منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1
    ريمه الخاني
    Guest

    علاقة الرسم بالشعر/بحث

    السلام عليكم
    جمعت من هنا وهناك نصوص ذات علاقه بحميمية الرسم واللون ربما اوحت لنا واضافت لموسوعتنا شيئا ما:

    في إتحاد ادباء البصرة عن العلاقة بين الشعر والرسم

    نظم إتحاد ادباء البصرة، مساءالأحد، ندوة عن العلاقة بين الشعر والرسم، هي باكورة نشاطه الثقافي بعد توقف استمر لشهر بسبب العطلة الصيفية، حاضر في الندوة الفنان التشكيلي صباح نوري السبهان في محاضرة بعنوان (الشعر والرسم ...الفيض التعبيري .. وديناميكية العلاقة)، قدم لها القاص رمزي حسن، وحضر الندوة العشرات من الادباء والمثقفين في البصرة.

    تناولت المحاضرة العلاقة بين الشعر والرسم بإعتبارهما ينبوعان متداخلان للإبداع، وأن تلونت واختلفت الأدوات والوسائل المفضية اليه، فالكثير من الشعراء رسموا، وكثيرا من الرسامين كتبو أو نظموا، فتأريخ الأبداع هو تأريخ مشترك وأن اختلفت سبل التعبير، وكلاهما يرتكزان على نزعة الإنسان للسمو وخلق عوالم وفضاءات مغايرة لما هو مألوف وسطحي.

    وقال الفنان التشكيلي صباح السبهان" الكلمة بثرائها الشعري والنثري، واللوحة بإكتنازها البصري والرمزي، يزخران، بطاقات وقدرات تعبيرية إيحائية هائلة، تدفعنا للإيغال في متاهات الكشف الإبداعي والجمالي."

    وأوضح "مع أن طبيعة العلاقة بين الآداب والفنون التشكيلية عموما تكتنفها المشتركات، وتؤطرها التناغمات والتوافقات، إلا أن التباينات واردة أيضا، سيما في المناخ التقني للطبيعة الشيئية للأدب والفن."

    ******************
    يتبع



  2. #2
    ريمه الخاني
    Guest
    الَّلوْنُ00بين فلسفة الفن والشعر








    بحث من تأليف:
    دكتور
    حافظ المغربي
    أستاذ النقد الأدبي المشارك
    كلية الآداب – جامعة الملك سعود






    للألوان بوصفها عنصراً من عناصر التشكيل الجمالي في الفنون بعامة والشعر بخاصة؛ دور كبير في استبطان جماليات العمل الفني؛ من حيث هو إبداع يحقِّق للإنسان متعةً مزدوجةً (حسيَّة وروحيَّة) تستنطق ما وراء التشكيل الحسِّيِّ من عوالم تعكس ما يعتمل في نفس المبدع رسّاماً كان أو شاعراً أو كاتباً0

    ووفقاً لما سبق ليس بغريب أن تتعدد اهتمامات الباحثين على مختلف توجهاتهم بدراسة ظاهرة اللون ، وسنعرض لوجهة كلٍّ منهم في إيجازٍ غير مخلٍّ فيما يخصُّ دور الألوان في بناء الصورة الشعرية0

    فعلى حين يرى العلم الحديث " اللون في حقيقته العلمية مجموعة موجات يصدرها الجسم المرئي وتختلف درجة كل موجة من مرئي إلى آخر،واختلاف الدرجة هو الذي يعطي المرئي لونه ، فدرجة تعطي اللون الأحمر، ودرجة تعطي اللون الأزرق وهكذا00"(1)؛ فإن العالِم النفسيَّ " يرى أن اللون ما هو إلا نتاج عملية تتم في المخ أولاً ثُمَّ يرسلها إلى العين لترى ما يراه المخ" (2)

    ومن ثَمَّ " فقد أثبتت التجارب أن للألوان تأثيراً قوياً على العواطف والأحاسيس والانفعالات"(3)، ولذلك وجدنا للألوان عند علماء النفس المهتمين بالفنون حيِّزاً لا يستهان به من الدراسات التي تخدم علاقة بين فن كالرسم بفن قولي كالشعر0 وقد حققت دراساتهم كشفاً عظيماً لكلا الفنين0 لذلك نرى كثيراً من الشعراء الفنانين في مختلف عصور الشعر وبخاصةٍ الأندلسية ؛ قد أفادوا – من حيث لا يعمدون- من رؤى الفنان التشكيلي " الذي يهتم بمساحة الألوان وتوزيعها إلى مجموعات لونية على لوحته ؛ تسهم في تحقيق ما يرمي إليه من أهداف، وتتناسب مع ما يصبو إليه كفنان ، وهو الذي يسترشد بالطبيعة وألوانها المتناسقة والمتناقضة"(4)،على نحو ما نراه عند أمثال البحتري، أوالرصافي وابن خفاجة وابن زيدون00وغيرهم من شعراء العصور الأندلسية في استنطاقهم الطبيعة صامتةً ومتحركةً بأبهج الألوان0

    وأحسب أنه من طموحات هذا البحث الإفادة من علاقةٍ قد تكون وشيجةً بين ما يراه علماء النفس والتشكيليون وبين الشعر، لأن اللون في ضمير الصورة الشعرية لم يعد كما يراه الشيئيون " مجموعة أشياء صمَّاء لا تحمل دلالةً ، وكل معنى إنما هو من صنع الإنسان الذي يحيل الكون إلى مجموعة أوهام لا تستند إلى حقيقة علمية ، وإذا أردنا أن نفهم الكون يجب أن نطرح تلك الأوهام وأن نجابه الشيء في وجوده الخارجي والمستقل عن التدخل الإنساني"(5)

    ورؤية الشيئيين للون رؤيةٌ تفتقر إلى حسٍّ جمالي ؛ حين تربط اللون بالشيء الملون دون أن ترتفع به إلى درجات من الرُّقيِّ تندُّ عن الماديَّة والشيئيَّة ، لأنها بذلك تلغي روح الفنان الكامن وراء استنطاق الألوان ؛ بفيض من روحه يحاول إعادة اكتشاف طاقات كامنة في اللون0

