محل الحركات من الحروف معها أم قبلها أم بعدها.. من "الخصائص" لابن جني
(1)
باب محل (الحركات من الحروف) معها أم قبلها أم بعدها
أما مذهب سيبويه فإن الحركة تحدث بعد الحرف، وقال غيره: معه وذهب غيرهما إلى أنها تحدث قبله. قال أبو علي: وسبب هذا الخلاف لُطف الأمر وغموض الحال، فإذا كان هذا أمرا يعرض للمحسوس الذي إليه تتحاكم النفوس فحسبك به لطفا وبالتوقف فيه لبسا.
فِممَّا يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول في الآخر نحو الملل والضَفَف والمشَش كما تفصل الألف بعدها بينهما نحو الملال والضفاف والمشاش، وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت فلن تخلو حركة الأول من أن تكون قبله أو معه أو بعده؛ فلو كانت في الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغام؛ ألا ترى أن الحرف المحرك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزا بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر؟
ونحو من ذلك قولهم: ميزان وميعاد ، فقلب الواو ياء يدل على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم؛ لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تل الواو فكان يجب أن يقال: مِوْازن ومِوْعاد. وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها، فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها، وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما.
وأيضا فلو كانت قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام؛ لأن حركة الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين، وهذا واضح.