم فـي دولة المرابطين
    أ- نظام الولاية
    ب- نظام الوزارة
    ج نظام الكتابة
    د نظام القضاء
    هـ نظام الجيش والأسطول
    1- نظام الجيش
    2- الأسطول
    و النظام المالي
    ثانياً: بناء مدينـــــــة مراكش









    أولاً: نظم الحكم في دولة المرابطين
    انتهجت دولة المرابطين مجموعة قواعد في أدارة شؤون دولتهم والتي وجدتها مهمة في تثبيت أركان الدولة ويأتي في مقدمة تلك النظم ما يلي:
    أ - نظام الولاية:
    الولاية هي منصب الأمير المؤمر الذي يتولى حكم جزءٍ من الأرض, والقدرة على الفعل والقيام بالأمور والتصرف فيها والتدبير لها( 1)، ويرى البعض أن الإمارة على نوعين: إمارة خاصة، وإمارة عامة، فأما الإمارة الخاصة فهي محدودة الصلاحية ومقصورة على النظر في الأمور العسكرية والإدارية، وليس لمتوليها صلاحية النظر في الصلاة والقضاء والمالية، أما الإمارة العامة فكانت على نوعين: إمارة استكفاء وإمارة استيلاء، فأما إمارة الاستكفاء فهي تفويض الخليفة لشخص إمارة بلد وإقليم للنظر في الأمور العسكرية والمالية والدينية والقضائية(2 ).
    وأما إمارة الاستيلاء فهي: أن يستولي الأمير بالقوة على الولاية عنوة فيضطر الخليفة الى إقراره عليها وتفويضه السلطات المطلقة في إدارتها اعترافاً بواقع الحال، ويكون الوالي مستبداً بالسياسة والتدبير وبموجب إقامة الشرع، وحفظ هيبة الخليفة( 3).
    أما على صعيد النظام السياسي في دولة المرابطين فقد كان يمتاز بالبساطة( 4)، خاضعاً لنفوذ الفقهاء الذين كانوا مالكيين متشددين( 5)، ويعتمد نظام الشورى في اختيار الأمير( 6)، تطبيقاً لقولة تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}( )، حيث يعقد مجلس يشارك فيه شيوخ المرابطين( )، وأعيانهم، وبهذه الطريقة تم اختيار يحيى بن عمر وأخيه أبي بكر بن عمر، على أساس كفاءتهما السياسية والحربية( )، وأطلق عليهما لقب الأمير( )، كما تمت بيعة يوسف بن تاشفين، بعد عودة الأمير أبي بكر من مهمته التي قام بها في الصحراء، وتنازل له عن ملك المغرب في اجتماع حضره أشياخ لمتونة وأعيان الدولة من أمراء المصامدة، يصاحبهم الكتاب والشهود فضلاً عن أشخاص آخرين من الخاصة والعامة( )، وكان لقبهم الأمير( ).
    فلما اتسعت مملكتهم وعظم سلطانهم تلقبوا بلقب أمير المسلمين وناصر الدين( )، دون اتخاذ لقب أمير المؤمنين تأدباً واحتراماً للخليفة العباسي كي لا يشاركه احد في لقبه، واحتراماً لوحدة الأمة الإسلامية، لأن لقب أمير المؤمنين يخص الخليفة وحده، وبذلك أصدروا مرسوماً في سنة 466هـ/1073م( )، بأن لقب أميرهم هو أمير المسلمين وناصر الدين لكي يمتاز به عن سائر أمراء القبائل( )، وأصبح العمل جارياً به من لدن سائر أمراء المرابطين( ).
    أما صيغة التنصيب فتبدأ بمبايعة أفراد الأسرة المالكة ثم يليهم الأمراء من بني ورتنطق، ثم سادة لمتونة، ثم زعماء القبائل الأخرى الخاضعة لنفوذهم، ثم عمال الدولة، وهي بمثابة البيعة الخاصة ثم يتلى منشور ينص على بيعة الأمير الجديد في المساجد ويقرأ على الناس( )، وبذلك يقترن اسمه مع الخليفة العباسي في الخطبة على المنابر، كما وينقش اسمه على السكة( )، وعادة كان أمير المسلمين الجديد بعد تولية الأمر مباشرة يتخذ عدداًً من الإجراءات، منها تسريح السجناء، وتوزيع الأموال والخلع، فضلاً عن المنشور الذي يعلم فيه الولاة عن توليه، مع عزل ونقل بعض الولاة حتى لا يستبد احدهم بإقليم يحكمه( ).
    لقد غدت الدولة المرابطية، مملكة وراثية، منذ اختيار يوسف بن تاشفين لولده علي، لولاية العهد في سنة 496هـ/1102م، وأصبح تقليداً سار عليه خلفاؤه الى أن انتهت دولتهم على يد الموحدين( )، ولا يوجد نظام محدد لاختيار ولي العهد( )، على وفق شروط أو تقاليد معينة وإنما يتم ذلك على وفق مشيئة الأمير فيختار من ولده من يراه أهلا لخلافته( )، مع الأخذ في بعض الأحيان مشورة ورأي أشياخ المرابطين( )، وكان تعيين ولي العهد يجري بحضور الأمراء والفقهاء وكبار الدولة، ويحق لأمير المسلمين إقالة ولي العهد وترشيح آخر مكانه، ويحرر ذلك بوثيقة ويحتفظ بها في الخزائن الملكية( )، وتجدد له البيعة بعد توليه إمارة المسلمين من قبل احد كبار أمراء الأسرة الحاكمة( ).