    ولعل رؤية سارتر إلى عمل الرَّسَّام تقرب به من نظرة الشيئيين الذين يرون اللون " في حقيقته صفةً للمرئي ، ولا تحمل هذه الحقيقة أية دلالة سوى تلك الموجات التي يمكن قياس درجتها من موجةٍ إلى أخرى"(6) . إن سارتر يخبرنا أن الرسَّام حين يستخدم اللون " لا يقصد إلى خلق شيء من الأشياء ، فإذا مزج الأحمر والأصفر والأخضر فليس هناك من سبب لكي يكون لمجموع هذه الألوان معنًى محدد ؛ أي أن يُحَالَ بها اصطلاحاً على موضوع آخر"(7)، ثم يضيف سارتر مقارناً بين استخدام كلٍّ من الرسَّام والكاتب للألوان فيقول: " وما دامت هناك دواعٍ ولو خفيّة ، بها يفضَّل الَّرسَّام اللون الأصفر على البنفسجيِّ أمكن أن يُقَالَ إن هذه الموضوعات التي ابتدعها على هذا النحو تعكس ميوله الخفيَّة ، ولكنها لا تعبِّر عن غضبه أو ضيق صدره ، أو عن سروره ، كما تعبر الكلمات أو ملامح الوجه على الرغم من أنها مغمورة بتلك المشاعر"0(8)
    ويدعم سارتر نظرته الضيقة لتشييء اللون والملون – فيما أظن - حين يعِّلق على عمل الفنان الإيطالي " تنتورتو" صاحب لوحة الجلجلة ( الجبل الذي صُلِب َفوقه المسيح ) مشيراً إلى أن المزقة الصفراء التي تركها فوق الجبل لم يتركها " لكي يدل بها على ضيق النفس ولا ليثير بها هذا الشعور ، فالمزقة ضيق وسماء صفراء في وقت معاً ، إنها ليست سماء الضيق ولا سماء ضائقة ، ولكنها ضيق ممثل في شيء0" (9)

    ولا يبهرنا – وتوجهات بحثنا مع الشعر- ما يفرق به سارتر بين عمل الرسام وعمل الكاتب في موضع آخر غير ما سبق(10)، فيشير إلى ما مضمونه ؛ أن الرسَّام يشييء العمل الفني ويترك تأويله لذوق المشاهد ، بينما الكاتب يقودنا بكلماته إلى ما يريد عن طريق استخدامه للرمز والإيحاء ، مع وضعنا في الاعتبار أن سارتر يفرق بين الشاعر ومجاله الشعر والكاتب ومجاله النثر، معتبراً أن الشعر مثله مثل الرسم والنحت والموسيقى لا يجب أن يكون ملتزماً ، بينما الكاتب عمله الإعراب عن المعاني لذلك يجب أن يكون ملتزماً 0 وهذه النظرة المغلقة من سارتر لا تقيم فنَّاً ، لأنني يجب أن أعترف من البداية أن الرسم والشعر كليهما قادر على الإيحاء والتحليق عن طريق الألوان والكلمات ؛ إلى استبطان عوالم من المرح والخوف والقلق والحب والجنس والخجل والغيرة000إلخ ، بعيداً عن هذه النظرة الشيئية المادية، مع مراعاة الفارق الكبير والجوهري بين كل من الرسم والشعر0

    ولكن يجب أن نُلحَّ في الوقت نفسه على حقيقة تتمثَّل في التواصل الحسِّيِّ والروحيِّ بين الرسّاَم والشاعر؛ فالشاعر الذي ألف بصره رؤية جمال الطبيعة ماثلاً حيَّاَ ناطقاً ؛ ثم يراه بعد ذلك مصوَّراً تستنطقه ألوان الرسَّام بما يضيفه خياله و وتضفيه مشاعره على ألوانه من خلال لوحاته؛ إن ذلك الشاعر قادر على أن يرسم بكلماته التي تتحول ألواناً تندُّ عن محدودية المكان عند الرسام - لتحلّقِ في عوالم من الإيحاءات والرموز- ما يكمِّل ما نَبَتْ عنه ريشة الرسام ليعيد خلق الطبيعة من خلال صوره اللونية أجمل مما كانت0

    ونحن حيال الفنَّان – رسَّاماً كان أو شاعراً- نفرق في العملية الفنية بين مرحلتين نفسيتين جماليتين : " الأولى مرحلة إدراك الفنان لشيء ، والثانية هي مرحلة إبرازه هذا المدرك لأعين أخرى غير عينه ، وذلك في الأثر الفني ، فالفنَّان في الحالة الأولى مشاهد ، وهو في الحالة الثانية معبِّر0" (11) ، ولكي يكون لهذا الكون معنًى من إحساس وشعور في تعبير الفنان وفقاً للمفهوم السابق ؛ يجب أن يكون اللون – كما يرى د0 عبد الحميد إبراهيم- " من جهة الرائي – وليس باعتباره موجات- هو طريق معرفة العالم ، فلو كنت لا ترى لاستوى عندك الأبيض والأسود ، ولست أعني ذلك الاستواء في وجوده المادي ؛ ولكنني أعني الاستواء في وجوده المعرفي الذي يُبْنَى عليه تغيُّر في موقف الإنسان ، وانتقاله من حالة إلى حالة، وإمكانية تصنيف تلك الحالة تحت اسم معين" 0(12)

    والحال السابقة لا تنكشف إلا لفنان بحقٍّ ينفذ في نظرة ميتافيزيقية – فيما أزعم – لما خلف الألوان في وجودها المادي باترةً على الجسم الملوَّن0 ويجب أن نعي أنه ليس كل من يملك حسّاً جمالياً – وإن كان راقياً- يُعَدُّ شاعراً أو فنَّاناً؛ فالشاعر الفنان هو الذي تتحوَّل الألوان عنده إلى شيء مطلق ؛ يرتفع عن مجرد وصف وردة بأنها حمراء ، وفي الوقت نفسه يرتفع عن نمطية الأوصاف التي تجعل من حمرتها وصفاً للمحبوب مما بلي استعماله ؛ في تقييد لإعمال الخيال استنباتاً لصور لونية بكر تكشف عن خبايا النفس 0

