التنظيم الدولي لنفخ البلالين!..كأني في مرحلة "التينر عطل"! : سليم عزوز
بقلم/ سليم عزوز:
فلما كنا في "الليلة المفترجة"، وهي ليلة النصف من شعبان، التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، فاجأتنا "الأجهزة الأمنية" جميعها في مصر المحروسة، بضبط تنظيم عملاق، يضم عناصر جبارة، تجيد استخدام الحاسب الآلي، وتتدرب في الخارج على اختراق الصفحات الخاصة، عندها هتفت: تكبير، وقد عدت بذاكرتي إلى أكثر من ربع قرن من الزمان، عندما كان الخبير بالحاسب الآلي، "الحاج فتحي" يصيح: "التينر"، وأحياناً "التونر" عطل، فنضرب أخماساً في أسداس، وأسداساً في أسابيع!.
إذ كانت جريدة "الأحرار" هي الثالثة بين المؤسسات الصحفية في مصر، التي تنتقل من مرحلة "الجمع التصويري"، إلى مرحلة الكمبيوتر، وامتلكت وحدة كاملة، قبل أن تعرف المؤسسات الصحفية الكبرى كـ "الأهرام"، و"أخبار اليوم"، الفرق بين "التينر والكيبورد".
ولأن الحاسب الآلي فيه لوحة بالحروف، التي تنتج من خبطها بالأصابع كلمات، فقد تعامل الراحل مصطفى كامل مراد، رئيس مجلس إدارة الجريدة، ورئيس الحزب الذي يصدرها، على أن الحاسب هذا هو التطور الطبيعي للآلة الكاتبة، ومن ثم رقي الموظف المكلف بالكتابة على الآلة "الحاج فتحي"، رئيساً للوحدة الجديدة. ومن يومها عاملنا "الحاج" رحمه الله رحمة واسعة، على أنه خبير أجنبي!.
كان عطل يقع في أوقات الذروة، بسبب العمالة غير الماهرة، فيحيل "الحاج فتحي" العطل للقضاء والقدر، ويصيح في البرية: "التينر عطل"، فنهتف تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول: " يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف"، وهو دعاء المصريين في مواجهة السلاح المتطور للحملة الفرنسية، الذين لا عهد لهم به، فظنوا أنه من الخوارق كما قال الجبرتي!.
وحدث في منتصف التسعينات، أن جاء للأحرار رئيس تحرير جديد هو الدكتور "صلاح قبضايا"، قادماً من تجربة صحفية متميزة، بين جدة ولندن، وعندما هتف الهاتف "التينر عطل"، صاح في وجهه: "التينر" هو الحبر، كيف يعطل الحبر؟.. هنا أيقن "الحاج فتحي" أنه لم يعد خبيراً أجنبياً، كما أيقن أن زمانه قد ولى!.
ولهذا فعندما تتمكن "الأجهزة الأمنية" جميعها بحول الله، من أن ترصد تنظيماً جباراً يستعين بعناصر تستخدم الحاسب الآلي بهدف اختراق الصفحات الخاصة بوزراء وضباط وشخصيات بارزة للحصول على معلومات، فنحن ولاشك في مرحلة "التينر عطل"، وكأن الراحل "صلاح قبضايا" لم يرأس تحرير جريدة "الأحرار" بعد!.
عندما أعلن أحد المواقع القريبة من سلطة الانقلاب، في ليلة عاشوراء، أن "الأجهزة الأمنية" ستعلن بعد قليل عن تنظيم إرهابي، ظننت أننا سنكون أمام إخراج يليق باحتشاد هذه "الأجهزة" وليس جهازاً واحداً، وإن كنت اعتبرتها فبركة يأخذها عبد الفتاح السيسي معه في زيارته لألمانيا، وفي مواجهة الجدل المثار حول زيارته، وهو رجل المقرر الدراسي الواحد، فلم يعد لديه موضوع يتكلم فيه إلا "الإرهاب"، وهو يريد بهذا الموضوع الطازج، أن يبرر لما يثار هناك عن انتهاكه لحقوق الإنسان بأنه يواجه إرهاباً، يشفع له عندهم، وهو في حكم الرجل الذي كنا نشاهده على شاشة قناة "الجزيرة مباشر مصر" قبل وأدها يهتف: "محدش مطلع على الغلبان"!.
ولم يكن توقعي في محله، عندما صدر البيان على هذا النحو من الاضطراب، وبشكل جعلني على يقين أنه ليس مستبعداً أن يتم الإعلان في وقت لاحق عن تنظيم دولي، لنفخ البلالين ولعب المزرعة السعيدة.