    كان لدولة المرابطين قائداً أعلى هو أمير المسلمين( )، وللمدن ولاة خاضعون للأمير، وهـؤلاء يقومون بالمهام العسكرية والإدارية والاهتمـام بجوانب الإصلاحات الأخرى لولايتهم، ويتم اختيار الوالي على أساس مكانته وتـقواه وعدالته وعلمه وفهمه لمهمته( )، وكان أمير المسلمين يختارهم من لمتونة بشكل خاص وصنهاجة بشكل عام( )، ويتم مراقبتهم من قبل الأمير ونوابه، ويعاقب بالنقل أو العزل إذا قصر أو أهمل أو أساء السيرة أو ظهرت عدم كفايته، ويخضعون مباشرة لنائب الأمير( ).
    وكان لاتساع دولة المرابطين سبب في اتخاذهم نواب ينوبون عن أمير المسلمين بالجوانب السياسية أكثر من الجوانب الإدارية، كما ينبغي أن تتوافر فيه حسن الاداره في الدولة طبقاً للتعاليم الإسلامية، مع الكفاءة الحربية العالية، وان يكون من اقرب الناس الى أسرة أمير المسلمين، وهو بذلك يستمد سلطته من الأمير شخصياً، وكثيراً ما كان ولي العهد يمثل منصب نائب الأمير( ).
    كما كانت مهمة النائب عسكرية، إذا كان عليه أن يقمع الفتن، وحركات التمرد، ويخوض الحروب، يعاونه في ذلك قادة كبار من لمتونة( )، ومجموعة من الكتاب( )، وبذلك يمنح النائب صلاحيات واسعة منها، مراقبة أعمال الولاة، حق التصرف في عزل وتعين من دونه من الولاة المحليين، ومن يليهم من رجال السلطة، والقضاة، والقيام بتحركات عسكرية داخل مناطق نفوذهم( ).
    ومن الذين تولوا منصب نائب الأمير في دولة المرابطين، شخصيات هامة يمثلون أعظم شخصيات الدولة بعد أمير المسلمين وهم: سير بن أبي بكر( )، وعلي بن يوسف بن تاشفين، وأبو طاهر تميم بن يوسف بن تاشفين، وأبو عبد الله محمد بن عائشة، وأبو محمد بن عبد الله بن فاطمة، ويحيى بن غانية، وأبو عبد الله بن الحاج( )، وتاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين، وأبو بكر بن علي بن يوسف بن تاشفين( )، كما يلاحظ أن من يتولى نيابة الأندلس يستقر في غرناطة، أو اشبيلية، أو قرطبة، ومن يتولى نيابة فآس يستقر فيها، عندما يكون الأمير في مراكش تلافياً للازدواجية في السلطة، ويلقب بسلطان المغرب( ).
    ب- نظام الوزارة:
    اختلف اللغويون في اشتقاق اسم الوزارة، فقيل: انه مأخوذ من الوِزر، لقوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ }( )، وهو الثقل، لان الوزير يحمل عن الملك أعباء وأثقال الدولة، وقيل: انه مأخوذ من الوَزَر الذي هو الملجأ، ومنه قوله تعالى: { كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَر}( )، وقيل: من الأزْر، وهو الظهر، لقوله تعالى على لسان موسى: { وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}( )، لان الملك يقوى بوزيره( )، والوزارة تابـعة للسلطة( )، وهـي حال الوزير ومنصبه( )، وهـو يوازر الأمير ويتوزر له( ).
    في بداية الدولة المرابطية كان الأمراء بعيدين عن اتخاذ الألقاب والاهتمام بالمناصب، فلم يتخذوا وزراء بالمعنى المتعارف عليه، إلا أنهم اتخذوا أعوانا يرجعون الى مشورتهم، وكانت لديهم هيئة استشارية، تشترك فيها طائفة من الفقهاء والأعيان والكتاب( )، يبدون آراءهم في المشاكل المطروحة، وتبقى كلمة الفصل لأمير المسلمين( )، لقد اكتنف الغموض منصب الوزير( )، واكتفى أمراء المرابطين بطائفة من الكتاب في بداية أمرهم، يصرفون شؤون دولتهم، ومن ثم بعد ذلك تأثروا بالنظم السائدة في البلاد المجاورة، واقتباساً منهم، اتخذوا وزراء( )، وهي ارفع رتبة من الكتاب، وأدنى منزلة من أمير المسلمين، يجالسونهم ويشاورونهم في الأمور التي تعرض أمامهم، ويثقون بهم ثقة مطلقة، كما يشرفون على الشؤون المالية والإدارية( ).