    وهنا أجدني مسترجعاً نقد العقاد لأولئك الشعراء النمطيين حين يقول : " وإذا كان كدُّك من التشبيه أن تذكر شيئاً أحمر، ثم تذكر شيئيين أو أشياء مثله في الاحمرار؛ فما زدت على أن ذكرت أربعة أو خمسة أشياء حمر بدل شيء واحد000وما ابتُدِعَ التشبيه لرسم الأشكال والألوان محسوسةً بذاتها كما تراها ، وإنما ابتُدِعَ لنقل الشعور بهذه الأشكال والألوان من نفس إلى نفس، وبقوة الشعور وتيقظه وعمقه واتساع مداه ونفاذه إلى صميم الأشياء يمتاز الشاعر على ما سواه ، ولهذا لا لغيره كان كلامه مطرباً مؤثِّراً0" (13)

    وإذا كان هذا رأي شاعر وناقد كالعقاد عن فنية عمل الشاعر حيال التعبير الأمثل عن النظرة الجمالية النفسية للتشكيل باللون ؛ فإنها تقربنا أكثر من الفنان المتميز " رودان" للنظرة الميتافيزيقية للتشكيل باللون والتي تسمو على التَّشيُّوء والتجسيد0 يقول رودان : " ليست الخطوط والألوان بالنسبة إلينا إلا علامات حقائق مختبئة ، إن نظرتنا تغوص إلى الروح الكامنة وراء السطوح ، ونحن حين نرسم السطوح بعد ذلك نغنيها بالمضمون الروحي الذي تشتمل عليه 0 ينبغي للفنان الجدير باسم فنان أن يعبر عن كل حقيقة الطبيعة ، لا عن حقيقة الظاهر فحسب ، بل حقيقة الباطن بخاصة0" (14)

    ونظرة رودان التي تتعدى هنا البصر إلى البصيرة ؛ يمكن أن تُعدَّ مرجعية مهمة- وفق تراسل الفنون- لمن يقرأ من النقاد القصيدة الحداثية الحرَّة (والنثيرة) وفق مُعطَى التشكيل البصري ؛ من خلال فضاء النَّص الكتابي المخطوط ، وفضائه الصوري المسكوت عنه ، والمتروك لقدرة ناقد فنان يملأ فراغه بتأويلات تبحث عما خلف الخطوط والألوان من مضامين تنتج مزيداً من دلالات ثرية كامنة لم يقلها ظاهر النَّص ؛ على أن يملك الناقد / المؤول قناعةً مسلَّحةً بوعيه بأدواته النقدية ومواهبه وعبقريته ؛ ليقنع بها في الوقت نفسه قارءه0

    *************************

    والحق أن العلاقة بين الشعر والرسم على أساس جمالي ونفسي لم تكن حكراً على المعاصرين من النقاد وعلماء النفس ؛ بل إن لها جذوراً في تراثنا النقديِّ عند الفلاسفة والنقاد والبلاغيين ؛ تشي بإيجابية الحركة العقلية ؛ في نظرة جامعة بين دور الألوان وتوظيفها توظيفاً جمالياً في بناء الصورة عند كل منهم0

    فابن حزم الأندلسي يذكر عن بعض القافَّة " أنه أُتِيَ بابن أسود لأبيضين ، فنظر إلى أعلامه فرآه لهما من غير شكٍّ ، فرغب أن يُوقَفَ على الموضع الذي اجتمعا فيه ، فأُدْخِلَ البيت الذي كان فيه مضجعهما ، فرأى فيما يوازي نظر المرأة صورة أسود في الحائط ، فقال لأبيه : من قِبَلِ هذه الصورة أُتِيتَ في ابنك0" (15)

    وإيراد ابن حزم لهذه الرواية - التي تتبنى تفسيراً نفسيا-ً له دلالته؛ والتي فسرها ابن حزم نفسه بأنها " مخاطبة المرئي في الظاهر خطاب المعقول في الباطن" (16) 0 فالتفسير النفسي الذي قدمه أحد القافّة لإثبات صحَّة نسب الابن الأسود لأبويه الأبيضين ؛ مغزاه : أن كثرة مداومة النظر من أمه لصورة الأسود على الحائط قد نفذت نفسياً إلى جنينها ؛ ليتحول اللون نفسياً من التصوير المادي إلى لون يتجسد عضوياً فيكتسبه الجنين سواداً في جلده0

    ورؤية ابن حزم السالفة جعلت د0 يوسف نوفل يرى أن " هذا التطور هو أقصى ما يمكن أن نطمح إليه في أثر اللون النفسي وتجاوزه سطح الحسّ إلى باطن الإدراك ؛ حتى ليُتَصَوَّر للون وبريقه جاذبية تجذب مهما تحول النظر من خلف أو قدَّام." (17) ، ثم يورد د0نوفل بيتين مما قاله ابن حزم حول هذه الرؤية النفسية هما:


    مَنْ كنتَ قُدَّامَهُ لا ينثني أبــــداً فهم إلى نورك الصعَّادِ يعشونا
    ومن تكنْ خلفَهُ فالنَّفسُ تصرفُهُ إليك طوعاً فهم دأباً يكرُّونا(18)

    وفي رؤية نفسية أخرى جديرة بالذكر ؛ يفرق ابن حزم بين رؤيته للحبيبة شهوةً وعشقاً؛ فيذكر أن النظر الحسيَّ للألوان ولو كان عارضاً فهو استحسان جسدي ، أما الاتصال النفساني بين المحبين فهو العشق ، وحول هذه المعاني يقول : " وأما ما يقع لأول وهلة ببعض أعراض الاستحسان الجسدي ، واستطراف البصر الذي لا يجاوز الألوان ، فهذا سر الشهوة ومعناها على الحقيقة ، فإذا غلبت الشهوة ، وتجاوزت الحد ووافق الفصل اتصال نفساني تشترك فيه الطبائع مع النفس ، يسمى عشقاً0" (19)

    وإذا ما تركنا فلاسفة الأندلس ونقادها سنجد العلاقة بين الرسم والشعر تتخذ رؤية واعية تنقسم بين الفلاسفة المسلمين من شُرَُّاح أرسطو والمتأثرين به، وبين البلاغيين القدامى0

    لقد تأثر الفلاسفة بنظرية المحاكاة عند أرسطو ، ولكن هذه المحاكاة الشعرية في جانبها الإيجابي عند فيلسوف كالفارابي مثلاً" لا تتناول مادة الطبيعة خارج الإنسان وحدها ، ولا أفعاله الظاهرة فحسب ، وإنما تتناول – فضلاً عن ذلك- عالمه الداخلي بكل ما فيه من انفعالات ومشاعر وجدانية0"(20)

