طفل في الأربعين
ترقد بلؤم على صدري كابوس ليلي , وفي النهار لهيب شمس حارقة, وسيل من التذمر والشكوى يخترق عظامي التي نخرها الدود.
أهرب بعيدا إلى حلمي أناجيه لعل دواء يشفيني.. يتعالى صوت مضيفي ... يخترق سكون الليل ووحشة الفضاء الكامن خلف حنجرته التي أدمنت الحزن شلالاً .. عراقي اللحن والهوى, وبحة يتلون في نشيجها بكاء طفل تاه عن أمه في زحمة العيد .. يرتفع صوت المؤذن لإقامة صلاة الفجر .. ومعلنا عن طفل تاه في الزحام .. في ليلة عيد قسرية ..
يتعجب أهل الحي أوصاف الطفل الذي ضاع في زحمة النسيان .. طفل في الأربعين.. يحتاج صدر أمه يروي العطش الذابل في روحه التي هجرت مسجد المدينة .. وابتعد عن رحمة ربه قبل أن يبلغ الحلم .. أعيدوا الطفل الهارب والجاحد برب نعمته .. الذي خلق له عينين ولسان وشفتين .. أعيدوه إليَّ أو اجلدوه حتى يتوب, أو تزهق روحه ليعتبر من بعده المارقين .. يرن الهاتف معلنا قدوم البِشر في محياه.. تغمزني سماعة الهاتف بضوء خافت أن استل سماعتي بعيدا عن أعينهم ..
غادرت مضيفي الى غرفة أخرى .. تلك النبرة أعرفها.. ملحمة تعبر التاريخ وتحلق في بلاد الرافدين أسطورة عشق..
خمس دقائق فقط .. لا يمكنني بلوغ مرامي لقرب مضيفي مني .. أجعلها عشر سأنتظرك .. نعم ستنتظرني .. إحساس ما راودني بأن اللئيمة ستنفجر معلنة أن الرقم المطلوب غير متوفر حاليا قد يكون الـ..........
لهدوء الليل سحر .. وأغصان الأشجار تحف بجدران الحديقة النائمة .. يبدد سحر الصمت وروعة المكان عواء كلاب شاردة ..
...................
أجدني أمام باب لبيت أعرفه لم تتغير معالمه القديمة.. تمتد يدي لقرع الباب غير آبه إن كانت أختي قد استسلمت للنوم باكرا .. كررت الطلب بالدخول تسمرت أمام الباب .. لن أبرح مكاني حتى أنسل إلى بيت أعرفه .. يغفو تحت قبة كبيرة لما تبقى من سور المدينة النائمة .. يفتح الباب رجل ضخم الجثة أصافحه معتذرا لم أكن أعلم بأنه عاد من السفر .. اصعد إلى سطح المنزل حيث..يفترش الأرض أطفالاً لا آباء لهم .. يحلمون بعيد قادم وفجر جديد, تستيقظ أختي على وقع خطواتي ..
_ أهلا لم أنم بعد كيف حالك ..?
نجلس على الشرفة نتسامر قليلا .. أخطف منها هذا الجهاز اللعين .. موسيقى كئيبة وصوت اللئيمة يطيح بما تبقى من خمرة في رأسي .. يصعد الرجل ضخم الجثة .. تلحقه زوجته متثائبة بكسل تتمتم بمفردات غائمة .. ينبعث صوت طفل من الطابق السفلي .. أداري خيبتي ببعض المرح .. تسألني أختي الصغرى أخباري .. نبدد سكون الليل بضحكات مجروحة ..
أنهيت السهرة مع خيوط الفجر متسللا إلى بيتي .. وعدت إلى عوالم مجنونة يطرزها زكريا تامر بكل أحرف العطف المتاحة وبلا سبب أحيانا.
حسن الرفيع
الرقة 15 آب 2005