    وكانت وظيفة الوزير سياسية قبل كل شيء، واغلب وزراء المرابطين من لمتونة( )، ومع هذا فقد وجدنا في دولتهم، وزراء عسكريين، وهم من أقرباء السلطان ومن قبائل لمتونة وصنهاجة ومنهم، سير بن أبي بكر( )، ووزراء كتاب وهم من الفقهاء ومنهم أبو القاسم بـن الجد( )، وهناك من جمع بين وظيفة الوزارة والكتابة ومنهم الوزير الكاتب أبو محمد بن عبد الغفور( )، وكان الوزير الذي يتم تكليفه بمهمة إدارية يدعى بالمشرف، يزود بسلطات استثنائية حتى يباشر مهمته دون أن يضايقه العمال، ويكلف بالنظر سياسياً وإداريا في شؤون المنطقة الإدارية المكلف عليها، وإطلاق يده في الأموال ليشرف على بناء المصالح العمومية دون تدخل العمال أو التعرض له( )، ومما يؤسف له إن المراجع لا تعطينا معلومات كافية وشافية عن الوزراء في عهد دولة المرابطين( ).
    ج- نظام الكتابة:
    اهتم المرابطون بديوان الانشاء، وحرصوا على أن يتولاه من أشهر الأدباء في تلك المدة أغلبهم من الأندلس( )، وسبق لهم أن عملوا في قصور العمال المرابطين، أو الى جانب ملوك الطوائف، وفيهم من جمع بين الفريقين، ثم انتقل الى خدمة أمير المسلمين، كابن عبدون( )، الذي كتب للمتوكل، ثم لسير بن أبي بكر، وأخيرا لعلي بن يوسف، وعبد العزيز الأنصاري، الذي كتب لأبي الطاهر تميم ثم لعلي بن يوسف( )، وكان العديد منهم قد ولي الوزارة لدى ملوك الطوائف، فابن عبدون مثلاً قد ولى الوزارة للمتوكل بن الأفطس( )، وكان ابن القصير وزيراً للمعتمد بن عباد( )، ولذلك فعندما يشير المقري إلى أبو محمد عبد الغفور بالوزير الكاتب( )، وحينما يشير ابن بسام الى الوزير ابن عبدون( )، فهذه الصفة ترجع الى أيامهم في الأندلس( ).
    لقد اختار المرابطون الكتاب من كبار الأدباء الأندلسيين، وذلك لان جزالة المعنى وبلاغة المفردة قد تلعب دوراً يفوق دور المفاوضات الشفوية، فضلاً عن الزخرف اللفظي الذي ساد أسلوب الرسائل الرسمية، بينما لا تجده في أسلوب الرسائل غير الرسمية( )، ومن المفيد أن نلفت الانتباه إلى أن المغرب لم ينجب أدباء في تلك المرحلة بحيث يمكن الاستغناء عن الأندلسيين، ومن اجل توثيق العلاقات بين المغرب والأندلس والتقريب بين ثقافة البلدين، وللاستعانة بخبرتهم لمعرفتهم خفايا الأمور( )، ان كاتب يوسف بن تاشفين، حتى قبل أن يعبر الى الأندلس، كان أندلسياً من أهل المرية، وهو عبد الرحمن بن أسباط( )، ولما توفى خلفه في منصبه، أبو بكر بن القصيرة، وهو يومئذ من أئمة البلاغة في بالأندلس( ).
    وكان أمراء المرابطين يتخذون الكتاب الذين يجيدون اللغات الأخرى، للقيام بالترجمة عنهم عند استقبال الوفود( )، ومن جهة أخرى كانت المراسيم المرابطية أحيانا تصدر باللغة العربية واللهجة البربرية، ليطلع عليها الكثرة الغالبة المتكلمة بالعربية( )، وقد وصف البعض حال المرابطين بكتابهم قائلاً: "واجتمع لأمراء المرابطين من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من الاعصار"( )، حيث كان لأمير المسلمين عدة كتاب في آن واحد، وعلى رأسهم كاتب كبير هو في الواقع رئيس ديوان الرسائل( )، وكان ضمن هذا الديوان مجموعة الناسخين الذين يحررون عدة نسخ من الرسائل الأصلية لتوجه الى الولاة أو من يعنيهم الأمر( ).
    ولا يمكن ذكر الشيء الكثير بصورة أكيدة عن واجبات هؤلاء الكتاب، عدا انه كان يعهد إليهم الإشراف على ديوان الرسائل، وإذاعة المراسيم والبراءات، وتحرير الرسائل الرسمية وختمها بخاتم الأمير بعد اعتمادها منه، وبعد وضعها في الصفة النهائية يختمونها بخاتم الدولة، وأحيانا يستشارون من قبل السلطان( ).
    د- نظام القضاء:
    إن الدعوة التي بثها عبد الله بن ياسين في نفوس الملثمين، وتشبثهم بإقامة مراسيم الشريعة وأخذهم بأحكام الله، جعلهم ينظرون الى القضاء والفقهاء نظرة إجلال واحترام، من خلال تحكيمهم في قضاياهم ونوازلهم( )، لرفع المشكلات، وتمييز الحقائق من المتشابهات، والفصل في الدعاوى والمنازعات( ).
