تأملات في واقع المقاومة الفلسطينية (الحلقة الخامسة)
مصطفى إنشاصي
عودٌ على بدء لمناقشة الخطاب الإعلامي للمقاومة بهدف تصحيح مسار خاطئ في أسلوب وتكتيك المقاومة وخطابها الإعلامي الذي يفتقد إلى فن الدعاية والحرب النفسية، وكم قلت لبعض الأصدقاء: أن الحرب الإعلامية فن يحتاج دراسة وتدريب ووعي وخبرة، وأنه لو كان لدينا فصائل تحترم نفسها قبل شعبها كانت أعدت لأولئك الذين لا يعون ما يقولون دورات خاصة قبل أن تعينهم ناطقين ومتحدثين رسميين باسمها، ولكن ما قيمة حتى الدورات إن كان معظم قادتها لا يعون أبعاد القضية والصراع على حقيقيته؟! وسنوضح خطأ قراءتهم لواقع المقاومة في فلسطين في ضوء الرؤية التي قدمناها عن خصوصية فلسطين كقضية أمة يقع عبء تحريرها على عاتق الأمة وليس الفلسطينيين الذين يُفترض أن يقتصر دورهم في التركيز على وسائل حرب عصابات توحيد الأمة خلفهم لإفشال مخططات ومشاريع التسوية التي تهدف لتفتيت أقطار سايكس-بيكو إلى مزيد من الكيانات وإعادة تشكل خارطة (الشرق الأوسط الجديد)، تلك المخططات التي ما أن انتهت الانتفاضة وهدأ تفاعل الشارع العربي والإسلامي معها من المحيط إلى المحيط وخرج العدو الصهيوني من غزة وانشغل الفلسطينيون في اقتسام الغنائم حتى تمكن العدو من المباشرة في تنفيذها وتفتيت وتمزيق وحدة الأمة والوطن وكانت البداية من فلسطين، حيث قُسم الوطن والشعب المحتل إلى قسمين بات بعد خمس سنوات من الانقسام استحالة أو على الأقل صعوبة إنهائه في المدى القريب! لذلك قد يكون الحديث عن الانتصار والهزيمة في ظل الواقع الفلسطيني وواقع الأمة حديث تضليل وتزييف للوعي وبعيد عن الموضوعية!.
عن أي انتصار يتحدثون؟!
الذين يتحدثون عن الانتصار والهزيمة والرسائل التي وصلت للعدو من المسئولين في الفصائل أو الكتاب والمحللين في كل عدوان وخرق صهيوني للتهدئة مع احترامي لرأيهم إنهم لا يدركون معنى الانتصار والهزيمة لا لغوياً ولا عسكرياً فما بالنا إذا ما وضعنا تلك المصطلحات في ميزان الخصوصية للقضية الفلسطينية التي سبق وتحدثنا عنها؟! ولست هنا في معرض الحديث عن معنى الانتصار والهزيمة وتسلم العدو للرسائل التي شواهد الواقع تؤكد عكسها ولكن فقط أريد لفت الانتباه إلى أن معارك الثورات لا تقاس بالنصر والهزيمة ولكن تُقدر نسبياً بحجم الخسائر البشرية والمادية لدينا ولدى العدو، ومدى فاعلية أو جدوى أسلوب وتكتيك حرب العصابات الذي يستخدمه الثوار في حربهم ضد العدو، لأن الثائر الذي يجمد على أسلوب يجلب في كل مرة ردة فعل كارثية على شعبه ولا يعيد النظر فيه أو تقييمه وتقويمه قائد فاشل ولا يتحلى بروح المسئولية ولا يستحق أن يكون قائد! ويزداد فشل ذلك الزاعم أنه قائد عندما يزداد تهليله وأنصاره لانتصاراته الوهمية على حساب النكبات التي تحل بالشعب، والمصيبة أن تلك الانتصارات/النكبات متكرر على مدار العام دون أن نرى أو نلمس أي أثر لهزائم العدو أو لرسائل المقاومة التي تسلمها وستجعله يفكر مليون مرة قبل أن يعيد الكرة، ولكننا نجد سرعة عودة العدد لعدوانه يقتل ويقصف ويجرف الأراضي الزراعية ويوسع مساحات المناطق الفاصلة على أرضنا قبل أن يهدأ غبار عدوانه الماضي وقبل أن تنتهي احتفالاتنا بالنصر ورسائلنا التي وصلته!.
