ومنه إلى خريطة الطريق

مش 1: على تراب مدينة أريحا الفلسطينية المحررة، وهي تقع «لمن لا يعرف»، إلى جانب الأرض التي شهدت معركة الكرامة الشهيرة في العام 1967.. وهي الأرض المباركة التي ما زالت نديّة بدماء عشرات الشهداء الذين وقفوا صامدين في وجه القوى الغاشمة، وهي المدينة التي هزمت جيوشاً وانتصرت، وردّت الغزاة.
وهي أيضاً «مدينة أريحا» تبعد مسير دقائق عن صوت الآذان الصادح من مآذن المسجد الأقصى المبارك، مسرى النبي، وقبلة المسلمين الأولى.. وكذلك تبعد طرفة عين عن مهد السيد المسيح، والنهر الذي تعمّد في مياهه، وجبل «قرنطل» الذي تعبّد وأقام شعائر الصيام على قمّته، وعن شجرة النخيل التي هزّتها والدته العذراء مريم عليهما السلام.

على أرض مدينة أريحا تلك أقيم نادي القمار الزاهر.
ولا بد أن نعتذر نحن أيضاً وبشدّة، ونعلن عن اعتذار عارضة الأزياء العالمية الشهيرة جداً كلوديا شيفر المتزوجة من يهودي عن حضور الافتتاح، وهي في الحقيقة لم تعتذر، بل أبت ورفضت حضور الافتتاح لأنه على أرض تسمى فلسطين.
افتُتح النادي الحلم بتاريخ 15 أيلول 1998.. ولا يفوتنا، ونحن في سبيلنا ذكر الحقيقة للجماهير، أن نقول إن شركة غيتام (الإسرائيلية) هي المختارة لإدارة هذا الكازينو، وهي شركة متخصصة في إدارة نوادي القمار والملاهي الليلية بما فيها من علب دعارة وشذوذ وإباحية.
يضم هذا النادي أيضاً مجمّعاً سياحياً، إضافة للفنادق والمرافق السياحية الأخرى، ويمتد بناؤه على أرض مساحتها 2 كم مربع، وبلغت تكاليف الإنشاء الأوليّة 150 مليون دولار أمريكي أخضر، يوم كان الدولار رخيصاً.
وحتى لا يعتقد البعض أننا «نحن الفلسطينيين» خارج هذا الاستثمار، نعلن بأن شخصيات بارزة من مسؤولي السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن بعض رؤساء أجهزة الأمن الفلسطينية أيضاً ومن شخصيات عربية أخرى، لم تساهم لكنّها تملك.. كيف.؟ العلم عند الله، حصصاً في هذا المشروع، وهذا يؤكد وطنية وقومية هذا المشروع.
ونظراً لأن موقع الكازينو فوق أرض هي في مسؤولية السلطة وأجهزتها لحماية اليهود العابرين إليه طواعية، ومن منطلق إنساني بحت لمساعدة الفلسطينيين، وإنقاذهم من ضوائقهم المالية والنفسية، «وليس بسبب تحريم لعب القمار على اليهود»، فإن ذلك يتطلّب إجراءات أمنية وقائية تردّ حسد الحاسدين وسطوة الإرهابيين، وبما أن السلطة ما زالت وليدة ولا تستطيع توفير كامل الحماية فإن السلطات (الإسرائيلية) متطوّعة بقضّها وقضيضها ستقوم على حراسة مشددة لحماية المقامرين المدنيين الأبرياء (الإسرائيليين) وعاهراتهم ورواد النادي من بعض كبار الشخصيات الفلسطينية والعربية.
هامش 2: قد يتساءل من يتساءل لماذا نعود الآن إلى الحديث عن نشأة كازينو أريحا بعد مرور سنوات على افتتاحه، نقول: لقد فرض علينا واقع الحال أن نعود إلى ذلك للتنويه بأن من يقوم الآن على دراسة وتفصيص وتحليل طلاسم خطّة خريطة الطريق المقترحة أمريكياً لحل القضية الفلسطينية برمّتها، والتفاوض «المتجدد» عن الصيغة والمستقبل، هم الأشخاص المستثمرون لهذا الكازينو، وهم المستفيدون من ثراء هذا المشروع، وقد يأتي التفاوض بإقامة مشاريع مماثلة وطموحة بعد أن أثبت «نادي أريحا» جدواه الاقتصادية والسياسية..
هامش 3: لا يسعنا ونحن نقرأ هذا الإنجاز الباهر إلا أن نسطّر، ونقول:
ألف مبارك.. نزفّها إلى شهداء القضية على مسافة قرن ويزيد، وألف مبارك للمسلمين والمسيحيين، والجياع والمشردين، ورحمة الله على منظمة التحرير الفلسطينية التي استشهدت في الأغوار وفي جنوب لبنان، وفي بيروت، والضفة الغربية، وغزة.. والتي بُعثت جديدة في جنّات «أريحا» وكازينوها.!