    وعن طريق محاكاة كلٍّ من الشاعر والرسام للعوامل الداخلية يقول د0 جابر عصفور بعد استقرائه نصوصاً للفارابي تدعم ما ذهب إليه: " إن عليه – أي الشاعر- أن يقدمها تقديماً محسوساً عن طريق التخييل ، والتخييل طريق خاصة في مخاطبة المخيلة ، تعتمد على أن ترسم فيها صوراً ذهنية ذات خصائص حسيَّة ، وما يصنعه الشاعر- في هذه الحالة- لا يختلف كثيراً عمَّا يصنعه الرسام ؛ وإن توسَّل أحدهما باللون والظل ، وتوسل الآخر بالكلمة ، وكلاهما يقدم مادته إلى الذهن صوراً ، أو تثير مادته صوراً في الذهن"0(21)

    ولست معنياً هنا بمناقشة رؤى الفلاسفة ، ولكن يجب أن نشير إلى إلحاحهم على التقديم الحسِّي للمعنى؛ سواء أكان صوراً ملوَّنة تلويناً مادياً كما هي الحال عند الرسام أم كان صوراً ذهنية يجب أن تستأثر في الذهن بفعل التخييل كما يرون . هذا الإلحاح الذي يريد أن يفرضه شرَّاح أرسطو بدافع من منطق المحاكاة فيه تأكيد لما ذكرته من قبل عن رؤية ما خلف اللون من نظرة روحية تستشرف عوالم فوق ما هو محسوس0

    ولعل نظرة بعض البلاغيين القدامى – فيما أرى- كانت حيال العلاقة بين الرسم والشعر تُحَكِّم الذوق والشعور معاً؛ وبخاصة عند نقاد القرن الخامس الهجري ممثلةً في علمين هما: ابن سنان الخفاجي في كتابه " سر الفصاحة " ، وعبد القاهر الجرجاني في كتابه " دلائل الإعجاز" 0

    يقول ابن سنان الخفاجي : " ولا شك في أن الألوان المتباينة إذا جُمِعَتْ كانت في المنظر أحسن من الألوان المتقاربة ، ولهذا كان البياض مع السواد أحسن من الصفرة ، لقرب ما بينه وبين الأسود، وإذا كان هذا موجوداً على هذه الصفة لا يحسن النزاع فيه ، كانت العلة في حسن اللفظة المؤلفة من الحروف المتباعدة في حكم العلَّة في حسن النفوس إذا مُزِجَت من الألوان المتباعدة0"(22)

    ويربط عبد القاهر في سبيل نظريته " النظم " بين الشعر والرسم ربطاً منسجماً لا يبتعد كثيراً عن رؤية ابن سنان الخفاجي ، وإن كانت غاية عبد القاهر هي فصاحة الكلام وليس المفردات ؛ حيث يقول : " وإنما سبيل المعاني سبيل الأصباغ التي تُعمَل منها الصور والنفوس ، فكما أنك ترى الرجل قد تهدَّى في الأصباغ التي عمل منها الصورة والنقش في ثوبه الذي نسج إلى ضرب من التَّخيُّر والتدبُّر، في أنفس الأصباغ وفي مواقعها ومقاديرها وكيفية مزجه لها وترتيبه إياها ؛ إلى ما لم يتهدَّ إليه صاحبه ، فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب ، وصورته أغرب كذلك حال الشعر والشاعر، في توخيهما معاني النحو ووجوهه الذي علمت أنها محصول النظم0"(23)

    ومع المبحث الذي يسوقه د0عصفور تحت عنوان " العلاقة بين الرسم والشعر" ؛ نراه يؤسس لنظرة شرَّح أرسطو التي تقول بأن الشعر مثل الرسم محاكاة ، يقدمان شيئاً إلى مخيِّلة القاريْ هذه الأسس " أولها فنيٌّ يتصل بعلم النفس الأرسطي ، وأما ثانيهما فهو سايكولوجي يتصل بعلم النفس الأرسطي وما يتصل به من معارف عن سايكولوجية الإدراك وفاعلية المخيلة ، وأما ثالث هذه الأسس فهو منطقي يتصل بوضع الشعر ضمن المنطق ، وافتراض أنه قياس من الأقيسة يحدث تأثيراً نفسياً يقوم على الإيهام ، وأما رابع هذه الأسس فيتصل بالفلسفة الأولى000" (24)

    وهذه الأسس يعدها د0 عصفور – ويمكن أن أعدها معه- مهاداً نظرياً تتحرك ضمنه كل أفكار الفلاسفة عن الشعر، ولكن د. عصفور ينتصر لفكر الفلاسفة في نظرتهم للعلاقة بين الشعر والرسم على حساب البلاغيين ، مع أن كليهما متأثِّر بسبب أو بآخر بالمنطق الأرسطي ، حيث يقول: " ولم يكن الأمر بهذا الوضوح عند البلاغيين والنقاد، لقد ظلَّ حديثهم عن التقديم الحسِّيِّ مفتقراً إلى مهاد نظري مثل الذي عند الفلاسفة ، ومن هنا عجزوا عن أن يربطوا بين طبيعة التقديم الحسي للاستعارة والتشبيه – مثلاً- وبين الحقيقة الذاتية للشعر، ولا يرجع ذلك- في تقديري- إلا إلى افتقارهم إلى كثير من المعارف والأسس النظرية التي تمَكَّن منها الفلاسفة0" ( 25)