    فكان لمنصب القاضي أهمية كبيرة في عهد المرابطين، فظفروا بسلطان عظيم، ونفوذ لم يكن لهم من قبل، وأنزلوهم من نفوسهم منزلة رفيعة، وأشركوهم في مجالسهم واتخذوا بعضهم وزراء، وشاوروهم في كل صغيرة وكبيرة، وقربوهم وأغدقوا عليهم، "الأعطيات من بيت المال"( )، حتى كثرت أموالهم واتسعت مكاسبهم( )، واخذوا يعيشون عيشة البذخ والترف( )، "وانصرفت وجوه الناس إليهم"( )، وجمـع القضـاة بين المـال والسؤود والنفوذ( )، ولم يجلس أمراء المرابطين إلا ويحفونهم الفقهاء والقضـاة، ويسيرون في ركابهم( )، فاستمد القضاة نفوذهم من سلطة الدولة نفسها، وأصبح حكم القاضي نافذاً لا يرد( )، يحكمون على وفق المذهب المالكي وينفذ أحكامهم الولاة والحكام المحليون( ).
    وكان لا يتولى منصب القضاء في عهد المرابطين، إلا من ثبتت قدرته ونزاهته( )، وتوفرت فيه شروط القاضي وهي: " الإسلام، والعقل، والذكورة، والحرية، والبلوغ، والعدالة، والعلم، وسلامة حاسة السمع والبصر من العمى والصمم، وسلامة حاسة اللسان من البكم، وكونه واحداً لا أكثر"( )، وعادة يتم اختيارهم من كبار العلماء، وأكثرهم من غير قبيلة صنهاجة، وهذه سياسة حكيمة اتبعها أمراء المرابطين رغبة في تحقيق العدالة وتطبيق شرائع الدين الإسلامي( )، وتمتعت السلطة القضائية باستقلال عن سلطة الأمير والولاة، كما ويعين القاضي بمرسوم خاص صادر عن أمير المسلمين، وكذلك عزله، فهذا هو القاضي عبد المنعم بن مروان الطنجي، ( ت: 524هـ/1129م)، يتولى قضاء اشبيلية ثم ينقل الى غرناطة ثم يعاد إلى اشبيلية ثم لقضاء غرناطة، ويلح على إعفائه لكن السلطان لم يعفه( )، وكان لأهل البلدان التابعة لدولتهم الحق في ترشيح من يرونه مناسبا لمنصب القضاء في بلدهم( ).
    ولم يكن منصب القضاء مجرد منصب ديني في عهد المرابطين فحسب بل ارتبط بالسياسة( )، لان الدين والسياسة ارتبطتا في الهيئة الاستشارية العليا( )، فبلغ من نفوذهم أن قام بعضهم في أواخر عهد المرابطين بالاستقلال عن دولة المرابطين، أمثال قاضي قضاة قرطبة ابن حمدين( )، الذي أعلن انفصاله في سنة 539هـ/1144م، وتسمى بأمير المسلمين، المنصور بالله( )، والقاضي عياض( )، الذي أعلن ثورته ضد قيام الموحدين ولكن لصالح المرابطين( ).
    كانت للقضاة درجات أو مراتب، فهناك القاضي الذي يتمتع بسلطان القضاء في مدينة صغيرة أو قرية، وهناك قاضي الجماعة بمدينة كبيرة ( )، وهو ارفع درجة، وأعلى مرتبة، ويبسط سلطانه على المدينة واحوازها، ثم هناك قاضي الإقليم كله( )، وزعامة القضاء بالمغرب كله كانت لقاضي الجماعة بمراكش، الذي كان يسمى أحيانا بقاضي الحضرة، وكان اقرب الفقهاء الى قلب أمير المسلمين وأدناهم منه مجلساً( )، فقد كان عضواً بمجلس الشورى يستفتيه في كل الشؤون( ).
    لقد اتخذ المرابطون فقيهاً له السلطة العليا على قضاة المغرب والأندلس عامة( )، ومن تولى هذا المنصب أبو عبد الملك مروان بن عبد الملك بن إبراهيم بن سمجون اللواتي قاضي طنجة، الذي انصرفت إليه جميع أمور المغرب والأندلس( )، وكانت زعامة القضاء في الأندلس والمغرب أحيانا لقاضي مراكش- قاضي الحضرة - وتارة لقاضي سبتة وطنجة وتارة أخرى لقاضي الجماعة في قرطبة( )، وكان للقاضي مجلس شورى يتكون من أربعة فقهاء من البلد الذي تولى القضاء فيه، فلا يقطع أمرا ولا يبت حكماً في قضية صغيرة أو كبيرة إلا بحضورهم( ).
    تعددت سلطات القاضي وتنوعت مهامه، فكان يشرف على عدة وظائف أو خطط مثل خطة الشورى، والفتيا، وخطة الأحكام، والصلاة والخطبة، وكان يولى أحيانا فقيهاًُ على كل خطة، يستقل بشئونها، ويختص بها( )، كخطة الصلاة والخطبة، وخطة الأحكام، على أن لا ينظر في رقاب الأموال، ولا حكم له على الأيتام، ولا فيما فيه أمر من أمور السلطان والعمال( )، أما القضايا المهمة التي يتطلب الفصل فيها جرأة وشجاعة وعدلا، كانت تترك للقاضي نفسه، لإصدار حكمه على الجميع، سواء كان حاكماً أم والياً أم قائداً أم من الأشراف( ).
