مقدمات السرديات العربية واستراتيجية المؤلف

مقدمات السرديات العربية واستراتيجية المؤلف



د . يوسف إسماعيل
مقدمات السرديات العربية واستراجية المؤلف

حظيت جل السرديات العربية القديمة ، أمثال كليلة ودمنة ومقامات الحريري ورسائل إخوان الصفا وقصة الأسد والغواص ..الخ بمقدمات سردية يمكن وصفها بالإبستمولوجية على تواضعها قياسا بالمقدمات النظرية التي تؤسس لموقف معرفي شامل في الفكر العربي الإسلامي كمقدمة ابن خلدون التي يعدها عابد الجابري جزءا من " المشروع الخلدوني " (1)
وذلك لأن تلك المقدمات السردية ليست جزءا من القصة وأحداثها ، وإنما هي مقدمات تؤسس لموقف معرفي من الجنس الأدبي الذي ينتجه القاص في مؤلفه ، فيبين موقفه النقدي ومنهجه واستراتيجيته الشاملة . ويكشف عن المعنى النصي وقد يشير إلى المعنى الأقصى . وربما يدعو إلى تأويل نصه كما فعل ابن المقفع حين قال( وكذلك يجب على قارئ هذا الكتاب ان يديم النظر فيه من غير ضجر ، ويلتمس جواهر معانيه ، ولا يظن نتيجته إنما هي الأخبار عن حيلة بهيمتين ، أو محاورة سبع لثور ، فينصرف بذلك عن الغرض المقصود )(2 ) وقد يتحدث بالإشارة مرة وبالعبارة مرة أخرى عن تموضعه في إطار النسق الثقافي الذي أنتج ضمنه جنسه الأدبي ن كما فعل الحريري في مقدمته ( 3 )
وتحتاج تلك المقدمات السردية أكثر من نظيرتها في حركة التأليف في الفكر العربي الإسلامي إلى القراءة المؤولة ، لأنها لا تكشف عن مكنوناتها المخاتلة ، وتمهد للقص المخاتل بطبيعته السردية ولغته الفنية وآفاقه التخييلية ، مما يفضي إلى لغة سردية تقرأ بمستويات مختلفة من أنماط التلقي .
ونمثل لذلك بمقدمة حكاية الأسد والغواص (4 ) وهي قصة جاءت على لسان الحيوان ، مثل كتاب كليلة ودمنة ورسالة الحيوان في رسائل إخوان الصفا والنمر والثعلب لسهل بن هارون ..الخ
ملخص الحكاية
تذكر القصة أن أسدا كان ملكا للوحوش في بعض المواضع ، وكان حسن الطريقة في مملكته ، وأن جاموسا تغــرّب في غيضة في جواره ، فأكل منها وسمن وعظمت خلقته حتى هابه الأسد . وكان في جملة عسكر الأسد ابن آوى يقال له الغواص وكان له رأي وأدب وعلم ، فقرر أن يساعد الأسد على مافيه بالرأي والمشورة . وكان ما أراده واستطاع أن يقضي على الجاموس بالحيلة ، مما دفع الأسد إلى التمسك به وإبقائه صديقا ومستشارا . ولكن البطانة المحيطة بالأسد حسدت الغواص على حظوته وبدأت تدبر له المؤامرات إلى أن وقع الخلاف بين الأسد والغواص ودخل الأخير السجن. وحين يكشف الأسد المؤامرة التي حيكت ضد الغواص يطلق سراحه ويعتذر له ويطلب منه البقاء إلى جانبه ثانية ، ولكن الغواص يرفض ذلك ويعود إلى خلوته وعلمه
الحكاية هي تنويع وإبدال لقصص الآداب السلطانية التي انتشرت في الثقافة العربية الإسلامية ، ممزوجة بالحكايات المفــرَّعة والأخبار والحكمة المبثوثة في ثنايا السرد . وقد مهد لها مؤلفها الفعلي المجهول بمقدمة قصيرة نسجلها هنا لملاحظة مستويات القراءة فيها واستراتيجية المؤلف .
نص المقدمة



بسم الله ارحمن الرحيم
1 ـ الحمد لله الذي تعجز الألسن عن وصفه كما تعجز العقول عن كنهه ، وصلى الله على من دعانا إلى من يحيينا به وعرّفنا ما قصّـرت عقولنا عن معرفته ، محمدٍ وعلى آله ، وسلام على عباده الذين اصطفى .