    وأحسب أن البلاغيين – بما قد يباين رؤية د0 عصفور- كانوا أقرب بذوقهم وإحساسهم أحياناً إلى الحقيقة الذاتية للعلاقة بين الشعر والرسم منهم إلى الفلاسفة ؛ الذين غرقوا في اتِّباع المنطق الأرسطي وتقسيماته ، علاوة على تمهيداتهم التي يمتدحها د0 عصفور؛ تلك المبالغ فيها إلى حدٍّ وصل إلى إفساد الذوق والحس معاً أحياناً، بما أسلم نقاداً كابن قتيبة في القرن الثالث ، وقدامة بن جعفر في القرن الرابع إلى الوقوع تحت وطأة تقسيمات منطقية خاضعة لنقد تأثري انطباعي0وأزعم أنني كنت موفقاً حين اقتبست نصوصاً واعدة لابن سنان الخفاجي وعبد القاهر الجرجاني ؛ تنطق بنقد قام على أسس جمالية يدعمها – إلى جانب تأثر باهت بمنطق أرسطو- منطق الإحساس بالجمال ؛ تلك التي تربط بين عمل الرسام والشاعر0إن ما قال به ابن سنان الخفاجي – وقريب منه ما قال به عبد القاهر- عن الألوان المتباينة والمتقاربة ؛ هو ما يسمُّونه في الفن الحديث بالانسجام أو التوافق أو " هارموني الألوان". (26)

    إن الفنان الحقيقي الذي ينظر إلى انسجام الألوان لا يقف عند ظاهرها المادي ؛ وإنما ينظر إليها متلبِّسةً في روح خفي وراءها ، فهو ليس كالإنسان العادي الذي ينظر إلى الشيء الملون نظرة خارجية ؛ يحكمها قانون المحاكاة ؛ فيعزل الشكل عن الروح0" فهو لا يرى روح الشيء إلا متجسّدةً في شكله ولونه ، ولكنه لا يتوقف على الشكل واللون ليرى أجزاء مبعثرة ، وإنما هو يرى الشيء موحداً بالروح التي يعبر عنها0" (27)

    **********************************

    ويحسن بنا أن نقف هنا وقفة أخرى مع آراء الفلاسفة تتعلق باللون من منطلق علم المنطق0 إذ هل اللون من الأجساد والجواهر أو من الأعراض ؟

    يورد ابن حزم الأندلسي في كتابه " الأصول والفروع " باباً تحت عنوان " الكلام في الأجساد والجواهر والأعراض" ؛ يناقش فيه آراء لهشام بن الحكم ومن وافقه كالنظّاَم حول هذه المسألة ، فقد ذهب هشام بن الحكم إلى أنه ليس في العالم إلا جسم ، وأن الألوان والحركات أجسام ، واحتجَّ بأن الجسم إذا كان طويلاً عريضاً عميقاً فمن حيث ما وجدته وجدت اللون والحركة والطول والعرض والعمق للون أيضاً ، وذهب النظَّام لمثل هذا ، حاشا في الحركات ؛ فإنه يراهما أعراضاً لا أجساماً0(28)

    ولكن ابن حزم لا يرى ما يراه ابن الحكم ، ومن ثَمَّ أخذ يفند ما ذهب إليه0 حيث يرى ابن حزم ما مفاده أن الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض والعمق لا تكون للون؛ وإنما تكون للجسم وحده حامل اللون، يقول ابن حزم : " فأما الجسم فمتفق على وجوده ، وأما إثبات الأعراض فيه فبيِّنٌ واضح بعون الله عزَّ وجلَّ ، وهو أنَّا لم نجد في العالم إلا قائماً بنفسه حاملاً ، وقائماً بغيره محمولاً وشاغلاً لمكان أو غير شاغل لمكان ، ووجدنا الجسم تتعاقب عليه الألوان ، والجسم قائم بعينه ، فبينا تراه أبيض، صار أخضر، ثم صار أحمر ، كالذي تشاهده في الثمار، فعلمنا يقيناً أن الذي عدم غير الذي وجد ، وعلمنا يقيناً أنه غير الجسم الحامل له ، لأنه لو كان إياه لعدم الجسم بعدم لونه الأول ؛ فدلَّ بقاؤه بعده على أنه غيره بلا محالة ، إذ لا يكون الشيء معدوماً موجوداً في وقت واحد في حالة واحدة لأنه محال ، فصحَّ أن هاهنا شيئاً غير الجسم" 0(29)

    ثم يؤكد – بمنطق يقبله العقل السليم – على عرضية اللون بوصفه شيئاً محمولاً يحمله الجسم القائم بنفسه؛ فيقول : " فسمينا الحامل القائم بنفسه جسماً ، وسمينا المحمول القائم بغيره عرضاً ، لأنه عرض في الجسم ، أي حلَّ فيه وحدث فيه ، وما سوى هذا من الكلام فهذيان لايُعقَل0" (30)

    ويعمِّق ابن حزم رؤاه للون بوصفه عَرَضاً ؛ وهو في معرض رده على ابن الحكم الذي يرى الطول والعرض والعمق للون ، مؤكداً ما يفنِّد رأي ابن الحكم بقوله: " إذ لو كان للون طول وعرض وعمق غير طول الجسم وعرضه وعمقه لاحتاج إلى مكان غير مكان الجسم على مقداره، ومن المحال أن يكون شيئان طول كل واحد منهما مقداراً ما ، وعمقه مقداراً ما ، يسعان معاً في مكان مساحته مساحة أحدهما ، وهذا ما لا سبيل إليه في معقول ، فقد بطل أن يكون للون طول وعمق وعرض غير طول الجسم الحامل له وعمقه وعرضه0"(31)

    إن نظرة ابن حزم للون يندُّ بها أن يكون جسماً أو له خواص الجسم من طول وعرض وعمق ،
    وأن معنى أن يكون للون جسماً أو شيئاً متصلاً بلا انفصال عرضي عن الجسم يؤدي فناء الجسم إلى فنائه مع تغيُّر الجسم الملون من حمرة إلى خضرة 00إلخ ، هذه الرؤى وغيرها من ناقد وفيلسوف مفكر وذوَّاقة كابن حزم ؛ هي نظرة أقرب إلى روح المنطق والفن معاً ، لأنها نظرة تجرد اللون عن أن يكون شيئاً ملقًى هناك على الجسم الملون ، يبقى ببقائه ويفنى بفنائه، ولكن هذا لا يدعنا أن ننظر إلى رؤاه للون بوصفه عرضاً على أنه مقابل للتفاهة في نظرة ضيقة ، ولكنه عرض بمعناه التجريدي المنافي للتشيؤ0