    وكان القاضي يستعين بطائفة من الشرطة، الذين سماهم ابن عبدون، "الأعوان"( )، ويتخذ القاضي كذلك كاتباً، وممن كتب للقضاة، القاضي الكاتب أبو القاسم أخيل بن إدريس الرندي( )، وعبد الله بن علي بن محمد ابن عبيد المعافري( )، وأحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن الصقر الأنصاري الخزرجي( )، وغيرهم( )، وكان يشترط في الكتاب الذين يكتبون للقضاة أن يكونوا ذو حظ وافر من العلم ومعرفة بالأحكام والقضاء( )، ويتخذا كذلك حاجباً ليحول بين الناس وبين أن ينالوا من هيبة المجلس ووقاره( )، كما كان القاضي يشرف على بيت المال، وموارده، ويصلح المساجد ويقيم الصوامع، وإذا دعي للجهاد يشارك في مقدمة الصفوف( )، كما يحض الجند على القتال( )، وقد استشهد بعضهم، ومنهم القاضي عبد الملك المصمودي قاضي مراكش( ).
    وكان من ضمن صلاحيات قاضي الجماعة تعيين قضاة الأقاليم في المناطق التابعة لهم( )، وبشكل عام لم يخرج عن سلطات قاضي الجماعة إلا إعداد الجيوش وجباية الخراج، حيث كانت اختصاصاته تشمل كل القضايا المدنية والتجارية والجنائية والإدارية( )، ومع هذا السلطان الواسع الذي تمتع به القضاة كانوا يخضعون لأمير المسلمين، خضوعاً تاماً، ويحدث أحيانا أن أمراء المقاطعات يعزلون القضاة أو ينقلونهم، وكان أمير المسلمين يعين كبير القضاة في بلاد المغرب، وكبيرهم في الأندلس، ويترك تعين القضاة في المدن والقرى للأمراء المحليين بعد مشاورة قاضي الجماعة في مراكش أو قرطبة( )، وزيادة على ذلك فقد عرفت دولة المرابطين بما يسمى القضاء العسكري ويمارسه قضاة مختصون لحل مشاكل الجند، في مواضع خاصة بالمعسكرات، وأطلق عليهم أسم قضاة الجند( )، منهم القاضي عبد الرحيم بن إسماعيل الذي عين قاضياً في معسكر أمير المسلمين علي بن يوسف بمدينة سلا( )، كما خصص المسلمون لأهل الذمة، قاضياً يعرف بقاضي النصارى أو قاضي العجم، وإذا كانت الخصومة بين مسلم وذمي فان قضاة المسلمين يتولون الفصل بينهما، إما إذا كان الأمر بين أهل الذمة فيتولى القضاء رجل منهم دون أن يتدخل قضاة المسلمين ( )، حيث أن النصارى كانوا يحتفظون ببعض القوانين القوطية ولهم أساقفتهم وقضاتهم( ).
    هـ- نظام الجيش والأسطول:
    1- نظام الجيش:
    ظهرت البوادر الأولى لجيش المرابطين "من نحو ألف رجل من أشراف صنهاجة"( )، حين اندفعت من رباط السنغال صوب الشمال، وانّقضت على المغرب الأقصى كأنها الصاعقة، فتجلت لديهم الروح القتالية العالية في المعارك التي خاضوها، "يختارون الموت على الانهزام، ولا يحفظ لهم فرار من زحف"( )، واستمدت صلابتها الحربية من بداوتها وحماستها الدينية( )، وقال أبو عبيد البكري: "ولهم في قتالهم شده وجلد... يقاتلون على الخيل والنجب وأكثر قتالهم رجالة صفوفاً بأيدي الصف الأول القنا الطوال للمداعسة والطعان وما يليه من الصفوف بأيديهم المزاريق( )، يحمل الرجل الواحد منها عدة يزرقها فلا يكاد يخطئ ولا يشوى، ولهم رجل قد قدموه أمام الصف بيده الراية، فهم يقفون ما وقفت منتصبة وأن أمالها إلى الأرض جلسوا جميعاً، فكانوا اثبت من الهضاب، ومن فر أمامهم لم يتبعوه"( ).
    ثم تعاظمت وكبرت هذه القوة لتصبح جيشاً جراراً بعد الفتوحات والانتصارات التي أحرزوها( )، وكان ليوسف بن تاشفين الفضل الأول في تنظيمها، الذي أدرك أن سبل النجاح في المعارك الجهادية، تكمن في تنظيم قوة المرابطين لتصبح أداة فاعلة في كفاح يقرر فيه مصير المسلمين في المغرب والأندلس، فجند الأجناد واستكثر القواد واتخذ الطبول والبنود ورتب العمال وكتب العهود وجعل في جيشه الاغزاز( )، والرماة( ).