2ـ اعلم أن الحكماء جعلت الحكمة في ضمن الأخبار وعلى ألسنة الحيوانات وفي أثناء الحكايات لتخفّ على القلوب وتهش إليها الأسماع ، وزخرفوها بالصور المونقة والأصباغ الرائقة استجماما لنفوس الحكماء عند الملل ، وترويحا لقلوب العلماء عند الضجر لأن محمل الجد ثقيل وطريقه شاق بعيد . وكان ذلك منهم كفعل الطبيب الرفيق الذي يدفن الدواء في بعض ما تتوق النفس إليه من الغذاء ؛ وخدعة لنفوس الصبيان والأحداث ليميلوا إلى استطراف الخرافات لأن نفوسهم متطلعة إلى نوادر الأخبار فتثبت معها الحكمة في صدورهم وتلج في قلوبهم ويرسخ العلم في نفوسهم كالصياد الذي يطرح الحب خدعة للطائر لا للعلف بل لغرض آخر غير مبدوٍّ منه ولا بأس بالخديعة إذا أدت إلى الصلاح والمنفعة ؛ ألا ترى أن الله عز وجل جعل ألم الجوع وشهوة الأكل داعيا إلى الغذاء كما كان سببا لبقاء الشخص . ولذة الجماع سببا لحفظ النسل وليس الغرض فيهما اللذة وإنما الغرض فيهما المنفعة
3ـ وقد ذكر جالينوس أن قوما أصابتهم علل أبطلت عليهم شهوة الغذاء فماتوا جوعا ولم يسهل عليهم تناوله . فلا تسبقنّ إلى لوم أحد ما لم تعلم غرضه " فلعل له عذرا وأنت تلوم " . وإني لأستحسن كلاما لابن المقفع في وصف صديق له حيث قال : كان لا يلوم أحدا فيما يكون له العذر في مثله . وقال الشاعر :
ما حامِلٌ نفسه على سببٍ إلا لأمر يقوم بالسببِ
4ـ وقد رأيت بتوفيق الله أن أجمع في هذه الكراريس ما سنح لي من الكلام في الحكمة مما أرجو من الله جل وعلا أن ينتفع به قارئه وطالبه وجعلته مرتبا على أحد عشر بابا مما أمليت جميعه على لسان الأسد والغواص للعذر الذي تقدم ، وجعلته مختصرا مفيدا . ومن الله استمد الإعانة . والتوفيق والهداية لأقوم الطريق . وحسبي وكفى

• مستويات القراءة :
أ ـ القراءة الأولى :
تبين القراءة الأولى للمقدمة أن المؤلف الفعلي وضع قصة على لسان الحيوان ( الأسد والغواص ) بث فيها آراء متنوعة في الحكمة عبر سرد الأخبار والحكايات ليفيد منها القارئ ويتعلم منها الصبيان الحكمة . وقد قسمها إلى أحد عشر بابا في الحكمة .
أي أن القصدية تعليمية وترفيهية وسردية . وتلك تكمن في الحكايات والأخبار وما فيهما من آراء وحكم . والقصة موزعة على أبواب محددة ، نذكر منها على سبيل المثال " باب وصف الملك الحازم " و"باب مضرة التبرع بالنصائح وكيف يتلطف المرء في إيرادها "
ب ـ القراءة التفاعلية : تبدأ المقدمة بالبسملة المطولة التي تحتوي على ثلاث متواليات إشارية تخرج الفقرة الأولى من المقدمة عن قراءتها الظاهرية التي تدفع بالنص إلى حركة التأليف الإسلامي وتضعها في إطار إشاري يتجاوز البدء بالبسملة ومدلولاتها في الثقافة الإسلامية إلى إطار استراتيجية المؤلف
وتلك المتواليات هي : الحمد لله والصلاة والسلام . وهي متواليات تؤسس لقبول النص ثقافيا ودينيا واجتماعيا في نسقه البيئي . ولكن ذلك ليس القصدية الوحيدة لأنه كان بإمكان المؤلف الفعلي اختصار الفقرة الأولى والاكتفاء بجمل الحمد والصلاة والسلام دون جمل الوصل في المتواليات الثلاثة . وتلك الجمل هي بين قوسين:
ـ الحمد لله ( الذي تعجز الألسن عن وصفه كما تعجز العقول عن كنهه )
ـ وصلى الله على من دعانا إلى ( من يحيينا به ، وعرفنا ما قصرت عقولنا عن معرفته )
ـ سلام على عباده ( الذين اصطفى )
إن ما يضيفه المؤلف الفعلي في جمل الوصل بين الحمد والصلاة والسلام مبثوث في البسملة ؛ فالحمد والصلاة والسلام هي من نتاج مؤلف متعال ٍ على النتاج الفردي وملتصق بالوعي الجمعي ونسقه الثقافي الإسلامي . ويعيد المؤلف الفعلي إنتاجه بوصفه بنية عليا تتجاوز زمن الكتابة إلى زمن التأليف الإسلامي لعصور طويلة . أما إضافاته في جمل الوصل هي نتاج فردي ـ على اعتبار الذات المنتجة الفعلية ـ وهي العلامات التي يجب قراءتها تأويليا لمعرفة معناها المخاتل بعد أن هيمنت عليه صور نتاج الوعي الجمعي ( الحمد والصلاة والسلام ) وطمست معالمه باعتبارها ثوابت ينساق المتلقي وراء بداهتها فتبعده عن تفاصيلها المتخفية .