    إنه يزيد الأمر وضوحاً حين ينتقل بحديثه عن الحركة فيرى أنها مثل اللون لا تكون إلا عرضاً، ولا يستحيل أن تكون جسماً كما يرى البعض؛ في قول عدَّه فاحشاً ؛ وذلك حين يقول:" وقد ذهب أيضاً إلى تخليط كثير من أن الحركة تُرَى ، وأن لها طولاً ، وكلا القولين فاحش،لأنَّا لا نرى إلا اللون، والحركة ليست ذات لون ، وكذلك أيضاً من كان له طول فله عرض ، وما كان له عرض فله عمق ، وما كان هكذا فهو جسم0" (32)

    ويرى د0يوسف نوفل أنه بقول ابن حزم " أنَّا لا نرى إلا اللون ، والحركة ليست لوناً" ؛ " أن في ذلك ما يجعل اللون في- نظرنا- في منزلة بين الحركة والجسم ، لأنه يميز الجسم من الحركة،إذ يقبله الجسم ولا تقبله الحركة حسب منطوق كلامه "( 33) 0ورأي د0 نوفل له وجاهته؛ وبخاصة أننا نعرف أن للون خاصية خلق الإيهام بالحركة0

    إذا كان ما عرضناه للفلاسفة والبلاغيين القدامى حول العلاقة بين الرسم والشعر من آراء ورؤى؛
    قد أدَّى دوره في حينه – سواء وافقنا هذه الرؤى أو خالفناها- فإننا نقرر أنها كانت في مجملها رؤى تقتات من منطق يراعي الجانب الحسِّي في تقديم المعنى إلا ما ندر0

    **********************************

    ولكننا إذا ما عرَّجنا على النقد الحديث الذي يعتنق تراسل الفنون في كثير من رؤاه الفكرية - متجاوزين نظرة الشيئيين إلى الألوان عند كل من الشاعر والرسام – سنجد ما يرتقي باللون بوصفه عنصراً جمالياً يقوم عليه بناء الصورة الشعرية ؛ التي قد تنسب إليه نسباً خالصاً0

    يرى د0 عز الدين إسماعيل أن تشكيل العمل الفني ينقسم إلى تشكيل زماني ؛ ويتبعه فن كالشعر، وتشكيل مكاني يتبعه فن كالرسم 0 ومن هذا التقسيم يناقش د0عز الفارق الجوهري بين فنَّي الشعر والرسم ، فهو يرى أن الفارق في التصوير الفني بينهما أن الشاعر أداته الكلمة ، والرسام أداته الألوان والأصباغ بوصفها مواد جامدة ، والأداة عنده هي الفيصل ؛ فيما يمكن أن يحققه كل من الشاعر والرسام ، لأن اللغة في رأيه أداة طيِّعة لتشكيل الزمن عند الشاعر ، تماماً كما أن الرسم بالألوان تشكيل بالمكان لتكتسب معنًى خاصاً0"(34)

    ويفرق د0عز بين الرسام والشاعر على أساس من الأداة التي يستخدمها كل منهما ؛ فيقول : " إن الرسام يصنع من الألوان والخطوط شيئاً جديداً ، ومن العجائن يصنع المثَّال تمثاله فالمادة التي يستخدمها الرسام والمثّال مادة غفل في ذاتها ، ليس لها أي شكل ، وليس لها أي معنًى ، أما في حالة الشاعر فيبدو الأمر مختلفاً ، لأن الشاعر يستخدم ألفاظ اللغة، وألفاظ اللغة صور تم تشكيلها ، وهي تتبادل بين الناس بنفس الصور التي شكِّلت عليها ذات يوم0" (35)

    وإذا كانت المادة وهي الألوان والعجائن غفلاً في ذاتها لا تحمل أي معنى كما يذكر د0عز في أكثر من موضع مقارنةً بألفاظ اللغة التي تشكلت صوراً ، والتي يذكر أن تشكيلها عند الشاعر صوراً يأتي تالياً للمفردات ذاتها ، وأن خصوصية التشكيل عند الشاعر هي التي تجعل للتعبير الشعري طابعه المميز0(36) إذا كان ألأمر هكذا ؛ فإننا نرى أن مفردات اللغة لا قيمة لها في ذاتها مجردةً عن سياقها تعبيراً وتصويراً اللهمَّ إلا دلالتها المعجمية، وألفاظ اللغة في ذلك مثلها كمثل الألوان والعجائن ، وهنا يأتي دور الفنان – فيما أظن- سواء أكان شاعراً أم رساماً أم نحَّاتاً ليضفي من خياله وذاته ما يعيد به تشكيل هذه المادة الغفل " الألفاظ – الألوان – العجائن " نافذاً إلى ما وراء تشيوئها من روحه التي قد تبعث فيها جمالاً مستترأً0

    إذا سلمنا بما أحسب ؛ فلا مندوحة في أن نتخذ من اللغة ( التي قد تتحول إلى ألفاظ لونية عند الشاعر) مجالاً نفرق به بين مادية اللون ن وحيوية اللغة كما ذهب د0عز ، لأن الرسام هو الذي يستطيع أن ينطق ألوانه الجامدة على ظهر اللوحة ، وكذلك المثّال بما يبعثه من حيوية وجمال ناطق في تمثاله 0 وليس ببعيد عن قراءتنا وذوقنا مشهد وصف البحتري في سينيته الشهيرة لصورة أنطاكيَّة ، التي تمثل الصراع بين الفرس والروم ، صحيح أن عمل الشاعر فيه حرية تند عن المكانية ؛ وذلك عن طريق اللغة التي تعطي استخدامه لألفاظ اللون وصفاته داخل الصورة الشعرية حرية تجمع مع إيحاء اللون إيحاءات الحركة والصوت والضوء ، ولكن يبقى الرسام الجيد – في نظري- قادراً على أن يكون شاعراً يحوِّل لوحته إلى قصيدة ؛ بما يحمِّل به ألوانه من أحاسيس ومشاعر تجعلها توحي بتناغم كتناغم الإيقاعات والحركات التي يبتعثها فينا الشعراء الذين يبنون بالألوان صورهم الشعرية داخل قصائدهم0