    كان جيش المرابطين بشكل عام مقسم على قسمين: سمي الأول منهما بالحشم ويضم المقاتلين من، جزولة، ولمطة، ومصمودة، وقبائل زناتة( )، والقسم الثاني سمي بالداخلين ويضم المقاتلين من صنهاجة، ومن العلوج( )، والعبيد السودان( )، وكان أمير المسلمين هو القائد الأعلى للجيش( )، أو نائبه، ويتولى العمال المحليون القيادة في الأقاليم، وأغلبية قواد الجيش من أبناء أو أقارب أمير المسلمين، ومن أشهرهم: سير بن أبي بكر، وتميم بن يوسف، وداود بن عائشة، وعبد الله بن فاطمة، وعمر بن سليمان المسوفي، ومزدلي بن تيلكان اللمتوني( )، وكانت قوة الجيش الرئيسة تتكون من الفرسان( )، وقد بلغت نحو مائة ألف فارس على عهد يوسف بن تاشفين ومن مختلف القبائل( )، هذا غير المشاة من الرماة وغيرهم( ).
    وكان ترتيب نظام الجند المرابطي يقوم على نظام خماسي وهو: المقدمة، والمؤخرة، والميسرة، والميمنة، والقلب( )، فيتقدم الجيش، الجند المشاة، ووحدات الفرسان الخفيفة، وحملة القسي والنبال والرماة، ويرتبون في جناحين، ويتكون القلب من وحدات الفرسان الثقيلة، التي كان لها الدور البارز في حسم المعارك، أما المؤخرة أو القوات الاحتياطية فيقودها أمير المسلمين بنفسه، إذا كان مصاحباً للجيش أو نائبه وتتألف من صفوة الجند وقوى الحرس المختلفة( )، وكان لكل قسم من القوات قائد خاص( )، ويجتمع القادة جميعاً في مجلس الحرب للمشورة، ورسم خطط للهجوم والانسحاب وفقاً لأوامر القائد الأعلى، ويعقد قبل بدأ المعركة( )، ويحشد الجند على وفق القبائل والأقاليم، وكانت القيادة العليا بشكل خاص تتركز بيد أمير المرابطين أو من يوكله، وكانت هذه السياسة مرسومة وواضحة القصد والمغزى( )، وكان أمراء المرابطين يجرون تنقلات مستمرة بين قيادة فرق الجيش، حتى لا يطول بقاء القائد في منصبه فيستبد بالأمر( ).
    لقد اتخذ الجيش المرابطي مظاهر عسكرية منها البنود – الألوان- والطبول لإدخال الذعر والرعب في قلوب الأعداء وإرهابهم( )، ففي البدء كانت أسلحتهم بسيطة ويعتمدون على الإبل( )، في خوض حروب الصحراء، وفي المدن ابتكر أمراء المرابطين خطة عسكرية ملائمة تعرف بأسلوب التقري( )، وبدأ المرابطون يسلحون فرقهم بالتروس وينسجون الدروع ويلبسون البيضات( )، وعملوا على أن يكون سلاح كل فرقة من الجيش يتناسب مع تركيبها، ومهمتها القتالية( )، وأسسوا مصانع لصناعة الأسلحة بعد أن كان يتم استيرادها( )، ومن أهم أسلحتهم، القنا الطوال، والمزاريق( )، والافاطس( )، والرماح والسيوف الهندية والمطارد( )، والدروع( )، والسهام والنبال، والرعادات والمنجنيقات( )، زيادة على الـــدرق أللمطية( )، واتخذوا مخازن السلاح في قصورهم ومقر حكمهم( )، وكان ضمن التقاليد العسكرية أن يقوم الجند باستعراض عسكري- أمام أميره- قبل انطلاقه نحو أهدافه( )، ثم يسير الى المعركة، على دوي الطبول، ومن فوقهم البنود، تصحبه الجمال المحملة بالأقوات والخيام وتكون في المؤخرة، وخلفها قطعان الماشية يقودها الرعيان( )، وإذا حط الجيش أقاموا معسكراً تحيطه الخنادق والتحصينات( ).
    فقد وصف لنا الطرطوشي ( ت: 520هـ/1126م )، أسلوب قتال جند المرابطين عند لقائهم العدو، حيث قال: "يتقدم الرجالة بالدرق الكاملة، والرماح الطوال، والمزرايق المسنونة النافذة، فيصفوا صفوفهم، ويركزون مركزهم ورماحهم خلف ظهورهم التي تمزق سهامهم الدروع، والخيل خلف الرماة ... فإذا قرب العدو رشقهم الرماة بالنشاب، والرجالة بالمزاريق، وصدور الرماح تتلقاهم ... فتخرج خيل المسلمين بين الرماة والرجالة فتنال منهم ما شاء الله تعالى"( )، كما اعتمدت الجيوش المرابطية على نظام الكمائن في قتالهم لمناسبة طبيعة الأرض الوعرة مع هذا الأسلوب القتالي( )، وكان يصرف للفارس خمسة دنانير مع نفقته وعلف فرسه( )، على أن الجند بشكل اكبر يعتمدون على ما يغنمونه من الأعداء( )، وكانت الدولة تزود أهل الثغور بالخيل والسلاح( ).