• في المتوالية الأولى ست وحدات معجمية هي " تعجز ـ الألسن ـ وصفه ـ تعجز ـ العقول ـ كنهه " وهي متوالية موجزة ومكثفة تعميقا قصديا لتخفي الخطاب ، فالإطناب فيه يحيل المتلقي إلى التركيز عليه . وهذا ما لا يريده المؤلف الفعلي . ولكنه على الرغم من ذلك الإيجاز تتكرر في المتوالية وحدة " تعجز " لتأكيد العجز والقصور في اللسان والعقل
في العجز الأول عجز اللسان عن الإحاطة بأوصاف الله ، وهو ما يستدعي العجز في الإحاطة بمسمياته الدالة على الحكمة . وبالتالي هو عجز في الإحاطة بالحكمة التي تساوي الكمال . وفي العجز الثاني عجز العقل عن سبر كل ما يمتاز به الله تعالى وكشف كنهه . ومن ثنائية اللسان والعقل تتشكل الحكمة ،. فاللسان يفضي إليها. وقد جاء في كليلة ودمنة (أفضل خلة العلماء السكوت ...و أنفع الأشياء ألا يتكلم المرء بما لايعنيه ...أنا إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ، وإذا لم أتكلم بها ملكتها )(5 ) فالعقل هو ما ينطق به اللسان . ولكن هذه العلاقة، في إطارها الإنساني ، غير كاملة ، وفي طبيعتها البشرية يكمن النقص والقصور
إذاً ، يمكن القول بدءا إن المؤلف الفعلي يوجه إشاراته في المتوالية الأولى في جملة الوصل إلى الحكمة مع اعترافه بأن الكمال ليس من صفاته ، لأن العقل لا يحيط بكل المعرفة ، ولسانه يعجز عن الإحاطة بالوصف والتعبير .
• في المتوالية الثانية خمس وحدات معجمية " يحيي ـ عــرّف ـ قصّر ـ عقول ـ معرفة " وفيها تأكيد على العجز مرة أخرى من خلال قصور العقل عن الإحاطة الكاملة والمعرفة بالله جل جلاله ، وتأكيد أيضا من جهة أخرى على ضرورة المعرفة التي نحيا بها . وبذلك يحدد مجال المعرفة . والمعرفة = الحكمة ، ولأنه بشر حدد مجال المعرفة ، وأقر بأن معرفته لن تكون كاملة . وهو بذلك يحيل مبثوثه إلى ما جاء في المتوالية الأولى : المعرفة والعقل والنقص .
• في المتوالية الثالثة " سلام على عباده الذين اصطفى " نجد تعالقا نصيا مع القرآن الكريم ، فقد جاء في قوله تعالى (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ) ( 6) . ويقول ابن كثير في تفسير " الذين اصطفى " هم رسل الله وأنبياؤه (7 ) . والأنبياء إنما ينطقون عن الوحي . وإذا ربطنا ذلك بقصور العقل في المتواليتين الأولى والثانية فإن المؤلف الفعلي يظهر صورة الفقيه السني المسلـِّـم بمحدودية العقل ودور النبوة بالتعريف بالله ووساطة الوحي في التنزيل .
إن هذا الصوت يستدعي ، بفعل الغياب ، موازيا له من الأصوات الأخرى كالمعتزلة الذين نزهوا الله بأسلوب جدلي عن كل صلة بينه وبين العالم ( وأدى هذا إلى أن جعلوا الله مجرد فكرة من إنشاء العقل لاتعرف إلا بالسلب ، فحفروا بذلك هوة عميقة بين العقل والوحي ، الشيء الذي استخلص نتائجه الحتميـة كل من ابن الراوندي والرازي وغيرهما من منكري النبوة )( 8 ) وقد كان عمل المعتزلة يقوم على أساس ترسيخ العقل وسيطرته في مقابل تيار النقل في الميدان الفكري .