    يرى د0 عز الدين إسماعيل أن الفارق بين الرسام والشاعر في استخدام كل منهما للون متمثل في أن " الرسام يؤثر باللون الأحمر مثلاً على أعصاب المتلقي لفنه مباشرةً ، أي بما في المادة ذات اللون الأحمر من قدرة على الإثارة ؛ ترجع إلى مدى كثافة اللون ودرجته ، وما إلى ذلك من خصائص ذاتية في اللون نفسه ، أما الشاعر ذاته فإنه لا يستطيع أن يؤثر هذا التأثير الحسي المباشر، لأنه لا يستخدم اللون استخداماً مباشراً ، أي لا يضعنا وجهاً لوجه أمام اللون ، وإنما يبتعث فينا اللون من خلال الرمز الصغير الذي يدل به عليه0" ( 37)

    وتقرب نظرة " ليسنج " الناقد الألماني المشهور في القرن الثامن عشر لعمل المصور" الرسام" من نظرة د0 عز؛ وإن كانت نظرته لألوان المصور تسمو بالألوان التي تصور الطبيعة عن مجرد إثارة حسية ترجع إلى كثافة اللون ودرجته لتجعل اللون مجرد شيء مادي ؛ بل إن اللون عنده قد يثير فينا خوالج مختلفة ، إن تفسيره للألوان تفسير نفسي نستشفه من قوله: " أما المصور فيجمع لك ما يصوره بجميع قسماته وأجزائه في مكان أو رقعة أوفي لوحة ؛ فتراه بعينك في لمحة وتبصره في نظرة واحدة ، وليس معنى ذلك أنه ينقل المنظر من مناظر الطبيعة نقلاً مطابقاً لواقعه، فخياله وأحاسيسه تضيف إليه ما يثير فينا من خوالج مختلفة ، وهو بمجرد أن يخلص من تصويره ترى كل الصورة قد ارتسمت في نفسه على لوحته ، فهي صورة محدودة بمساحة خاصة تمتزج فيها الألوان، وتتلاصق فيها الكتل المضيئة والمظلمة ، متباينة في أشعتها النيِّرة وظلالها القاتمة0"(38)

    ورؤية ليسنج لها وجاهتها ، ذلك لأن الفنان شاعراً كان أو رساماً لا بد أن يعيد خلق الطبيعة لا أن يحاكيها كما أسلفنا القول مراراً 0 وهذا هو " ماتيس" لا ينظر إلى الألوان بوصفها شيئاً باهراً؛
    ولكنه يراها بعين الفنان الذي يفجر فيها طاقات تسمو على مجرد المحاكاة لتتحول إلى نغمات موسيقية ، ولنستمع إليه يقول :" أنا لا أستطيع أن أنقل الطبيعة نقلاً حرفياً ، بل أقسرها وأخضعها لروح الصورة ، وما إن تختمر عملية التأليف في ذهني وتتضح التركيبات اللونية ، حتى أبدأ في العمل وأقيم العلاقات بين النغمات اللونية بطريقة تشبه طريقة المؤلف الموسيقي في تأليف الهارمونية الموسيقية0" (39)

    وبعدُ؛ يبقى هناك سؤال مهم: إلى أي مدًى يمكن أن تكون العلاقة بين الشعر بوصفه رسماً بألفاظ اللون عبر صور ذهنية تثير من خلال التشكيل باللون مزيداً من الكشف عن عوالم الشاعر والنص معاً ؛ وبين الرسم بالألوان رسما يتخذ حيِّزاً مكانياً من خلال لوحاته؛ يفجِّر من خلالها رسام مقتدر طاقات شعورية ونفسية تتعالى على مادية اللون وتشيوئه ؟!

    الحق أن جانباً كبيراً وطموحاً من الإجابة على هذا السؤال يمكن أن يبين عنه ما يمكن أن أقدمه من قراءة نقدية لنماذج شعرية من تراثنا العربي والأندلسي منه بخاصة لاحتفائه بجانب اللون ؛ وذلك في بحث قادم إن شاء الله 0


    ( هوامش البحث )

    1- " دلالة الألوان عند العرب" – د0 عبد الحميد إبراهيم ، 89- مجلة الحرس الوطني السعودية –ع 172- رجب 1417ه – نوفمبر وديسمبر 1977م0
    2- " الإضاءة المسرحية" – شكري عبد الوهَّاب ، 70- الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1985م0
    3- نفسه، الصفحة نفسها0
    4- نفسه، 72
    5- " دلالة الألوان عند العرب" ، 89
    6- نفسه، الصفحة نفسها0
    7- " ما الأدب "- جان بول سارتر- ترجمة وتعليق د0 محمد غنيمي هلال ، 3- دار العودة- بيروت- 1984م0
    8- نفسه ، 4
    9- نفسه،الصفحة نفسها.
    10- نفسه، 5
    11-" علم النفس والأدب " – د0سامي الدروبي، 18- دار المعارف- ط2-1981م0
    12- دلالة الألوان00"،89
    13- " الديوان" – عباس محمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازني-20،21- دار الشعب – ط7- 1414ه – 1977م0
    14- "علم النفس والأدب" ،22
    15- " طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاَّف " – ابن حزم الأندلسيّ- ضبطه وحرر هوامشه د0 الطاهر أحمد مكِّي، 24- دار المعارف – ط5 – 1413ه – 1993م0
    16- نفسه ، 24، 25
    17- " الصورة الشعرية والرمز اللوني" – د0 يوسف حسن نوفل ،17- دار المعارف -1995م0
    18- طوق الحمامة ، 25
    19- نفسه ، 45
    20- " الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي " – د0 جابر عصفور، 285- المركز الثقافي العربي – بيروت – ط3 – 1992م ، وانظر: " الموسيقي الكبير" للفارابي – تحقيق غطَّاس عبد الملك خشبة ، 1183 – دار الكاتب العربي – القاهرة – د0ت ، حيث يرى : " أن موضوعات الأقاويل الشعرية هي بوجه عام جميع الموجودات الممكن أن يقع بها علم الإنسان "0
    21- نفسه ، 285، 286
    22- " سر الفصاحة " – ابن سنان الخفاجي – تحقيق عبد المتعال الصعيدي – مكتبة صبيح – القاهرة – 1969م0
    23- " دلائل الإعجاز " – عبد القاهر الجرجاني – تصحيح السيد محمد رشيد رضا ، 70- دار المعرفة للطباعة والنشر – 1402ه – 1981م0
    24- " الصورة الفنية في التراث00" ، 292، 293
    25- نفسه ، 294
    26- انظر في ذلك " اللغة واللون " – د0 أحمد مختار عمر، 136وما بعدها – دار البحوث العلمية- الكويت – ط1- 1402ه – 1982م ، وانظر: " الإضاءة المسرحية" ،100وما بعدها0
    27- " علم النفس والأدب " ، 228
    28- " الأصول والفروع " لابن حزم الأندلسي ، صححه وضبطه جماعة من العلماء بإشراف الناشر ، 1/ 18- دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 – 1404ه – 1984م0" وهشام ابن الحكم أحد المتكلمين الكوفيين ، توفي سنة 155ه ، وقد وصفه الرشيد " بأن صارمَ مقالتِهِ في الدفاع عن الإمامة أمضى من مئة سيف – وهذا ما دفع الشيعة للدفاع عنه 0"
    29- نفسه ،19
    30- نفسه ،الصفحة نفسها
    31- نفسه ،19
    32 –نفسه،142
    33- " الصورة الشعرية والرمز اللوني" ، 20
    34- " التفسير النفسي للأدب " – د0 عزّ الدين إسماعيل - ، 47- مكتبة غريب – القاهرة – ط4 – 1984م0
    35- نفسه ، 48
    36- نفسه ، 49
    37- نفسه ، 51
    38- " في النقد الأدبي" – د0شوقي ضيف 92 ، 93- دار المعارف- ط5- 1997م0
    39- " الفن والفنانون " – روبرت جولد ووتر و ماركو تريفييس – ترجمة د0 مصطفى الصاوي الجويني ، 431- الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1976م ، وانظر: " الإضاءة المسرحية" – مرجع سابق – ص 72 ، 73 .