أتحدث هنا عن "الصنعة"، في التلفيق، إذ افتقد القوم المهارة في ذلك، وصرنا أمام حالة من الفهلوة، تحكم في كل المجالات، لدرجة أن يكتب كاتب، عن أن بيان الكنانة الصادر من مائة وخمسين عالماً، حمل اسم الشيخ يوسف القرضاوي كأول موقع عليه، وانصب مقاله كله على هذا، في حين أن المطلع على البيان يعلم أن الرجل ليس من بين الموقعين، والمعنى أن الكاتب الذي يعمل أستاذاً للعلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة (الكلية الوحيدة والفريدة من نوعها في مصر والشرق الأوسط كما كان يصفها زميل تخرج فيها)، لم يقرأ البيان الذي يتصدى للكتابة عنه، ما يؤكد أننا أمام جهل يغني عن أي علم!.
اختراق الصفحات، لا يحتاج إلى عباقرة، وإلى تنظيم دولي يرعاهم، وفي برنامج تلفزيوني، شاهدنا مقدم البرنامج ومن معه، يتسلون بذلك، ويفخرون بأنهم يعملون لصالح السلطة في مصر في اختراق صفحات المعارضين، فهو أمر يقوم به هواة، بسندوتش فول، بدون أن ينفق تنظيم دولي أمواله في هذا الاتجاه!.
المضحك، وشر البلية ما يضحك، هو ما جاء في بيان الأجهزة الأمنية، من أن الهدف من اختراق الصفحات هو زعزعة الثقة وعرقلة خريطة المستقبل!.
فلم أكن أعلم أن هذا التنظيم الدولي، الذي يرعى عناصر التنظيم التي تجيد استخدام الحاسب الآلي هي التي تعرقل خريطة المستقبل، وفي القلب منها إجراء الانتخابات البرلمانية، والسيسي والذين معه كانوا يرجعون الأمر إلى حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض نصوص قوانين الانتخابات، فهل قامت عناصر التنظيم، بالدخول على صفحات قضاة المحكمة، وزوروا في الحكم قبل صدوره، فلم يجد القضاة بداً من إعلان الحكم المزور، بعد أن ضاع منهم ما كتبوه، لتكون هيئة المحكمة في حكم الخطيب الذي يلقي خطبة الجمعة من ورق مكتوب، وقد سرق شقي منه الورق قبل صعوده المنبر، وبقية القصة معروفة!.
لم يذكر البيان، من تم اختراق صفحاتهم من السادة الوزراء والضباط والشخصيات البارزة ليحصل منها التنظيم على معلومات "من أجل زعزعة الثقة وعرقلة خريطة المستقبل" حماها الله.
لكن البيان ذكر أن "أيمن جاب الله" هو عضو بمكتب الإرشاد، والجنين في بطن أمه يعلم ، أن الرجل لا علاقة له بالإخوان، فكراً وتنظيماً، كما أن أعضاء مكتب الإرشاد معروفون بالاسم والرسم، ويعد فضيحة مدوية، والحال كذلك، أن يذكر أن "جاب الله" أحد أعضاء مكتب الإرشاد، وأعضاء المكتب معروفون للكافة على سبيل الحصر، فلسنا أمام تنظيم سري يفرض تعتيماً على نشاطه وعلى قياداته!
وإذا كان قد ذُكر اسم "أيمن جاب الله" بجانب سدنة المعبد الإخواني "خيرت الشاطر"، و"محمود عزت"، و"محمود حسين"، فلم يكن غريباً بعد ذلك أن يوصف "أيمن محمد علي" بأنه هارب، في حين أنه مقبوض عليه منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013.
هذه قضية من مستوى، أمين شرطة، ولا يمكن أن نصدق أنها من إخراج الأجهزة الأمنية في مصر، إذن لظهر قادة هذه الأجهزة في مؤتمر صحفي بدلا من إعلان بيان بصوت مذيع، هذا ما يعني أننا أمام عملية تشويه للأجهزة الأمنية في مصر وابتذالها والتمثيل بها خدمة لشخص اختطف الوطن، واختطف هذه الأجهزة من ضمن ما اختطف، في سبيل خدمة أطماعه في الاستمرار في موقع اغتصبه وغير مؤهل له، ما جعله ينتقل من فشل إلى فشل، ومن محنة إلى أزمة، ومن حفرة ليقع في "حديرة"!.
إننا أمام فيلم من أفلام الكارتون، لكن فات عبد الفتاح السيسي أنه لا يخاطب أطفالاً!