إن حضور الخطابين في البسملة ، الأول حاضر نصي ومباشر ( صوت الفقيه السني وتيار النقل ) والثاني ( صوت المعتزلة وسيادة العقل وإنكار النبوة والفصل بين العقل والوحي ) يؤكده المستوى الخارج نصي للقراءة في مستوى تلقي النسق الاجتماعي والفكري والسياسي الذي كان سائدا في زمن كتابة الأسد والغواص ، وهو سنة 530 هـ كما جاء في خاتمة النسخة الهندية من المخطوط ( تم النسخ في عام أحد وثلاثين ومئة وألف بعد الهجرة ،ورأيت في الأم المنسوخ منها هذه النسخة ما لفظه في ذلك التاريخ : وكان تمامها في شهر صفر المظفر بالخير سنة خمسمئة وثلاثين ، فصح لها إلى تاريخ هذه ستمئة سنة وسنة واحدة )( 9 )
إذاً ، يمكن القول إن حكاية الأسد والغواص تعود إلى الربع الأول من القرن السادس الهجري . وفي هذه المرحلة التاريخية كان الصراع محتدما ، على المستويين السياسي والايديولوجي ،بين السلاجقة ( االداعمين بحرص شديد للمذهب السني ) والبويهيين والفاطميين ( الداعمين لفرق التشيع وتفكير المعتزلة ). فقد سيطر البويهيون أكثر من قرن على بغداد ، وعملوا على تقويض الأسس النظرية للخلافة العباسية بتأييد الاتجاهات الشيعية ـ المعتزلية ، ثم دخل السلاجقة بغداد في منتصف القرن الخامس الهجري دفاعا عن الخلافة العباسية (10 ) . وعمل في ظل ذلك علماء السنة أمثال الباقلاني ( 403 هـ ) و الماوردي ( ـ 450هـ ) والجويني ( 478 هـ ) على إحياء سني يضمن إعادة التأكيد على وحدة الدولة والخلافة والجماعة في وجه الفاطميين في مصر والبويهيين والشيعة والمعتزلة في بغداد وفارس (11 )
ولكن المشروع السلجوقي السني المتحالف مع العلماء والفقهاء في المذاهب السنية لم يكتمل بفعل استمرار الاضطراب السياسي بين القوى المتصارعة والصراع على وراثة العرش وإهمال الاهتمام بالأبعاد الاستــــــــــــراتيجية للدولة والســـلطة وإهمال العلماء ومتطلـــــــباتهم ( 12)
وكما انفرط التحالف بين السلطة والمثقف في المرجعية التاريخية انفرط أيضا التحالف القائم بين الأسد والغواص في نص الحكاية ، ولكن استراتيجية المؤلف في الفقرة الأولى / البسملة تجسدت في النص عبر الآراء والأفكار المعبرة عن مذهبه بوصفه عالما وفقيها ومثقفا وليس سياسيا كما كان بيدبا في كليلة ودمنة إذ شارك دبشليم الملك في الحكم .
بعد الفقرة الأولى لا تقدم الفقرات التالية شيئا يتعلق باستراتيجية المؤلف . ويتحول الخطاب بأسلوب تقريري بدءا من فعل الأمر في بداية الفقرة الثانية " اعلم " وهو أمر موجه إلى المتلقي مبعدا إياه بذلك عن فعل الحوار ليفرض عليه الإصغاء دون اعتراض باعتبار أن ما سيرد هو مسلمة بدهية لأنه وارد على لسان الحكماء قبله . والحكماء قد وضعت الحكمة في الأخبار والحكايات وعلى ألسن الحيوان ، وذلك ترويحا للقلوب من الملل والضجر وتثبيتا للحكمة في صدور الصبيان والأحداث ، وهو بذلك يتبع الحكماء في طريقة عرضه وسرده وتبويبه لآرائه في الحكمة . أي أنه يتماهى بهم في التأليف ، ولا يعد ذلك متميزا لأن التأليف في الحكمة في الآدآب السلطانية ، وعلى ألسن الحيوان ، كانت تشكل بنية عليا منتجة لنصوص كثيرة في حركة التأليف الإسلامي .
