شجاعة فارس
ذَكَرَ أبو بكر الطرطوشي*1 قال: سمعت أستاذنا القاضي أبا الوليد يحيى قال: بينما المنصور بن أبي عامر في بعض غزواته، إذ وقف على مرتفع من الأرض، فرأى جيوش المسلمين من بين يديه، ومن خلفه وعن يمينه، فالتفت الى مقدم العسكر، وهو رجل يُعرف ب (ابن المضجعي) فقال له: كيف ترى هذا العسكر أيها الوزير؟
قال: أرى جمعاً كثيرً وجيشا واسعاً كبيرا.
فقال له المنصور: هل يكون في مثل هذا الجيش ألف مقاتل من أهل الشجاعة والبسالة؟
فسكت الوزير... فألح عليه قال الوزير: لا
وهل فيه خمسمائة؟
قال: لا
عاد وسأله: هل فيه مائة؟
قال: لا
ثم سأله: هل فيه خمسون؟
قال: لا
فغضب المنصور ونحاه عن الوزارة وقيادة الجيش على الفور
فلما توسطوا بلاد الروم، برز (عِلجٌ) من الروم فقال: هل من مبارز... فبرز له رجل من المسلمين فتجاولا ساعة، فقتله العلج، ففرح المشركون واضطرب المسلمون، ثم جعل العلج يموج بين الصفين زاهيا متباهيا، ويقول: اثنان لواحد فبرز له رجلان من المسلمين فقتلهما، ثم زاد تفاخره فقال: ثلاثة لواحد، فقتلهم... وينادي: هل من مبارز؟ وكادت المعركة أن تنتهي لولا أن البعض أشار بإرجاع (ابن المضجعي) فسأل المنصور: ماذا تريد مني؟ قال أريد أن تكفينا شر هذا العلج.
فتوجه الى فرسان يعرفهم من المرابطين على الثغور، فقابله أحدهم يحمل قربة ماء ومعه فرس هرئت أوراكها من الهزال... فجاء غير مكترثاً ثم وضع قربته على الأرض وتجاول مع العلج ساعة، فلم يرَ الناس إلا المسلم خارجا إليهم يركض ولا يدرون ما هناك، وإذا برأس العلج يلعب بها في يده، ثم ألقى الرأس بين يدي المنصور، فقال له (ابن المضجعي): هؤلاء الرجال الذين أخبرتك عنهم ، ولكن المسئولون عن التعبئة هم من أخطأ، فأعاده المنصور وانتصرت جيوش المسلمين وعساكر الموحدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
• الطرطوشي: هو محمد بن الوليد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي، أديب وفقيه من فقهاء المالكية، ورجل سياسة، صاحب كتاب (سراج الملوك) والكثير من الكتب توفي 476هجري.
