رؤية نقدية لرواية:تعالي نطيّر أرواق الخريف..

رؤية نقدية لرواية:تعالي نطيّر أرواق الخريف..
الرواية لأديب: حسن حميد.
رؤية : ريمه الخاني.
عندما تبدأ بقراءة رواية ما تبدأ من عنوانها ...
كان عنوانا لافتا لكن كلمة خريف كانت تكفينا...
والرواية تشدك من بدايتها أو تجعلك تقرأها بلهفة لتصل للنهاية.
حقيقة الأديب حسن حميد روائي قوي اللغة,محكم السبك, متقن للوصف (يشوقك للشخصية ويصفها تباعا مع الفصول),يملك من أدواته , ومايكفيه ليقدم نصا هاما..
نعتبره نصا مؤرشفا للحقبة الماضية قرابة عام :1967/ لكنه فضل أن يقدمها من باطن المجتمع في المخيم الفلسطيني بدمشق,ومن واقعه هناك.
ورغم أن رؤيته بؤرية خاصة بالمجتمع الفلسطيني آنذاك إلا أنها كانت صادقة لحد ما ,على الأقل من وجهة نظره كمعاين ومتعايش مع هذا الواقع الحقيقي.
يمكننا اعتبار الرواية ذات نسيج شبكي (الذي يصور بكاميرته بقاع عديدة من المجتمع بنفس الجغرافية لتجمعهم احداث قريبه ىخرا),تستطيع من خلال ربط كامل الرواية مع بعضها بنظرة بانورامية ناجحة, كراوية :
الروائية العراقية:ذكرى محمد نادر التي قمت بتقديم رؤيا عنها خاصة بعد حضور جلسة نقدية عنها تقدم الواقع العراقي بحذافيره أيام الإقطاع:
http://www.omferas.com/vb/t28436/
والأهم في رواية حسن حميد:
تقديم المرأة كعنصر بسيط لايعرف أكثر من منزله وواقعه الحياتي المحصور في المعاش,ويبدأ بشخصيات لافتة مثل هاجر التي تعمل في منزل الغبوري وينتهك عرضها وتتهم زورا فتهرب...
ليست الصورة فريدة لكن السؤال هنا :
-السينما العربية قدمت هكذا نماذج كثيرا, ولم تحلل أن الحمل الحرام يحدث من ملامسة واحدة,أين وعي الفتاة ؟هل جهلها غطى؟إذن هناك ثغرة تربوية عميقة ,بانت عند إرسال الفتاة للغريب دون تنبيه ولا توجيه..
وإن كان هناك واقع بشع مستغل كما ورد في بيت الغبوري , فهي ظاهرة غير عامة يمكن رتقها بنماذج أكثر إضاءة خشية التعميم,لكن تبقى بشعة بكل حال,تصف الواقع الأليم لمن لاذ بحمى البلاد من المهاجرين الفلسطيين ولجوؤهم لحي اليرموك وجرمانا في دمشق.
فهل كان هذا الواقع دون المستوى ليحتوي هؤلاء العرب الكرام؟أظن أن الرد هو:لقد احتواهم وتبقى تلك النماذج استثنائة فلم الصورة المكبرة لها؟.
*******
الشخصيات كانت واضحة وبسيطة وموصوفى بعناية,حيث وصفت تباعا كشخصية :مصطفى الشلبي المتأخر دراسيا والخطيب الجهوري وسليل العماليق, والذي يتزوج شتوة التي تعملها والدتها ان تكون مطيعة له في ليلة العرس,ثم موتها بعد إنجابها لولدها شلبي بعشر سنوات,وغياب الوالد عنها بعد ليلة العرس ماذا يعن هذا؟
وشخصية خنيفس الذي فشل في تكوين أسرة فيدخل من الشباك ويعاشر الهلالية التي اشترطت على زوجها منذ البداية أن تكون حرة في حياتها!!