كما يتضح فإن مقدمة حكاية الأسد والغواص التي اشتملت على أربع فقرات حملت خطابين . الأول : خطاب ضمني يحتاج إلى التأويل ويتضمن استراتيجية المؤلف الفعلي في قصة الأسد والغواص خاصة أنه خطاب مخفي يحتاج إلى قراءة تفاعلية بين المؤلف والنص والقارئ مع التقاط الإشارات النصية ومرجعيتها التاريخية في السياق الخارج نصي . وقد كان الحامل الفضائي للخطاب ثلاث متواليات قصيرة ومكثفة تهيمن عليها آداب الكتابة الإسلامية من حيث البدء بالحمد والصلاة والسلام . والخطاب الثاني : خطاب ظاهر يشرح فيه المؤلف خطته وغايته التعليمية الظاهرة في جمع آرائه في الحكمة . وقد استغرق ذلك من المقدمة ثلاث فقرات فصل فيها القول في الحكمة وطريقة الحكماء قبله في التأليف واستشهد بالأخبار والأشعار والحكايات . إلا أن تفصيله في خطته في ثلاث فقرات مقابل فقرة واحدة ، وفي ثنايا البسملة لرصد استراتيجيته الخفية لا يمكن أن نعده بريئا . ففي التفصيل في طريقة إيراد الحكمة والغاية منها وطريقة الجمع والتبويب ، هي إشارة إلى ضرورة ملء الفراغ الحاصل في الفجوة بين مستويين في نص القصة ، وهما مستوى الخطاب الوارد في الحكمة تحت مسميات الأبواب . ومستوى الخطاب الضمني في القصة بوصفها وحدة فنية كبرى . خاصة أن الأبواب في النص الحكائي جاءت مقحمة على السرد ، بل أتت جملا اعتراضية لا تحمل وظيفة بنائية وإشاراتها الدلالية استنتاجية ، كما يمكن اختصارها إلى أقل من / 11/ بابا ( 13) لأن الآراء الواردة في كل باب أو أغلبها يمكن توزيعها على أبواب أخرى داخل التصنيف دون أن يؤثر ذلك على مضمونها . وهذا يشير إلى أن التفصيل الذي نهجه المؤلف الفعلي في خطته في إيراد الحكمة هو دافع ضمني ومحفز على قراءة الخطاب الخفي الذي لا يقرأ إلا عبر التأويل . وهو خطاب الحكاية المشار إليه ضمنا في البسملة ( الفقرة الأولى ) الذي يموضع النص ( الحكاية ) تاريخيا في إطار البنيات العليا المنتجة وارتباطها بالصراعين : الإيديولوجي والسياسي في القرنين الخامس والسادس الهجريين بين النقل والعقل والسنة والشيعة والمعتزلة والفلاسفة بشكل عام . أما ما أورده في التفصيل فهو تحصيل حاصل ونتاج مسبوق إليه بدليل ما جاء على لسانه في نهاية المقدمة ( وقد رأيت بتوفيق الله أن أجمع في هذه الكراريس ما سنح لي من الكلام في الحكمة )
الهوامش والمراجع :
1 ـ نحن والتراث عابد الجابري .الدار البيضاء . المركز الثقافي العربي ط3/ 1983 ص378
2ـ كليلة ودمنة . عبد الله بن المقفع . بيروت .مؤسسة الكتب الثقافية . ط1 . 2002ص
66
3ـ سيمياء التأويل الحريري من العبارة إلى الإشارة . رشيد الإدريسي . الدار البيصاء . المدارس2000 ص 90
4 ـالأسد والغواص . المؤلف مجهول . اعتناء رضوان السيد . بيروت .ط2 . دار الطليعة 1992 ص 37
5 ـكليلة ودمنة 23
6 ـالقران الكريم : النمل 59
7ـ تفسير القرآن العظيم . الحافظ ابن كثيرالدمشقي . بيروت . دار الفكر1988
م3 ص589
8 ـ نحن والتراث. ص 106
9 ـالأسد والغواص 216 ـ الهامش
10ـ الكامل في التاريخ ابن الأثير ، عز الدين. القاهرة 1303 م 6 / 315
11 ـ الأسد والغواص . مقدمة رضوان السيد
12 ـ نفسه ـ مقدمة رضوان السيد
13ـ ذكر المؤلف الفعلي في المقدمة أنه جمع آراءه في الحكمة في / 11 / بابا والقصة موزعة على 19 بابا . ولم يشر المحقق القدير رضوان السيد إلى ذ لك الا ختلاف فهل كان ذلك من أخطاء الناسخ ؟ أم من أخطاء المؤلف الفعلي ؟