من فضلكم .. لا نريد لقاحكم!
من فضلكم .. لا نريد لقاحكم!
من الاستثناءات التي لا تندرج تحت باب الحرية (وهي كثيرة) : الامتناع عن الذهاب الى المدرسة من قبل الأطفال، والامتناع عن تقبل لقاحات الشلل والجدري وغيرها.
أذكر أنه في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، عندما تعرفت بلادنا على فكرة التلقيح ضد الأمراض، أنه كان يأتي بعض المختصين ومعهم أواني معدنية، ومستلزمات لم أعد أراها في أيامنا هذه، ويحطون في أحد دواوين وجهاء البلدة، ولا أدري عن شكل الحوار الذي كان يدور بين هؤلاء الموظفين والوجيه لتنفيذ مهمتهم في خدش أذرع الأطفال أو زرقها ببعض الحقن، ولكن الوجهاء كانوا يعرفون دورهم بالوراثة من خلال استضافة (التحصلدار) الذي كان يكلف بجمع بعض الضرائب.
وما هي إلا دقائق قليلة، بعد أن تتم موافقة أو فهم الوجيه لمهمة تلك البعثة، إلا والأطفال يتراكضون شاردين من ملاحقة المتطوعين للإمساك بهم وتسليمهم لتلك البعثة لزرقهم بمحاليل لم يفهموا أهميتها. وقد كان بعض المتطوعين يستخدموا وسائل أكثر سرعة من أقدامهم كالخيول مثلا للحاق بالفارين صوب الحقول!
كان الأطفال، يشتكون من تورم في أعلى الذراع لكل منهم، ويكشفون عنها بين الحين والحين متألمين وباكين، وكانت بعض اللقاحات تتم بتشطيب ساعد الطفل بأداة حادة يبقى أثرها مدى الحياة.
لم تعد تلك الطقوس، تثير الفزع في نفوس الأطفال، لأن العلم قد تطور، وغابت أعراض الألم عن الأطفال الذين يتلقون تلك اللقاحات، أو أن التلقيح يتم قبل نمو قدرة الطفل على التذكر، إذ أن عمليات التلقيح تتم في الشهور الأولى من عمر الطفل، فلن تترك عنده نقطة توهج في ذاكرته.
ليس هذا ما كنت أود الحديث عنه، لكنه ذكرني بمسائل شبيهة بتلك النمطية من فلسفة الحرص الإجباري المضاد للحرية (المضرة) .. فإن كانت مبررات حماية الطفل من الشلل أو الجدري مقبولة، فإن مبررات الدولة في بعض علاقاتها الدولية غير مقبولة، خصوصا إذ كانت تلك العلاقات لم يُستفتى عليها المواطن، ولم يقتنع بأشكال التمثيل البرلماني المقنن والمفبرك بحيث يصل الى البرلمان من يُضمن أنه لن يكون معترضا.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الإفراط في وقاحة بعض هؤلاء الأصدقاء(من دول العلاقات غير المرغوب بها) في فرض شكل إدارة الدولة لعلاقاتها مع مواطنيها على كل المستويات، هو الآخر من باب اللقاحات غير المفيدة، فمال المواطن والجات؟ ومال المواطن والخصخصة؟ ومال المواطن والديمقراطية المشكوك بشكلها؟
إن كان من يحضر الهاربين من الأطفال لأخذ جرعاتهم من اللقاح في السابق يستخدم الخيول في بعض الأحيان، فإن من يجبرهم اليوم على أخذ جرعاتهم من اللقاح يستخدم طائرات الشبح والفانتوم ويضرب الهاربين بصواريخ كروز وتوماهوك لأخذ جرعاتهم من اللقاح ضد التخلف.
إنهم أي (أصدقاءنا اللدودين) يذكروني، بذاك الذي قتل ابنه في الليل، وعندما سأله الآخرون : لماذا قتلته؟ أجاب : ملعون الوالدين يتكشف ويرمي غطاءه عنه فخشيت عليه من الإصابة بالبرد!