لقد غاب عن أولئك القادة الأشاوس أن كل اتفاقيات تجديد التهدئة السابقة التي وقعتها حماس كانت بنفس الشروط والضمانات الصهيونية لمصر بعدم خرقها أو العودة لسياسة الاغتيالات وغيرها وآخرها الاتفاق الذي تم توقيعه قبل ثلاثة أشهو بعد قتل العدو اثنا عشر قائداً من لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي! والمفترض بهم بدل التهليل لانتصارات وهمية أن يتواضعوا قليلاً ولا ينسوا فارق القوة بينهم وبين العدو الذي يعلم جيداً حقيقة قوته من خلال إدراكه لدوره ضد الأمة والوطن وأنه يُشكل رأس الحربة ومركز الهجمة لكل قوى الشر العالمي ضد قوى الخير العالمي الذي تمثله أمتنا، ويجب عليهم عدم المبالغة وتضخيم حجم قوتهم في حال كسبهم لبعض جولات الصراع إن كسبوها حقاً لأن ذلك ليس في صالح القضية، فما بالك ونحن في جل جولة يرتقي منا العشرات في حين أن أكثر من 230 صاروخ لم تقتل يهودي واحد سواء مدني أو عسكري؟! أضف إلى سرعة نقض العدو الاتفاق لأن اليهود ليس لهم عهد ولا ذمة!.
ويحضرني هنا حوار دار بيني وبين بعض الأصدقاء بعد جولة التصعيد الصهيوني بتاريخ 4/11/2011 واغتيال أمين عام لجان المقاومة الشعبية كمال النيرب واثنا عشر من إخوته ومن قادة الجهاد الإسلامي أوضحت ما يتعامى عنه أولئك القادة البؤساء الذين يحاولون تضليل وتزييف الوعي والتاريخ والتغطية على فشلهم وعجزهم بانتصارات وهمية! فقد أرسل لي صديق رابط لمضمون مقابلة أجرتها وكالة رويترز مع أبو أحمد أحد قادة الجهاد-سبق الإشارة لها- الذي كان فرحاً كصديقي براجمات صواريخ محمولة على سيارة دفع رباعي غلى درجة أنه من شدة فرحه أعلن في تلك المقابلة أنهم مستعدون لخوض حرب شاملة ضد العدو الصهيوني! ولكنه صديقي أفاق بعد تعليقي الصدمة من غفلته، حيث قلت:
حقيقي هذا واحد لا يفهم ولا يعي ما يقول، مغرور غرور فاضي ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه، هذه تصريحات غير مسئولة خاصة عندما تكون على صفحات وكالة رويترز بالذات! فرحان على راجمة صواريخ على سيارة دفع رباعي معتبرها غيرت المعادلة وأرهبت العدو الصهيوني؟! هذا لا يعلم أن العدو الصهيوني مستفيد من التهدئة والوساطة المصرية ومن صواريخهم استفادة كبيرة جداً؟! ما عليه كلما لاحت له فرصة تصفية واغتيال مجموعة من القادة العسكريين إلا خرق التهدئة التي سرعان ما ستتدخل مصر لتعيدها ثانية وتمارس بالتعاون مع حماس الضغط على الفصائل التي سرعان ما تلتزم بدورها؟! وطز في مئات الصواريخ التي لا تقتل إلا يهودي أو لا تقتل أحد وكل ما تحدثه إثارة شوية غبرة وبعض الرعب في نفوس المغتصبين اليهود الذين هم بطبعهم جبناء وبعض الخسائر المادية، ثم يلتزم العدو الصهيوني بالتهدئة فترة سرعان ما ينقضها عندما تتاح له فرصة اغتيال عدد من القادة الميدانيين والمواطنين وهو مطمئن إلى سرعة التدخل وإعادة التهدئة وخلي هذا وذاك يهدد ويتوعد بحرب شاملة أو غير شاملة ويتفشخر بأنه فرض شروطه وهكذا دواليك! هذا جاهل لا يعرف ما معنى الحرب الشاملة التي يُطلقها على أثير رويترز؟! أو قد يكون هناك قائد يفهم يُعلن عن عدد قواته العسكرية (8000 عنصر)؟! ولمن لوكالة رويترز اليهودية للأنباء؟! والرقم ليس قليل هذا جيش وأضف للرقم تلك التهديدات والحديث عن أنواع الأسلحة والصواريخ التي غيرت المعادلة وأنها باتت تهدد وجود الكيان الصهيوني بالإبادة! يا رجل هدول سيرتهم بتسد النفس!.