    2- الأسطول:
    لم يكن للمرابطين عهد بركوب البحر، ولكن الحاجة فرضت عليهم الاهتمام بهذا الجانب، لحماية السواحل البحرية، وتأمين حماية الموانئ الساحلية الواقعة على المحيط الأطلسي( )، وكذلك على الثغور الشمالية في المغرب مثل سبتة وطنجة، مما دفع المرابطين لإنشاء الأسطول( )، وزاد من أهمية ذلك عندما غدت الأندلس ولاية مرابطية( )، وسرعان ما بلغ عدد قطع الأسطول المرابطي مائة قطعة موزعة على الموانئ الرئيسة من المغرب والأندلس( )، فكانت لهم في سبتة وقادس والمرية أساطيل دائمة( ) وعني المرابطون في دور الصناعة ذات الشهرة العالمية في صناعة السفن ومن أهم هذه الدور دار الصناعة في مدينة المرية( )، أما الأسطول المرابطي فيتألف من سفن النقل، والسفن المقاتلة( )، واشترك الأسطول الناشئ في حصار سبتة علم 476هـ/1083م، ومد العون للقوات البرية التي كانت تقاتل سكوت البرغواطي( ).
    كما استطاع الأسطول الجديد أن يمد يد العون لقوات المرابطين وهي تجتاز البحر لأول مرة( )، وقد ظهر الأسطول المرابطي كعنصر فاعل في معركة الجهاد من اجل السيادة على بلاد الأندلس، واتخذ موقف المهاجم، فاشترك في معركة قرب بلنسية( )، وجزيرة شقر( )، كما خاض معركة استرجاع جزر البليارد( )، ثم ازدهر الأسطول المرابطي في عهد الأمير علي بن يوسف بن تاشفين( )، حتى وصل الى عشرة أساطيل في عهد ابنه تاشفين عام 539هـ/1144م( )، وكل قسم من أقسامه يختص له قائد يخضع بدوره لأمير البحر( )، وقد اختصت به أسرة بني ميمون وانتقلت هذه الأساطيل على يدهم الى خدمة دولة الموحدين حينما زالت دولة المرابطين( ).


    و- النظام المالي:
    ان أهم واردات الدولة الإسلامية هي: الزكاة( )، والخراج( )، والجزية( )، والغنيمة( )، والفيء( )، والعشور( )، ولقد أتبعت الدولة المرابطية في البداية سياسة ضريبية التزمت فيها بأحكام الشرع الإسلامي( )، فسن عبد الله بن ياسين "التطيب"( )، والمرابطون بعدهم في الصحراء( )، ومع بداية فتح البلاد الغربية بدأ التخميس، وتوزيع الغنائم على الفاتحين( )، إلا ان هذه السياسة توقفت بعد أن تم بناء مراكش واتخاذها عاصمة لهم وتحول الحركة المرابطية الى دولة قائمة( )، فاتبع أمراء المرابطين نظاماً مالياً يعتمد على القواعد الإسلامية( )، فحرصوا على إلغاء الضرائب غير المشروعة، التي كان قد فرضها من سبقهم من الزناتيين في المغرب( )، فاسقطوا المغارم( ) والمكوس( )، ولم يتم فرض معونة( )، أو خراج لا في البادية ولا في المدينة( )، واقتصروا فقط على الزكاة، والعشور، والجزية، وأخماس الغنائم( )، وأقاموا بيتاً لأموال المسلمين، يُنظم فيه دُخولهم ومَصروفَهم( )، وجُمع لديهم الأموال من الجباية مالم يجمع لأحد من قبلهم( ).
    ولم يغفل أمراء المرابطين الدعاية لنشر دعوتهم، فقد كان عبد الله بن ياسين يبعث قسماً من أموال الزكاة والأعشار والأخماس إلى طلبة المصامدة وقضاتها ومحتاجيها وصلحائها( )، وذلك لتأليف قلوب الناس وكسب ثقتهم في جهات المغرب كافة( )، ثم تطور الوضع المالي في عهد الأمير علي بن يوسف، ففرض الضرائب على بعض السلع، فضلاً عن فريضة جديدة على مدن الأندلس، خصص دخلها لبناء أسوار جديدة وإمداد الجيش لتقويته وكذلك لترميم الأسوار القديمة وتحصين المدن( )، ويتم مراقبة القائمين على أعمال الجباية ويحاسب المقصر منهم حساباً عسيراً وقد تصل الى حد العزل والسجن ومصادرة أموالهم إذا ثبت تقصيره، حتى وإذا قضى نحبه قبل إتمام محاسبته، يتم محاسبة الورثة ومصادرة تركة الجابي المتوفى إذا لزم الأمر( ).
    وكانت العملة الرئيسة لدولة المرابطين الدينار الذهبي، وقد ظل معمولاً به حتى بعد أن آلت دولة المرابطين إلى الزوال، كما استخدموا الدرهم الفضي لتسهيل المعاملات التجارية( )، وكانت الدنانير المرابطية تأتي في المرتبة الرابعة بين مثيلاتها بالنسبة للدنانير الفاطمية( )، وذكر ابن عذارى، أنه في سنة464هـ/1071م: "صنع الأمير يوسف بن تاشفين دار السكة بمراكش، وضرب فيها السكة بدراهم مدورة زنة الدرهم منها درهم وربع سكة من حساب عشرين درهماً للأوقية، وهو الدرهم المعلوم في ذلك الوقت وضرب الدينار الذهبي باسم الأمير أبي بكر بن عمر في هذا العام"( )، وفي عام 479هـ/1086 جدد السكة يوسف بن تاشفين وضرب الدينار باسمه( )، وكان من الذهب( )، ونقش في احد صفحتيه: "لا إله إلا الله محمد رسول الله", وتحت ذلك: "أمير المسلمين يوسف بن تاشفين"، وكتب في الدائرة: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}( )، وكتب في الوجه الاخر: "الأمير عبد الله بن أمير المؤمنين العباسي"، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع السكة( )، وانتشرت دور سك العملة في مختلف نواحي الدولة المرابطية مثل: اغمات، وتلمسان، وسجلماسة، وفاس، ومراكش، وسبتة، ومكناسة، وطنجة، وغيرها( ).