ويظهر المؤلف وداعه لها وهروبه للفدائية هروبا من واقعه وليسجل صفحة مضيئة في حياته المضطربة,ليظهر المؤلف استشهار دحام ابن فضيلة العطا الله وحزنها الحرق عليه تجلس قرب قبره طويلا ليخفف الناس عنها.
فهل عنى الؤلف أن الفدائيين حوت شريحتهم الصالح والطالح؟
حقيقة كانت صورة بانورامية قريبة اللقطة واضحة المعالم مؤلمة في صورتها الاجتماعية,لكنها مقرفة بعض الشيئ في زواياها الحميمية العاطفية بين الرجل والمرأة ,كان لاداع لها سوى بث اللذة الغريزية للقارئ.
لاأدري لم تسير معظم الروايات هذه المسيرة المتشابهة وكأنها أيقاع ملازم للسرد,هل كان يتلمظ في توضيح تلك الصورة اللافتة ؟,رغم أنه وصف بداية العلاقة الحلال لزواج شتوة في ليلة العرس عن قرب , وقدم لقطة غير سوية بعيدة لخنيفس ...وتبقى مجرد وجهة نظر.
يتبع
ريمه الخاني 14-4-2014

يمكننا استعارة مقولة الناقد الكبير:خالد أبو خالد:
وحسن حميد الكاتب العربي الفلسطيني الذي أصدر عدداً من المجموعات القصصية، في سنوات قليلة نسبياً قد استطاع أن يشكل حضوراً، في ضوء نتاجه القصصي المتميز..
محققاً نقلة نوعية في القص العربي الفلسطيني بعد مرحلة الريادة التي شكلها كل من سميرة عزام، وغسان كنفاني، ويوسف جاد الحق..
حاملاً هم شعبنا العربي الفلسطيني في أداء مؤثر، يتسم أيضاً برؤية نقدية تستدعي نقائض الأحزان، والخراب،
والهزيمة في وقائع المسيرة العربية الفلسطينية، في علاقتها بالوقائع العربية المؤثرة سلباً أو إيجاباً في هذه المسيرة...‏
***********
الرواية من القطع لمتوسط تنوف عن ال 255 ورقة,مكثفة عنيت بوصف الواقع الفلسطيني من الداخل,ولعل مقتطفات من الرواية توضح المطلوب:
في الفصل الأول من روايته، يدخلنا حسن حميد بتكثيف شديد إلى مرحلة تأسيس المخيم,وتتالى المراحل التي تصف كيف بات الاهلي يعيشون من أعمالهم ومهنهم.
حتى أننا نتساءل عن دور النوريات في الرواية في تكريس بساطة نفوس سكان المخيم:
إنهم يكذبن ,وبالرغم من ذلك نحاول تصديقهن ,لاأدري لماذا.ص 245
الهلالية:اسمع يانافذ:المهر واتفقنا عليه,وموعد الزواج وحددناه,لكن لك أن تعلم من الآن ,إنني أنام عندك عندما أريد,أنا أطلبك وأنت لاتطلبني,وعليك ألا تتدخل في شؤوني...
-في اليوم التالي لدفن ابنها رآها خنيفس عائدة وقد تناثر حولها أولادها,قال في نفسه:
-ضاعت المخلوقة.وضاع أولادها..
وشرد لحظات فقط ,ثم أضاف حين غابت عن ناظريه :
-قد لايضيع ,ولايضيع أولادها,من يدري..ربما..وقلب كفيه في الهواء ,ومضى خارجا..ص 102
لقد ودع العم عطية معسكر صلاح الدين الأيوبي,الواقع في غوطة دمشق بعد أن تم تدريباته على السلاح ,وعاد إلى المخيم ليكون حارسا لمقبرته,أو قل لأمواته.
--فيما مضى كان يحيره كيف يستطيع العشاق التواصل فيما بينهم في المقبرة,يقول لزوجته ريمه:
-ألا يخجلون من الشهداء؟.