الذين يتحدثون عن الانتصار والرسائل والتهديد والوعيد لم نسمع لهم صوت ولا رأينا لهم رد وحبر الاتفاق الذي فرضوا فيه شروطهم لم يجف مثل دماء شهدائنا ولا انقشع غبار العدوان عندما عاد العدو الصهيوني لسياسة الاغتيالات وأغارت طائراته أكثر من مرة على عناصر للمقاومة المرة الأولى في رفح والثانية في دير البلح، للأسف لم ترد المقاومة ولم تقل لنا أنها أخطأت عندما تصورت نفسها أنها أملت شروطها وأن العدو سيحسب مليون حساب قبل أن يفكر في خرق التهدئة بل ومازال أبو أحمد وأمثاله يتبجحون بأن رسائلهم وصلت للعدو! ليس ذلك فحسب ولكننا لم نلمس أي أثر لتلك الرسائل التي وصلت العدو وأدرك معناها المرعب ولا أي تحرك للمقاومة التي انتصرت عندما أدخل العدو دباباته وجرافاته التي باشرت بتجريف الأراضي الزراعية في منطقة الـ300م التي أشرنا إليها في الحلقة الماضية تحت وابل من إطلاق النار على البيوت والمزارعين ليوسع المناطق الفاصلة التي سبق أن اقتطعها من الأراضي الزراعية قليلة المساحة في غزة لمنع إطلاق الصواريخ!.
ولكننا رأينا من خلال التصريحات الأخيرة لأبو أحمد وغيره أن المقاومة هي التي تسلمت رسائل العدو وبدأت تدفع عن نفسها التهمة وذلك بعد إطلاق ثلاثة صواريخ من سيناء على مدينة أم الرشراش (إيلات) المحتلة عام 1948 واتهام حماس بالمسئولية عن ذلك وتوعدها بأنه سيحملها مسئولية أي صواريخ تطلق من سيناء في المستقبل على الأراضي المحتلة عام 1948، وكل التقارير العسكرية تكاد تجزم بأن العدو اتخذ قراره بحملة برية على قطاع غزة وإن كانت محدودة ولكنه أجلها إلى ما بعد أعياد الفصح اليهودية التي تبدأ بتاريخ 15/4/2012 وتستمر حوالي عشرة أيام، أهكذا يكون تصرف المهزوم أو من أرعبته صواريخ المقاومة ولقنته درساً لن ينساه وسيجعله يفكر مليون قبل مهاجمة غزة؟!.
مطلوب من المقاومة التواضع قليلاً والتحلي بروح المسئولية وإدراك حجمها وحدود دورها وليس مطلوباً منها تضخيم قوتها وهي لا يقع على عاتقها مسئولية التحرير ولكن التحريك والتحريك يحتاج حسن اختيار الأسلوب وليس مجرد الحضور!.
التاريخ: 15/4/2012