يعتبر مجيء الإسلام ثورة عالمية في جميع مجالات الحياة الإنسانية وعمل على الارتقاء بالإنسان حيث هو مادة الفعل و الحركة في الكون فحرّره من كافة القيود التي تحدّ من ذاته و قدراته وأطلق العنان لتخليصه من عبوديته للبشر الذي اغتصبوا حريته وصادروها بفعل غلبتهم وتسلّطهم.
حيث كانت المجتمعات الإنسانية ترزح تحت وطأة السادة والأشراف, أما العبيد والذين لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً يباعون ويُشترَوْن , ويعملون على طاعة أوامر ونزوات الأسياد.
وعنترة العبسيّ لم يشفع له نسب أبيه شدّاد مقابل لون بشرته السوداء حتى انتزع حريته بيده وشجاعته التي ردّت كيد العدوان على قبيلته عبس.
ومن أعظم المواقف في تاريخ الأمة والبشرية على الإطلاق, موقف سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه, في حادثة لطم القبطي من ابن عمرو بن العاص:” [متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ] وكانت خطة الإسلام عميقة وقوية عملياً من خلال اقترانها بالعبادة و الصدقات, فقد كان سيدنا أبو يكر الصديق رضي الله عنه يشتري العبيد الذي يعذبون على أيدي أسيادهم في مكة بسبب إسلامهم, ويحررهم من ربقة العبودية ويعتقهم لوجه الله, وما بلال بن رباح إلاّ أشهرهم على الإطلاق.وفي العصر الحديث يعتبر إعلان مبادئ حقوق الإنسان صحوة ضمير إنساني والذي صدر عن الأمم المتحدة ذات الشِّرعة العوراء لمنتصري الحرب العالمية الأولى, الذين اتخذوا من الهيئة سيفاً وسطاً مسلطاً على رقاب الشعوب المغلوبة والمقهورة والمسلوبة, وما سياسة التمييز العنصري التي انتهجتها أمريكا ودولة جنوب أفريقيا رسمياً إلا دلالة على هذا المعنى, ولا ننسى تلك اللافتات المعلنة:” ممنوع دخول الكلاب والسود” ويعتبر ابراهام لنكولن الرئيس الأمريكي محرر العبيد.وفي تراثنا يتجلى مثل ذلك في موقف المتنبي العنصري من كافور الإخشيدي عندما هجاه بقوله:
لا تشتري العبد إلاّ والعصا معه = إنّ العبيد لأنجاسٌ مناكيد
والعبد ضد الحرّ وجمعه عبيد وأعْبُد و عباد و عُبْدان و عِبْدان, لكن العبادة جاءت بمعنى الطاعة والتعبّد هو التنسّك, وعَبِد أي غضب و أنِفَ.
وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:[ خير الأسماء ما عُبّد وحُمّد ) أي اقتران كلمة عبد مع اسم ثاني من أسماء الله الحسنى أو غير ذلك, كعبد الله, وغير ذلك كعبد الحسين وعبد الرسول وعبد الأمير وعبد المسيح. وما حُمّد على صيغة محمد وأحمد, وعبد الله بن عبد المطلب أبو الرسول الذي توفي وما زال ابنه محمداً في بطن أمه آمنة بنت وهب.
و كان عبد الرحمن بن ملجم كان قد دخل التاريخ بغدره و اغتيال سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه الذي استشهد إثر الطعنات من ذلك المجرم. و من سلالة سيدنا علي الإمام علي زين بن العابدين أحد أئمة الجعفرية الإثني عشرية, وبعد قرون قامت دولة العبديين في مصر نسبة إلى عبيد الله والتي انتهجت التشيع مذهباً رسميا لها.وفي حقبة الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان أصبح محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية , ولكن الثورة العربية 2011م التي كانت شرارتها الأولى في تونس إثر حادثة محمد بوعزيزي, فقد أطاحت بالطاغية زين العابدين بن علي.
ومن يطالع موسوعات التراث يصادفه تعبير العبادلة وهو ما اصطلح عليه من أسماء الصحابة وهم[ عبدالله بن عباس, وعبدالله بن عمر, وعبدالله بن عمرو بن العاص], أما عائلة العبادلة المنتشرة في بعض البلدان العربية تعود في نسبها لآل البيت النبوي.
وتعتبر حاشية العلامة ابن عابدين أهم موسوعة فقهية جامعة لمذهب أبو حنيفة, وقصر عابدين هو قصر الخديوي اسماعيل و الذي حاصره قائد الثورة العُرابيّة أحمد عُرابي وزير الحربية آنذاك, حيث قاد الجيش للمطالبة بإصلاحات عامة واستجاب الخديوي لمعظم مطالبهم .
ومن يقصد المنطقة الغربية من محافظة درعا سيمر بقرية عابدين المتربعة على ضفاف نهر اليرموك صامدة تستنشق عبق المجد والنصر الذي سطّره خالد وأبو عبيدة.لكن حيّ عبدون الراقي في مدينة عمّان يتجاور مع حيّ العبدلي المعروف بنشاطه وحركته الدؤوبة على مدار الساعة، بينما العبدلي نقطة الحدود الكويتية تتجاور مع صفوان نقطة الحدود العراقية.
و بالرجوع للغة نجد أن العُبودة و العبودية هي الخضوع والذل, و التعبيد التذليل, ويقال الطريق معبد, والاستعباد وهو اتخاذ الشخص عبداً ومن هذا المعنى جاء كتاب [ الإستبداد ومصارع الإستعباد ) للمفكر عبد الرحمن الكواكبي الذي كتبه ونشره في مجلة العروة الوثقى في بداية القرن العشرين والذي يعتبر درةً متلألئة في دجى ليل الأمة المُدْلَهِم, بقوة أفكاره وطروحاته التي عملت على تحرير إرادة الإنسان .