  3. #3
    ريمه الخاني
    Guest
    دكتوراه في الفن التشكيلي عن رباعيات صلاح جاهين
    .................................................. ..............

    حصلت الباحثة دينا مصطفي الرزاز علي درجة الدكتوراة عن رسالتها "رؤية فنية تشكيلية معاصرة لرباعيات صلاح جاهين.
    استهدفت الرسالة دراسة العلاقة المتلازمة بين الرسوم التوضيحية وبين النصوص الأدبية والشعر بصفة خاصة.
    اختارت الباحثة رباعيات صلاح جاهين موضوعا لبحثها باعتبارها قمة إبداعه الشعري الذي يتميز بالنزعة الإنسانية وصدق التعبير عن قضايا الوطن مستهدفة اعداد رسوم توضيحية لمختارات من الرباعيات تمثل رؤيتها التشكيلية المعاصرة لها.
    جاءت الرسالة في ثلاثة أبواب قسم كل منها الي فصلين الباب الأول: رؤية تحليلية لرباعيات صلاح جاهين حيث عرضت لقضية البحث والمقدمة ولموقف الفنان من النص ولفنانين رسموا نصوصا من تأليفهم. كما يعرض للتكوين الذاتي لصلاح جاهين من خلال رباعياته. والاستخدام الرمزي بين التراث وبين سجية الشاعر.
    وفي الفصل الثاني: تناولت فيه الباحثة العلاقة بين رباعيات الخيام ورباعيات صلاح جاهين. والتلقائية في رباعياته وما يميزها من صفات ابداعية. ويعرض الفصل للغة الرباعيات وروح الشرق. ولموقع صلاح جاهين من التراث الشعري العربي. ومن الفصحي والعامية والتفعيلة النثرية. وتقارن بين اشعاره واشعار فؤاد حداد ولموقف صلاح جاهين من المجتمع والسلطة ولدوره التجديدي.
    وفي الباب الثاني خصصت الباحثة الرسوم التوضيحية المصاحبة للنص الأدبي الشعري:
    الفصل الأول: الرسوم التوضيحية للنصوص الادبية. ويشمل المدخل التاريخي وتطور الرسوم التوضيحية عبر الحضارة في الشرق وفي الغرب تم تطورها خلال القرن العشرين خاصة في الرسوم المصاحبة للشعر والتي دخل فيها عدد من كبار فناني العصر.
    وفي الفصل الثاني: علاقة الرسم بالشعر والرباعيات. ويشمل علاقة الرسم بالشعر. فنانون تشكيليون شعراء وآخرون استلهموا قصائد الشعر. الشكل والمضمون في الشعر والرباعيات. طبيعة الشعر ورباعيات صلاح جاهين. ومصادر الهامه وانعكاس موهبته في الرسم علي صياغة الرباعيات وتصنيف قوالب واساليب الرباعيات.
    ......................................
    ما يميز الشاعر والفنان صلاح جاهين هو انه كان رسام كاريكاتير
    كما كان شاعرا للعامية
    ومن دواوينه : رباعيات ، قصاقيص ورق ، أحزان سبتمبرية
    ، على اسم مصر ، وغيرها
    كان لديه قناعة بتراسل الفنون والاداب
    قابلته بل وشاركت معه في آخر ندوة حضرها بمعرض الكتاب
    وكان حاضرا في إجاباته على اسئلة الحضور
    في يقيني أن الرباعيات تحوي كما هائلا من فلسفة الشاعر تجاه الحياة

    على ذكر اسم الباحثة ؛ فلعلها ابنة الفنان التنشكيلي المعروف مصطفى الرزاز
    والذي تولى رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة فترة قصيرة
    وجهز معنا لدورة من دورات مؤتمر أدباء مصر

    شكرا للدكتور حسين علي محمد نقل الخبر








المواضيع المتشابهه

  1. العوم بالشعر الحر على بحر الصفر
    بواسطة الدكتور ضياء الدين الجماس في المنتدى دراسات عروضية
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 08-02-2015, 06:09 PM
  2. مبارزة بالشعر / زهير أبو حذيفة
    بواسطة زهير أبو حذيفه في المنتدى مساجلات الفرسان
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 06-22-2015, 08:37 AM
  3. تعالو انشيد بالشعر فضاء جدي
    بواسطة محمود ابو اسعد في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 137
    آخر مشاركة: 11-25-2014, 07:23 PM
  4. نصائح للعناية بالشعر
    بواسطة أبو يحيى في المنتدى فرسان جمالك سيدتي.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-24-2008, 01:22 PM
  5. تغنى بالشعر لتتقن التقطيع/الاستاذ خشان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى العرُوضِ الرَّقمِيِّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-24-2008, 04:39 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •