إِقالَة ..
...
مَلَلتَ يَا شِعـرِيَ المَجنُـونَ مِـنْ قَلَمِـي
وَ مِـنْ عَنائِـيَ فِـي إِمـدادِهِ بِـدَمِـي
وَ بِـتَّ تَعـزُفُ عَـنْ أَفكَـارِ مِحبَرَتِـي
فَذابَتِ الرُّوحُ فِـي بَحـرٍ مِـنَ الحِمَـمِ
حَزَمـتَ أَمـرَكَ فِـي أَشـلَاءِ أَخيِـلَـةٍ
وَ عِشتَ تَحمِـلُ قَلبًـا بَـادِيَ السَّقَـمِ
وَ رُحتَ تَبحَثُ عَنْ غَيرِي ؛ فَهَلْ وَجَـدَتْ
تِيجانُ عِزِّكَ أَعلَـى مِـنْ ذُرَى شَمَمِـي ؟
أَمِنـتَ لِلحاقِـدِ المَهـزُوزِ ؛ فَارتَطَمَـتْ
لُحُونُ صَنجِكَ - بَعدَ السَّمعِ - بِالصَّمَـمِ
وَ كُنتَ يَا شِعرُ تَرجُو صَحـوَةً ؛ فَغَفَـتْ
مَحاجِرُ النُّورِ فِي جَفـنِ الكَـرَى ؛ فَنَـمِ
يَا صاحِ ؛ فَانظُرْ إِلَى مَـنْ جِئـتَ تَرفَعُـهُ
أَذَلَّ مَجـدَكَ بِالتَّدلِيـسِ فِـي الكَـلِـمِ
وَ كَدَّ يَنطَـحُ جُلمُـودِي فَخـارَ عَلَـى
وَحلِ الهَزِيمَـةِ لَمَّـا ارتَـدَّ عَـنْ هَرَمِـي
فَكَيـفَ هُنـتَ عَلَـى أَقـدامِ نَاظِمِـهِ ؟
وَ قَبلَـهُ كُنـتَ فِـي كَفَّـيَّ كَالعَلَـمِ !
وَ بِـتَّ تُنحَـرُ قُربـانًـا بِمِذبَـحِـهِ !
وَ عِفـتَ وَحيِـيَ وَ اشَّبَّثـتَ بِالصَّنَـمِ !
يَا شِعرُ ؛ يَا شِعرُ ؛ يَا لِلَّـهِ , كَيـفَ غَـدا
سِفرُ التَّراتِيـلِ يَشكُـو قَسـوَةَ الرُّقَـمِ ؟
كَيفَ اصطِبارِيَ ؟ كَيفَ الحُـزنَ أَمنَعُـهُ ؟
وَ كَيفَ أُظهِرُ وَجهَ السَّعدِ فِـي نَدَمِـي ؟
وَ كَيفَ أَضحَكُ ؟ وَ الأَنَّـاتُ قَافِيَتِـي !
وَ أَعيُنُ النَّاسِ ذِئبٌ ! وَ المُنَـى غَنَمِـي !
فِي يَومِ حِلِّـيَ أَغمَـدتُ السُّيُـوفَ فَلَـمْ
أَطعَنْ , وَ هُمْ طَعَنُوا فِي الأَشهُـرِ الحُـرُمِ
يَستَنكِرُونَ امتِـدادَ العِشـقِ فِـي لُغَتِـي
وَ يَزدَرُونَ اتِّقـادَ الشَّـوقِ فَـوقَ فَمِـي
وَ يَزعُمُونَ هَوَى الأَوطـانِ , لَيـسَ لَهُـمْ
مِـنْ حُبِّهـا غَيـرُ قَـولٍ كَـاذِبٍ فَـدِمِ
وَ يَدَّعُـونَ جِهـادًا فِــي قَصائِـدِهِـمْ
وَ هُمْ لَهُمْ - أَقصُدُ الباغِينَ - فِـي سَلَـمِ
وَ يَنهَشُـونَ بِنـابِ السُّحـتِ أُمَّتَـهُـمْ
وَ يَكدَحُـونَ لِـرَصِّ المـالِ فِــي رِزَمِ
وَ الأَرضُ تَنزِفُ فِـي مِدمَـاكِ أَحرُفِهِـمْ
فِيما يَعِيشُـونَ فِـي رَوضٍ مِـنَ النِّعَـمِ
تَبًّا لِشِعـرِيَ ؛ تَبًّـا ؛ كَـمْ وَهَبـتُ لَـهُ
عُمـرِي وَ مُعتَقَـداتِ الطُّهـرِ وَ القِيَـمِ
فَاستَخدَمُوهُ لِشَـنِّ الحَـربِ ضِـدِّيَ , إِذْ
بَاتَتْ بِهِ حُورُ عِيـنِ الفِكـرِ مِـنْ تُهَمِـي
سَقَـى الإِلَـهُ زَمانًـا كَـانَ أَمهَـرُهُـمْ
- بِالشِّعرِ - غِرًّا مِنَ الغِلمانِ فِي خَدَمِـي
