بسم الله الرحمن الرحيم
العالِم العليم العَلّام سبحانه وتعالى
د.ضياء الدين الجماس
وردت ثلاثة أسماء لله تعالى تتعلق بالعلم والتعليم هي العالم والعليم والعلام.
فأما العالم : (عالم الغيب والشهادة) ، فهو صيغة اسم الفاعل من الفعل عَلِمَ. ويفيد العلم المطلق بكل شيء في حق الله تعالى ، فلا تخفى عليه خافية في عالمي الغيب والشهادة ، فالله سبحانه وتعالى لا غيب عليه وهو على كل شيء شهيد وبكل شيء محيط سواء كان ثابتاً أو متحولاً كما يعلم بجميع التحولات في آن وفي جميع خلقه في آن واحد.
وأما اسم العليم فهو صيغة مبالغة من اسمه العالم وتدل أيضاً على الإطلاق في حق الله تعالى (والله بكل شيء عليم) ويتجلى هذا الاسم بشكل أوضح عندما نتفكر بسعة علم هذا العليم المحيط بكل دقائق الموجودات وتحولاتها أي يتجلى معه دائماً اسم الله الواسع سبحانه وتعالى.
وأما اسم العلَّام فهو صيغة مبالغة مشتقة من الفعلين عَلِم وعَلَّم معاً.
فنقول : فلح يفلح ... فلاح ، رزق يرزق ... رزّاق ، عَلِمَ يَعْلَم ...علاَّم
ونقول أيضاً :
دَهَّن يُدَهِّن ... مُدَهِّن (فاعل) و دَهَّان (مبالغة)
برَّد يُبرِّد ... مُبَرِّد (فاعل) و بَرَّاد (مبالغة)
عَلَّم يُعَلِّمُ .... مُعَلِّم (فاعل) و عَلام (مبالغة)
فالذي يُعَلِّمُ الطريق بعلامات متكررة فهو عَلام ، والتعليم أحد نماذج وضع العلامات الفكرية الإرشادية للمتعلم ، فصيغة المبالغة لمن يُعَلِّم هي عَلّام ، واسم الفاعل مُعَلِّم
لقد ورد فعل التعليم (علَّم ، يُعَلِّم) وفاعله الله تعالى في القرآن الكريم بصيغة المبالغة العلاَّم ، فهو العالم والمعلم معاً، ولكن لم يرد اسم المُعَلِّم لله تعالى لا في القرآن ولا في الحديث الشريف، فهو مندخل في أحد الأسماء الثلاثة المتعلقة بالعلم (عالم وعليم وعلام) وأقربها وزناً يمكن أن يشتمل على هذا الاسم هو اسم العلام سبحانه وتعالى. بمعنى أن اسم العلام يضم معنى العالم العليم المعلِّم وبصيغة المبالغة على الإطلاق. وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم مضافاً إلى الغيب (علَّام الغيوب)، للدلالة الواضحة على سعة هذا الاسم المتعلق هنا بعلم الغيب وتعليمه لمن يشاء من خلقه.
التطبيقات :
كل ما يعلِّمه الله تعالى لخلقه يكون إما وحياً أو إلهاماً سواء من عالـَم الغيب أو عالـَم الشهادة ولذلك سمي سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (علام الغيوب) ، فهو الوحيد القادر على علمها وتعليمها لخلقه متى يشاء وكيف يشاء. كما يدل ذلك على أنه لا يمكن لبشر أن يصل إلى العلم بشيء إلا بطريقة ما جعلها الله فيه. إلهاماً أو وحياً أو بوساطة الحواس بما يتعلمه الخلق من بعضهم بعضاً.
من التطبيقات القرآنية قوله تعالى :
1- الرحمن * علم القرآن* خلق الإنسان علمه البيان*
فالقرآن الكريم علم نزل من الغيب، أنزله الله تعالى على قلب نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلمه له وقام بدوره في تبليغه للناس وتعليمهم ما شرعه الله فيه. وقد علمه الله تعالى بيانه.
2- وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا
علم الله تعالى آدم كيف يسمى الأشياء بمسميات خاصة تدل عليها، كما علمه أسماءه الحسنى، وهذا غير ممكن لآدم لولا تعليم الله تعالى له من عالم الغيب.
3- يخرج الجنين من بطن أمه لا يعلم شيئاً، (يخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) فمن الذي علمه عملية مص الحلمة لاستجرار اللبن وابتلاعه دون أن يغص به؟. (وهديناه النجدين). إنه العلام سبحانه وتعالى.
4- من الذي علمك المشي بعد أن كنت طريح الفراش في فترة الرضاعة الأولى من عمرك؟ إنه العلام سبحانه وتعالى.
5- من الذي علمك النطق بالكلام ومعرفة معاني الكلمات ودلالاتها؟ لا بد أنه العلام سبحانه وتعالى.
6- وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ.
فالله تعالى هو الذي يُعَلِّم الكتاب والحكمة لأنبيائه مما ينزله عليهم من عالم الغيب.
7- يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ
إقرار من الرسل بعلم الله تعالى المطلق بالغيب وتعليمه لهم.
8- أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ
كيف يعلم الإنسان شيئاً ما لم يعلمه له علام الغيوب سواء بالإلهام أو الوحي أو استعمال الحواس التي خلقها له ويجني بها المعلومات باستخدام عقله وفكره الذي رزقه إياه؟
الخلاصة أن معنى اسم العالم المعلم ورد في القرآن الكريم بصيغة المبالغة (العلام).
الأمثلة كثيرة أدعو إلى مزيد من التأمل فيها ، والشواهد الطبيعية والقرآنية كثيرة تدل على هذه الوسائل التعليمية الإلهية.
بهذه المعاني هطلت هذه الأبيات المعبرة عن معنى علام الغيوب :
العالم العليم عَلَّام الغيوب
د.ضياء الدين الجماس
عالـِم يهديكَ نوراً من قريب ..... .أنزل القرآن في قلب الحبيبِ
حرفه بدرٌ تعالى في السما ... منقذاً للناس منْ جهلٍ رهيب
في صراط مستقيم دربه... في يقين علمه ما من مريـب
نوره شمس الهدى قد أشرقت ... في ضياءٍ حلَّ في قلبٍ منيبِ
شعلة صارت مناراً للورى.... أشرقت في الكون من ربٍّ رقيب
عَلَّم الإنسان علماً مشرقاً ... لأديب أو طبيب أو نجيب
هل ترى من ثلمةٍ في كونه؟ .... أتقن الإبداعَ في صنعٍ عجيب
ذا بديعٌ واسع في خلقه .... عِلْمُه نور الهدى للمستجيب
يضمحل الجهل من إشراقه..... يا عليماً أنت علام الغيوب
والحمد لله رب العالمين