-أخيرا أحب العم عطية عمله, حتى إنه لم يعد يسمى المقبرة مقبرة ,بل بات يسميها "حديقة الشرفا".
كانت الأمهات تنثر اللعنات على أبو الحسن الشلبي ,وأهله هن ينظرن بأسى إلى أولادهن العاجزين عن تحريك أصابعهم,هذا الرجل المجنون الذي يريدأن يحرر فلسطين على أكتاف أولادهن الصغار.ص 116
في تلك الفترة دخلت الكهرباء إلى المخيم,فانشغل الناس بها.
-والله أمد يدي للناس ياخميسة ولاأحل ثوبي لرجل آخر غير أبو دحام ياحيف عليك.
هات ضعفك لقوتي..
كان يقول لها:إنه من المحزن أن يكون المخيم خلوا من الحدائق والعصافير,والورود والموسيقا.
-هزيمة الرجل في فراش أنثاه ,أقسى من الهزيمة في الحرب ,بل هي هزيمة لاتعادلها هزيمة على وجه الأرض.
-أنت ياإلهام جندية مجهولة في خدمة القضية الفلسطينية.
-لقد بات يعرف زراعة الفريز أكثر مما يعرفه المهندس الزراعي وغص ناجي درويش وتمتم:
-كان الرجل يفهم في مواصفات البنادق ومدافع الهاون,والآر بي جي, وسيارات الزيل والأونميك والأسلحة ,كما يفهم الآن في زراعة الفريز.
عند وفاة ربعي فجأة دون أن يحصل على الدكتوراه:
-إنه ميت منذ سنوات...ص 236
***********
حقيقة كانت دلالات النص قريبة التناول ,ولم تكون غارقة في الرمزية من خلال تلك الجمل الموحية,حتى نخشى أن يكون المؤلف قالها بعد أن صور تمزق الشخصيات من الداخل وشبقهم العاطفي الناري:
-هؤلاء من سيعيد لنا فلسطيننا؟؟؟؟.
لجميل في السرد الإضاءة الطبيعية والأبطال المتأقلمين مع واقعهم,المتفقائلين دوما,حتى أننا في الثلث الأخير من الرواية يبدأ المؤلف بالتركيز على الأبطال:أبو الحسن وإلهام وعبد الجواج وناجي درويش عشاق إلهام,
وترقيهم في العمل النضالي مع اختراقهم للواقع الأخلاقي بامتياز!.
حتى أن نموذج خنيفس وأمثاله يتكرر وكأنه الواقع النموذجي ووالدة الشهيد دحام الواقع الاستثنائي!.
والدليل هذه الجملة رغم تكرارها هنا:
-هزيمة الرجل في فراش أنثاه ,أقسى من الهزيمة في الحرب ,بل هي هزيمة لاتعادلها هزيمة على وجه الأرض.
إن المقولة الاخيرة في الرواية تثير تساؤلا هاما:
هل انصراف أبو الحسن لزراعة الفريز ,خيبة أمل بالمقاومة ؟,أم هو ازدواجية تثير سؤالا أعمق؟.
إن شخوص الرواية غير مثقفة عموما,تمثل عموم المجتمع والصورة الأشمل له,طموحة بحسب الأدوات المتاحة حولهم,لانستطيع الشعور بالشفقة بقدر ما نبحث في دواخل شعورهم عن القضية في سلوكهم.
ويبقى العمل صادقا مكثفا,هاما ومسطرا سطرا إضافيا في التغريبة الفلسطينية,ويبقى السؤال كذلك ماذا يقصد من وراء هذا العنوان؟هل فعلا نحن في موسم الخريف؟.


14-4-2014

كان لي جولة سابقة مع هذه الرواية قد يكون لها إضافة هامة:
http://yousefhittini.blogspot.com/20...-post_447.html
وشكرا لجهدك القيم هنا.