مَا قُلتُ حَرفًا - عَلَى الجَـوزاءِ أَخمَصُـهُ -
إِلَّا وَ أَنكَـرَهُ مَـنْ عَـاشَ فِـي الرِّمَـمِ
يَا أَيُّها الشِّعرُ ؛ يَـا مَـنْ بِعتَنِـي ؛ بِأَبِـي
يَومًا فَدَيتُـكَ , لَا تَرجِـعْ إِلَـى زَخَمَـي
دَافَعتُ عَنـكَ بِرُوحِـي , وَيكَأَنَّـكَ لَـمْ
تَدفَعْ أَذَى القَومِ , إِذْ نَادَيتُكَ : ( اقتَحِـمِ )
هَجَرتَ لَحمِيَ , وَ استَوطَنتَهُـمْ عِوَضًـا
عَنِّي , وَ بَدَّلتَ شَحمِي - وَيكَ - بِالـوَرَمِ
يَا شِعـرُ ؛ جَيـرِ أَراكَ اليَـومَ مُقتَسَمًـا
بَينَ الدَّفاتِـرِ وَ الأَقـلَامِ , فَاستَهِـمِ (1)
مَنْ خَانَ وُدِّيَ فِـي وَقـتِ احتِياجِـيَ لَا
أَحتَاجُهُ - رَغَـدًا - فِـي رِفقَـةِ الحُلُـمِ
تَرَكتَنِـي لِاحتِراقِـي فَاحتَرَقـتَ عَـلَـى
جَمـرِ المَهانَـةِ , أَنَّـى عُـدتَ أَنتَـقِـمِ
ضَربًا هَذاذِيكَ , مِـنْ ثَـأرِي تَئِـنُّ بِـهِ
إِذا رَجِعـتَ إِلَـيَّ ؛ البُعـدَ فَاغتَنِـمِ (2)
إِنِّي أَقَلتُكَ عَـنْ عَقلِـي وَ مَـا قَسَمَـتْ
لَكَ الرُّؤَى مِـنْ إِماراتِـي , وَ ذَا قَسَمِـي
يَا سَاكِنًا فِي ضَمِيـرِي , لَا أَبَالَـكَ قَـدْ
وَقَعتَ مِـنْ شَاهِـقٍ , بِالقـاعِ فَارتَطِـمِ
يَا شَارِبًا مِنْ يَدَيَّ الحَـرفَ ؛ وَ اقتَرَفَـتْ
يَداكَ جُرمَ اختِلَاسِ النَّبـضِ مِنـهُ ؛ صُـمِ
يَـا رَاكِبًـا دَمعَـةً حَدبـاءَ ؛ صَهوَتُهـا
يَومًا سَتُلقِيكَ , عَـنْ مَتـنِ الرِّيـاءِ قُـمِ
لَيـسَ المُناضِـلُ مَـنْ يَستَـلُّ نَصلَـتَـهُ
لِيَذبَـحَ الآلَ قَبـلَ الغَاصِـبِ النَّـهِـمِ
أَو نَاظِمًـا لِلدُّنَـى أَشـعـارَهُ طَمَـعًـا
أَو خَائِنًـا يَرتَـدِي جِلبـابَ مُعتَـصِـمِ
فَاربَـأ بِنَفسِـكِ عَـنْ أَوهـامِ بَلسَمِهِـمْ
وَ اركُضْ بِرِجلِكَ ؛ ذَا نَهـرٌ مِـنَ الأَلَـمِ
وَ ابحَثْ عَنِ الضَّوءِ فِي مَعنَى قَصِيدِيَ ؛ طِبْ
أَنَّى يَطِبْ صُبحُهُ فِـي القافِيـاتِ ؛ عِـمِ
...
المفردات :
ـــــ
1)* جَيْر ( بكسر الراء ) :
حَرف جواب بمعنى نَعَمْ . و قال سيبويه : حركوا راءَهُ لِالتقاء الساكنين ، و إلَّا فحكمه السكون لأنه كالصوت . و هي بمعنى اليمين . و تستخدم استخدام اليمين ( القسم ) ؛ و معناها : حقًّا .
2)* هَذَاذِيك ( بمعنى كُفَّ ) :
هو مصدر مثنىً لَفظًا و يُرادُ به التكثير ، و تجب إضافتُه ، و معناه : إسراعًا لك بعدَ إسراع ، أو قَطعًا بعدَ قَطع : ( هَذاذِيكَ : أي هذًّا بعدَ هذٍّ ) , و يعربُ مفعولًا مطلقًا لِفعلٍ محذوف تقديرُهُ : أسرِعْ ، و إنما لم يُقدر فِعلٌ مِن جِنسِه لأنه ليسَ لَهُ فِعلٌ مِن جِنسِه . مثل : لَبَّيكَ .
__________________