·
يقول علي عزت بيجوفيتش في كتاب الإعلان الإسلامي:

"إن الإخلاص للكتاب(القرآن) لم يتوقف، ولكنه فقد خصوصيته الفاعلة، لقد استبقى الناس في أفئدتهم من القرآن ما أشيع حوله من تصوف ولا عقلانية، فقد القرآن سلطانه كقانون ومنهج حياة واكتسب قداسته كشيء.
وفي دراسة القرآن وتفسيره استسلمت الحكمة للمماحكات اللفظية، واستسلم الجوهر للشكل، وعظمة الفكر للمهارة والحفظ.. وتحت التأثير المستمر للشكلية الدينية قلّت قرآءة القرآن وكثر الاستماع إلى تلاوته بصوت غنائي، أما ما يحثّ عليه القرآن من جهاد واستقامة وتضحية بالنفس والمال، وهي أمور شاقة بغيضة إلى النفوس الواهنة، كل ذالك قد ذاب وتلاشى في ضباب الصوت الجميل لتلاوة القرآن وحفظه عن ظهر قلب.. هذه الحالة الشادة قد أصبحت الآن مقبولة كنموذج سائد بين الشعوب المسلمة، لأنها تتناسب مع أعداد متزايدة من المسلمين لا يستطيعون الانفصام عن القرآن ولكنهم من ناحية أخرى لا يملكون القوة أو الإرادة على تنظيم حياتهم وفق منهج القرآن.
ولعل التفسير النفسي لهذه المبالغة التي يخلعها الناس على التلاوة المنغّمة للقرآن يكمن في هذه الحقيقة.
فالقرآن يتلى، ثم يفسر ويتلى، ثم يدرس ويتلى مرة أخرى.
وهكذا تتكرر الآية ألف مرة ومرة حتى لا نطبقها في حياتنا مرة واحدة، لقد أنشيء علم كبير لتحري الدقة المتناهية في نطق القرآن حتى نتجنب قضية كيف نمارس القرآن في حياتنا اليومية وهكذا تحول القرآن عندنا إلى صوت مجرد من الوعي ضبابيّ المعنى..
إن واقع العالم المسلم بكل تناقضاته وكل ما فيه من فصام بين الكلمة والفعل، وانحرافه عن الواجب، وشيوع الفساد والظلم والجبن، ومساجده الخالية وافتقاره إلى المُثُل العليا وإلى الشجاعة, وانتشار الشعارات الإسلامية المثيرة والتشدد المتنطع في أداء التكاليف الدينية، والاعتقاد بدون إيمان حقيقي فعّال- كل هذا ليس إلا انعكاسا خارجيا للتناقض الأساسي الذي أحطنا به القرآن ، والذي يتمثل في الحماس المشتعل للحضارة والإهمال الكامل لمبادئه في الممارسة العملية من ناحية أخرى.
إن وضع القرآن هذا هو السبب الأول والأكبر أهمية للتخلف والعجز الذي تعانيه الشعوب المسلمة."
____________________
منقول عن الاستاذ"أأحمد قحيف - Ahmed Kohif