    ثانياً- بناء مدينة مراكش:
    لما خرج الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني من الصحراء باللمتونيين واستقروا باغمات وريكة، فكثر الخلق بها وضاق الجمع بهم وصعبت حالتهم، شكا أشياخ اغمات وريكة وهيلانة إلى الأمير أبو بكر، ما لحق بهم من المشقة والعناء فطلب منهم أن يعينوا له موضعاً لبناء مدينة، فاجتمعوا على أن يكون بناءها بين بلاد هيلانة وهزميرة، فأعلموا أبا بكر على ما اتفقوا عليه وأنهم نظروا إلى موضع، صحراء رحب الساحة، واسع الفناء، لا أنيس به ألا الغزلان والنعام ولا ينبت فيه إلا السدر( )، والحنظل( )، ووادي نفيس( ) جنانها وبلاد دكالة( )، فدانها، وزمام جبل درن بيد أميرها، ومسرحاً خصيباً للجمال والدواب يليق بمقصد الأمير، فركب الأمير أبو بكر وبرفقته قومه من الملثمين وأشياخ المصامدة ووجوه الناس لفحص مراكش ففرحوا بالموقع، وتم وضع أساس مراكش وذلك قصر الحجر سنة 462هـ/1069م، وشرع الناس في بناء الدور من غير تسوير عليها، وفي عام 463هـ/1070م، وصل وفد الى الأمير أبي بكر من لمتونة بالصحراء يعلمونه أن جدالة أغارت عليهم، فتوجه الى الصحراء وأستخلف أبن عمه يوسف مكانه على المغرب( )، فأكمل يوسف بناء مراكش وحصنها وأعانَّه القبائل في جميع أموره( ).
    وقيل بأنه في سنة 454هـ/1062م، عندما أستفحل أمر يوسف بن تاشفين بالمغرب، وعظم صيته، بدأ يفكر ببناء مدينة يأوي إليها بجنده وحشمه، وتكون حصناً له ولأرباب دولته، فاشترى موضع مدينة مراكش ممن كان يملكه من المصامدة، ثم نزل الموضع بخيام الشعر( )، وهو قاع صفصاف لا عمارة فيه، متوسط في بلاد المغرب، تحت جبال المصامدة الذين هم أشد أهل المغرب قوة وأمنعهم معقلاً( )، وكان موضعاً مكمناً للصوص( )، مأوى الحرامية( )، ومُلكاً لعجوز مصمودية( )، وأطلق عليه اسم مراكش التي تعني بلغة المصامدة أمش مسرعاً( )، وبنا فيه مسجداً للصلاة، وقصبة صغيرة لتكون مخزناً لأمواله وسلاحه، ولم يبن على ذلك سوراً( )، وحفرت بها الآبار( )، واتخذها مقراً له( )، ودار ملكه( )، ومنزلاً لعسكرة( )، وأكمل تشييدها وبناء أسوارها ابنه علي من بعده سنة 526هـ/1131م( )، وبلغت النفقة على السور وحده س%

  2. #2
    شكرا لهذا الجهد القيم وحبذا لو ارفق الموضوع بالمراجع التي استعنت بها
    كل التقدير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    شكرا لك يااخت ريمة على مرورك على ما نشرناه وتقييمك لجهدنا
    الا انه لم تظهر الهوامش والمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها اثناء نشري لهذا الموضوع ولا اعرف ماهو السبب هل من المنتدى ام لماذا فاستبيحك عذرا علما باني نشرت مجمل المصادر والمراجع بعد موضوع .. الاوضاع الاقتصادية والعلمية على عهد المرابطين .
    وسياسة المرابطين هذه بفصولها الاربعة هي من اصل كتاب صدر لي بعنوان (( سياسة المرابطين في افريقيا .... دراسة حضارية)) دار النمير للنشر .. دمشق
    ولك مني كل التقدير والاحترام

المواضيع المتشابهه

  1. | لله درك يا أمير المرابطين |
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-21-2012, 08:44 PM
  2. نظم الحكم فـي دولة المرابطين
    بواسطة حامد الشرابي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-19-2012, 04:05 PM
  3. دولة المرابطين بين التأسيس ... والزوال
    بواسطة حامد الشرابي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-18-2012, 04:00 PM
  4. سياسة المرابطين في افريقيا
    بواسطة حامد الشرابي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-25-2011, 02:44 PM
  5. رجل كان يتمشى في ادغال افريقيا
    بواسطة رفيف مرهف مصطفي الخاني في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-31-2009, 06:38 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •